وليد معلوف: ذكريات وسيرة نضال الاغتراب من أجل لبنان

بقلم/بيار عطاالله

 

"قديش كنت خبرك" الكتاب الاول للديبلوماسي الاميركي من اصل لبناني وليد معلوف الذي يشغل منصب مدير الديبلوماسية العامة في قسم شؤون الشرق الاوسط ومبادرة الشراكة في الوكالة الاميركية للتنمية الدولية، وكان له دور رئيسي في صدور القرار 1559 عن الامم المتحدة، من خلال موقعه السابق كممثل مناوب للولايات المتحدة لدى الجمعية العامة للامم المتحدة في العام 2003، وهو اول ديبلوماسي اميركي يخاطب الامم المتحدة من على منبر الجمعية العمومية باللغة العربية، مطالبا بحق لبنان في السيادة والاستقلال والتحرر من الهيمنة السورية، مما التبس فهمه على المندوب السوري آنذاك فيصل المقداد من حدة موقف هذا الاميركي من اصل لبناني، والذي حمل قضية الحرية لبلده الام وجاء يقاتل مطالبا بها من على منابر الامم المتحدة.

 

جمع وليد معلوف في كتابه، كما كتب، بعضا من الخواطر والذكريات والامل الجديد للبنان، تماما على اسلوب الادباء المهجريين الذين كانوا يشتعلون حنيناً الى لبنان والقرية والاهل والعادات والتقاليد الطيبة. لكن سليل آل معلوف المؤرخين والادباء اضاف الى نتاج اهل القلم الاميركيين - اللبنانيين رؤية سياسية تجمع ما بين الطوباوية والواقع، تتلخص في ان "لبنان هو نقطة الانطلاق الطبيعية لمشروع الديموقراطية في الشرق الاوسط والذي يجب ان يتماشى مع ثقافاتها الخاصة ويخدم مستقبلها الخاص". ووفق المؤلف فإن لبنان اليوم في الخط الامامي لقضية الديموقراطية في الشرق الاوسط، "خصوصا ان اللبنانيين، سواء في الوطن او في المهاجر، لم يظهروا اي استعداد للاستسلام، بل ان تصميمهم على استعادة ديموقراطيتهم اعمق منه في اي وقت مضى. اما الكتاب فهو شهادة تقدير وثناء لقدرة اللبنانيين على الصمود في وجه الحرب والسيطرة الخارجية، ما يعني املاً دائما للبنان".

 

وفي تقديم الكتاب كلمات للبورفسور ماريوس ديب من معهد الدراسات الدولية المتقدمة في جامعة جون هوبكنز، وكبيرة نواب الرئيس في اكاديمية التنمية التعليمية مي أ. ريحاني التي كتبت: "ان اللبنانيين الاميركيين الفخورين بمواطنيتهم الاميركية، يحملون لبنان في وجدانهم وقلوبهم وفي كل لحظة من حياتهم. وتجربة وليد معلوف هي تجربة مهاجر يكن ولاء عميقا لأميركا وتقديرا للقيم والفرص التي وجدها في وطنه الجديد، ويتمنى رؤية هذه القيم مصانة ومتنامية في وطنه الام (...)".

اما الدكتور وديع حداد، المستشار السابق للرئيس أمين الجميل، فقد وصف الكتاب بأنه سجل صادق لسيرة لبناني اميركي خرجت افكاره ومشاعره وافعاله الى العلن، حتى انتهت بتحقيق النجاح. وفي رأي حداد ان الكتاب يثبت ثلاث فرضيات اساسية خاصة باللبنانيين الاميركيين: اولا، ان اميركا فتحت لهم ابوابها ولم تطلب منهم ان يتنكروا لوطنهم الام او ان يختاروا بين ولاءين. وفي المقابل يجب ان تدرك الحكومة والزعماء اللبنانيون ان ولاء هؤلاء للدولة التي تبنتهم لا يمكن ان يعتبر خيانة لوطنهم الام، وانهم ليسوا عملاء. ثانيا، ان اللبنانيين الاميركيين غادروا لبنان جغرافياً لكن لبنان لم يغادر عقولهم، فحينما يعاني يعانون ايضا وعندما تغيب الحرية عن لبنان لا يستطيعون هم الاستمتاع بحريتهم، ومن مصلحة الحكومة اللبنانية والقادة ان يتعهدوا تلك الثروة البشرية بالرعاية وان يسمحوا لها بالمشاركة في التطور السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبنان. ثالثا، ان في امكان اللبنانيين في الولايات المتحدة المشاركة بنجاح في العملية السياسية الاميركية من اجل مصلحة لبنان والولايات المتحدة على حد سواء.

 

يقسم الكتاب الى جزءين، الاول مقالات عن لبنان والاغتراب اللبناني نشرت في المجلات الاغترابية والمقيمة ومنها "النهار"، "ليبانون نيوز" و"جريدة الهدى" التاريخية التي اسسها الاخوان نعوم وسليم مكرزل في نيويورك، والتي تسلم ادارتها لاحقا ماري مكرزل وفارس اسطفان، ونشر فيها المعلوف خلال العامين 1991 - 1992 والتي قال عنها في الكتاب: "من سخرية القدر ان الهدى بدأت مشوارها العام 1898 وختمته بعد 95 سنة العام 1993 منادية باستقلال لبنان وحرية شعبه (...)".

 

وفي هذا الجزء مقالات كثيرة تشمل المرحلة الممتدة ما بين 1981 وحتى 1992 عن عناوين تشي بالمضمون ومنها: "منظمات الدياسبورا اللبنانية"، "معارضة سوق عكاظ"، "زعامات آخر زمن"، "بو فارس... والعودة للجبل"،"من يمثل العماد ميشال عون"، "ناطرين اسد لبناني"، "المقاومة المنفية" و مقالة - اشادة في المغفور له النائب البر مخيبر، بعدما القى كلمته الشهيرة في مجلس النواب مطالبا بالانسحاب الفوري للجيش السوري من لبنان، فكان ان رد عليه الرئيس نبيه بري مطالبا بشطب كلمته من محضر الجلسات، وفيها: "هنيئا للشعب المقهور بك يا شيخنا البر مخيبر في موقفك الشامخ مثل جبل لبنان والصلب كصخره والعنيد كأرزه ومجد لبنان اعطي لك والتاريخ لن ينساك (...)".

 

الجزء الثاني عرض لتجربة وليد المعلوف في محاولة الافادة من موقعه المتقدم في الادارة الاميركية للتأثير في قرارات لصالح لبنان الحر ونشر الحرية في الشرق الاوسط الكبير انطلاقا من لبنان، الى نصوص مقابلات اجريت مع المؤلف تظهر بوضوح مدى التزام الرئيس جورج بوش حرية لبنان والدفاع عن سيادته. وكيف عمل وليد معلوف على الافادة من هذا الوضع من اجل استعادة الديموقراطية الى لبنان وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، وكيف ادى ذلك الى صدامات كثيرة مع الديبلوماسيين السوريين الذين اعتقدوا انهم يخاطبون المسؤولين اللبنانيين الخاضعين لهيمنتهم في بيروت، لكنهم فوجئوا بارادة لبنانية - اميركية صلبة "ترفض ابقاء احتلالهم لبنان طي الصمت داخل الامم المتحدة، وهم لم يدركوا ان سيادة لبنان وديموقراطيته هما في صلب السياسة الاستراتيجية للادارة الاميركية الجديدة (...)".

 

ويروي معلوف في كتابه عن لقائه مع وزيرة المغتربين السورية بثينة شعبان قبل تسلمها منصبها: "لقد استمعت باهتمام الى ما قلته لها لكنها لم تظهر اي متابعة جدية للنقاط التي اثرتها، لقد اكدت لها ان المهاجرين الاميركيين اللبنانيي الاصل، وخصوصا الذين غادروا لبنان بعد العام 1979، باتوا من القوة المهنية والمالية بما يكفي لجعلهم مؤثرين اميركياً، وهم لن يقبلوا وجود الجيش السوري في لبنان وطريقة تدخلكم في شؤوننا. سألتني في شكل مباشر ماذا علينا ان نفعل لنكسبكم الى جانبنا ؟ فأجبتها بوضوح: أخرجوا قواتكم من لبنان، عينوا سفيراً لدولتكم في بيروت وليقم الرئيس الاسد بزيارة واشنطن. لكنهم، وفي المقابل وبدلا من وقف تدخلهم في لبنان، اخذوا يتدخلون في المسألة العراقية واخطأوا في تقدير حسابات ادارتنا وتصميمها في الشرق الاوسط، واعتقد انهم لا يزالون يقومون بالاخطاء نفسها(...)".

 

كتاب "قديش كنت خبرك" او "How Many Times I Told You" باللغتين العربية والانكليزية، وعلى غلافه صورتان الاولى لبلدة كفرقطرة الشوفية مسقط رأسه وبلدة دوما في اعالي البترون مسقط رأس والدته، وفي صدر الكتاب اهداء "الى جميع الذين استشهدوا لحرية لبنان وسيادته ووحدته".

 

النهار - الخميس 5 نيسان 2007