مقالة جديدة من الصحافي بيار عطاالله

فرحة الادارة السورية والمعارضة بالتغيير في فرنسا لن تكتمل ورئيس فرنسا الجديد يكمل خط الرئيس جاك شيراك بصرامة اكبر/الصحافي بيار عطاالله/9 أيار

 

روى احد ناشطي الجالية اللبنانية في فرنسا ان المرشح نيكولا ساركوزي وقبل ان يصبح رئيسا بالانتخاب المباشر من الشعب، عقد لقاء موسعا مع ابناء الجالية اللبنانية المقيمين في فرنسا، وطلب من مساعديه انتقاء المشاركين من نخبة اللبنانيين والبارزين فيها، كي يكون كلامه واضحا للجميع ويصل الى اكبر نسبة يعنيها امر العلاقات اللبنانية – الفرنسية  ورؤية الرئيس الشاب الى مستقبل هذه العلاقة التاريخية بين البلدين شعبا وادارة ومؤسسات كما يقال.

 

وبالفعل فقد امتلأت الصالة باللبنانيين ومن مختلف الاحزاب والتيارات، والذين يجدون انفسهم غالب الاحيان في صف اليمين الفرنسي المتعاطف تاريخيا مع لبنان ومشروع المرشح الذي اصبح رئيسا ويحمل معه هم استعادة امجاد فرنسا والتصدي للاسباب التي تحول دون تعزيز قوتها. لم يخيب ساركوزي تلك الامسية ظن اللبنانيين المستمعين اليه وفي مقدمهم سفيرة لبنان سيلفي فضل الله وممثل جامعة الدول العربية السفير ناصيف حتي، حيث اعاد عليهم لازمة العلاقات التاريخية التي جمعت فرنسا حاضنة الكاثوليك مع الموارنة في لبنان وتمسك فرنسا بسيادة لبنان واستقلاله ووحدة اراضيه وكل ما يرضي طموحات الجالية التي وان كات تعيش في فرنسا الا ان قلبها في لبنان وعليه.

 

لكن ساركوزي ما لبث ان خرج عن النصوص الجامدة في كلمته عن لبنان، والتي غالبا ما تكررت في بيانات وزارة الخارجية الفرنسية، عندما وصل الى نقطة تحدث فيها بحماسة عن "حزب الله" وضرورة تطبيق القرار 1559 وكل القرارات الدولية التي اعقبته في شأن نزع سلاح الميليشيات واقامة المحكمة الدولية ونشر قوة الامم المتحدة المعززة في جنوب لبنان وغيرها من القضايا التي تثير ملاحظات كثيرة لدى قوى الثامن من اذار المجتمعة تحت لواء "المعارضة". واسهب المرشح ساركوزي في تأكيد مواقفه بكلمات قاسية وخصوصا عندما انبرى احد "القياديين" من بين الحضور الى مناقشته في مسألة سلاح "حزب الله" والاعتداءات الاسرائيلية على لبنان في تموز  2007، وان  هذه القضية شأن يعني اللبنانيين.

 

الاكيد ان ما دار في هذا اللقاء وصل الى من يعنيهم الامر في لبنان، وهكذا يفترض أن فرحة "المعارضة اللبنانية" والادارة السورية بنهاية عهد الرئيس جاك شيراك لن تكتمل وبالاحرى ليست دقيقة. واستنادا الى الناشطين اللبنانيين في فرنسا فأن الرئيس الجديد اكثر اصرارا على التزام فرنسا بالقرارات الدولية الصادرة عن مجلس الامن في الشأن اللبناني.

 

واذا كان سيد قصر الاليزيه السابق كتوما وديبلوماسيا عند الكلام في الشؤون اللبنانية، الا ان سيد القصر الجديد لم يخفي ابدا توجهاته السياسية من الملف اللبناني فهو مصر على الدفاع عن حرية لبنان ونزع سلاح الميليشيات، اصراره على الحد من انتشار العصابات والجماعات الفوضوية في ضواحي باريس والمدن الفرنسية. ومنطق دولة القانون والمؤسسات الذي ينادي به على المستوى الداخلي الفرنسي ينسحب على علاقاته مع المجتمع الدولي وانحاء العالم التي تتورط فيها فرنسا مباشرة بدءا من افريقيا الى الشرق الاوسط وافغانستان. وتاليا فأن لا سبب يدعو الى "فرح المعارضة"، علما ان الدعم الفرنسي لقرار انتشار قوة الطوارئ الدولية العاملة في جنوب لبنان ثابت ولا يتزحزح و ينسجم اولا مع سجل العلاقات بين لبنان وفرنسا ويدخل في اطار احترام فرنسا لتعهداتها الدولية وحماية السلام العالمي .

 

تبقى مسألة في غاية الاهمية تتصل باستمرار الدعم الفرنسي لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة وانشاء المحكمة الدولية لمقاضاة من تثبت ادانته في جرائم الاغتيالات، وفي هذا المجال روجت بعض الاوساط في "المعارضة" معلومات عن خدمات معلوماتية متبادلة بين وزارة الداخلية الفرنسية المسؤولة عن امن فرنسا الوطني، وبعض الدوائر الامنية في سوريا على خلفية التصدي للاصوليين الاسلاميين السنة، ادت الى كشف مجموعة من الشبكات التابعة لتنظيم "القاعدة" في فرنسا وأن الرئيس الجديد الذي كان وزيرا للداخلية لا بد ان يحفظ الجميل ويرد التحية بمثلها.

 

ويشرح الناشطون اللبنانيون في فرنسا هذا الكلام انه مبالغ فيه، وان التعاون الامني لم يكن بين شخص وزير الداخلية ولمصالحه الشخصية، بل بين الادارات الفرنسية الامنية ومثيلاتها في سوريا، وأن اعتماد المعايير الشخصانية في هذا الاطار يفتقر الى المقاربة الصحيحة لآلية عمل المؤسسات الامنية الفرنسية وسلطات الرقابة الصارمة عليها، وان لا دين يترتب على اي مسؤول فرنسي، ايا كان موقعه جراء تعامله مع اوضع سياسية معينة او حالات امنية خاصة. وذكرت هذه الاوساط بالتعاون الامني العميق بين دول افريقيا الشمالية وفرنسا وبالتنسيق الواسع مع الدول العربية على مواجهة الارهاب والتصدي له، والذي قد يؤدي احتسابه على المستوى الشخصي الى سلسلة لا تنتهي من الاشكاليات غير المرغوبة فرنسيا وفي دولة تحاسب موظفيها وتخضعهم لسلطات الرقابة الصارمة.

 

ومن اجل فهم افضل لما ستكون عليه السياسة الفرنسية خارجيا وعلى مستوى الشرق الاوسط ولبنان حسب الناشطين، لا بد من فهم طبيعة الفكر المؤسساتي الصارم الذي يحمله نيكولا ساركوزي، والذي لا يترك هامشا واسعا لأمال الادارة السورية و "المعارضة" في انعطافة كبيرة في  السياسة الفرنسية.

وفي الانتظار ستشهد الادارة الفرنسية فترة انتظار لا بأس بها في كل الملفات الداخلية والخارجية، هي مرحلة انتقالية من عهد الى اخر يتخللها تشكيل حكومة جديدة واجراء انتخابات نيابية وانتقاء وزراء وتبديل شامل في فرق العمل.

 

والى ان يتم انجاز ذلك، فأن الرئيس ساركوزي لا يخفي علاقته الجيدة مع الادارة الاميركية والتنسيق معها في ملفات كثيرة، في مقدمها الملف اللبناني علما ان الادارة الاميركية وحتى تاريخه لا يبدو انها في وارد التراجع عن دعمها للحكومة اللبنانية القائمة وانصارها رغم الاجتماع بين المسؤولين الاميركيين والسوريين على هامش قمة شرم الشيخ، واستشعار "المعارضة" عوامل قوة في عودة الروح الى العلاقات السورية الاميركية !