زيارة العماد ميشال سليمان الى معراب انهت تاريخا وبدأت اخر والقوات معه بكل ثقلها

بقلم/بيار عطاالله

 

اثار الاعلان عن زيارة قائد الجيش العماد ميشال سليمان الى مقر اقامة رئيس الهيئة التنفيذية لحزب القوات سمير جعجع في معراب ارتياحا لدى مسيحيي 14 اذار، لأنها  "وضعت الامور في نصابها الصحيح وحددت خريطة القوى المسيحية بريشة الرئيس الموعود للجمهورية والذي تعقد الامال عليه لأعادة تصويب الامور وانتشال الوضع المسيحي وتاليا اللبناني من سلسلة الازمات التي يعاني منها منذ العام 1990 ".

 

وفي تحليل هؤلاء ان القوات اثبتت ومنذ عودتها الى ممارسة العمل السياسي علنا انها فصيل رئيسي على الساحة المسيحية الى جانب "التيار العوني" والكتائب، نظرا لما تمتلكه من حضور ثابت ونظامي في مختلف المناطق وبلاد الانتشار ويمكن لرئيس الجمهورية المنتخب ان يعول على مساندتها في حشد الدعم والتأييد لأستعادة مركز الرئاسة الاولى مرجعيته ودوره الحاسم بعد تغييبه عن ممارسة القرار خلال سني الهيمنة السورية الطويلة.

 

تنطلق مقاربة مسيحيي 14 اذار للزيارة من التشديد على وصف العماد سليمان بالمعتدل والمنفتح على الجميع مع حزم يحمله من تاريخه العسكري، ويقدمون ثلاثة نقاط اساسية ايجابية، لا بد من التعامل معها عند النظر الى العلاقة بين المرشح الآتي من قيادة الجيش والقوات التي سارت قدما في خيار التعديل ودعم رأس المؤسسة العسكرية ضنا بالوجود المسيحي ودرءا للفتنة.

 

اولا: شكلت الزيارة في حد ذاتها نقطة النهاية لرهان المعارضة وتحديدا مسيحيي 8 اذار على امكان افتعال مشكلات امنية بين المؤسسة العسكرية ومحازبي القوات اللبنانية، وتدعو الاوساط القواتية الى العودة الى ما صدر في وسائل الاعلام التابعة لقوى 8 اذار عقب زيارة الرئيس امين الجميل والدكتور سمير جعجع الى وزارة الدفاع واجتماعهما مع العماد ميشال سليمان، لتبيان حجم التحريض الذي جرى اعتماده وسيلة من اجل اعادة نكء جراح الماضي والعزف على اوتار الفتنة وافتعال المشكلات. ويشير المتابعون الى التسريبات الاعلامية التي درج عليها مسيحيو المعارضة، من اجل الحض على الكراهية وافتعال فتنة غير موجودة اصلا، الى الحديث عن تطويق مقر اقامة جعجع في غدراس بواسطة وحدات عسكرية شرعية، اضافة الى تسريب انباء عن انتظار ساعة الثأر وما الى ذلك من امور درج على استعمالها من حاول استغلال المؤسسات الشرعية  لتحقيق طموحاته الشخصية، دون ان يدرك عاقبة هذا الكلام وما ادى اليه من تدمير ذاتي 

 

ثانيا:  كانت الزيارة حدا فاصلا في تاريخ العلاقة بين المؤسسة العسكرية والقوات اللبنانية اذ انها انهت تاريخا وبدأت تاريخا اخر، وهي حصلت اصلا على شهادة من المؤسسات العسكرية والامنية الشرعية، انها خرجت فعلا لا قولا من التنظيم العسكري المقاتل اثناء الحرب الى رحاب العمل السياسي والديموقراطي البعيد عن كل مظاهر العمل الميليشياوي او التعبئة العسكرية. خصوصا ان الجيش واجهزته الامنية التي ترصد مختلف الاوضاع على الساحة المحلية وبكل تلاوينها، يعلم جيدا ان القوات اللبنانية التزمت فعلا منطق الصراع الديموقراطي، ونأت بنفسها وباوامر صارمة من القيادة الحزبية الى جميع الاقاليم والاقسام والخلايا والفروع للابتعاد عن "سباق التسلح" واي شكل من اعادة التنظيم العسكري او الهيكلية الميليشياوية التي انصرفت اليها بعض الاحزاب والقوى.

 

وتعيد الاوساط القواتية رواية احوال التململ الذي ساد صفوف القواتيين عندما اخذوا يشاهدون الاخرين وهم يقومون بتركيب بنى تنظيمية عسكرية وشبكات خلايا امنية في قلب المناطق المسيحية وغيرها، دون اي تحرك مقابل. ورغم التقارير التي تكدست على مكاتب المسؤولين في قيادة حزب القوات، التي اشارت تفصيلا الى عدد العناصر التي تذهب لتلقي التدريبات العسكرية في مخيمات "حزب الله" ونوعيات التدريبات التي يحصلون عليها اضافة الى كميات الاسلحة والذخائر التي توزع على انصار التيارات المعارضة، وتسلل العناصر الحزبية الى عمق المناطق الشرقية حيث اقامت لها مراكز وشقق امنية تتحصن فيها مجموعات مسلحة على طريقة مجموعات ارهابيي "فتح الاسلام" الذين تحصنوا في شقق امنية موزعة داخل احياء مدينة طرابلس.

 

ولكن رغم هذا كله لم تتزحزح قيادة القوات قيد انملة عن موقفها الداعي الى تسليم الامن كاملا الى المؤسسات الشرعية من جيش وقوى امن داخلي. وكانت التوجيهات واضحة دائما، ان على من يريد حمل السلاح ان يلتحق بالعسكر الشرعي لأن زمن السلاح الميليشياوي قد ولى ولا عودة الى منطق الحرب. هذه المعطيات وصلت دون ريب الى قيادات القوى العسكرية الشرعية والتي تقدر دون ريب هذا الموقف اللاعنفي في التسلح والدعوات المتكررة الى النزول الى الشارع والتلويح بتحركات تصعيدية تزيد الامور تعقيدا.

 

ثالثا : وتمضي الاوساط القواتية في تحليلها لتجزم ان القوات كانت تفضل تجنب تعديل الدستور، لكنها وامام خطر الفراغ والفوضى التي تصيب المسيحيين اولا واخيرا بنتائجها المدمرة وقد تودي الى نتائج مأساوية على غرار ما كانت عليه الامور نهاية الثمانينات، لذلك فأن القوات اختارت ترشيح العماد ميشال سليمان المؤتمن على المؤسسة العسكرية لكي يكون امينا على الكيان. والقوات ستقف الى جانبه التزاما منها مع موقفها المبدئي بالوقوف الى جانب رئاسة الجمهورية رمز الحضور المسيحي في مؤسسات الدولة اللبنانية. ويشكل هذا الموقف في رأيها امتدادا لخط تاريخي سبق، وكما وقفت "القوات" الى جانب الرئيس الشهيد رينيه معوض ولم تتراجع عن دعمه الى حين استشهاده، وكما بادرت مطلع عهد الرئيس الياس الهراوي الى مساندة الرئاسة بكل ثقلها،  وقدمت كميات من اسلحتها الثقيلة الى الجيش اللبناني فهي لن تتردد في الوقوف الى جانب سليمان ودعمه لأستعادة الحضور المسيحي في مؤسسات الدولة وعلى مستوى الكيان.

 

7 كانون الأول 2007