الطوباوي بعقوب الكبوشي نموذجاً للكنيسة

بيار عطاالله

 

يطرح تطويب الاب يعقوب الكبوشي تحديا كبيرا على الكنيسة الشرقية بكل تلاوينها نظرالى ما يقدمه من نموذج للعمل الرسولي المسيحي الحقيقي اقتداء بالسيد المسيح راس الكنيسة المسيحية ومثالها الاعلى.

 

فالطوباوي يعقوب الكبوشي الذي اختار العمل مع الفقراء والمنبوذين والمشردين والمعاقين والمتخلفين عقليا يمثل نقضا صارخا لسيرة الكنائس المسيحية الحالية، التي خرجت او تكاد عن سيرة القداسة ونذور الفقر والطاعة ومحبة الاخر كمحبة النفس الى عالم مادي اخر لا يمت الى المسيحية بصلة لا من قريب ولا من بعيد واقل ما يقال فيه انه عالم من الانانية والمادية والمصالح التي ربما تليق بديانة اخرى لكنها ليست من المسيحية بشيء خصوصا مبدأ "احبب قريبك كنفسك".

 

ليس الطوباوي يعقوب قديسا من ذواته فقط بل هو تلميذ صالح لتعاليم السيد المسيح دون زيادة اونقصان . وهكذا ما كان على يعقوب الحداد الآتي من غزير الا ان يسير على خطى معلمه لكي يسلك درب القداسة، في توزيع السمكات وارغفة الخبز على الفقراء واحتضان الاطفال الهائمين على وجوههم وايواء العجزة والمساكين الذين لا معيل لهم.

 

لم ينجح التاريخ ولا الايام المتعاقبة ولا الملوك في تغيير كلمة واحدة من كلام السيد المسيح وتعالميه السماوية، لكن الكنيسة في الشرق تراجعت عن هذه التعاليم واخلت بواجباتها واعتبرت ان الدعوة الى ترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله، هي دعوة الى ترك الناس تتدبر امورها وشؤونها وان لا علاقة للكنيسة بالشعب. وهكذا ترك غالبية الرهبان المسيحيون والكهنة قراهم وبلداتهم في جرود جبال لبنان وبقاعه ونزلوا الى المدن سعياً وراء اسباب الحضارة، بعدما حلقوا لحاهم وتركوا المعول والمحراث وكروم الخيرات ورعي الماشية واخذوا يهتمون لشؤون الموسيقى والغناء والقاء الاشعار والابحاث الدينية، التي وان كانت مهمة جدا الا انها تسببت في دمار كبير في الوعي المسيحي حيث تتركز انظار الرعايا والمؤمنين على ما يقوم به كهنتهم وقادتهم من اعمال ليقتدوا بهم، وهكذا بارت المواسم وفرغت القرى والبلدات المسيحية من اهلها وحلت النوائب بالمسيحيين.

 

لم يهاجر المسيحيون بفعل الاضطهاد والقمع الذي تعرضوا له فحسب منذ اندلاع الاعمال العسكرية عام 1975، بل لأنهم تعرضوا للاذلال المتعمد من القيمين عليهم، من المؤسسات الزمنية والروحية على حد سواء. ورغم ان جماهير المسيحيين لم تتردد في تقديم التضحيات عندما استدعى الامر شهادة الدم، الا ان زعمائهم الزمنيين والروحيين لم يقصروا عن التنكيل بهم باشكال مختلفة. واذا كان ظلم "العدو" المفترض مبررا فأن ظلم ذوي القربى اشد مرارة ووقعا على المرء المسيحي.

 

واذا كان جهل الزعماء وظلمهم وانقيادهم وراء مصالحهم الخاصة قد اصبح معروفا، الا ان تصرفات مؤسسات الكنيسة ليس لها ما يبررها وخصوصا لجهة اغفال حاجات الشعب الزمنية والحياتية. وليس صحيحا الادعاء ان الكنيسة ومؤسساتها لا تتحمل مسؤولية الشعب المسيحي وان مسؤولية هذه الامور تقع على عاتق الدولة اللبنانية وادارتها. ولكن الاصح ان يقال ان مؤسسات المجتمع هي اقوى باضعاف من مؤسسات السلطة المركزية وان عليها مسؤولية مضاعفة في الاهتمام بمواطنيها بدءا من العناية الروحية الى الاهتمام بشؤون المدارس وتقديم التعليم النوعي والمجاني الى الطلاب الفقراء في مختلف مراحل التعليم الابتدائي وصولا الى الجامعي والاهتمام ايضا بالطبابة والاستشفاء والسكن. واهمية الطوباوي يعقوب انه اولى كل هذه القضايا اهتمامه الشديد لأدراكه ان الكنيسة هي الشعب والاطفال والعائلات والعجزة والمرضى ومن دونهم لن تكون هناك كنيسة لا في لبنان ولا في الشرق.

 

التحدي الذي يمثله تطويب الاب يعقوب هو لكل اعضاء الكنيسة والروحيين منهم قبل المدنيين، لأن رجالات الكنيسة ونسائها مدعوين الى الاقتداء به والتمثل بتواضعه وثيابه الرثة الطاهرة ولحيته البيضاء المغبرة والمباركة وبأفعاله في خدمة شعب الله، اما اذا استمرت احوال الكنيسة على ما هي عليه واهملت نموذج الاب يعقوب . فستصبح مثل حال مطران على مكة اي كهنة ومطارين وقساوسة من دون رعايا ولاحقا من دون اي شيء لا سمح الله.

 

17/7/2008