الطيور أرأف من بعض البشر بأبناء جنسها!!!

 بقلم:  بول خيّاط

 

 صباح يوم السبت الفائت، كنت أستمع الى نشرة الأخبار من إحدى الإذاعات، ولفت إنتباهي خبر عن حدث، أقل ما يمكن أن يقال في وصفه، هو أنه عن حدث رهيب ومريع تقشعر له الأبدان  لضراوته وهمجيته،.... وهو أن عددا من المسلّحين " ألأشاوس!! " " االجبناء !! " قاموا في أحد المناطق القريبة من بغداد بمهاجمة عدد من النساء العراقيات اللواتي كنّ يعملن في حقل زراعي، وقام هؤلاء الأبطال؟؟!!  بذبح ست نساء ونحروا سيدتين وأختطفوا فتاتين وولوا هاربين... ويتابع الخبر : ... بأنه ، كما جرت العادة في كلّ يوم ، عثر  في أحد أحياء بغداد على عدد من الجثث المقطوعة الرأس ...

 

يا للعمل الحقير الجبان مهما كانت دوافعه وأسبابه وأهدافه والفئة التي ينتمي إليها المسلحون الهمجيون .    

 إزاء هذه الأعمال البربرية يتساءل المرء  أي نوع من البشر هم هؤلاء السفاحون، وأية قلوب متحجرة في صدورهم؟؟؟  وأي حقد أسود في نفوسهم؟؟؟  وأية مشاعر منحطة  ودوافع دنيئة تسيّرهم ؟؟؟ في الواقع أنهم مخلوقات ذوو مشاعر لا إنسانية،  وأربأ بنفسي أن أقول حيوانية، لأنني بذلك أكون قد أسأت الى الحيوان على إختلاف فصائله، وأكون قد أهنت الحيوان إذا أنا شبهته بهذه المخلوقات!!! وألفت نظر القارىء الكريم الى أنني  في مطلع هذا المقال لم أصف هذا العمل بالوحشية لأن الوحوش، على ما يبدو، هي أرأف بأبناء جنسها من رأفة البشر بأبناء جلدتهم. أقول ذلك، لأنني بعد أن فكّرت مليا في تصرفات هؤلاء الذين لا ضمير يردعهم، ولا يقيمون أية قيمة أو إعتبار لحياة الإنسان، إنما هم يتصرّفون بهمجية بكلّ ما في الهمجية من معاني حقيرة... كنت أتساءل بيني وبين نفسي بعد أن سمعت هذا الخبر المريع ، أية حالة من الهمجية وصلت إليها هذه المخلوقات المتعطشة للدم وللقتل والذبح والدمار؟؟؟ لماذا يقتلون الناس دون سبب، ثمّ  أي سببيبرر هذه الجرائم، وأي دين أو عقيدة تسمح بهكذا قتل بربري؟؟ يقتلون  ودون أن يرف لهم جفن أو يخشع لهم قلب؟؟؟ يقتلون حبا بالقتل....

 

ويذبحون لتعطشهم للدم، وهم الى جانب ذلك جبناء يتخفّون تحت  جنح الظلام ويقومون بتنفيذ أعمالهم الهمجية... والأنكى أنهم في قرارة أنفسهم يبررّون أعمالهم بذرائع شتّى، ويدّعون قيامهم بواجب ديني!!! والدين أي دين كان، هو منهم براء ويخجل من أعمالهم ويشجبها ويدينها إدانة صريحة. إنهم يقتلون لأن شهوة القتل الهمجية تطغى على تصرفاتهم  وأعمالهم.

 

كنت أفكر في ذلك وأقول إن هذه المخلوقات تزداد عنفا كلما نفذت عملية من سلسلة عملياتها الحقيرة، وصعقت عندما قرأت الإحصاءات التي أوردها الزميل أنطوان قزي في إفتتاحيته يوم الإثنين 16 تشرين الأول  عن عدد القتلى والضحايا البريئة في العراق خلال السنتين الماضيتين، لذلك أقول بأن الإرهابيين يزدادون تعلقا وإدمانا على هذه الأعمال الشيطانية، ومرة ثانية لا أقول الحيوانية لأن ما سأرويه الآن، يؤكد  أن البشر  أكثر شراسة من الحيوان ... إذ حدث بعد بضعة ساعات من سماعي ذلك الخبر الفظيع، أن كنت أقود سيارتي متجها للقيام بعمل كنت أنوي القيام به،  وعندما وصلت قرب ملعب الغولف في منطقة غلينروي، وأنا على شارع روديس باراد ، وجدت أمامي وعلى بعد أكثر من مئة متر، عددا من الطيور كانت تحوم وتحطّّ على شيء ما كان في وسط الطريق، فظننت لأول وهلة أنها كانت تحطّ على قطعة خبز أو غير ذلك من الطعام، لتلتقط ما تقتات به. وكلما إقتربت منها سيارة عابرة كانت تطير مبتعدة ثمّ لا تلبث، بعد أن تعبر السيارة ، من أن تعود وتحطّ مجددا على ذلك الشيء. 

 

ولما إقتربت بسيارتي وصرت على مسافة عدة أمتار رأيت أربعة أو ستة طيور تحيط بالشيء الذي تأكدت من أنه طير جريح يتخبّط منتفضا على الطريق فخففت  فورا سيري لأنني لم أتمكن من الوقوف فجأة، وحاذرت من أن أدهس الطير الجريح الذي عندما أصبحت قربه فرّ بعض الطيور التي كانت  محيطة به  وبقي إثنان منهما لم يتركا الطير الجريح، فعبرت فوقها بهدوء، ثمّ إنحرفت الى جانب الطريق لأقف وأحاول نقل الطائر الجريح من وسط الشارع وأضعه على عشب الرصيف لكي أبعد عنه خطر الدهس بدواليب السيارات المارة المسرعة... ولكن ما أن أوقفت سيارتي وألتفت الى الوراء حتى رأيت الطيرين يحملان الطير الجريح وينطلقا به نحو الأشجار التي تحيط بملعب الغولف

 

لقد أدهشتني عاطفة هذه الطيور التي لم تترك أحد أبناء فصيلتها يموت، بل خاطرت بنفسها لإنقاذه مهما كانت المخاطر... ، ولكن في الوقت نفسه شعرت بالخجل من الإنسان الذي يذبح سيدات يعملن في حقل، أو يقتل أو يقطع رأس أخيه الإنسان ويرمي جثته على قارعة الطريق ... يقتل لا دفاعا عن النفس أو حبا بالبقاء بل لإشباع غريزة القتل المتحكمة به . الحيوان لا يقتل طريدته ويفترسها إلا إذا كان جائعا... ولا يهاجم أحدا إلا إذا هوجم أو شعر بالخطر يحدق به...

 

وبلمحة عجلى قارنت بين هذه الطيور، وبين المسلحين الذين ذبحوا النساء، قارنت بين مجموعة هذه الطيور، وبين عصابة الذابحين وقاطعي الرؤوس، وتساءلت بمرارة وخيبة أمل: تُرى هل أصبح الحيوان أكثر رأفة بأخيه الحيوان من الإنسان بأخيه الإنسان؟؟؟

 

وكذلك تساءلت: ترى هل هناك علاقات قربى بين الحيوانات فيما بينها كما هي علاقات القربى بين البشر؟؟

فعلاقات القربى بين البشر تتسع دائرتها خارج نطاق الأب والأم والأولاد لتصل ألى الجدود والجدات، والى الأعمام والعمات والأخوال والخالات وأبناء الأعمام والأخوال الخ... والى ما هنالك من روابط عائلية، ولكن لا أظن أن هناك علاقة بين الحيوانات والطيور أبعد من علاقة الأم بوليدها، فأم الحيوان تعرف وليدها بغريزتها من رائحته الخاصة، وبالمقابل فصغيرالحيوانات يعرف بالغريزة أمه من رائحتها... ولا أظنّ حسب علمي وإطلاعي، أن تكون هناك علاقات أبوة بين الحيوانات الا في فصائل قليلة جدا إذ تضع الأنثى وليدها ويهتم شريك الأنثى الذكر بتربيته وهذه حالات قليلة  جدا بالنسبة للغالبية العظمى من الحالات ولكن لآ أعرف ما إذا كانت هناك علاقات قربى بكلّ معنى الكلمة تربط الأخوة الذين تتمّ تربيتهم معا من قبل الأم الحاضنة، ولكن بعد المرحلة المقترنة بعناية الأم ليس ما يؤكد أن الحيوان يعرف أو يكنّ عاطفة أخوية لأخيه الذي من أمه؟؟؟  وبالطبع فلا عمومة وخؤولة... 

 

ومع ذلك فإن مجموعة الطيور التي كان عددها ستة طيور كانت تتعاون معا لإنقاذ جريح من أبناء جنسها ... من يدري قد يكون من بين تلك الطيور أمُّ الطير الجريح فهي لا شكّ تعرفه، أما الطيور الأخرى فكانت بدافع العاطفة أو الغريزة التي تربط أبناء الجنس الواحد ببعضهم، تخاطر بحياتها لإنقاذه...

 

في المقابل، وهنا  الخجل بل قل العار، أن تجد مخلوقات ، أشباه بشر، وليسوا بشرا بكل معنى الكلمة ، وبكلّ دم بارد وأحاسيس ميتة، يذبحون نساء كما تذبح النعاج، ويقطعون رؤوس البشر لا لسبب إلا لأن الحسّ البشري مات عندهم فاصبحوا كائنات همجية ترتكب جرائمها البشعة وتفاخر بها وتبثها على شبكات الإنترنيت وكأنها مآثر عظيمة ومفاخر.... ..

 

هنا أتساءل: هل يقف العالم المتحضّر والأديان السماوية هكذا مكتوفي الأيدي تتفرّج لا حول لها ولا قوة ؟؟؟

 

إن هكذا موقف سلبي ... يشجّع  السفاحين الهمجيين على المضي قدما في الذبح وقطع الرؤوس وسفك الدماء وقتل الأبرياء...

 

هل تقف الإنسا نية عاجزة ومكبّلة الأيدي، عن لجم هذه الوحوش الهائمة على وجهها تقتل وتذبح وتدمّر؟؟؟ وكأن مهمة الإنسانية المتحضرة هي فقط القيام بإجراء إحصاء دقيق لعدد الضحايا ... أليس هذا ما هو حاصل الآن ؟؟؟

 

ولكن السؤال الملحّ الذي ينتظر جوابا شافيا وحلا ناجعا، هو الى متى ستظل الإنسانية  هكذا عاجزة عن وضع حد ّ نهائي لهذه الفئات الهمجية الحاقدة ؟؟؟