مشروع دمقرطة الشرق الأوسط الكبير  !!!

هل يكون لبنان هو البلد المؤهل لإعطاء دول الشرق دروسا في الديمقراطية

المساواة بين الرجل والمرأة مقوّم أساسي في النهج الديمقراطي

بقلم:  بول خيّاط  *الحلقة الثامنة

ملاحظة هامة : نلفت إنتباه القراء الكرام الى أنه تمّ إعداد هذه الدراسة قبل الحرب الحاقدة التي تشنها إسرائيل على لبنان  منذ 12 تموز 2006.

مقدمة الحلقة الثامنة :

بعد أن إستعرضنا في الحلقات السابقة تصوّرنا حول المهمّات والوظائف التي نقدّر أنها ستلقى على عاتق من يتولى مهمة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الجديد وفق المشروع الذي بدأ أميركيا وأصبح الآن يحظى بشبه بموافقة أممية ودولية، وعددنا الشروط والمؤهلات التي نتصوّر أنه يقتضي توفرها في المرشح لهذه المهمّة، تساءلنا من تراه يكون كفأ  لهذه المهمة ثم بدأنا نستعرض مؤهلات لبنان ومدى إنطباقها على  هذه الشروط ؟؟؟ وتحدثنا عن عروبته ومدى إلتزامه بالقضايا العربية ... وبيّنا كيف أن إستقلال لبنان كان شوكة في عيون إخوته الحاسدين، إنتظر منهم  الترياق ولكنه لم يحظى إلا بالوعود السرابية..ومع أن  دبلوماسيته خدمت القضية العربية، فبدل أن يكون العرب أوفياء له خوّنوه وهدّموه وتفرجوا عليه وهو يحترق...

 في الحلقة السابقة إستعرضنا شرط المعفة والإنفتاح على الآخرين وأثبتنا أن موقع لبنان الجغرافي على شواطىء المتوسط أعطاه آفاقا حضارية واسعة فأصبح " أرض اللقاء  La terre de rencontre "

 

نتابع البحث

اللبنانيون متساوون ...

في سنوات الألق اللبناني والإزدهار الحضاري كانت المساواة بين المواطنين مكرّسة في الدستور الذي لم يكن يتضمن أي نص يميز مواطنا لبنانيا عن مواطن لبناني آخر... هذه المساواة هي الخطوة الأولى في السير على طريق الديمقراطية ، ويستطيع لبنان أن يقول أنه آمن بذلك وطبقه.  فهل يستطيع في المقابل أحد من الدول العربية الأخرى أن يقول ويثبت في الواقع الحقيقي المعيوش يوميا، أن مواطنيه- كلّ مواطنيه-  متساوون في الحقوق والواجبات ؟؟؟  أم أن هناك تمييزا، بين المواطنين، موجود بصورة واقعية وهو ممارس على أرض الواقع .... ولا يستطع أحد تغييره بحجة أن ذلك مرتبط بمفاهيم إيمانية  تعتبر المواطنين فئتين لا يمكن المساواة في ما بينها. ومن ناحية أخرى فإن هذا التمييز والتمايز مغلّف بطلاءات خارجية فاضحة وبحجج التي لا تخدع إلا قصيري النظر.

 نحن هنا فقط في وارد تأكيد أن لبنان، من هذه الناحية بالذات، توفّرت، وتتوفر فيه أولى مقوّمات الديمقراطية، أي القبول بالآخرين المتمايزين عنه في الصفات والتحديدات الفردية، ولكن غير المميزين في الحقوق والواجبات مهما كانت الحجج التستيرية الواهية .

 

مشكلة الأقليات أو المسألة الشرقية

لهذه الأسباب، يمكن القول أن اكثر المشاكل تعقيدا في الدول العربية هي مشكلة الأقليات العرقية والقومية والدينية... وهي ذاتها المشكلة المستعصية التي أطلق عليها  كبار المفكرين والمصلحين الإجتماعيين  إسم " المسألة الشرقية   La Question d’Orient " التي حظيت بإهتمام معظم السياسيين ودراسات رجال القوانين الدستورية وكتبت عنها المجلدات الضخمة.

فلو كانت الحقوق المدنية الأساسية لهذه الأقليات مضمونة ومؤمنة، ولو لم تكن هذه الأقليات مضطهدة وبقساوة، لما سعى أبناء هذه الأقليات للهجرة من بلاد الشرق كلّها، بحثا عن بلد يعترف بهم مواطنين كاملي

الحقوق ... وإستطرادا لو كانت هذه الحقوق معترفا بها،  لما اضطر اليهود والسريان والكلدان واليعاقبة والأرمن، وأحيانا كثيرة بعض الأقليات الإسلامية المضطهدة فيبلاد تواجدها. مثل:الشيعة والعلويين والنصيريين والإسماعيليين والصابئة والبهائيين، التي تحرمها الفئة الغالبة العدد من المساواة، ومن أبسط الحقوق الإنسانية والمدنية، وإذا كانت هذه الحقوق مغيّبة فهل يُسأل بعد عن الحقوق السياسية؟؟!!

فتضطر للنزوح والهجرة وفي أسواء الأحوال تنزوي منسحقة وتعيش صاغرة عيشة هي أقرب الى عيشة البهائم منها الى عيشة الإنسان الإنسان .

الإضطهاد ليس حكرا على غالبية معينة 

 علما بأن الفئة المضطهدة في بلد ما، لأنها أقلية، تصبح هي من يقوم بالإضطهاد  عندما تكون هي الغالبية في بلد آخر، وغالبا ما يكون الإضطهاد تصرف إنتقامي .... وعليه فإن الفئات المضطهَدة والفئات المضطهِدة تختلف بإختلاف الفئة الغالبة  في أي بلد من البلدان ... بمعنى أن الإضطهاد ليس حكرا على غالبية معينة بل هو نهج كل أغلبية  دون أي تمييز.

إنها مشكلة مستعصية الحلّ، ليس لأنها صعبة ومعقدة، ولكن بسبب التسلّط الأكثري ضد كل وجود أقلوي وهذا بحد ذاته لا يساعد إطلاقا على خلق المناخ الديمقراطي. لأن الديمقراطية تنتفي من الوجود  وتتلاشى عندما تنعدم المساواة وتسود النبرة الفوقية ... في ظل تعسّف الأغلبية . وهذا التعسّف لا يطال الأقليات وحدها بل يطال أيضا شريحة واسعة من هذه الأغلبية بالذات ....

 

مساواة المرأة بالرجل في الحقوق المدنية والسياسية

إن عدم المساواة التي تحدثنا عنها أعلاه  لا تطال المواطنين الذكور فقط ، بل تتناول أيضا المرأة  في المجتمع الأكثري نفسه ... فهذه المساواة مرفوضة رفضا قاطعا وتحت أي شكل من الأشكال ... وهذا ما هو مطبّق في معظم دول منطقة الشرق الأوسط بإستثناء عدد قليل جدا من الدول التي منها لبنان  . ففي معظم الدول العربية لا تتمتع المرأة بحق المساواة الكاملة مع الرجل.... والدلالة على ذلك هو إستمرار نضال المرأة في هذه الدول للحصول على إعتراف من أنظمتها بحق المساواة بين الرجل والمرأة ... والمطالبة بإعطاء المرأة الحقوق المدنية التي من أهمها الحقوق السياسية للمشاركة في الإنتخابات إقتراعا وترشيحا .... وليس آخر هذه الأدلة الدامغة ما جري ويجري في دولة الكويت التي ترفض رفضا قاطعا إعطاء المرأة هذه المساواة .... علما بأن دولة الكويت ليست الدولة العربية الوحيدة في معاملة المرأة هذه المعاملة غير المتساوية  بل هناك دول شرق أوسطية أخرى قهرت المرأة بشكل منع عليها حتى إظهار مطالبتها بالمساواة بصورة علنية .... وهي أنظمة تشييّء المرأة ( تجعلها شيئا )  وتعاملها على هذا الأساس  أي-  الكائن / الشيء - .

 

في المجتمع الذكوري : المرأة ثلث المجتمع

وعليه فإذا كانت المجتمعات المتحضّرة تعتبر أن المرأة هي نصف المجتمع ولها نفس الحقوق المدنية والسياسية التي للنصف الآخر... أي للرجل ،  فإن إعتبار حقوق المرأة معادلة لنصف حقوق الرجل  تعني بكلمة أخرى بأن المرأة نصف مساوية للرجل، وإستطرادا فقيمتها هي نصف قيمة الرجل... وعليه فإن معادلة المجتمعات المتحضّرة  بأن المرأة هي  نصف المجتمع تصبح في المجتمعات الأخرى التي تفرّق بين حقوق الرجل وحقوق المرأة:  المرأة ثلث المجتمع... هذا إذا تمّ الإعتراف بوجود المرأة أو إذا عوملت المرأة ككائن بشري ...

 وإذا كانت القوانين الديمقراطية تحتم أكثرية الثلثين لإقرار قانون ما  أو تشريع ما ،  فإن هذه الأكثرية مؤمنة بصورة مطلقة ودائمة في كلّ عمل أو تدبير أو تشريع يتم طرحه أو إقتراحه في المجتمع الذكوري لأن الرجال في هذه الحال يشكّلون نظريـا وبلا أي نقاش،  ثلثي المجتمع، أي الأكثريـة النسبيـة ( الثلثين ) مع مفارقة وحيدة ولكنها هامة جدا وهي أن الثلث الآخر مغيّب قسرا وممنوع عليه ممارسة حقّ التصويت .... إي أنه لاقيمة له ...  فكيف إذن يستقيم وضع شاذ كهذا في مقياس الديمقراطية ؟؟؟  ونحن في بداية القرن الواحد والعشرين ؟؟؟!!! 

لبنان رائد في مجال الإعتراف بحقوق المرأة

إن ما تتمتع به المرأة في لبنان من حقوق مساوية للرجل هي نتيجة نضال طويل قامت به المرأة اللبنانية منذ الثلاثينات في القرن العشرين المنصرم، ونجحت في تثبيت حقوقها واصبح لها خبرة واسعة في هذا المجال. 

ومن ناحية ثانية نجد عددا من رائدات حقوق المرأة اللبنانيات من أمثال السيدة زاهية قدورة،  والمحامية السيدة لور مغيزل وغيرهن  سجلن صفحات مجيدة في النضال من أجل المساواة بين المرأة والرجل،  أيام كانت النساء في معظم الدول العربية مهمّشات ومغيّبات تغييبا كاملا عن الحياة الإجتماعية والعملية والسياسية... ومما يبعث على الفخر والإعتزاز أن هذه الرائدات اللبنانيات أصبحن قدوة ومثالا يحتذى بهن في الحركات النسائية في بعض الدول العربية، وساهمن بطريقة مباشرة وفعّالة في نفخ روح المطالبة أولا بإحترام حقوق المرأة ككائن له دوره في المجتمع، ثم تدرجت لاحقا وبشكل خجول جدا الى بالمطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة في مجتمعات تستكثرعلى المرأة أبسط حقوق الكائن البشري... وتستفظع هذه الأنظمة، حتى درجة التعنّت المفرط ،  مجرّد فكرة أن تتمتع المرأة بقدر بسيط من الحرية.

هذا لا يعني أن المرأة في الغرب كانت في الأساس متمتعة بكامل الحقوق، بل نعترف أنها هي أيضا ناضلت منذ الربع الثالث من القرن التاسع عشر لكي تحصل على حقوقها من المجتمع الذكوري في الغرب، و نضال المرأة الغربية في هذا المجال غني بالنساء المناضلات من أجل حقوق المرأة ولعل أشهرهن في أميركا هي السيدة سوزان أنطوني التي عاصرت الرئيس الأميركي أبراهام لنكولن الملقب بمحرر العبيد في حين يصحّ فيها القول، بأنها محرّرة المرأة.

نتابع البحث في الحلقة القادمة

* كاتب و صحافي لبناني مقيم  في ملبورن – أستراليا