مشروع دمقرطة الشرق الأوسط الكبير  !!!

هل يكون لبنان هو البلد المؤهل لإعطاء دول الشرق دروسا في الديمقراطية

 

بقلم:  بول خيّاط  *                                            الحلقة السادسة

بعد أن إستعرضنا في الحلقات السابقة تصوّرنا حول المهمّات والوظائف التي نقدّر أنها ستلقى على عاتق من يتولى مهمة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الجديد وفق المشروع الذي بدأ أميركيا وأصبح الآن يحظى بشبه بموافقة أممية ودولية، وعددنا الشروط والمؤهلات التي نتصوّر أنه يقتضي توفرها في المرشح لهذه المهمّة، تساءلنا من تراه يكون كفأ  لهذه المهمة ثم بدأنا نستعرض  مؤهلات لبنان ومدى إنطباقها على  هذه الشروط  ؟؟؟ وتحدثنا عن عروبته ومدى إلتزامه بالقضايا العربية ...

 

نتابع البحث

إستقلال لبنان شوكة في عيون الحساد

الغيرة والحسد من استقلالية لبنان، ليست أمراً جديداً معاصراً، لان هذه الاستقلالية بالذات، وان كانت غير كاملة، كانت في الماضي كما هي اليوم، شوكة في عين العثمانيين أنفسهم ومن خلفهم في هذه المنطقة. ولذلك ترصّد العثمانيون الحرب العالمية الاولى الى جانب المانيا في عام 1914. فبادروا الى إلغاء النظام الخاص بلبنان. المضمون بموجب بروتوكول عام 1864. وقام جمال باشا السفاح بعزل المتصرف "اوهاتس باشا" واعلن الاحكام العرفية في البلاد وفرض الحصار التمويني عليها فحصلت المجاعة الرهيبة التي قضت على عدد ضخم من اللبنانيين، كما فتك بكلّ من طالب بالحرية والسيادة والاستقلال، وعلقهم على أعواد المشانق دون تمييز بين مسيحي أو مسلم...

هل نسي المشككون الحاسدون دور لبنان الريادي في المجموعة العربية كعضو مؤسس للجامعة العربية ، وعضو فاعل فيها يتقيّد بمقرراتها أكثر من الذين كانوا يقترحون هذه المقررات أنفسهم.  فهل قامت هذه المنظمة الإقليمية العربية بعمل جريء ينقذ لبنان من صراع الأشقاء العرب على أرضه...

لماذا منعوا لبنان من تدويل قضيته ؟؟؟ وعارضوا رفعها الى الأمم المتحدة؟؟

 

ترياق الجامعة العربية والوعود السرابية

لماذا عللوا نفسه بالترياق القادم إليه من الجامعة العربية فلم تصله الا الوعود السرابية، ومننوه بالمساعدات التي ظلت حبرا على ورق... وإلا  أين  صارت كلّ قرارات الدعم المادي للبنان التي أتخذت في عدد كبير من دورات الجامعة والقمم العربية السائحة و المتنقلة.....  إين فعالية الجامعة  التي لا يجمعها إلا التنافر والتناحر. رحم الله الشاعر عمر أبو ريشة الذي له قصيدة عصماء في وصف الحالة العربية وتشرذم أنظمتها...

عمل لبنان دوما على وحدة الصف العربي ورفض إبان إحتدام الخلافات العربية -  العربية  وما أكثرها.... ، الإنضمام الى الأحلاف والمعسكرات التي بدأت تفرّخ كالفطر في الأقطار العربية. ولكي يحافظ على حياده في هذه الصراعات  فقد الأخوة والصداقات وعومل معاملة الأعداء... فعامله الأشقاء وفق المبدأ العشائري الظالم " من ليس معنا فهو ضدنا " .. فإن وقف مع فلان.. غضب علتان..، وإن وقف على الحياد خاصمه الإثنان، فلان وعلتان... فاحتار لبنان من أين يبوس القرعان... وبدل أن يحفظ  لبنان كيانه فقده في غمرة الصراعات العربية ...

 

الجيش اللبناني  قام بواجبه في حرب 1948

هل نسترجع الذكريات الأليمة  لحرب الدول العربية ضد إنشاء دولة " وعد بلفور" ؟ ؟؟؟

هل نذكّر المتناسين أن الجيش اللبناني هو الجيش الوحيد الذي حارب إسرائيل عام 1948 وحقق وحده الهدف العسكري المرسوم له وأحتلّ المالكية ورفع العلم اللبناني عليها في حين تقهقرت الجيوش العربية على كلّ الجبهات العسكرية، ولكن لسبب عجيب غريب طلبت القيادة العربية في حينه من الجيش اللبناني الإنسحاب من المالكية بعد إحتلالها ؟؟!!!

وأنه نتيجة ذلك تمّ توقيع إتفاق الهدنة بين الدولة العبرية الناشئة وبين لبنان في عام 1949.  وكان لبنان لعدة سنوات خلت لا يزال متمسكا بإتفاق الهدنة....

 

لبنان هذا، تطوّع تلقائيا  لكي يكون الناطق  بإسم العرب من على أرفع منبر في العالم أي في الأمم المتحدة ، فقال كلمته الحرّة الصريحة  مدافعا عن قضية العرب الأولى – فلسطين – مقدما نفسه كنموذج حيّ وناجح عن التعايش بين الأديان  .... هل نحن بحاجة الى إعطاء المزيد من التفاصيل والأسماء والتواريخ عن ما نقصده هنا؟؟؟

وهل نحن بحاجة الى أن نستعرض الإنعكاسات السلبية لهذا الموقف والتي لقيها هذا الوطن الفريد في منطقة الشرق الأوسط من  إسرائيل إنتقاما منه وتخريبا له كنموذج فريد ... وهل نحن بحاجة أن ننكأ الجراح ونوضح بأيدي من تمّ قتل هذا النموذج وبدم بارد .... وعيون مقززة لا ترف ولا تدمع على ذبح الوطن الفريد الذي كان واحة سلام لكلّ العرب وملجأ لكل المضطهدين من سياسيي الدول العربية كلها...

 

الركوع في قصر السعديات

هل نذكّر ببدايات الحرب اللعينة وأسبابها  وهويات منفذيها؟؟؟

هل نذكر بحروب التهجير وحرق الدامور والجيّة وضواحيهما وبصورة خاصة " قصر السعديات " التي قال عنها الرئيس اللبناني الأسبق المغفور له كميل نمر شمعون :" كان الأولى بالذين حرقوا قصر السعديات أن يركعوا إحتراما وإجلالا لسنوات طويلة من النضال الوطني الذي شهده هذا القصر للدفاع عن القضية الفلسطينية" ومع ذلك فقد قال الرئيس الشهم رحمه الله : " سامحهم الله " ....  

هل نذكّر بحروب " طريق فلسطين تمرّ من جونية " ؟؟؟

لبنان  المذبوح من الوريد الى الوريد،  والمطعون في ظهره غدرا،  والمشكوك  زورا وبهتانا بأصالة  عروبته وكأن الذين يتهمونه نازلون وحدهم توا من فخذ عدنان وصلب قحطان ...وانهم يحملون وحدهم ختم التثبيت في شجرة عائلة العربان ...                                                       

وأخيرا وليس آخرا، وفي موضوع إتهام لبنان بالتقصير عربيا، نسأل الأشقاء؟؟؟ العرب جميعا ، من الخليج الثائر الى المحيط الهادر، هل دافع أحد عن القضية الفلسطينية منذ وقوعها عام 1948، سياسيا، ودبلوماسيا، وحضاريا، وفنيا، وثقافيا، وشعريا أكثر من لبنان، أو في أضعف الإيمان مثل الدبلوماسيين اللبنانيين، والمفكرين اللبنانيين، والفنانين اللبنانيين؟؟؟

 

الدبلوماسية اللبنانية في خدمة القضية الفلسطينية 

هل نذكّر المتناسين بمواقف الدبلوماسيين اللبنانيين ومندوبي لبنان في الأمم المتحدة وبصورة خاصة الرئيس كميل شمعون بصفته سفيرا ثم لاحقا كرئيس للجمهورية، وإدوار غرة وغسان تويني والرئيس سليمان فرنجية الذي حمل القضية الكبرى الى منبر الأمم المتحدة في عام 1974. وترددت أنذاك أخبار عن تعرض حقائبه  وحقائب جميع أعضاء الوفد المرافق -  لدى وصولهم الى مطار نيويورك- ، الى " شمشمة " الكلاب البوليسية، كبادرة إمتعاظ  من قبل  من أساءهم موقفه....وغيرهم... 

هل نذكّرهم بأن أرفع الأعمال الفنيّة والموسيقية والغنائية  عن فلسطين لا تزال تتردد الى اليوم بصوت سفيرة لبنان الى النجوم السيدة فيروز والرحابنة الفنانين العمالقة ... وجوزيف عازار وسهام شماس وغيرهم...

هل نسي المشككون القصائد الخالدة والأناشيد المغنّاة مثل:"سنرجع يوما الى حيّنا"، و"زهرة المدائن"، و" القدس العتيقة"، و"سيف فليشهر الآن الآن وليس غدا".. و " أذكر يوما كنت بيافا"، و"غاب نهار آخر"، و"بيسان ".....وغيرها ... وغيرها... من الأعمال الفنية اللبنانية الرائعة التي وصفها الأستاذ سعيد عقل  يوما بقوله: " .... هذه كلها حرّكت الحنين والبطولة والروح الإنسانية  لتقول كيف طعنت القدس... وسيبقى الحنين والنبل والشهامة ملتحمة بإرادة إنتصار الحق، وإن الحق جميل كالحب" .

 

مع الحق الفلسطيني ولكن في أرض فلسطين

بالطبع إننا نوجّه هذا السؤال الى الدول العربية وليس الى أصحاب القضية أنفسهم... فهم يعرفون أكثر من غيرهم مواقف لبنان المعلنة والصريحة والصادقة من قضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة، ولكن في فلسطين المحتلة وليس في أي شبر من الأراضي اللبنانية... التي- وبكل أسف – نقول: إعتبرها بعض أصحاب هذه القضية موجودة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، وحاولوا، أيام كانت ذراعهم قوية ومستقوية ببعض الداخل وبالخارج،  فرض إتفاق جائر بحق لبنان وسيادته على كلّ أراضيه... نعني بذلك إتفاق القاهرة الذي

 

إستفظعه حتى الرئيس جمال عبد الناصر نفسه... عندما لفت نظر أعلى شخصية عسكرية لبنانية آنذاك (.... )، التي وقعت الإتفاق المشؤوم، بأن هذا الإتفاق يتنافى مع أبسط قواعد سيادة الدول والأوطان المستقلة!!!

 

المتاجرة بمقاطعة إسرائيل

هل نذكّر المتناسين أن لبنان وحده فقط كان يطبق قوانين مقاطعة إسرائيل تطبيقا صارما، في حين كان المسؤولون الكبار في مكتب المقاطعة يعقدون الصفقات المشبوهة لشطب إسم شركة عن جدول المقاطعة أو إدراج إسم شركة  عليه  خدمة لشركة منافسة.  وبالطبع فإن ذلك لم يكن يحصل ببراءة ونظافة يد.!!!..

كل ذلك كان يحصل بينما كانت مصالح التجار اللبنانيين تتعرض للخسائر نتيجة تطبيق قوانين المقاطعة، فيمنع إدخال حتى شفرة حلاقة ألمانية الصنع، لأن الشركة المنتجة لها متهمة بدفع تعويضات لإسرائيل، وبالمقابل كانت أسواق بعض الدول العربية من جبهة الصمود والتصدي!!!، وبعض دول الرفض !!! تغرق حتى التخمة بالمنتوجات الزراعية الإسرائيلية والمصنوعات الإسرائيلية...

أجل هكذا دافع لبنان واللبنانيون عن القضية العربية، فماذا كانت المكافأة؟  تهديم لبنان بشرا وحجرا... وجعل اللبنانيين مهجرين في وطنهم ولاجئين مشردين في بقاع الأرض كلّها....ويستكثر بعضهم الآن على اللبنانيين نعمة العيش بأمن وسلام ويجرون لبنان  الى المواجهة مع إسرائيل ... أليس هذا هو ما حصل ويحصل الى يومنا هذا؟؟؟

 

 

في الحلقة السابعة  نتابع البحث في أسباب  دعم ترشيح لبنان الى وظيفة  زرع الديمقراطية في الشرق الكبير .