مشروع دمقرطة الشرق الأوسط  !!!

هل تربة هذا الشرق  صالحة لزرع بذور الديمقراطية المؤصلة أميركيا ؟؟؟

بقلم: بول خيّاط/كاتب وصحافي لبناني مقيم في ملبورن - أستراليا

الحلقة الثانية

 

في الحلقة الأولى أعطينا لمحة تاريخية عن الوضع السياسي في دول الشرق الأوسط ، بمعنى الدور الذي كان يلعبه كل من الحاكم والرعية في السلطنة العثمانية  وفي الحقبة التي تلت إنهيار هذه السلطنة غير المأسوف عليها ، والتي تميّزت في المرحلتين بالتعسف والإستبداد ... وخلصنا الى القول بأن حكام دول الشرق الأوسط  لم تهتم إطلاقا بتحسين ظروف الديمقراطية في الوضع السياسي بل إنتهجت سبل القمع لكي تستمر هي في واجهة الحكم ...

ونتابع الآن الدراسة فنقول:

 

معظم حكام المنطقة لم يهتموا بإستصلاح التربة اللازمة لنمو الديمقراطية وتأهيلها، بل على العكس من ذلك فهم قد بذروا فيها الشوك والزؤان ونثروها بالحجارة والصخور ... وبدل أن يحسّنوها ويحصّنوها بمبيدات الحشرات الضارة رشوها بالسموم القاتلة للحياة الديمقراطية، وجعلوها بؤرا لقوارض الدساتير، وقواضم القوانين  وزواحف الوصوليين وتماسيح الإنتهازيين. وفعلوا بتربتهم، عنيت شعوبهم، ما فعله "  شيبيون الأفريقي " بتربة قرطاجة التي بذر أرضها بالملح ليقضي على كلّ أمل أو إمكانية للحياة فيها...

 

نعم هكذا فعل معظم حكّام المنطقة – المالكين سعيدا -  بتربة الديمقراطية عندما قتلوا في نفوس هذه الشعوب حبّ الحياة وحبّ النمو وحبّ العطاء والإبداع  وأرغموها على  الإكتفاء فقط  بنمط حياة الحيوان.

 

التي تقوم على الرعي – عفوا الأكل -  والشرب والتكاثر المبرمج غريزيا، دون أي طموح آخر بات محظورا ومستحيلا لأنه يهدد مصالح الحكّام والأسياد  .....

هذا لا يعني إطلاقا بأننا نعتبر شعوب المنطقة خاملة وميتة لا حياة فيها ... لا... لا.... ليس هذا ما نريد قوله، وإنما نبغي القول بأن هذه الشعوب تمّ إيصالها  عمدا الى نقطة اليأس والإحباط والقرف... لذلك فهي معطلة لا تفعل..  ألا يقول الزعيم أنطون سعادة : " إن فيكم قوّة لو فعلت لغيّرت وجه التاريخ " ، فهل تعني عبارة لو فعلت غير الإقرار الصريح بأن شعوب المنطقة لا تفعل ولا تحرّك ساكنا بل أنها تتأثر بأفعال الآخرين ؟؟ هل هي تعني غير أنها لا تقوم بأي عمل يغيّر مجرى التاريخ؟؟؟ وهذه الـ "  لو " التي تعكس خيبة الأمل وربما القنوط .. ولنسمّها   " لو " التمنّي والحثّ والتشجيع، هذه الـ "  لو " بالذات عمرها أكثر من ستين عاما فهل تغيّر شيْ؟!

 

هل نكون متحاملين على هذه الشعوب عندما نقول أنها غيّبت نفسها عن مسرح الأحداث وأكتفت بردّات الفعل فقط ؟؟؟ هل نكون متحاملين عليها إذا طالبناها بالعمل والمبادرة، لا بالإذعان والرضوخ السادر ؟؟؟

 

منذ أكثر من 58 عاما أي منذ عام 1948 إستغل القادة والحكّام في المنطقة "قضية فلسطين" لكي يتذرعوا تارة بالظروف الحرجة التي لا تسمح ؟؟!!.  وطورا وبالمتغيرات المصيرية التي تمرّ بها المنطقة!! ..وأطوارا بغير هذه الحجج الواهية والتبريرات .. لكي يبرروا إصدار مختلف قوانين الطوارىء لقمع حريات شعوبهم؟؟؟؟ قوانين تعسفيّة وجدت أصلا لمرحلة مؤقتة،  ولكن أصبح عمر أقصرها أكثر من  ثلاثة قرون ؟؟؟  فصدق فيهم المبدأ الفرنسي القائل"  “ Il n’ya que le provisoire qui dure  أي ما معناه بالعربية:  ولا يدوم إلا المؤقت ، وقد دامت هذه القوانين المؤقتة والإستثنائية التي أصدروها  لكي يبرروا كمّ الأفواه  وتعليق حرية التعبير على مشانق الرأي الواحد والفكر الواحد واللون الواحد !!

 

ولكي يبرروا إستئثارهم بالسلطة حقبات طويلة من الزمن، عقودا !!!، وأرباع قرون!!! الأمر الذي دفع بعض المحللين السياسيين الى القول: بأنه لا يوجد في كلّ دول المنطقة (بإستثناء لبنان) رئيس سابق إنما هناك رئيس حالي ورئيس راحل.... ، ونزيد فنقول: أو مرحّل ... أو تمّ ترحيله. 

 

بربكم ماذا يعني هذا الكلام؟  سوى أن الحكّام والرؤساء في المنطقة المحظوظة جدا،  يستطيبون الجلوس على كرسي السلطة، ويعتبرون أن كلّ من يفكّر في ترشيح نفسه لمنصب الرئاسة خائن للقضية المركزية،  وهو عدو يجب إزالته من الوجود وهو يعني أيضا بأن الحكّام لا يطيقون وجود أي مزاحم أو منافس أو معارض.

وهذا، في الواقع هو  أكثر ما يسيء الى الديمقراطية، لأن الديمقراطية، في المبدأ والأساس، تقوم على المشاركة والمعارضة، وهي تنافس على تقديم أفضل الوسائل لتأمين حقوق المواطنين والمصلحة العامة...

 

بينما هم، أطال الله في عمرهم وأمدّه كثيرا، يعملون طوال سنوات حكمهم المديدة لتأمين الوريث   فهل نحن بحاجة الى أن نعطي أمثلة حسّيّة  على ما نقول! فالواقع المعيوش في المنطقة كلّها يدور حول تأمين الخلف الذي هو من صلب الحاكم وظهره ونسله وذريته وفي أضعف الإحتمالات محاولة التجديد والتمديد.

بعد هذا كلّه فأي خير يرجى من بذور ديمقراطية يبذرها الغرب بزعامة أميركا ؟ خاصة إذا علمنا أن دول الشرق الأوسط ترفض هذه البذور لأنها أميركية ولأنها تعتبرها هجينة وغريبة لا تتلاءم مع طبيعة المنطقة وعقلية شعوبها وحكّامها وخاصة لأنها تعتبرها مفروضة عليها بالقوة  ؟؟؟

 

إزاء هذا الرفض!!؟؟ للإصلاحات المقترحة، أو لتلك التي ترغب أميركا والغرب أن يروها مطبّقة في دول الشرق الكبير، ما هو الحلّ المنطقي والمعقول ؟ ؟

نرى أن هناك دورا يجري رسمه وتخطيطه لدمقرطة الشرق الأوسط الكبير، وهذا الدور يبحث في الواقع  عن لاعب كفوء يلعبه ويقوم به.

من تراه يكون مؤهلا  ليقوم بدور المعلّم أو البروفسور المتابع لأطروحة دمقرطة الشرق الأوسط الكبير المتوخاة؟

 

 إنها وظيفة شاغرة  تبحث عن من يشغلها.

ما هي مواصفات هذه الوظيفة؟؟

وما هي لائحة المهمّات Duties Statement  التي ستلقى على عاتق من يشغلها؟

وما هي الشروط والمؤهلات المطلوبة في المرشح لها؟

هذا ما سنبحثه ونعالجه في الحلقات القادمة لهذه الدراسة في زاوية أحداث وأراء.

 

يتبع في الحلقة الثالثة

27/11/2006