لبنان وأجندات الشرق الأوسط

الحلقة الثانية

بقلم: بول خيّاط

 

وإذا كان من الواجب أن نستنكر بكلّ قوة الإعتداءات الوحشية التي قامت وتقوم بها إسرائيل على لبنان واللبنانيين لغايات صارت معروفة تماما، وبالتالي لا يمكن لعاقل أن يضعها فقط في خانة ردّة الفعل على إختطاف جنديين إسرائيليين، لأنها في الواقع أبعد من ذلك بكثير ويمكن تلخيصها بأن إسرائيل كانت ولاتزال تطمح دوما من خلال تدمير لبنان بشرا وحجرا الى أن تسرق دوره إقتصاديا وتجاريا... وإلا فما هو المبرّر لكلّ هذا الحقد الذي أبدته الآلة التدميرية الإسرائيلية، ولماذا كان هذا التفاوت الصارخ بين الفعل المدعى بأنه السبب المباشر والوحيد،(خطف جنديين إسرائيليين)، وبين ردّة الفعل الهمجية الحاقدة؟؟ وهذا ما لاحظه و أنتقده بصراحة   معظم سياسيي العالم الذين صدموا بعدم التناسب والتكافوء، بل قل إنعدام التوازن كليّا بين الفعل وردة الفعل...

 

لا شك، أن "حزب الله " قد لقّن العدو الإسرائيلي درسا قاسيا في أن الحرب لم تعد بالنسبة لها كما كانت في السابق مجرّد نزهة " شمّ هوا" ، خاطفة وسريعة، يجني بعدها جيش الدفاع الإسرائيلي الإنتصارات التي أعطته أسطورة " الجيش الذي لا يقهر" ...

 

وكذلك فقد أعطى "حزب الله"  إسرائيل درسا بليغا بأن الحرب لم تعد سهلة كما كانت كلّ حروبها السابقة مع كلّ العرب وترسانات أسلحتهم الفاسدة والمغشوشة في حرب 1948، وأسلحتهم الروسية والصينية والتشيكوسلوفاكية في حرب السويس المعروفة بالعدوان الثلاثي في  عام 1956 , وفي " حرب الأيام الستة" ، في عام 1967، وفي "حرب الغفران" في عام 1973 التي بدأت لصالح العرب" ثمّ أتت معركة" الديفرسوار"  التي أعتبرت من قبل المحلّلين العسكريين بمثابة معركة فاصلة  غيّرت جذريا وجهة "حرب الغفران"  وحوّلت نتيجتها لصالح إسرائيل لسبب لا يزال موضع نقاش وأخذ وردّ ؟؟؟.

 

كلّ هذه الحروب لم تدرّ على العرب إلا النكبات والنكسات والهزائم، بحيث ضاقت القواميس بالمفردات التي تصف نتائج هذه الحروب وشعاراتها التي دخلت التاريخ وهي من نموذج :"أضرب يا أخي أضرب" وعنتريات أحمد الشقيري: " سنرمي إسرائيل في البحر" و تبريرات الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في أسباب نكسة 1967 التي خلدتها عبارته المشهورة:"إنتظرناهم من الشرق فأتونا من الغرب"، ناهيك عن زعيق أحمد سعيد: " سنلقن العدو الصهيوني دروسا قاسية لن ينساها "،  وجميع حروب " جبهات الصمود والتصدّي" وشعارات:" من الخليج الثائر الى المحيط الهادر"... والواقع أن إسرائيل خاضت كلّ حروبها سهلة مع كلّ العرب مجتمعين ومتحدين منذ عام 1948 حتى عام 1973، بما في ذلك حربها المنفردة مع لبنان في عام 1982،  عام الإجتياح الإسرائيلي، الذي أدى الى  ترحيل قوات منظمة التحرير الفلسطينية  الى تونس ...

 

أجل لقد لقّن "حزب الله " إسرائيل درسا قاسيا في حربها الأخيرة على لبنان التي إستمرت 33 يوما،  مفاده بأن الحرب لم تعد نزهة مريحة،  كما لم تعد نتائجها مضمونة لإسرائيل بدون أن تكتوي هي أيضا بنارها وتتأذى بها ويقتل أبناءها ويتهدم عمرانها... فتشوهت أسطورة جيشها الظافر أبدا...  نقول ذلك ليس مداهنة ولا مجاملة بل إعترافا بالواقع... وإن من ينكر هذا الواقع فهو غير محقّ ومشكّك وغير بصير ...

 

وفي الوقت نفسه فإن"حزب الله" قد لقّن كلّ العرب مجتمعين ومتحدين، دروسا في المقاومة والصمود ، لقنهم دروسا لن ينسوها في النضال، لقنهم دروسا في التضحية والثورة على المهانة والإذلال التي ألحقتها إسرائيل بهم جميعا متكافلين ومتضامنين، هذا إذا تضامنوا؟؟!! ...فاستساغوا هذه المهانة  وأنسوا بها  وألفوها وما ثاروا ولا إنتفضوا. المفارقة أن حزب الله ميليشيا في حين أنهم دول تعدّ شعوبها بمئات الملايين وتقدّر ميزانيات الدفاع لديها  بمليارات الدولارات ومع ذلك فهم خانعون مذلولون لأن نواياهم تناقض أقوالهم وتتنافى مع تصريحاتهم العلنية الفارغة ... وهذه الحقيقة هي بحد ذاتها إهانة له  وعارا عليهم... .... فهل يعي العرب هذه الحقيقة أم يستمرون في المكابرة ؟؟؟

 

ومع ذلك قد حاول بعضهم قطف إنتصارات سهلة و فارغة...،  في حين أنه لم يحرّك ساكنا على حدوده مع إسرائيل، متذرعا بتمسّكه بإتفاقيات الهدنة الموقعة بينه وبين إسرائيل ؟؟!!! ولكن اللبنانيين الذين يحاول إستغباءهم  يتساألون : " فلماذا إذن كان هو وغيره يصرّون على أن يُبقي لبنان جنوبه ساحة لمعارك  التحرير ويحرمونه من حقّ التمسك هو أيضا بإتفاقية الهدنة الموقعة بينه وبين إسرائيل في عام 1949 ؟؟؟ فهل أن ما يجيزونه لأنفسهم ساعة يشاؤون هو ممنوع على لبنان ساعة يشاؤون أيضا؟؟ وهل كان على لبنان أن يدمّر كما دمّر الآن  لكي يعترفوا له بحق التمسّك بإتفاقية الهدنة؟؟ وقد نصّ القرار الدولي الأخير رقم 1701 على ضرورة إحترامها من قبل الطرفين ؟؟!!

 

لقد جاء الآن  وقت التعقّل والحكمة بعيدا عن التحديات الرخيصة ونكىء الجراح ...ولذلك وبكلّ أمانة وصدق نسأل ومن حقنا أن نسأل ونقول:

كما أنه  لا يجوز التقليل من تضحيات المقاومة والمقاومين الذين كما أسلفنا أعطوا إسرائيل والعرب دروسا لن ينسوها.. ولمدة طويلة ربما...  وكذلك لا يجوز إطلاقا التعنّت وبطريقة علنية لا تخلو من التحدّي، بمبدأ تجريد "حزب الله"  من سلاحه لأن التحدّي لن يحلّ المشكلة، بل قد يعقدها، لأنه يبخس تضحيات المقاومة وصمودها ... علما بأن الأمين العام للمنظمة الدولية يقول صراحة أن القوات الدولية لن تتولى مهمة تجريد "حزب الله " من سلاحه، فهذه مهمة الحكومة اللبنانية والجيش اللبناني اللذين يتوليا موضوع سلاح" حزب الله " بطريقة تضمن تنفيذ القرار 1701 المعطوفة  حيثياته على القرارين  رقم 1559 و1680 اللذين ترى المنظمة الدولية ضرورة التقيّد بهما وتنفيذهما... .

 

 ولكن من جهة ثانية، ولنكن منطقيين مع أنفسنا،  فإنه لا يجوز كذلك إستمرار منطق الدولتين على أرض لبنان مهما كانت السلطة أو الجهة الرديفة التي تلعب دور الدولة اللبنانية، أو تغيّبه  على الأرض اللبنانية في الجنوب بصورة خاصة وفي غير الجنوب أيضا، لكي لا نقول أنها تغتصب دور الدولة..

 

وأنه من المنطق أن يتحلّى "حزب الله"  وقيادته المحلّية  على الأقل، بالحكمة والشجاعة والشفافية لكي يوافقوا ويلتزموا بمبدأ وحدانية الدولة ووحدانية السلطة ووحدانية حقّ حصر حمل السلاح بالجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي فقط لا غير، وما عدا ذلك فهو إنتقاص من سيادة الدولة وإنتهاك لسلطتها على أراضيها وهو ما لا ولم تسمح به أية عربية.

 

وبعد هذا فإن من واجبنا، بل من حقنا أيضا أن  نطرح السؤال على بعض دول الجوار، فنقول: أنتم تعتبرون أن حمل السلاح في بلادكم يجب أن يكون محصورا في أيدي القوى النظامية من جيش وقوى أمن داخلي فقط، وبالتالي فأنتم تمنعون على أي شخص سواء من رعاياكم أو من رعايا دولة شقيقة أو صديقة أن يحمل السلاح في بلدكم، وأن قوانيكم تجرّم من يحمل سكينة يتجاوز طول نصلها عددا معينا من السنتيمترات... وتعاقبون المخالف بعقوبات شديدة وبالحبس المؤقت وبالطرد خارج البلاد، للمخالف الذي ليس من رعايا دولتكم...وتطبقون ذلك بكلّ حزم وشدّة،  نعترف علنا،  بأن هذا هو حقّكم السيادي الشرعي والدستوري.

 

ولكن لماذا  كنتم دائما تمنعون لبنان من ممارسة حقّه الشرعي والدستوري في ضبط حمل السلاح وحصره فقط بالقوى النظامية. وهو أصلا ما توافق عليه اللبنانيون في إتفاق الطائف.... وإذا قام لبنان بتطبيق نفس القوانين التي تطبقونها أنتم في بلادكم، وطالب تطبيق لإتفاق الطائف في ما يتعلق بهذا البند بالذات ، كنتم  تقوّمون الدنيا عليه ولا تقعدونها...؟؟؟ وتخونونه وتتهمونه بذبح المقاومة أما  قمعكم للمقاومة فهي تصرف وطني يصب في خانة قدسية قضية العرب الأولى!!؟؟

 

ثمّ لماذا تجيزون لأنفسكم أن تضعوا جيوشكم على حدود بلادكم مع الدول المجاورة صديقة كانت أم عدوة، ولا تسمحون للدولة اللبنانية أن ترسل جيشها الوطني الى الحدود مع إسرائيل، لأنكم – حفظكم الله – ترون أن إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب هو لحماية إسرائيل؟؟!! لذلك حلتم خلال أكثر من عقدين من الزمن،  وبكلّ الطرق والوسائل دون وصول الجيش اللبناني الى الجنوب، الى حيث يجب أن يكون، أي مرابضا على الحدود إسوة بكلّ الجيوش العربية وجيوش العالم؟؟؟ . فهل كان على لبنان أيضا أن يتهدّم بكامله لكي تقتنعوا وتعترفوا له بضرورة إرسال الجيش اللبناني الى الجنوب كما نصّ على ذلك القرار الدولي الجديد رقم 1701؟؟ 

 

بربكم ، لماذا يجب  على اللبنانيين – بنظركم – أن يتنازلوا عن شروط السيادة الوطنية في بلدهم لأية مجموعة لبنانية كانت أو غير لبنانية، في حين لا يتنازل الأشقاء، قيدة أنملة ، عن سيادتهم الوطنية لأية ميليشيا في بلادهم مهما كانت؟

 

أيها السادة؟؟؟  إن ما حصل ويحصل الآن هو نتيجة مباشرة لهذه الإزدواجية الظالمة والحاقدة، وهو نتيجة حتمية لهذه النظرة العوراء للوقائع نفسها وبمنظارين مختلفين...التي طبقتموها في لبنانعامة وفي الجنوب بصورة خاصة، فلا تتبرأوا من مسؤوليتكم ، ومن دم هذا الصدّيق المدعو لبنان، الذي هدمتم  وبدم بارد، كل مقوماته الأساسية لغايات دفينة في نفوسكم!!! نكرّر القول بأن مطالبتنا هذه هي مطالبة بالعدل والمساواة في النظرة الى الأمور والوقائع ولا نبغي التهجّم على أحد إنما نحن نطالب بالمساواة من منطلق قناعتنا أن من ساواك بنفسه ما ظلم... ولكن الأشقاء كانوا كلّهم ظالمين بحق لبنان، لأنهم شجّعوا التصرفات التي يمنعونها في بلادهم، وهم دعموا القائمين بها بكلّ ظلم وإجحاف بالحقّ اللبناني... وألأنكى أنهم يوجهون الإتهامات الى غيرهم ...

 

وينسبونها لفلان وعلتان... وكأن هذا الفلان وذلك العلتان هما أساس كلّ خطأ يرتكب في العالم... لا نقول ذلك دفاعا عن أحد ولا تحاملا على أحد، كائنا من كان هذا الأحد شقيقا أم صديقا، عربيا أم أعجميا، قريبا أم بعيدا،  ولكننا نقوله  للعدل والإنصاف فقط ... وندعوكم الى أن تتقوا الله في مواقفكم وفي قراراتكم التي تتناول لبنان واللبنانيين.