مشروع دمقرطة الشرق الأوسط الكبير  !!!

هل يكون لبنان هو البلد المؤهل لإعطاء دول الشرق دروسا في الديمقراطية

بقلم:  بول خيّاط        

 *الحلقة الثالثة عشرة

ملاحظة هامة : نلفت إنتباه القراء الكرام الى أنه تمّ إعداد هذه الدراسة قبل الحرب الحاقدة التي شنها إسرائيل على لبنان  ما بين 12 تموز و 14 آب 2006.

مقدمة الحلقة  الثالثة  عشرة: 

بعد أن إستعرضنا في الحلقات السابقة تصوّرنا حول المهمّات والوظائف التي نقدّر أنها ستلقى على عاتق من يتولى مهمة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الجديد، وعددنا الشروط والمؤهلات التي يقتضي توفرها في المرشح لهذه المهمّة، وتساءلنا من تراه يكون كفأ  لهذه المهمة ثم بدأنا نستعرض مؤهلات لبنان ومدى إنطباقها على هذه الشروط ؟؟؟ وتحدثنا عن عروبته ومدى إلتزامه بالقضايا العربية ... وبيّنا كيف أن إستقلال لبنان كان شوكة في عيون إخوته الحاسدين..ومع أن  دبلوماسيته خدمت القضية العربية، فبدل أن يكون العرب أوفياء له خوّنوه وهدّموه وتفرجوا عليه وهو يحترق تماما كما حصل خلال  الحرب الهمجية التي شنتها إسرائيل على لبنان مؤخرا..  

إستعرضنا شرط المعرفة والإنفتاح على الآخرين وأثبتنا أن موقع لبنان الجغرافي على شواطىء المتوسط أعطاه آفاقا حضارية واسعة فأصبح " أرض اللقاء  La terre de rencontre " ، وتحدثنا عن المساواة بين المواطنين رجالا ونساء كمقوّم أساسي في النهج الديمقراطي و تطرقنا الى إحترام لبنان للحريات العامة وتقديسه لحرية التعبير عن الرأي وفي الحلقة الأخيرة وصفنا ماهي عليه حالة الحريات العامة في سائر الدول العربية المجاورة والبعيدة، وشددنا على واقع أن لبنان المعافى هو لمصلحة العرب، ثم أوجزنا بشكل عام كل شروط ومقومات الديمقراطية، وأستعرضنا مختلف أنواع الأنظمة الدستورية في العالم، والسلطات الرئيسية في كل نظام ومقوماتها وصلاحياتها وتحدثنا بوجه عام عن الدستور وعن مبدأ فصل السلطات كركيزة ثابتة من ركائز الديمقراطية، ورأينا أن السلطة التشريعية يجب أن تكون ممثلة حقيقية للشعب. وأن التمثيل الصحيح هو نتيجة مباشرة لإنتخابات حرة ونزيهة  بعيدة كلّ البعد عن التدخلات.وشددنا على تمسّك اللبنانيين بالدستور كتمرّس ديمقراطي، وإعتماد المساءلة والمحاسبة، وبالمقارنة فإن السجون العربية تعجّ بالمعارضين الذي يتجرؤون على المطالبة بالديمقراطية ما يدفع الشعوب الى حصر إهتمامهم بلقمة العيش فقط...

 

والآن نتابع البحث

 

ديمقراطيات الـ 99 %

ومن ناحية ثانية إن ظاهرة الفوز بنسبة الـ  99 % ،  في أي مستوى من مستويات الإنتخابات في معظم الدول العربية سواء على مستوى إنتخابات ممثلي مجالس الشعب في هذه البلاد أو في الإنتخابات أو الإستفتاءات الرئاسية، فهذه النسبة الشائعة التي باتت القاعدة، إن دلّت على شيء فهي تدلّ في المفهوم الديمقراطي والدستوري الصحيحين،  أن الناخبين يدلون بأصواتهم في هذه الإنتخابات والإستفتاءات على سبيل رفع العتب ودرءً للمخاطر... وهم بذلك لا يصوّتون لإبداء رأيهم وقناعتهم بل لإرضاء الحاكم المتربّع على سدة الحكم، كتدبير وقائي و للنجاة من العواقب غير المحمودة!!!؟؟؟

 ولا يمكن أخذ هذه النسبة في " الديمقراطيات؟؟ "  التي باتت تعرف بإسم: "  ديمقراطيات نادي  الـ 99 % " ... على أي محمل من الجديّة والواقعية...  بل هي في الواقع إدانة صريحة -  لا لبس فيها -  لعدم ديمقراطية هذه الإنتخابات وعدم صحة النتائج المعلنة ... وهي دليل واضح على الإرهاب المادي والمعنوي الذي يعيش تحته وفي ظله مواطنو هذه البلدان....

 

التحجج  بالظروف الراهنة والأخطار المحدقة !!!

لأن قليلا من المنطق والموضوعية تجعل الإنسان العادي يكتشف أن هذه النسبة لا يمكن أن تتحقق إلا في جو عجيب وغريب، أو في جو مثالي أنموذجي كما في مدينة الفارابي الفاضلة ... رحمه الله.... وحتى هذه الفرضية تبقى مشكوكا بها ...  ولا نظن أن هذا الإجماع الفريد من نوعه  يمكن الوصول إليه وبهذه النسبة المئوية الخيالية جدا إلا في الحالات الإستثنائية والخطر الخارجي الداهم الذي يتعرّض له نظام أو دولة ... في هذه الحال فقط ربما يحصل الإجماع ويجب أن يحصل في سبيل مواجهة الخطر المحدق... ولكن هل أن الدول العربية كانت حقا وعلى إمتداد أكثر من 60 سنة إنقضت وهي تعيش في خطر محدق داهم؟؟؟ بحيث يتمّ تبرير إنتهاك أبسط  مبادىء الديمقراطية، أي حرية الإنتخابات ونزاهتها وشفافيتها ؟؟؟ ناهيك عن إحترام حرية الناخب وحقوقه الإنسانية العامة والخاصة؟؟؟

 الخطر الداهم والمحدق في المفهوم القانوني تحديدا، هو الخطر الآني الوشيك أي المتوقع في فترة زمنية قصيرة جدا ... فهل أن ستين سنة من عمر الأوطان هي حقا فترة زمنية قصيرة جدا؟؟!!! المنطق السليم يستصعب الإقتناع بهذه الحجّج الواهية.

 

قاعدة " كما تكونون يولّى عليكم"

  كذلك  يستصعب المنطق السليم إدراك أن شعب دولة ما،  لا يزال قاصرا عن تقرير مصيره بنفسه وهو دائما بحاجة ماسة الى وصي أو أوصياء عليه، فهل نسي الحكام، قادة وزعماء ورؤساء وقضاة، أنهم يحكمون أصلا بإسم هذا الشعب، وإذا كان الشعب قاصرا فإن حكامه قاصرون أيضا، أليست القاعدة هي :   

   " كما تكونون يولّى عليكم" ... إذن كيف يكون الشعب قاصرا وحكامه راشدون ؟؟؟ إنها معادلة خرقاء ... هي من بنات أحلام الحكام المستبدين ... أما آن للشرق أن يخرج من دائرة الإستبداد والتعسّف ويلحق بركب الحضارة على دروب الحرية والتحرّر والإنعتاق من نير الخنوع والإستسلام؟؟؟ ألم يحن الوقت بعد لكي تعرف شعوب المنطقة كلّها،  من الخليج الى المحيط ، أنها هي ، وهي وحدها،  مصدر كلّ السلطات في دولها ...

ويدهشك -  حتى القرف أحيانا -  من يتشدّق بديمقراطية هكذا إنتخابات ومصداقية هكذا نتائج، ثم  يدعوك وبكلّ تبجّح وغباء، وكأنه يستخفّ بذكاءك، الى الإقتناع معه بأن هذه النتائج وهذه النسبة تعكس الحقيقة والواقع وتثبت -  في مفهومه وقناعته هو -  شعبية الفائز بهذه النسبة الخيالية،  التي لا يشابهها سوى نسبة سبائك الذهب والفضّة الصرف،  التي تكون أقصى نسبة نقاوتها  99،99 % . 

هذا النوع من إنتخابات الذهب الصرف، لم يره لبنان حتى في أحلك أيام الديمقراطية العوراء فيه....  إلا أن هذا النوع من الإنتخابات،  كان ولا يزال، يشكّل في بعض الدول العربية حالة طبيعية،  بل هو – طالما أننا نتحدث عن سبائك الذهب-  القاعدة الذهبية الثابتة في كلّ الإنتخابات. وعلى هذا الأساس نتصوّر أن لبنان ما قبل المؤامرة المحاكة بدهاء ضد نظامه الديمقراطي الذي رغم عيوبه وشوائبه كان بمثابة القذاة في عيون الدول العربية، والشوكة الحادة المؤلمة في خواصرهم الرخوة.

 

لبنان يستطيع أن يعلّم العرب الديمقراطية  إذا أرادوا!!!

أجل أن اللبنانيين المؤمنين بلبنان ما قبل المحنة، يؤمنون بأنه يستطيع أن يعلّم أشقاءه العرب الشيء الكثير عن المبادىء الديمقراطية التي مارسها ودخلت في صلب قناعات شعبه... هذا- اللهمّ -  إذا كانت شعوب هذه الدول راغبة فعلا في تعلّم هذه المبادىء، وإلا فإننا نكون – بكلّ أسف وخيبة أمل - حيال واقع يصفه جيدا المثل الروسي القائل: " تستطيع أن تأخذ حصانك الى النهر...  ولكنك لا تستطيع إرغامه على الشرب " .

 فهل يسمح لهذه الشعوب المتعطشة للديمقراطية، أن تشرب من مياه الديمقراطية المنعشة لتروي عطشها المزمن وتنتعش ؟؟؟ أم تمنع من ورود هذه الديمقراطية بحجة أنها " أميركية المنشأ" كما يعترضون...  أم أن هذه الشعوب ستظلّ هي الحصان الذي يمطيه الحكام للوصول الى غاياتهم الشخصية؟؟؟

 

نلتزم الديمقراطية ليس لأنها أميركية

ربما يكون من المفيد  أن نؤكد هنا لمن يشككون،  بأننا لا نلتزم بأميريكية  مشروع الدمقرطة في الشرق،  خاصة إذا علمنا بأن المتشبثين بعروشهم ومناصبهم في منطقتنا المنكوبة بالتوتاليتارية والتعسّف ، والمدافعين عن إمتيازاتهم  بكلّ قواهم وبأسنانهم وأظافرهم، والذين يحاربون أي محاولة لتسرّب الديمقراطية الى أنظمتهم، وكأن الديمقراطية وباء مخيف،  يحذرون شعوبهم منه ، متذرعين بالقول الفارغ بأن الديمقراطية نتاج أميركي أو مشروع أميركي يخفي في ثناياه السيطرة على منابع البترول، خاصة وأنهم يعتبرون أنفسهم بأنهم وحدهم المتنورين والحكماء والمؤمنين،وهم لا يتورّعون عن إعتبار أميركا" الشيطان الأكبر" وحيث أنها شيطان فإن كلّ مشاريعها شيطانية ويقتضي على المؤمنين محاربتها كما يحاربون الشيطان وأفكاره وأفعاله .

نطمئن هؤلاء المتزمتين بأنما يهمنا في الواقع هو الديمقراطية  ليس بسبب مصدرها ومنشأها  بل في أن تكون ديمقراطية صحيحة وواقعية لا ديمقراطية وهمية وصورية ... نقول ذلك لنقطع الطريق على الذين قد يتهموننا بأننا متأمركون ... وهي تهمة جديدة مستنبطة تقف الى جانب تهمة الصهيونية والمتصهينين، الرائجة في بلادنا وهي تهمة جاهزة ومجهّزة وعلى قياس كل من يقف في وجه الحكام  أو يحاول إنتقادهم...  أو تهمة الشيوعية والمتشيعين، وتهمة الإمبريالية والرأسمالية اللتان كانتا رائجتين في بعض الأنظمة العربية في إصطفافها المعسكراتي إبان إحتدام الحرب الباردة بين أميركا والإتحاد السوفياتي، وكلّ مخالف أو معارض في البلاد العربية لنظريات أو عقائد هذين المعسكرين المتصارعين كان يتهم بأنه من أنصار المعسكر الآخر... ويقذف بالتهمة  الجاهزة والتي كانت كافية  للقضاء عليه دون ما حاجة لإثباتها ... لأن الأجواء المشحونة كانت مهيأة لقبول أية تهمة يسوقها الحكام وأزلامهم الى أخصامهم...

يتبع في الحلقة الرابعة عشرة

 

مشروع دمقرطة الشرق الأوسط الكبير  !!!

هل يكون لبنان هو البلد المؤهل لإعطاء دول الشرق دروسا في الديمقراطية

بقلم:  بول خيّاط

الحلقة الرابعة عشرة

ملاحظة هامة : نلفت إنتباه القراء الكرام الى أنه تمّ إعداد هذه الدراسة قبل الحرب الحاقدة التي شنها إسرائيل على لبنان  ما بين 12 تموز و 14 آب 2006.

مقدمة الحلقة  الرابعة  عشرة: 

بعد أن إستعرضنا في الحلقات السابقة تصوّرنا حول المهمّات والوظائف التي نقدّر أنها ستلقى على عاتق من يتولى مهمة نشر الديمقراطية في الشرق الأوسط الجديد، وعددنا الشروط والمؤهلات التي يقتضي توفرها في المرشح لهذه المهمّة، وتساءلنا من تراه يكون كفأ  لهذه المهمة ثم بدأنا نستعرض مؤهلات لبنان ومدى إنطباقها على هذه الشروط ؟؟؟ وتحدثنا عن عروبته ومدى إلتزامه بالقضايا العربية..ومع أن  دبلوماسيته خدمت القضية العربية، فبدل أن يكون العرب أوفياء له خوّنوه وهدّموه وتفرجوا عليه وهو يحترق...

إستعرضنا شرط المعرفة والإنفتاح على الآخرين وأثبتنا أن موقع لبنان الجغرافي على شواطىء المتوسط أعطاه آفاقا حضارية واسعة فأصبح " أرض اللقاء  La terre de rencontre " ، وتحدثنا عن المساواة بين المواطنين رجالا ونساء كمقوّم أساسي في النهج الديمقراطي و تطرقنا الى إحترام لبنان للحريات العامة وتقديسه لحرية التعبير عن الرأي وفي الحلقة الأخيرة وصفنا ماهي عليه حالة الحريات العامة في سائر الدول العربية المجاورة والبعيدة، وشددنا على واقع أن لبنان المعافى هو لمصلحة العرب ، وأستعرضنا مختلف أنواع الأنظمة الدستورية في العالم، والسلطات الرئيسية في كل نظام ومقوماتها وصلاحياتها وتحدثنا بوجه عام عن الدستور وعن مبدأ فصل السلطات كركيزة ثابتة من ركائز الديمقراطية، ورأينا أن السلطة التشريعية يجب أن تكون ممثلة حقيقية للشعب. وأن التمثيل الصحيح هو نتيجة مباشرة لإنتخابات حرة ونزيهة  بعيدة كلّ البعد عن التدخلات.وشددنا على تمسّك اللبنانيين بالدستور كتمرّس ديمقراطي،وبحق المعارضة  وإعتماد المساءلة والمحاسبة، وبالمقارنة فإن السجون العربية تعجّ بالمعارضين الذي يتجرؤون على المطالبة بالديمقراطية ما يدفع الشعوب الى حصر إهتمامهم بلقمة العيش فقط... وفي الحلقة السابقة تحدثنا عن ظاهرة ديمقراطيات الـ 99% والتذرع بحجج الظروف الراهنة، وأكدنا علىالظاهرةالواقعية كما تكونون يولّى عليكم.. وأظهرنا أن لبنان يستطيع أن يعلّم العرب الديمقراطية إذا أرادوا أن يتعلموا وإلا فيصدق فيهم المثل الصيني: تستطيع أن تأخذ الحصان الى النهر ولكنك لا تستطيع أن ترغمه على الشرب.  

 

والآن نتابع البحث

 

العلم والتعليم من أركان الديمقراطية

نننتقل الآن الىالحديث عن  ركن هام جدا من أركان الديمقراطية،  وهو العلم والتعليم .

فالعلم ونعني به أولا المعرفة، ونعني به إستطرادا التعليم، هما، وبدون أي شك، ركنان من أركان الديمقراطية لأنهما يساعدان المواطن على توسيع آفاقه وثقافته ويساعدانه على أن يكون تفكيره شموليا ومنفتحا...

وبالإضافة الى هذا وغيره من الأسباب، يعتبر تعليم المواطنين وتثقيفهم، أو بكلمة اوضح،  تعتبر مهمّة محو الأمية أمرا حيويا وأساسيا في تطبيق أهم وظيفة للمواطنين وهي وظيفة المشاركة الفعلية في جوهر الديمقراطية وأساسهااللذين يتمثلان بممارسة عملية الإنتخاب الحرّ والنزيه.  وهذه المشاركة تعني أولا وآخرا الفهم والإدراك للعملية الديمقراطية من حيث أنها مشاركة في آلية التشريع وآلية إتخاذ القرارات والأحكام... أي أن يكون المواطن مدركا لدوره في هذه الآلية وأهمية هذا الدور... فيأتي إختياره للمرشح وإقتراعه له ، عن فهم و قناعة وليس عن جهل ونتيجة لإنصياع تحت الضغط والإكراه... وهذا النوع من الإختيار الإنصياعي يعبّر عنه في المفهوم الشعبي بالبصم...  فالأمي الجاهل يبصم بصما كما نقول، أي أنه يضع بصمة إبهامه لأنه يجهل كتابة إسمه، وعليه وإستطرادا منطقيا، ومن حيث أنه أمّي، فإنه  يبصم على ما يقدّم له دون أن يفهم تماما مضمون ما يوافق عليه وما يبصم عليه.

 

الأميّة والجهل عدوان للديمقراطية  

أن يكون المواطن متعلما، هو شرط أساسي في ممارسته حقه المدني والشرعي في الإدلاء بصوته في الإنتخابات.  على إعتبار أنه -  أي المواطن – يدخل في صلب آلية التشريع وفي بدايات تكوين السلطة التشريعية  ذاتها إي حسن إختياره لممثليه في السلطة التي سوف تشرّع القوانين بإسمه، ويدخل استطرادا في آلية السلطتين التنفيذية والقضائية، لأن الأنظمة والقرارات التنظيمية وأحكام القضاء كلّها تصدر عن هاتين السلطتين بتفويض من الشعب وبإسمه... لأن المواطن فرد من أفراد هذا الشعب. 

المواطن الأمي لن يكون بإستطاعته  ممارسة حقه في حسن إختيار ممثليه لأسباب عديدة منها  أنه  لا يقرأ وبالتالي فهو لا يفهم برنامج المرشحين، ولا يدرك تماما كم هو عظيم ومهمّ دوره في عملية الإقتراع..ولكن هذا الدور هو أيضا ، بالنسبة للأمي صعب وصعب جدا،  لأنه لا يستطيع أن يقرأ الأسماء، كما يصعب عليه أن يدون تجاه هذه الأسماء أرقام الخياراتوألأفضليات  Preferences التي تفرضها بعض قوانين الإنتخاب في النظم الأنكلوساكسونية التي أشرنا إليها في حلقة سابقة  من هذا البحث.

 

التصويت وغريزة حب البقاء

أما في القوانين الإنتخابية السارية المفعول في معظم دول المنطقة وغيرها، فهي تطلب من الناخبين أن يسقطوا في صناديق الإقتراع ورقة معينة أو لائحة معينة، أو اختيار ورقة من ورقتين بلونين مختلفين أحدهما يعني الموافقة " نعم " والثاني  يعني  الرفض " لا " . علما بان الـ ( نعم ) ليست دائما لمصلحة النظام القائم كما أن الـ ( لا ) ليست دائما ضده، فالأمر يتعلق بكيفية طرح السؤال على المواطنين في الإستفتاء.   غير أن هذا الخيار ليس متروكا فقط لقناعة المواطن، بل  هو يتعلّق بدرجة إطمنانه على سلامته وسلامة أفراد عائلته ، ويأمن على روحه وأرزاقه... وذلك نظرا لما يسبق عملية الإقتراع وما يرافقها من دعايات موجهة ومبطنة بأن التصويت في إتجاه معين أو بلون معين هو تصويت مع النظام السياسي الحاكم، في حين أن التصويت في الإتجاه المعاكس و باللون الآخر هو معارضة للنظام القائم ....  في هذه الحال يوضع المواطن، سواء كان أميا أو مثقفا، أمام خيارين لا ثالث لهما وهو إما السلامة وإما الملامة ... وحيث أن لدى كلّ إنسان غريزة أساسية،  هي غريزة حب البقاء،   لذلك فهو يختار أهون الشرين ... الذي يعني الإنصياع لرغبات الحكام المتسلطين.

 

هذا "نعم ".... هذا " لا " ....

 وفي هذا المجال نذكر، ما تردّد عن أحد الإستفتاءات في إحدى دول المنطقة لجهة أن صناديق الإقتراع كانت منفصلة:  صندوق مخصّص للتصويت  بـ ( نعم ) وصندوق آخر مخصّص للتصويت بـ ( لا ) . وتروي الطرفة، التي قد لا تكون صحيحة وواقعية ولكنها في كل الأحوال تعكس الأجواء العامة المسيطرة على النفوس والعقول والقناعات، تروي الطرف:  أن رجلا من رجال السلطة وقف في أحد أقلام الإقتراع ليتولى إرشاد؟؟!!! المقترعين... ويدلّهم على الصندوقين الموضوعين للإقتراع في الإستفتاء...

 دخل مواطن أمي وسأل رجل السلطة عن نوعية الصندوقين، فأشار هذا بيده نحو الصندوقين قائلا : هذا... ( نعم ) وهذا... ( لا) ... حاولّ المواطن أن يضع ورقته في الصندوق الثاني،  فأستدرك رجل السلطة مرشدا؟؟!! ومؤكدا: هذا... ( نعم )،  وهذا... ( لا) . حاول المواطن ألأمي المسكين مرة ثانية أن يضع ورقته في صندوق الـ ( لا ) ، فأنتهره رجل السلطة الحريص جدا على"الديمقراطية ونزاهة العملية الإنتخابية" مرشدا!!!.. ومعنّفا: يا ( ح .... ) !!! شو ما عم تفهم ؟؟  كم مرّة لازم قلّلك يا ( ح.... ) بأن هذا .. (  لا.. لا !!.)  ففهم المواطن المسكين أخيرا أن عليه أن يختار ما يضمن سلامته ..... لا قناعته.... فألقى ورقته في صندوق الـ  نعم ، لكي يأمن على حياته  فقط، ولأن المقصود الرسمي من الـ  لا  هو  : " لا تضع ورقتك في هذا الصندوق...

 فمرحى لمثل هذه " الديمقراطية..!!! "  .... وعفوك أيتها الديمقراطية....

 

السياسيون الباصمون بالعشرة ...

ولكن البصم في المفهوم الديمقراطي هو أيضا الموافقة العمياء على كلّ ما يطرح على المواطن الناخب أو النائب الذي يمارس الإقتراع على القوانين بإسم من يمثلهم من أبناء الشعب... من هنا فإن البصم في هذا المفهوم قد يطال ، وهو يطال في الواقع،  وبكل أسف، السياسيين المثقفين والمتعلّمين وحتى الحائزين منهم على الشهادات العلمية والتعليمية والإختصاصية الكبرى والعالية ...  ومع ذلك فإنهم هم أيضا- حفظهم الله ذخرا للديمقراطية؟؟!!!-  يبصمون على ما يقدّم لهم ويوافقون على ما يطلب منهم دون أن يفهموا،...  وإن فهموا فهم لا يستطيعون أن يناقشوا... وإن ناقشوا فهم يناقشون فقط لتسجيل موقف كلامي فارغ علنا...  أو لغايات معيّنة هي تسديد مستحق لفاتورة سابقة أو لحساب مستقبلي في الأفق...  ولكنهم في نهاية المطاف يبصمون كالأميين  بعكس قناعاتهم وخلافا لصفصطاتهم الكلامية التي لا تعني شيئا على الإطلاق ...يبصمون بأصابعهم العشرة ودون حياء بل قل يبصمون بكلّ صفاقة...  وإذا كنا نعذر الأمي لأنه لا يعرف ولا يدرك، فكيف نستطيع أن  نعذر حملة الشهادات العالية؟؟؟!!!  وهذا ما لمسناه ونلمسه في قضايا مصيرية مهمّة جدا في حياة الأوطان، وفي مناسبات عديدة لا تعدّ ولا تحصى .... ولكنها ستظل محفوظة في ذاكرة الوطن ....والتاريخ  الذي إن رحم الأميين لأنهم جاهلون ، فهو لن يرحم المثقفين الباصمين لأنهم جبناء....

  يتبع في الحلقة الخامسة عشرة والأخيرة