بعد ستة أشهر على توقيف الجنرالات الأربعة هل يحمل القضاء استمرار التوقيف وتحمل الحكومة تخليتهم

الثلاثاء, 28 فبراير, 2006

تنقضي اليوم فترة ستة أشهر كاملة على توقيف الضباط الأربعة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري. ويطرح حيال ذلك السؤال من نوع: هل يطلق سراح هؤلاء, وفق القوانين المرعية, وبناء على التطورات الواقعية والسياسية؟ مصادر قانونية تشير الى "انه يمكن للموقوفين في ملف محال أمام المجلس العدلي أن يظلوا موقوفين حتى محاكمتهم, وليس فقط لمدة ستة اشهر قابلة للتجديد مرة واحدة كما يحصل في التوقيفات الجنائية العادية". غير أن مصادر قانونية أخرى لا تزال تعتقد أن تطبيق قانون أصول المحاكمات الجزائية الجديد, والصادر عام 2002, ينطبق حكما على الموقوفين الأربعة. أي أن توقيف أي متهم بجناية لا يمكن أن يستمر بعد ستة أشهر من حصوله, اذا لم تكن المحاكمة قد بدأت, الا بقرار جديد من النائب العام التمييزي في هذه الحال, وعلى أن يكون قرارا معللا. وبالتالي فان الضباط الأربعة الذين أوقفوا في 30 آب 2005, تنقضي اليوم مهلة الأشهر الستة القانونية على توقيفهم. وعليه ينتظر اما أن يطلق سراحهم استنادا الى طلب مقدم من وكلاء دفاعهم في هذا الخصوص, واما أن يرد المدعي العام طلبا كهذا, بقرار معلل يجدد فيه توقيفهم ستة أشهر أخرى, وذلك لمرة وحيدة وأخيرة. لكن الأسئلة المطروحة ازاء هذا الملف تبدو مقلقة ومأزقية: فمن جهة أولى علام سيستند المدعي العام بعدما قيل ان الملف فرّغ من جميع الافادات المتهمة للضباط, وآخرها سقط بعد اخلاء سبيل محمد زهير الصديق في باريس قبل أيام؟ ومن جهة أخرى هل "تحمل" هذه الحكومة والفريق السياسي الذي تنتمي اليه, اطلاق سراح الضباط الأربعة, بعد ستة أشهر من بناء خطابهما السياسي وحتى مشروعية حكمهما, على اتهام هؤلاء وسجنهم؟

بالعودة الى الوراء وتفاصيل الملف, يذكر المتابعون أنه لم تكن عقارب الساعة قد تجاوزت السابعة والنصف من مساء الثالث من أيلول من العام 2005 حين أصدر المحقق العدلي القاضي الياس عيد أربع مذكرات وجاهية بحق "الجنرالات الأربعة" بتهمة المشاركة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. وتضمنت مذكرات التوقيف اتهامات بجرم القتل عمدا، محاولة القتل عمدا، أعمال إرهابية، حيازة أسلحة ومتفجرات، استنادا إلى مواد ادعاء النيابة العامة التمييزية وتصل عقوبة بعض هذه المواد إلى الإعدام.

وعلى اثر صدور هذه المذكرات, بعد يومين من الاستجوابات الماراتونية في قصر العدل، نقل الجنرالات الأربعة, وهم المدير العام السابق للأمن العام اللواء الركن جميل السيد، قائد الحرس الجمهوري العميد مصطفى حمدان، المدير العام السابق لقوى الأمن الداخلي اللواء علي الحاج والمدير السابق لمخابرات الجيش اللبناني العميد ريمون عازار, إلى نظارة الشرطة العسكرية في اليرزة قرب وزارة الدفاع.

وجاء هذا الإجراء كون نظارة المقر العام لقوى الأمن لا تعتبر سجنا قانونيا، في حين يقضي القانون بنقل الموقوفين بمذكرات وجاهية إلى السجن, إلى حين محاكمتهم أو إخلاء سبيلهم.

وكان المحقق الالماني ديتليف ميليس أوصى القضاء اللبناني بإبقاء قادة الأجهزة الأمنية المشتبه فيهم في جريمة اغتيال الحريري قيد التوقيف, موضحا في مؤتمر صحافي عقده في حينه انه"أوصينا واقترحنا على المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا إبقاء المشتبه فيهم الأربعة قيد التوقيف". مشيرا إلى أن "التحقيق مستمر, وذلك لضمان وجودهم وعدم مغادرتهم البلد". كما لفت إلى أن المشتبه فيهم ليسوا مدانين ويجب النظر إليهم كأبرياء يتمتعون بقرينة البراءة ولم يتم اتهامهم رسميا بعد".

بعدها احال ميليس ملف استجوابات المشتبه فيهم إلى ميرزا الذي أحاله بدوره بعد الاطلاع عليه، إلى القاضي الياس عيد لإجراء ما يراه مناسبا. ومنذ ذلك التاريخ لا يزال الجنرالات الأربعة قيد التوقيف.

مصادر قانونية ترى أن "المشكلة بدأت في 30 آب عندما خالفت لجنة التحقيق صلاحياتها واقترحت على القاضي عيد توقيف الضباط الأربعة. عندها انقلبت الأدوار. فهذه اللجنة ليست لها صفة قضائية تخولها التوقيف أو الادعاء على احد, ويقتصر عملها على جمع الأدلة مثل أي نائب عام استئنافي أو شرطة قضائية، واحالتها الى القاضي عيد وهو المخول الوحيد الذي يتمتع بالصفة القضائية, ووحده الذي يقرر أو يرتئي التوقيف".

الشرارة الأولى والقرار 1595

الشرارة الأولى انطلقت مع صدور القرار 1595حيث تم تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة مهمتها مساعدة القضاء اللبناني في التحقيق في اغتيال الحريري. ورغم أن قرار مجلس الأمن نص في المادة 6 منه على إلزام اللجنة قبل ممارسة عملها, أن تخضع لقانون أصول المحاكمات الجزائية, نظرا إلى أن القانون اللبناني لا يطبق عليها كونها مستقلة. إلا أنها لم تتقيد به ما يشكل مخالفة لقرار مجلس الأمن.

ولفتت هذه المصادر إلى أن "الحكومة اللبنانية وقعت مذكرة تفاهم في 13حزيران مع اللجنة، سمحت لها بموجبها أن تحجب الأدلة عن القضاء اللبناني، بمعنى أن القضاء اللبناني يعطي كل ما لديه من معلومات، وبالتالي يحق للجنة ألا تدلي بأي معلومات للقاضي اللبناني طالما أن مهمتها مستمرة. هكذا في 30 آب خالفت اللجنة صلاحياتها واقترحت على عيد عملية التوقيف. هذا الاقتراح العلني شكل ضغطا على القضاء الذي اعتبر نفسه بالتالي ملزما بالتوقيف".

وتضيف المصادر انه "رغم مضي ستة اشهر على التوقيف لم يتم الاستماع إلى الضباط الأربعة إلا مرة واحدة فقط،( أضيفت اليها مرة ثانية بعد وصول المحقق الجديد سرج برامرتس قبل أيام, في خطوة اعتبرها البعض مرتبطة بمهلة الأشهر الستة, أكثر مما هي مرتبطة بمستجدات فعلية في التحقيق) كما انه لم تتم مواجهتهم مع الشاهدين محمد الصديق وهسام هسام, كونهما كما بات معلوما الركيزة الأساسية للتحقيق. فهذان الشاهدان اخفت اللجنة أمرهما عن القضاء اللبناني وعندما أوقف الضباط الأربعة لم يكن يعرف بوجودهما. لقد اصبحت لدينا في الشكل مذكرة توقيف قضائية صادرة عن القضاء اللبناني إنما في المضمون هناك تبنّ لاقتراح لجنة التحقيق ومن دون أن يكون القضاء اللبناني على علم بأسباب هذا الاقتراح. من هنا اخذ التوقيف شكلا قضائيا، إنما المضمون هو توقيف "بوليسي" من قبل الضابطة العدلية".

توقيف سياسي من دون أدلة

في ظل هذه المعطيات وعدم قانونية التوقيفات تقدم وكيل اللواء جميل السيد المحامي أكرم عازوري بدعوى ضد الدولة اللبنانية أمام مجلس الشورى من اجل ابطال مذكرة التفاهم الموقعة بين وزارة العدل ولجنة التحقيق. وذلك حتى يتسنى للقاضي اللبناني الاطلاع على كل المعلومات التي تملكها اللجنة خلافا لمذكرة التفاهم. ويأتي هذا الطعن في ظل التوقيفات التي تمت من دون الاستناد إلى أدلة قانونية في التوقيف.

وتتساءل هذه المصادر عن" سبب التلكؤ في مواجهة "الجنرالات الاربعة" مع الشاهدين الصديق وهسام. فإذا كانت الأسباب الأمنية تمنع هذه المواجهة لجهة تواجد هسام في سورية والصديق في باريس، إضافة إلى الأقوال التي أدلى بها أخيراً عبد الحليم خدام والمتواجد أيضا في العاصمة الفرنسية، فلماذا لا يتم نقلهم إلى باريس وتتم المواجهة هناك, وبالتالي يطلب من سورية تسليم هسام؟؟ عندها يظهر الخيط الأبيض من الخيط الأسود". وتضيف: "في حال لم تتم المواجهة، يكون التوقيف الحالي توقيفا سياسيا بامتياز، خصوصا أن رئيس اللجنة السابق القاضي ديتليف ميليس, أشار في تقريره الى أن الغاية من التوقيف هي إرسال إشارة إلى الشعب اللبناني بأن لا احد فوق القانون، ما معناه أن دافع التوقيف سياسي ولا يرتكز على أدلة، فقد اوقفهم قاض لم يطلع على الملف وبالتالي لا يمكن ان يحقق معهم من دون ادلة. والبرهان انه منذ 3 ايلول لم يستجوبوا باستثناء الحاج والسيد اللذين استجوبا أخيراً".

وترى هذه المصادر "انه بعد الكلام الذي صدر عن ميليس والذي توجه به إلى الشعب اللبناني ليس من مصلحة "الضباط الأربعة" الخروج من السجن كما دخلوا إليه. لأن هذا الأمر قد ينعكس سلبا عليهم ويؤدي بالتالي إلى توجيه سياسة معاكسة للقانون وأنهم فوق القانون لا تحته. إضافة إلى انه ليس من مصلحة الموقوفين أن تتزعزع صدقية اللجنة، لأنه في حال حصول ذلك وإخلاء سبيلهم عندها يشك اللبنانيون في براءتهم".

 المادة 108 من أصول المحاكمات الجزائية

في الجنحة: ما خلا المحكوم عليه سابقا بعقوبة مدتها سنة على الأقل، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف بالجنحة شهرين يمكن تمديدها مدة مماثلة كحدّ أقصى في حالة الضرورة القصوى.

في الجناية: ما خلا جنايات القتل والمخدرات والاعتداء على امن الدولة والجنايات ذات الخطر الشامل وحالة الموقوف المحكوم عليه سابقا بعقوبة جنائية، لا يجوز أن تتعدى مدة التوقيف في الجناية 6 اشهر يمكن تجديدها لمرة واحدة بقرار معدل.