ما هو سرّ رنا قليلات؟

الأحد, 12 فبراير, 2006 البلد/

    السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الجميع ويرسم أكثر من علامة استفهام, هو كيف استطاعت شابة آتية من عائلة بسيطة دخلت إلى المصرف وعملت فيه كموظفة عادية, أن تصبح بعد فترة أمينة سرّه التنفيذية وتقوم بسحب كل هذه الأموال الطائلة ؟ وهل كانت لتقوم بهذه العمليات بمفردها أم أن هناك جهات خارجية كانت تدفعها للقيام بهذا الأمر؟

أسئلة وأسئلة تطرح حول لغز “بنك المدينة”. كيف وصلت الأمور إلى هذا الحد ؟ هل يعقل أن تختلف رنا قليلات مع إبراهيم وعدنان أبو عياش؟ جميع هذه الأسئلة تبقى من دون أجوبة باستثناء “ثلاثة أشخاص وحدهم يمكنهم الإجابة عن هذا اللغز وسيأتي اليوم الذي يكشفون فيه النقاب عن الحقيقة” وفق ما قاله المحامي عبدالله الرافعي الذي كان وكيل إبراهيم أبو عياش.

بدأت بوادر أزمة “بنك المدينة” في العام 2000 بعدما أشارت لجنة الرقابة على المصارف في تقريرها إلى وجود تلاعب في حسابات المصرف. فطلبت في حينها من رئيس الإدارة إبراهيم أبو عياش إقالة بعض الموظفين ومنعهم من ممارسة المهنة” ويتابع الرافعي: “ لبّى أبو عياش هذا الأمر وبناء على اقتراح مصرف لبنان عيّن موظفين آخرين وتابع المصرف وظيفته الاعتيادية إلى أن انفجرت الازمة في العام 2003 مع ارتجاع شيكين مصرفيين من غرفة مقاصة مصرف لبنان، ما يشير إلى عدم وجود للسيولة في المصرف، في حين أن الأوراق والموازنة كانت تظهر انه يربح فيما الحقيقة عكس ذلك”.

واستمرت الأمور رمادية إلى أن اتخذ مصرف لبنان إجراءات في آذار 2003 في حق “بنك المدينة” وشقيقه” الاعتماد المتحد” وأحال الملف إلى النيابة العامة التمييزية, بعدما تلقت الأخيرة كتاباً من هيئة التحقيق الخاصة بمكافحة تبييض الأموال, حول الاشتباه بعمل المصرفين, بما في ذلك المخالفات المصرفية فيهما. ولم تمض 36 ساعة حتى سحب الملف مع بيان أعطى ثقة بالمصرفيين بلغت حدّ التعهد غير الصريح.

وفي 14 تموز 2003 باشر النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم تحقيقاته في ملف تبييض الأموال بعد القرار الذي صدر عن هيئة التحقيق الخاصة والقاضي بتجميد أملاك وأرصدة مصرفية ورفع السرية عن حسابات تعود إلى أفراد وشركات مشتبه في تورطهم في قضايا اختلاس أموال من المصرفين، إلى أن تم بتاريخ 8/10/2003 تعيين

 بنت ذكية جداً

يصف الرافعي المشكلة التي أدت إلى تفاقم الازمة في المصرف بأن “ابراهيم أبو عياش الشريك الحاضر في بيروت ومستلم زمام إدارة “بنك الاعتماد” فعلياً و”بنك المدينة” شكلياً، هو الذي كان يتلقى ويتحمل كل الضربات والمسؤوليات التي كانت تقع على هذين المصرفين. من جهة أخرى, يملك عدنان الثري جداً، “بنك المدينة” فعليا وهو مساهم في “بنك الاعتماد” وله المرجعية الأخيرة في القرارات المصيرية والمهمة وإبداء الرأي والاطلاع على أمور “بنك المدينة”. وكونه موجوداً في السعودية جعل الساحة تخلو من أي مدير، غير شقيقه. أما بالنسبة إلى رنا قليلات فكانت “السكرتيرة المدللة” لدى إبراهيم أبو عياش, وهو كان له الفضل الأكبر في توظيفها في المصرف ومعاملتها معاملة خاصة, وكان يحرص على أن تعيش في مستوى لائق, خصوصا أنها أتت من بيئة متواضعة جداً. وكان يصفها ابراهيم بأنها “بنت ذكية جداً” لكنها استغلت نفوذها في المصرف ولسانها وكلامها الطري مع الزبائن حتى باتت الموظفة “رقم واحد” التي لا يرفض لها طلب إطلاقا نظراً الى اتصالها المباشر مع عدنان أبو عياش في السعودية”.

ويتابع الرافعي: “الأفظع من ذلك هو قيام رنا قليلات بالتخطيط وبشكل هادئ جداً لعملية الاستيلاء على اكبر كمية من الأموال من شخص عدنان أبو عياش وليس من “بنك المدينة”. وتفاقم الوضع لاحقا حتى وصل بها الأمر إلى حدّ التخطيط للاستيلاء على أموال المودعين والمصرف على السواء. كما استغلت رنا غياب عدنان وثقته فيها, على أساس أن شقيقه إبراهيم يعرفها جيداً وسبق أن تعاطى معها كسكرتيرة وامتحنها ووجدها قديرة وكفوءة, كي تتولى وظيفة الاتصال والربط بين الإدارة والمصرف بشكل عام”.

ويضيف: “استغلت رنا هذه الثقة مرة أخرى وبدأت تخلف الشقيقين في ما بينهما وتتبع طريقة”فرق تسد” حتى أصبح عدنان يثق فيها ثقة عمياء وينصت لها ولمشاريعها الوهمية وأفكارها ومخططاتها. وبقي ابراهيم في منأى عن هذه الأمور مهتماً بإدارة مصرفه الذي, رغم ما سمي أزمة” بنك المدينة” وبعد التحقيقات القضائية كافة التي أجريت, لم يتبين وجود مخالفات تذكر سوى مخالفتين اثنتين حصلتا من دون علمه, وإنما من فعل رنا. المخالفة الأولى تمثلت في إصدار عشرة شيكات مصدقة من دون قيود وغير مسجلة في المصرف. أما المخالفة الثانية فتمثلت في الغش في أرقام وموازنات وإيداعات في “بنك الاعتماد المتحد” التي لم يكتشفها اساساً ابراهيم ولم تكن بعلمه اطلاقاً. أما باقي الخلافات التي حصلت والتي ظهرت لاحقا، فيمكن وصفها بالشخصية, كون عدنان أبو عياش قد سلب منه ومن مصرفه مبلغ يفوق المليار دولار اميركي”.

ويرى المحامي الرافعي أن”مصرف لبنان وتحديداً الحاكم رياض سلامة لعب دوراً حكيماً في الحفاظ على أموال المودعين واستردادها ودفعها لهم من دون التسبب بأي أزمة اجتماعية".

ويضيف: “بعدما تنبه كل من إبراهيم وعدنان الى ما حصل وأصبحا يكتشفان كل يوم فظاعة ما حدث .من قبل رنا وفريقها ، قررا عندئذ القيام بالإجراءات اللازمة ضمانا لحقوقهما الشخصية, بعدما اطمأنا الى أن حقوق المودعين مؤمنة من قبل مصرف لبنان من خلال العقارات التي تم تسييلها. عندها باشرا في الدعاوى ضد مجموعة من الأشخاص الذين كانوا يظهرون في مظهر الأوفياء للمصرف والعاملين لمصلحته، إلا انه تبين أنهم كانوا اصل البلاء. فقام الشقيقان أبو عياش بالادعاء عليهم بجرائم مختلفة أمام القضاء. إلا انه تبين أن رنا قليلات قد تصرفت بشيكات كثيرة باسم آل أبو عياش وسلمتها إلى الكثير من الأشخاص ممن توجبت لهم أموال في ذمة المصرف أو في ذمتها شخصياً. فما كان منها إلا أن وزعت في السوق اللبنانية مجموعة من الشيكات غير المليئة, على كل من كان دائنا لها, أو على أشخاص ليست لهم أي علاقة مالية مع “بنك المدينة”، إنما كانوا من المقربين منها وأرادت إثراءهم على حساب آل أبو عياش”.

ويشير الرافعي إلى انه “ كان في حوزة رنا عدد هائل من الشيكات الموقعة من عدنان أبو عياش, والتي استطاعت الاستيلاء عليها منه بحجة تحويل قيمتها كاملة من حسابها الذي تملكه في سويسرا. وعلى هذا الأساس قام بتسليمها هذه المبالغ".

 دعاوى متعددة

أكثر من 50 دعوى جزائية أقامها آل أبو عياش في حق رنا قليلات وموظفين في المصرف بجرم احتيال وتزوير, إضافة إلى عشر دعاوى مدنية. ومنعت المحاكمة في ثماني دعاوى بحقها لعدم كفاية الادلة. بدورها ادّعت رنا على عدنان أبو عياش. المرة الأولى أوقفت لمدة أسبوع فقط, وذلك على اثر الدعوى التي أقامتها رولا سويد عليها بجرم الاحتيال. أما المرة الثانية فكانت بجرم تزوير توقيع حاكم مصرف لبنان وتزوير سويفتات, فدخلت على أثرها إلى السجن لمدة سنة وشهرين, إلى أن اخلي سبيلها لقاء كفالة مالية. ورغم منعها من السفر وحجز جوازها إلا أنها تمكنت من مغادرة الأراضي اللبنانية وتضاربت الأقاويل حول كيفية هروبها, حيث يعتقد انها هربت من لبنان إلى سورية بجواز سفر لبناني باسم فخرية مهنا, ومنها سافرت بشكل رسمي إلى تركيا فمصر.والبعض يعتقد انه تمت تصفيتها من قبل النظام السوري والبعض الآخر يشير إلى امتلاكها جوازاً بريطانياً يسهّل عليها عملية التنقل بين البلدان. اما ابراهيم ابو عياش الذي غادر لبنان مع عائلته، فأوقف في تاريخ 5/11/2003 بجرم اعطاء شيكات من دون رصيد ليخرج في 23/4/2004 لقاء كفالة مالية. كما صدرت في حق عدنان ابو عياش مذكرات توقيف متعددة ومذكرة استرداد الاّ انه لم ينفذ منها شيء بسبب اقامته في الخارج في شكل شبه دائم.

مصادر قانونية متابعة لهذا الملف تستغرب وصول الأمور إلى هذا الحد بين رنا وعدنان, خصوصا انهما كانا مثل “السمن على العسل”. حتى انه بعدما قدمت استقالتها من المصرف سنة 2002 أي قبل انفجار أزمة”بنك المدينة” حصلت ليس على براءة ذمة واحدة فقط, بل “براءات” من آل عياش. وتضيف هذه المصادر انه” كان في استطاعة رنا مغادرة الأراضي اللبنانية بكل سهولة في حينها وبالتالي عدم الدخول إلى السجن. خصوصاً أن” يدها طايلة”, إلا أنها آثرت البقاء في لبنان وهي التي تملك أموالاًً لا تحصى ولا تعد، ما يدل على وجود” قطبة مخفية” لا تزال سر الأسرار.