حزب الكتائب احتفل بيوبيله الماسي في الفوروم دو بيروت

الجميل: لماذا نتحلى بالشجاعة لاقتراف الحروب ولا نتحلى بها لصناعة السلام؟

الحوار واجب في كل ظرف لمنع بلوغ الصراع الحالي حد تهديد وجودنا المشترك

لبنان لا يبنى بدون كل الفئات ومن بينها حزب الله لكنه لا يبنى مع دولة الحزب

الاتهامات السياسية باطلة وكذلك التبرئة السياسية وحده حكم العدالة يزيل الإجحاف

وطنية - 18/12/2010 أطلق حزب الكتائب اللبنانية، عند الخامسة من عصر اليوم، سنة اليوبيل الماسي لتأسيس الحزب، في احتفال حاشد أقيم في الفوروم دو بيروت، في حضور رئيس الحزب الرئيس امين الجميل، محاطا باعضاء المكتب السياسي والمجلس المركزي والعائلة الكتائبية.

حضر الاحتفال ممثل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان وزير العدل ابراهيم نجار، ممثل رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب نهاد المشنوق، ممثل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة، ممثل الرئيس نجيب ميقاتي مصطفى آغا، الوزراء: سليم الصايغ، الياس المر ممثلا بمستشاره ملحم رياشي، بطرس حرب، ريا الحسن، جان اوغاسبيان، منى عفيش وميشال فرعون، نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، النواب: فريد حبيب، انطوان زهرا، ستريدا جعجع، أحمد فتفت، ايلي عون، سيرج طورسركيسيان، سيبوه كلباكيان، سامي الجميل، نديم الجميل، سامر سعاده، فادي الهبر، ايلي ماروني،امين وهبه، نبيل دو فريج، جمال الجراح، روبير غانم، عاصم عراجي، طوني ابي خاطر، دوري شمعون، نضال طعمه، خضرحبيب، ادغار معلوف، عقاب صقر وعمار حوري.

كما حضر مطران بيروت للموارنة بولس مطر، رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع، رئيس جبهة الحرية فؤاد أبو ناضر، منسق الأمانة العامة لقوى الرابع عشر من آذار فارس سعيد، الأمين العام لحزب الوطنيين الأحرار الياس ابو عاصي، ممثل اللجنة المركزية لحزب الطاشناق كرنيك مارغاديتشيان ورئيس مؤسسة "مواطنون جدد" انطوان صفير.

كذلك حضر ممثل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء أشرف ريفي العميد الياس سعادة، العقيد سمير حدشيتي ممثلا المدير العام الجمارك، نقيبا المحامين السابقين ميشال اليان ورمزي جريج، مستشار رئيس الحكومة داود الصايغ، عضو الأمانة العامة لقوى 14 آذار ايدي ابي اللمع، رئيس لجنة الاقتصاد في غرفة زحلة والبقاع طوني طعمه، نقيب المستشفيات الخاصة سليمان هارون، نقيب الصيادلة زياد نصور ، رئيس رابطة آل عدرة الشيخ نجيب عدرة.

وحضر أيضا: جويس أمين الجميل، صولانج بشير الجميل، باتريسيا بيارالجميل، نيكول الجميل مكتف، يمنى بشير الجميل، وعائلة النائب الشهيد انطوان غانم، إضافة إلى حشد كبير من السياسيين والاعلاميين ورؤساء البلديات ومنظمات المجتمع المدني.

وقد امتلأت الطرقات المؤدية الى مقر الاحتفال بمئات السيارات للكتائبيين والمناصرين، وغصت قاعة الفوروم منذ ساعات الظهر بالحشود الآتية من مختلف المناطق اللبنانية للمشاركة في هذه المناسبة حاملين الأعلام اللبنانية والكتائبية. ووضعت على جدران الفوروم الخارجية يافطات عملاقة تحمل شعار اليوبيل، ونصبت خيم بيضاء في الباحات الخارجية وزينت الجدران الداخلية بصور لمؤسس بيار الجميل والرئيس الشهيد بشيرالجميل والوزير الشهيد بيارالجميل والنائب الشهيد انطوان غانم.

الاحتفال

بداية النشيد الوطني والنشيد الكتائبي، ثم تلاه عرض للأقاليم الكتائبية السبعة والعشرين بالثياب الحزبية ودخل حملة الأعلام: علم لبنان، علم الكتائب فعلم اليوبيل إضافة الى علم يمثل كل إقليم من الأقاليم الكتائبية المنتشرة على كامل الأراضي اللبنانية، وظهرت على شاشة عملاقة خارطة لبنان ومن بعدها عبارة "الكتائب لكل لبنان".

وقدمت من بعدها تحية الى الشهداء الذين سقطوا على مر تاريخ الحزب، فظهرت أسماؤهم وتحولت مجتمعة الى أرزة كتائب مضيئة ثم كلمة: "ماتوا لنحيا".

بعد ذلك أنشدت جوقة أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و13 سنة أغان تجذرت في الذاكرة الكتائبية وهي "غنيتلي اليمامي"، "عا دعساتك" و"نحنا جنود الحرية". ثم عرض فيلم وثائقي قصير عن الموقع الألكتروني الرسمي لحزب الكتائب الذي ارتدى حلته الجديدة للمناسبة.

وتوج الإحتفال بقسم يمين لمنتسبين جدد للحزب بلغ عددهم 2120، وأطلق على دورتهم اسم "دورة الرئيس المؤسس الشيخ بيار الجميل".

الجميل

واختتم الاحتفال بكلمة للرئيس الجميل، توجه فيها إلى ممثلي رئيس الجمهورية ورئيسي مجلسي النواب والوزراء، والحضور، بالقول: "بعد خمس وسبعين سنة ستكون الكتائب هنا. كموج البحر، كفصول السنة، أجيال تخلف أجيالا، وأفواج تعقب أفواجا.

في مثل هذه الفترة، منذ ثلاثة أرباع قرن، انطلقت الحركة الكتائبية. صدح صوت بيار الجميل في أرجاء الوطن الفتي يهيب بالانتداب أن يرحل، وبالشعب إلى أن يتحد؛ فرحل الأول، وشق الشعب درب الوحدة. وها هي الكتائب اليوم، تلبس ثوب العيد، مكللا بمجد لبنان، بألوان المقاومة، بغار المناضلين، بأرواح الشهداء، وبعواصف الزمان".

أضاف: "إنه الحلول الكتائبي الثاني في خدمة لبنان. نأتيكم من تاريخ معتق لنبني حاضرا زاهرا، ومستقبلا واعدا لشبابنا وشاباتنا. هناك من اختبره التاريخ، وهناك من يتمتع بالحاضر، وهناك من يحلم بالمستقبل. ميزة الكتائب، أنها تقيم في التاريخ، وتنهض بالحاضر، وتتهيأ للمستقبل. إن كان في تجديد التجربة مغامرة، فالمغامرة في سبيل لبنان إيمان. إن لبنان ليس مشروعا ممكنا لكي نجعله مستحيلا، إنه مشروع حتمي، فلا نؤخرن تحقيقه أكثر، ولا نحاولن تغيير رسالته".

وتابع: "إن البديل عن لبنان الميثاق ليس لبنان آخر، بل آخر لبنان. الشعب الواحد، المصمم على الحياة معا، يتقاسم الحقائق والأساطير، التاريخ والمستقبل، الدين والأنبياء، القيم والفضائل، الأحزان والأفراح. أما نحن، فيوجد بيننا: من يريد الأمن ولا يكف عن القتال، والسيادة ولا يكف عن الاستعانة بالغريب، والاستقلال ولا يكف عن الانحياز، والقيادة ولا يكف عن الانقياد، والتعايش ولا يكف عن التهديد والوعيد، والتحرير ولا يكف عن الانفصال.

إننا نعيش مأساة وجودية وكيانية، ونجتاز أزمة نظام ودستور وثقة، تحتم الاحتكام إلى الضمير، قبل القانون والسياسة، لنصلح ميثاق الحياة المشتركة".

وقال: "من بين الأسباب التي أدت إلى فشل مشاريع الإصلاح في لبنان، منذ الاستقلال إلى اليوم، أنها بنيت على أساس طائفي، وهدفت إلى تطوير دور الطوائف على حساب بعضها البعض، عوض أن تبنى على أساس خلق مواطنية تحترم الطوائف، وتبعد الطائفية عن مؤسسات الدولة. لقد تقدم دور الطوائف والمذاهب، وتراجع دور الإنسان والمواطن. نزوة الانتصار على الآخر غلبت إرادة الميثاق والتعايش".

ورأى "إن تثبيت الاستقرار في لبنان، وإخراجه من دوامة الحروب الدورية، والأزمات المتتالية، تفرض على اللبنانيين مواجهة الحقيقة: لا أسباب الحروب علينا واضحة، ولا مرتكزات تسوياتنا الوطنية شفافة. حروب البعض أوامر، وقبولهم بالتسويات أوامر. ولأننا نتقاتل من دون إنذار، ونتحاور من دون مصارحة، أتى معظم حروبنا عبثيا، وجاء معظم تسوياتنا ملغوما. في طياتها نقاط اختلاف تؤسس لخلافات مستقبلية. لا يعود ذلك إلى أن أبواب لبنان مشرعة أمام الخارج فقط، بل لأن الأبواب موصدة بين اللبنانيين.

وفيما نسعى إلى ترسيم الحدود بين لبنان ومحيطه، نرى حدودا ترتسم، من جديد، بين فئات لبنانية، وأحزاب لبنانية، ومذاهب لبنانية، ومناطق لبنانية. وبين الإنسان والإنسان".

وأردف بالقول: "إننا نلمح طلائع مشاريع، متعددة المنشأ، تسعى، لا لتطوير النظام لتصبح آليته الدستورية منسجمة مع تعددية المجتمع، بل لإلغاء مفهوم الدولة المدنية، وأسس الجمهورية الجامعة، وتغيير هوية الوطن ونمط الحياة، وإعطاء فقه جديد للتعايش، من خلال فرض "ذمية محدثة" سياسية، وعسكرية وأمنية، واجتماعية. هذه مشاريع نرفضها ونقاومها جميعا، وهي تحمل في صلب بنيتها، المخالفة لطبيعة لبنان، بذور هزيمتها. فمن لا يحيا في مناخ لبنان، لن ينبت في أرض لبنان".

وقال: "بصراحة، نفهم لبنان دولة تعددية، ديموقراطية، يعيش فيها المسيحيون مع المسلمين حضارة لبنان والشرق، منفتحين على الثقافات العالمية. وإذا نشطنا، كمسيحيين، لتأسيس هذه الدولة بكيانها الحالي، فليس لتكون لنا، لكن، لن نقبل في أي حال أن تصبح ضدنا. أردنا لبنان ملاذا مستقرا ومنطلقا نحو الإشعاع على محيطنا والعالم. نؤمن أن كل الأطراف اللبنانيين هم شركاء في بناء لبنان. وسيأتي يوم، تحل النعمة والحكمة على الجميع، فنكتشف أمرين: عبثية الصراع الدائر اليوم، ومدى الأضرار التي خلفها على وحدتنا ونموذج تعدديتنا.

لذلك، إن الحوار واجب في مثل هذه الظروف الصعبة، وفي كل ظرف، لمنع بلوغ الصراع الحالي حد تهديد وجودنا المشترك. إن التواصل هو الفضيلة، والقطيعة هي الخطيئة؟ وبئس زمن يعتبرون فيه المصافحة بين لبنانيين إنجازا وطنيا، واللقاء بين سياسيين لبنانيين حدثا عالميا. أهكذا تبنى الأوطان؟".

أضاف: "إننا في الكتائب، وأنا شخصيا، نؤمن بأن حركة الحوار الصريح بين الناس، وإن فشلت، تبقى أفضل من دورة العنف المدمر. في هذا الإطار، ورغم التصعيد المتواصل، ما فتئنا نردد بأن حزب الله، هو من صميم هذا البلد. ومكابر من ينكر طاقات هذا الحزب وقدراته وصفته التمثيلية، وما فتئنا نردد بأن لبنان لا يبنى من دون كل الفئات اللبنانية ومن بينها حزب الله، لكن لبنان لا يبنى مع دولة حزب الله.

إن دولة لبنان، لا تبحث عن الاتحاد بدولة أخرى، بل تبحث عن جمع بنيها لتضمهم تحت جناحيها في ظل مشروع دستوري واحد. إن إعادة إحياء زمن الدويلات، وزمن المشاريع الخاصة بكل طائفة أو حزب، يفتح شهيات كثيرة في وقت، يتفتت العراق، ويقسم السودان، ويعاني أكثر من بلد عربي نزعات انفصالية".

وتابع: "لقد قدمنا في لبنان، ولا نزال، تضحيات لإنقاذ البلاد من ظاهرة الأمن الذاتي، والمربعات الأمنية، والمخيمات الفلسطينية المعسكرة، وقوى الأمر الواقع، فلا نحركن الرغبات النائمة. إن الاتفاق في ما بيننا على أن إسرائيل هي عدو، وهذا تحصيل حاصل، لا يكفي لبناء لبنان. يجب أن نتفق على الحياة الميثاقية، على التفاعل الاجتماعي، على مفهوم الدولة، على دور لبنان في محيطه، على مفهوم النظام والمشاركة، على مبدأ الديمقراطية والتوافقية، على احترام الدستور وفصل السلطات، على حل موضوع ترسانة حزب الله العسكرية، بحيث لا يبقى سلاحان في دولة واحدة، وجيشان لشعب واحد. ويجب أن نتفق مع كل قوى 8 آذار، على مبدأ الفصل بين الخلاف السياسي وعمل المؤسسات الدستورية، فلا نعطلها، وهي المعنية بحياة الناس ودورة المجتمع".

وأردف: "إن ما نراه منذ مدة، ليس ممارسة سياسية، بل عقوبة تنفذها المعارضة بحق الشعب. أتراها أنشأت محكمة خاصة لمحاكمة الشعب والاقتصاص منه؟!

شلل المؤسسات، لا يعطل عمل الحكام بل أعمال الناس. وتجميد القرارات والقوانين والموازنات لا يعيق الوزارات فقط، بل يطال مباشرة مصالح الناس الحياتية، والاجتماعية، والتربوية، والاقتصادية، والصحية، وكأن ما يجري هو انتقام من شعب يراهن على الدولة، ويؤمن بالعدالة، ويتوق إلى السلام والأمن والحرية".

وشدد على "ان أول صفة يجب أن يتحلى بها مسؤول، أو زعيم، هو حب الشعب. فأين المحبة في ما يجري؟ إن ما يحصل هو عصيان غير معلن بعد، أو تمهيد لأحداث لاحقة. ومنذ الآن، نبلغ المعنيين أن أي مس بالأمن سيرتد على أصحابه. لسنا ذئابا، لكن لسنا بنعاج. نحن أسود يعرف الأمس القريب جولاتنا واشتاقت الساحات إلى صولاتنا. ثوابتنا لن تتغير، قناعاتنا لن تتعدل، وعلى أرواح شهدائنا لن نساوم".

أضاف: "إن ما يخدش آذاننا من تصاريح وخطب، هو أساسا تحد للدولة قبل سواها، وبالتحديد لمؤسساتها الدستورية والعسكرية والأمنية. وهي تطرح مصداقية الوعود التي التزمت بها هذه المؤسسات، بالدفاع عن الوطن والمواطنين. وإذا لم تفعل، لن تكون نهاية 14 آذار، بل نزف مؤسسات الدولة التي نؤيد، والجيش الذي ندعم.

كل ذلك يجري تحت ستار رفضهم العدالة الدولية، واعتبارهم المحكمة أداة تآمرية في مشروع الشرق الأوسط الجديد. وكأن الاغتيالات حدثت خصيصا لتبرير إنشاء المحكمة، في حين، ما كانت هذه المحكمة ترى النور، لو لم تمتد يد الغدر على خيرة رجالاتنا الوطنية، ولو لم يكن القضاء اللبناني، آنذاك، خاضعا لنظام أمني عاث بالبلاد والعباد، قهرا، وقمعا، وظلما، وفسادا مدة خمس عشرة سنة".

وقال الرئيس الجميل: "لا بد من أن نوحد نظرتنا إلى العدالة لأنها ليست مشروع سياسة، بل درب الناس إلى الحقيقة. وحدها الحقيقة تعزي، وتنقي القلوب، وتنزل الحكمة، وتبتدع صيغ التسامح. العدالة ليست عقوبة عن الماضي فقط، بل ردع جرائم المستقبل. العدالة ليست انتقاما، فيكفينا انتقامات وأخذ ثأر. العدالة ليست، في أي حال، إدانة طائفة أو دين أو حزب أو دولة. وحدها العدالة ترفع تهمة الزور، لا البيانات ولا التصاريح. فالاتهامات السياسية باطلة، والتبرئة السياسية باطلة أيضا. وحده حكم العدالة يزيل الإجحاف، ويحيي الثقة المترنحة اليوم، بين مختلف مكونات الوطن. فاستمرار الشكوك، يحول دون قيام لبنان على أسس ثابتة وواضحة".

وتابع: "ما من شعب في العالم تحرر وتوحد واستقر، ووضع المواثيق والدساتير من دون المرور مسبقا بالحقيقة. فالحقيقة في السياسة كالمحبة في النفس. عبثا البحث عن ميثاق خارج الحقيقة، وعن شريك خارج المحبة، وعن مشاركة خارج الثقة. لقد طبق بعضنا كفاية شعار: "لن يبقى هنا حجر على حجر إلا وينقض". وحان وقت إتباع شعار: لن يبقى حجر واحد، إلا ونبي عليه صرح لبنان، ونحفر عليه مجد لبنان. لقد تحول مركز الصراع في لبنان من الكيان إلى الدولة، وانتقل التشكيك بالولاء من الوطن إلى الدولة، وها هم ينقلونه الآن، من الدولة إلى المجتمع، وينشرونه بين الناس. فتقوم عائلة على عائلة، ومنطقة على منطقة، ومذهب على مذهب، وحزب على حزب".

ورأى أن "مختلف هذه التطورات، تجعل تطوير النظام اللبناني أمرا ملحا لإنقاذ الكيان والميثاق"، مقترحا "إجراء حوار تفاوضي تاريخي، نقيم فيه تجربة نحو مئة عام على حياتنا المشتركة". ولفت إلى أنه "لم يحصل أن جلس الشعب اللبناني، عبر ممثليه الحقيقيين والفاعلين، أكانوا شخصيات روحية أم سياسية، أجيالا شابة أم أهل الشهداء، وأفرغوا هواجسهم الحقيقة، أمام بعضهم البعض، من دون خوف من محرمات".

وقال: "نحتاج اليوم، إلى حوار من دون شروط، ومن دون الاحتكام، أثناءه، إلى السلاح والعصيان، للضغط، وفرض حل ما، وتمرير بند ما، وتسوية ما. نحتاج اليوم، إلى حوار شريف، صريح، وجريء. يتصارح فيه كل اللبنانيين، ويتساوى فيه الكبير والصغير، القوي والضعيف. نحتاج اليوم، إلى حوار نحكي فيه: عن الكيان والاستقلال، والوطن والهوية، عن الدولة والدستور، والنظام والمؤسسات، عن الطوائف والمذاهب، والمواطن والإنسان، عن الخوف والغبن، والحقوق والضمانات، عن الامتيازات والصلاحيات، والقوميات والأديان، عن العالم العربي وإسرائيل، والشرق والغرب، عن الأمن والحرية، ونضالاتنا ومقاوماتنا، عن عواطفنا وأحقادنا، وأخطائنا وخطايانا".

واستطرد بالقول: "هكذا نعترف ونندم، نعتذر ونسامح، نتصافح بثقة ونطلق لبنان الجديد، النهائي، السرمدي، المبني على المصارحة التاريخية والمصالحة الحقيقية. وإني لواثق، بل لمؤمن، بأننا إذا تصارحنا، وراجعنا تجاربنا، وهي مزيج مآس وأفراح، لا بد من أن نخرج منشدين: نعم للبنان، نعم للاستقلال، نعم للميثاق، نعم للاستقرار، نعم للدولة، ولا للحروب والسلاح، والقتال والهيمنة".

وتابع: "بلغنا ساعة الحقيقة. وهي لحظة وطنية تستدعي جرأة مواجهة الذات والشعب. فلماذا نتحلى بالشجاعة لاقتراف الحروب، ولا نتحلى بها لصناعة السلام؟ لماذا نبحث عن المشاكل ولو في الصين، ولا نبحث عن الحلول الموجودة بمتناول يدنا؟ لماذا نقاوم الحلول ونتكبر على السلام؟ إن التحايل على بعضنا البعض هو الخيانة لا المصارحة.

يجب أن تلتقي العروبة ولبنان عوض أن يتصارعا، يجب أن يلتقي المسيحي والمسلم عوض أن يتصارعا. يجب أن يلتقي السني والشيعي عوض أن يتصارعا، يجب أن تلتقي الأكثرية والأقلية عوض أن تتصارعا. يجب أن يلتقي الاستقلال والاستقرار عوض أن يتصارعا، يجب أن تلتقي العدالة والأمن عوض أن يتصارعا".

وقال: "إن حزب الكتائب يقدم، لا سياسة جديدة تنسجم مع تطور الوضع اللبناني والمسيحي فقط، بل مفهوما جديدا للسياسة ينسجم مع تطور الإنسان وحاجة المجتمعات الحديثة. لم تعد السياسة حكما فقط بل تضامنا. ولقد سبق للكتائب، أن عرضت على شركائها في الوطن، مجموعة اقتراحات عملية للخروج من الأزمات وتثبيت استقرار لبنان واستقلاله، وهي: 1- الحياد الإيجابي، من دون أن يعني تنصلا من الانتماء العربي وقضايا الحق، 2- العلمنة المؤمنة، من دون أن تعني الابتعاد عن قيم الأديان وتعاليمها، 3- اللامركزية الموسعة، من دون أن تعني كانتونات ذاتية، 4- ولبنان مساحة حوار، مع ما يعني ذلك من تجسيد لمجموع أدوار لبنان، ورسالته التاريخية".

اضاف: "إن مشكلة لبنان هي أن دولا عديدة، تتجاهل طاقات لبنان ومفهومه لنفسه، وتتعاطى معه انطلاقا من أدوار تحددها هي على قياس مصالحها ومشاريعها، غير عابئة بأمن لبنان واستقراره، ووضعه الخاص في هذا الشرق الرتيب. فكفى تدخلا في شؤون لبنان، وتطاولا على سيادته، وانتحالا لأدوار بنيه. أبعدوا عنا خروقاتكم، أبعدوا عنا وصايتكم، أبعدوا عنا جيوشكم، أبعدوا عنا سلاحكم".

تابع: "دعونا نعيش بسلام. إن مفهوم الكتائب للسياسة يرتكز على نقل الشأن العام، من الصراع حول المشاكل القومية والطائفية والمذهبية العقيمة، إلى إيجاد حلول عملية للقضايا الفكرية، والعلمية، والاجتماعية، والاقتصادية، والتربوية التي باتت تشكل أولوية في الحياة الجديدة. لا يجوز أن يتقدم كل شيء، ويبقى مفهوم السياسة في لبنان جامدا. إنه محضر ضبط يفسر الطلاق الحاصل، بعد الحرب، بين السياسة والأحزاب من جهة، والنخب والأجيال الجديدة من جهة أخرى".

وقال: "كانت الكتائب سباقة، منذ أواسط القرن الماضي، في إعطاء هذا المفهوم للسياسية، فوثقت بها الأجيال. عملت الكتائب من خلال الدولة على طرح أو تحقيق مشاريع عدة: كقانون العمل، الضمان الاجتماعي، البطاقة الانتخابية، إنماء المناطق، تطوير التعليم الجامعي، وإنشاء الفروع الثانية، اعتماد الخطط الخمسية للعمران، تحديث قوانين الاقتصاد والتجارة، إنشاء وزارة التصميم، مؤسسة جامعة لكل مشاريع تحديث الدولة والإدارة والمجتمع، وإنشاء جامعة المغتربين اللبنانيين في العالم وإعطائهم حق استعادة الجنسية والانتخاب".

تابع: "اليوم، تنتظر الكتائب انتظام عمل المؤسسات الشرعية، لتشارك، مع سائر الأطراف، في إجراء نقلة نوعية لعمل الدولة. وهي أمنية، بل إرادة أفصح عنها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، في خطابي القسم وعيد الجيش. وإذ نؤيد مواقفه، لاسيما تلك التي تعتمد لبنان مساحة حوار، وتطلق ورشة الإصلاح، وتسليح الجيش، وتصويب اتفاق الطائف، وإزالة الشوائب الدستورية، نترقب تطبيقها لتعزيز دور الرئاسة الأولى، ودورة الحياة الديموقراطية في البلاد، وتأمين مشاركة أفضل بين مؤسسات الحكم. إن المشاركة المتساوية في مسؤوليات الحكم وقراراته، هي وجه أساسي من وجوه المناصفة التي لم تترجم عمليا بعد".

اضاف: "صحيح، أن تحقيق المناصفة، بمعناها العددي، يمر من خلال تنظيمات إدارية، وتقسيمات انتخابية جديدة، وتعيينات مختلفة. لكن المناصفة السياسية، وهذا هو معناها الحقيقي، هي الانتماء المتساوي وطنيا إلى كل مؤسسة من مؤسسات الدولة، لا لخلق توازن طائفي فحسب، بل لتحمل مسؤولية في الدفاع عن الوطن وضمان مصالحه العليا. إن المسيحيين في لبنان، لم يكونوا يوما عددا، بل هم أصحاب دور فاعل في جمهورية ناضلوا لإقرارها داخليا وعربيا ودوليا، لئلا يكونوا ثانويين في دولة أخرى أو تابعين لكيانات أخرى. وكانت الكتائب مشاركة وفاعلة، لا شاهدة فقط على مسيرة هذا الوطن الخاص. وآخر إسهامات الكتائب كانت في ثورة الأرز، حيث لعب الكتائبيون دورا أساسيا في إطلاق هذه الحركة الوطنية".

تابع الجميل: "كانت ثورة الأرز أهم حركة شعبية عفوية عرفها لبنان. وبدت ثورة من دون ثوار، فالثورات ليست جزءا من خصائص الشخصية اللبنانية التاريخية. ورغم أنها خرجت من رحم الدماء، بقيت ثورة الأرز بيضاء: لم تحتكم إلى العنف، لم تنتقم، لم تقتحم القصور والمباني الحكومية والرسمية، ولم تصدر بلاغات مرقمة. كانت ثورة شجرة الأرز بوجه غابة البنادق، ونشيد الحرية أمام هدير الدبابات، وصوت الشعب ضد سيف النظام المستبد. ناضلت من أجل شرعية دولة لا وصولا إلى شرعية ثورة. وهذه الميزات قلما طبعت انتفاضات الشعوب إن في الشرق أو في الغرب".

وقال: "لقد أثبتت ثورة الأرز، التي نعمل على استنهاضها، أن قوة لبنان بتضامن بنيه. ولو حصل هذا التضامن قبل الحرب، لما كانت الحرب اللبنانية وقعت، ولما كان خضع لبنان لاحتلال ووصاية. عوض أن يترك السياسيون للجيش اللبناني مسؤولية وضع استراتيجية دفاعية لحماية لبنان، حري بهم، اليوم، أن يتعظوا جميعا من ثورة الأرز، حيث تأكد أن قوة لبنان ليست بديبلوماسيته أو بسلاحه فقط، بل هي بوحدته الوطنية. كلما انقسمنا استضعفنا، وتخلى العالم عنا، وكلما توحدنا قوينا وساعدنا العالم، وتشجع على دعم مؤسساتنا الشرعية. فرغم كل الحروب التي اجتاحت الشرق الأوسط، بين أربعينات القرن الماضي وسبعيناته، تمكنت الشرعية اللبنانية من أن تلعب دورا أساسيا في الحفاظ على وحدة لبنان وسلامة أراضيه وازدهاره الاقتصادي".

تابع: "عبرنا خمسا وسبعين سنة، وأهلا بالخمس والسبعين الآتية. عشنا معارك الانتداب، والاستقلال، والميثاق، والصيغة، والثورات، والحريات، والحروب، والبناء، والديمقراطية، والزمن الذهبي، والزمن الرديء. مثل الجامعات خرجنا أجيالا، ومثل الجيش خرجنا مناضلين، ومثل المؤسسات خرجنا نخبا وعمالا أسهموا في بناء لبنان وإعلاء شأنه، ومثل أصحاب الرسالات صعد من صفوفنا الشهداء. شهداؤنا ينتمون إلى كل الطوائف والمناطق والعائلات والمهن. أكثر من عشرة ألاف شهيد كتائبي يؤسسون كتائب في السماوات، كما يبني المغتربون لبنانات، في عالم الانتشار. أراهم جميعا، وإن عجزت عن تسمية الألوف من شهدائنا، شهداء الكتائب، وكلهم في القلب والوجدان ودمع العين،، لا أنسى أن بين شهدائنا رئيس جمهورية: بشير الجميل، وزراء ونوابا بيار الجميل وأنطوان غانم، ومناضلين منذ سنة 1958 وكتابا وأدباء وصحافيين وسياسيين".

اضاف: "لسنا الحزب الوحيد في هذا الشرق الذي بلغ سنته الخامسة والسبعين، لكننا الحزب الباقي موحدا وديموقراطيا وحرا بعد خمس وسبعين سنة. نحن حزب تعرض طوال سنواته الخمس والسبعين لاضطهاد، وقمع، ومصادرة، وقضم، وتغييب، فانتفض موحدا طليعيا، يستعيد الدور والتأثير. نحن حزب تعرضت فكرته الكيانية اللبنانية طوال سنواته الخمس والسبعين لأزمات وحروب وطعن، فدافع عنها وعن الكيان، فانتصرت الفكرة، وتجذر الكيان، وربح الحزب رهانه، وتبناه سائر اللبنانيين بقناعة واعتزاز".

وقال: "حين أسس بيار الجميل الكتائب اللبنانية، لم يبحث عن جماهير لحزب، بل عن شعب لوطن، وعن مواطن لدولة. مشروع الكتائب هو خلق المواطنية لدولة فـتـيـة، ولاستقلال مبتدئ، ولفكرة إشكالية. البعض أخذ المواطنين إلى الطوائف والأحزاب، نحن أخذنا الحزبيين إلى الدولة والوطن. وحتى حين كان نضالنا يأخذ ظاهر الدفاع عن المسيحيين، كان في عمقه دفاعا عن كل اللبنانيين. وأتت انتفاضة ثورة الأرز، بتعدديتها الطائفية وأحادية شعاراتها الوطنية، لتؤكد أن حبة الخردل سقطت في أرض خصبة فأنبتت "لبنان أولا". جماهيرنا السنوات وحشودنا العقود، رصيدنا ثقة الناس وقوتنا الصدقية في التحالف، ميزتنا الحرص على الكرامة وخصالنا الحفاظ على الثوابت. فلسفتنا العمل الممزوج بوجدان الأحلام، والصلابة المبنية على الانفتاح، والوطنية التي لا تقع في التزمت".

تابع: "بهذه الثوابت التزم شهيد الكتائب ولبنان، شهيد الشباب، نجلي بيار، عمل بهدي المبادئ الكتائبية التاريخية، لاستعادة مكانة الحزب وإعادته إلى الساحة الوطنية مرفوع الرأس. ناضل بيار في سبيل الحرية، ونجح بتوحيد حزب الكتائب وإزالة أثار تباينات المراحل الصعبة. وها هو الحزب اليوم، يقطف ثمار مبادرته وشجاعته، ونتائج جهاده المحفوف بالمخاطر. تعالى بيار على الصغائر فربح الكبائر. لقد كان عن حق فتى الحزب الأغر، وهو اليوم شهيد الحق وينتظر الحقيقة".

وقال: "وأنتم، أنتم أيها المنضوون الجدد إلى الكتائب، أدخلوا نضال حزبكم. كونوا رسلا في بيئتكم، وقدوة في تصرفاتكم، وأشهدوا كل يوم للبنان أمام الله والناس. أنتم شهود الحق، وحماة الفكرة اللبنانية. فقدموا الحجة عن إيمانكم بلبنان الحر، واشهروا كتائبيتكم بفخر واعتزاز. الكتائب حالة دائمة. ولدت لتبقى، وها هي باقية. باقية لأنها من رحم التاريخ، ومن تراث الأجداد، لأنها تشبهكم وتشبهونها. ترتاحون إليها وترتاح إليكم. الكتائب لا تخونكم، لا تخذلكم، لا تساوم على حقوقكم وتضحياتكم. الكتائب ملاذ الأجيال الآتية لخدمة لبنان. فيا أيها الشباب والشابات، حافظوا على الأحلام، فهي حاجة للواقع. وثقوا أن أحلامكم وآمالكم هي مشروعنا. أنتم الخمس والسبعون سنة الآتية، أنتم الوعد الجديد".

تابع: "الحزب يصغي إليكم ويجيب عن تساؤلاتكم وقلقكم الوطني، ويؤمن لكم التنشئة الوطنية في إطار المحبة والسلام والعدالة والحق والحضارة الراقية. لم تتخل الكتائب عن مخزونها النضالي، وعتادها الفكري، واحتياطها التنظيمي. نحن حزب قومي يؤمن بالهوية اللبنانية، وحزب اجتماعي يناضل من أجل مطالب العمال والفئات الشعبية. نحن حزب جماهيري يحتشد فيه الشعب وإليه يتطلع في الملمات، وحزب ديموقراطي يحترم خيار القواعد ويدافع عن الحريات. نحن حزب عقائدي يحافظ على الفكر اللبناني الناصع، وحزب المضطهدين يكافح لتثبيت التنوع الديني والحضاري في لبنان والشرق، ونحن حزب لبناني يوظف كل إنجاز في خدمة كل اللبنانيين".

وقال الجميل: "حين أستعيد مراحل النضال، وسنوات الكفاح، وأتعمق في مرآة لبنان، أرى وجه بيار الجميل. رجل على صورة الميثاق ومثال الوطن. رجل حرر السياسة اللبنانية من تقاليد القرون السالفة، حدث دور العائلات التاريخية اللبنانية في إطار حزبي آلف بين مختلف الطبقات الاجتماعية، فصارت الكتائب حزبا شعبيا وحزب الشعب. لبنن الفكر المسيحي، وفتح الفكرة اللبنانية على رحاب العالم العربي. لم يخش الخيارات الصعبة والسير عكس التيار. تمسك بالكيان الكبير، فيما كان لبنان الصغير لا يزال حيا في الذاكرة الجماعية، اختار الاستقلال، فيما كانت فئات تعتبر الزمن عليه باكرا، سار بالميثاق الوطني ووفر له غطاء شعبيا. ناضل ليبعد شبح التوطين والتقسيم وليمنع الالتحاق بوحدات اصطناعية".

اضاف: "كان مثاليا في مشروعه الوطني والتاريخي وواقعيا في تعاطيه مع الأحداث. بيار الجميل ليس والدي فحسب، إنه أحد أباء الأمة اللبنانية الحديثة. لا يمر يوم إلا ويستذكره الكتائبيون واللبنانيون. حقه علينا أن نكمل المسيرة، وهي مكملة، حقه علينا أن نبقى على العهد، ونحن على العهد باقون، حقه علينا أن ننقذ ميثاق التعايش ونطوره، وإننا لفاعلون، حقه علينا أن يبقى لبنان علامة مميزة في هذا الشرق. وهكذا سيبقى".

وختم الجميل بالقول: "من المشرق ينطلق نور الكتائب وحتى بلاد الاغتراب يسطع بريقها. قلبها لا يختلج إلا للبنان، وصوتها لا يهتف إلا للبنان، وقلمها لا يكتب إلا اسم لبنان، وقوتها لا تدافع إلا عن أرض لبنان والإنسان. حيث تكون الكتائب تجدون طيب لبنان، وحيث يكون لبنان تجدون عطر الكتائب. ولدنا معا ونحيا معا، ومعكم جميعا".

وفي الختام تلقى الرئيس الجميل التهنئة من المشاركين في الاحتفال.