فجاجة الذكورة الخام وعدوانيتها ناموساً للحزب السلالي الفاشي

محمد أبي سمرا  19/06/08

 

"نسور الزوبعة" السود المنتشون بتحرير شارع الحمراء

ثلاثة أسابيع كانت قد مضت على الحملة العسكرية على بيروت بين 7 و10 ايار الماضي، حين قالت لي شابة تعمل في محطة تلفزيونية بيروتية انها صارت تأنف من ارتياد شارع الحمراء، لكثرة حضور شبان "الحزب السوري القومي الاجتماعي" وانتشارهم فيه، وخصوصا في حانة "دوبراغ" في الشارع الموازي لشارع الحمراء. ذكّرني قولها هذا بشاب من الحزب نفسه كنت قد التقيته في الحانة نفسها، بعد يومين او ثلاثة على نهاية تلك الحملة العسكرية، وأجلت كتابة وقائع ذلك اللقاء الذي دفعتني ملاحظة الفتاة الى كتابته المتأخرة هذه.

 

نشوات أوقات القتال وامتشاق السلاح واطلاق النار، كانت لا تزال تنبض في جسم الشاب وحواسه، كأنه غادر لتوه موقعه الحربي، وأتى الى "دوبراغ" للقائي الموعود، فبدا لي أنه لم يخلق الا ليكون من "نسور الزوبعة"، وهي الفرقة العسكرية المحترفة في "الحزب السوري القومي الاجتماعي"، والتي قال انه شارك في أعمالها الحربية في رأس بيروت، وكان عدد مقاتليها نحو 300 "نسر" في ثيابهم السود، ويتوزعون على مقار الحزب في محيط الجامعة الأميركية، وعلى "الحامية المركزية" قرب البناء القديم لمحطة "تلفزيون المستقبل" في الروشة، وعلى حراسة بيت النائب وعميد الدفاع في الحزب، اسعد حردان، قرب فندق البريستول.

 

أثناء لقائنا في "دوبراغ" كان "نسر الزوبعة" لا يزال في ثيابه السود. وحين قال لي أن رفاقه الـ300 من "النسور" كانوا مثله في ثياب سود فيما هم "يطهرون" شوارع رأس بيروت فجر يوم الجمعة 9 ايار الماضي، تذكرت المشهد الذي قالت امرأة انها رأته لشارع الحمراء، حين اطلت عليه من امام مصرف لبنان في الساعة الحادية عشرة من صبيحة النهار نفسه.

 

روت المرأة انها أبصرت فرقا عسكرية نظامية تتخذ وضعاً قتالياً بين بناية "فرنسبنك" في اول الشارع، ومخازن الـ"ردشو" في وسطه، فأقنعها مشهدهم القتالي المحترف والمنظم، أنهم ليسوا ميليشيا، بل من الجيش اللبناني. وحين عبرت في سيارتها شارع الحمراء، ورأت ثيابهم العسكرية المرقطة، جزمت أنهم وحدات نظامية في الجيش، وقدّرت أنهم يقومون بعملية تمشيط الشارع من المسلحين. لكنها ما أن انعطفت بسيارتها نحو شارع عبد العزيز، وتوقفت أمام محل لبيع المعجنات، حيث كان يقف جمع من الناس، حتى سمعتهم يتساءلون خائفين: "من هم هؤلاء المسلحون؟ هل رأيتم؟ انهم جيش "حزب الله"، ويقومون بتمشيط شوارع المنطقة". ثم راح الناس المتحلقون، يفرّون كل في اتجاه والمرأة فرّت بدورها عائدة الى بيتها في محلة الصنائع.

 

روى "نسر الزوبعة" الذي التقيته في "دوبراغ" ان محازبي "تيار المستقبل" "مثل غزل البنات"، وأن مشاركة حزبه في الحملة العسكرية، جعلتها "غير طائفية"، لأن "نسوره" مختلطون طائفياً، على خلاف مقاتلي "امل" و"حزب الله" الذين كانت "غرفة عمليات مشتركة" مع "الحزب السوري القومي الاجتماعي" تدير حملتهم العسكرية على المدينة. وكان دور "نسور" "السوريين القوميين" أكبر بكثير من دور "أمل" لأنهم موّهوا الوجه الطائفي للعملية. فـ"أمل"، على ما قال "ما إلها شي"، سوى في تمشيط منطقتي ساقية الجنزير وعين المريسة، واحتلالهما.

 

حين ذكر "النسر" هذه الواقعة، تذكرت كيف انني في غروب نهارات كثيرة قبل شهر على عملية 7 ايار، رحت ارى مقر حركة "امل" في البناية القديمة المهجورة، والعثمانية الطراز المعماري، في آخر طلعة شارع المارتينيز في عين المريسة، مفتوحاً ومجدداً ويتكاثر فيه شبان الحركة، بعد إغلاق وهجران مديدين.

كانوا في غروب تلك النهارات قبل شهر وأكثر من العملية، يقفون على شرفة البناية القديمة ويجلسون بين البراميل المعدنية الكبيرة التي جددوا طلاءها بألوان علمهم، ويدخنون النراجيل في بطالة تبدو ملامحها في هيئاتهم وحركاتهم الرعاعية المتأصلة في أجسامهم التي أدمنت الاستنقاع في الأماكن العامة وتسميم مشهدها اليومي.

 

اما عن "حزب الله" ومقاتليه وسهمهم في العملية العسكرية على بيروت، فقد قال "نسر الزوبعة"، تدليلاً منه وتوكيداً قوة "الحزب الالهي" واستخفافه بالحملة التي قادها على المدينة، انه لم يستخدم سوى فرقته "الكشفية" التي لا يتجاوز عمر "الكشاف" الواحد منها عشرين سنة، وكان عناصر الفرقة قليلي العدد،

لكن "فاعليتهم وجهوزيتهم القتالية، كانت تتجاوز فاعليتنا وجهوزيتنا بعشرة اضعاف على الاقل". وهم شاركوا في العملية في كل مكان من بيروت، فدعموا مقاتلي "امل" في عين المريسة وساقية الجنزير، وبقايا مقاتلي الحزب الشيوعي في منطقة الوتوات.

 

أما رأس بيروت فقد قام "حزب الله" بتمشيطها قبل تسليمها الى مجموعات من "نسور الزوبعة" الذين قال "نسرهم" في "دوبراغ" انهم كانوا "يحمون" مقارهم فيها في انتظار وصول "الدعم" من حامية حزبهم المركزية في الروشة، ومن حامية النائب وعميد الدفاع اسعد حردان في البريستول.

سألت "نسر الزوبعة" عن اسباب حملتهم العسكرية على بيروت، فقال إنها كانت "ردا على الاعتداءات الكثيرة التي ارتكبها تيار المستقبل ضد حزبنا طوال السنوات الثلاث الماضية، ومنها رمي محازبيه قنابل يدوية واصابع ديناميت على مقارنّا"، فلم اسأله كيف لشبان، قال قبل قليل انهم "مثل غزل البنات"، أن يقوموا بمثل هذه الأعمال؟!

 

ذلك انني كنت مأخوذاً بفرحه وابتهاجه، فيما هو يشرب البيرة محتفلاً باستعادة "نسور الزوبعة" سيطرتهم الأمنية والعسكرية على منطقة كانوا، على الأرجح، يعتبرونها "سلبية"، فحرروها من "الأعداء" بين 7 و10 أيار الماضي، ليتخذ محدثي في الحانة الشبابية حال استراحة محارب في ثيابه السود التي حدست أنه لا يزال يرتديها منذ استقدمه حزبه من قريته الدرزية - المسيحية في الجبل، ليكون في عداد المقاتلين المحترفين، بل الذين لا حرفة لهم سوى القتال ولا ينتشون بغير امتشاق السلاح وإطلاق النار في حروب يعتبرونها "تحريرية" على طريق "تحرير فلسطين السليبة من اليهود"، بحسب عبارة "نسرهم" الذي قال إن "يهود الداخل أسوأ من يهود الخارج، ولا نتعامل مع كلا الطرفين بغير الحديد والنار". وقال أيضاً إن السواد الذي يحوط الزوبعة الحمراء بلون الدم في وسط علمهم، هو لون الحداد على نكبة فلسطين.

 

روى "نسر الزوبعة" "السورية القومية" أنه من مواليد سنة 1985، ومنذ نعومة أظفاره ألف السلاح وآخاه في السادسة من عمره مع تعوده على الذهاب الى صيد العصافير في قريته الجبلية التي تكتّم على اسمها واسمه، وقال إنه من الموحدين الدروز، وأمه معلمة مدرسة ثانوية خاصة في الجبل ووالده يعمل أعمالاً حرة وفي التجارة. أما انتسابه الى الحزب سنة 2000، فكان وليد إعجابه بمعلم "سوري قومي اجتماعي" في مدرسته، جذبه اليه "تميزه" و"روحه القيادية" و"قوته الاخلاقية". وفيما كان يعدّد صفات معلمه ومرشده الاول هذه، معطوفة على إلفته السلاح جسمانياً وذهنياً، منذ الطفل، وعلى اتخاذه صيد العصافير رياضة وتسلية طبيعية، بان لي اصل أساسي وعميق من أصول التنشئة البدنية والذهنية للعقيدة الحزبية "السورية القومية الاجتماعية" المتوارثة والمتحدرة سلالياً من الزعيم والمرشد والملهم الأول للحزب، أنطون سعاده. والأصل هذا عماده تحويل فجاجة الذكورة الجسمانية الخام وعدوانيتها البدائية، ناموساً أو "ثقافة" بدنية في عبادة القوة عبادة أخلاقية، لتطهير النفس والجسم من كل ميوعة وميل إلى الهشاشة واللعب والخفة والرقة التي تعتبرها العقائد الفاشية من صفات الأنوثة المبتذلة. وهذه لا يليق بأصحاب الناموس الفاشي سوى التمتع بها تمتعاً حسياً عدوانياً، على نحو متعة الفاشيين الألمان بقتل اليهود قتلاً آلياً بارداً في المحارق النازية، لأنهم يدنسون جسد الأمة وصفاءها العرقي.

هذا ما قال مثله تماماً "نسر الزوبعة"، حين أعلن "أن الحديد والنار وحدهما سبيله إلى التعامل مع يهود الداخل" في لبنان.

 

أي أولئك الذين لا يذهبون مذهب حزبه وحزب السيد حسن نصرالله في تقديس القوة والسلاح وشرف الأمة الفاشي الذي لا قيامة له بغير القتل والدم، وخطابة القتل والدم وأشلاء الأجسام البشرية. وهي الخطابة التي لم تتوقف منذ حرب تموز 2006، عن نعت كل لبناني لا يقيم وزناً لشرف الأمة المرعب هذا، بأنه عميل أميركا وإسرائيل، ويجب اجتثاثه، بالتكليف الشرعي المنزل، من جسم الأمة الطاهر والمقدس.

 

لكن المأساة التي يعيشها "نسر الزوبعة" والتي حوّلته شريداً وتائهاً ومنخلعاً من بيئته وجسد أمته المفترض، وساعياً بالحديد والنار، إلى استعادة التحامه بهذا الجسد الموهوم، تتجسد - أي مأساته هذه - وبحسب شهادته واعترافه، في أن 90 في المئة من أهالي بلدته الجبلية التي هجرها للعمل في محل معجنات في بيروت، هم على الحزبية الاشتراكية الجنبلاطية، فيما 90 في المئة ايضاً من طلبة جامعة الحكمة التي انتسب إليها، هم من محازبي "القوات اللبنانية".

 

وماذا يمكن لطريد الـ90 في المئة في بلدته الجبلية، وطريد الـ90 في المئة الثانية في جامعة الحكمة، أن يفعل غير أن ينزل، منذ 3 سنوات، في شقة للسكن الطالبي مع طلاب مثله من "نسور الزوبعة" وينتسبون إلى الجامعة الأميركية في رأس بيروت التي تحوّل أولئك "النسور" الأمنيون فيها، خفافيش تائهة، بعد عرائها من الحماية الأمنية لدولة المخابرات السورية التي انهارت في لبنان عقب اغتيال رفيق الحريري؟!

 

وكان على هذه الخفافيش الأمنية الطريدة أن تنتظر العون والمدد من "حزب الله" الذي افتعل حرب تموز 2006 المدمرة لكتم البقية المتبقية من أنفاس الطائفة الشيعية وعسكرتها على مثال شمولي، وتقنّع بأمثال "خفافيش الزوبعة" في الطوائف الأخرى، قبل أن يتقنع بإضراب مطلبي مزعوم، لينقضّ في 7 أيار 2008، على عملاء أميركا في بيروت والجبل، لتطهير الأمة منهم، كخطوة كبرى على طريق تحويل "خفافيش" الطوائف اللبنانية "نسوراً" جارحة في طوائفهم، على مثال ما زرع "حزب الله" و"حركة أمل" صور فؤاد مخزومي إلى جانب صور "شهدائهما" على جدران حصنهما الحصين في محلة زقاق البلاط التي منها خرج مقاتلوهما لترويع سكان الأحياء القريبة واحتلالها.

 

توكيداً منه لسلالية العقيدة الحزبية "السورية القومية الاجتماعية"، روى "نسر الزوبعة" أنه "إبن بيت شارك في الحرب" الأهلية الملبننة، وأنه نشأ في منزل يكثر فيه السلاح، وعاش مع السلاح، وأتقن التعامل مع السلاح، وتلقى تدريبات أمنية مع مجموعات من "الفداء القومي" التي شاركت في "معركة مرجعيون" من حرب تموز 2006. ومنذ سنة 2000 كانت هذه المجموعات تعمل على "تسهيل مهمات حزب الله"، وبأمرة عميد الدفاع في حزب "نسور الزوبعة"، النائب أسعد حردان الذي طوّبه الحزب الخميني الإيراني – اللبناني نائباً عن مسيحيي قضاءي مرجعيون وحاصبيا بأصوات الناخبين الشيعة، على نحو ما يطمح الحزب نفسه إلى تطويب فؤاد مخزومي وناصر قنديل وغيرهما نواباً عن بيروت في الانتخابات النيابية المقبلة.

 

والسلالية الحربية في اسرة "نسر الزوبعة" تشمل إخوته الكبار الذين قال إنهم هاجروا من لبنان، بعدما أدوا قسطهم للعلى في ملحمة الأسرة الحربية، فقاتلوا في صفوف الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي في معاركه ضد جيش الجنرال ميشال عون في سوق الغرب.

 

أما هو، الأخ الاصغر في أسرته، فقد ترك عمله في محل المعجنات ليرابط مع "نسور الزوبعة" في المخيم الاعتصامي – الإحتلالي في وسط بيروت. وهو لم يترك هذا المخيم إلا للهجوم على رأس بيروت لتحريرها واستعادة أمجاد "نسور" حزبه فيها.

 

قبل إنهاء لقائي بـ"نسر الزوبعة" في "دوبراغ"، دار بيننا الحوار الآتي:

· هل تحب فتاة ما من فتيات الحزب، ولك علاقة غرامية بها؟

- عندي صاحبة، ليست رفيقة في الحزب، هي طالبة جامعية، ولا تعرف شيئاً عن نشاطي الحزبي.

· هل تخاف من شيء؟

- أخاف؟! ممّ أخاف؟! "حزب الله" في كل مكان من بيروت.

·كيف ترى بيروت اليوم؟

- بيروت اليوم أجمل، لقد خلت من الغرباء الذين كانوا يطاردوننا.

· والسلاح الذي استخدمه الحزب في تحرير بيروت، اين هو الآن؟

- إنه في مخازن قريبة من المنطقة.

· ماذا ستفعل بعد اليوم؟

- أنتظر، لكنني غير مسرور بهذا الانتظار.

· ما الفرق بين البندقية الحربية وبندقية الصيد؟

- لا فرق تقريباً.

· بماذا كنت تشعر وأنت تطلق النار أثناء تحرير رأس بيروت؟

- لم أشعر قط بالخوف، كنت منتشياً.

في ليلة النهار الذي أعقب لقاءنا في "دوبراغ"، كنت أعبر شارع الحمراء في سيارتي، حين لمحت شاباً على الرصيف يحييني، ولما حدّقت فيه رأيت أنه "نسر الزوبعة" إياه وفي ثيابه السود إياها، وإلى جانبه رف من أمثاله "النسور" في ثيابهم السود.