حدود العلاقة السياسية والدينية بين »حزب الله« وإيران

أن تكون فردا في حزب »ولاية الفقيه«... يعني فليذهب لبنان ولتبق الجمهورية الإسلامية!

 بقلم/علي حسين باكير*

السياسة 12/6/2008

 

 نعيم قاسم: لا علاقة لموطن »الولي الفقيه« بسلطاته والارتباط به تكليف يلزم جميع المكلفين حتى خارج بلاد المسلمين

»حزب الله« احتاج ليدخل الانتخابات النيابية فتوى من »الولي الفقيه«... إذن فعصيانه على الدولة اللبنانية بفتوى أيضا

 

»أنا اليوم أعلن ....أنا أفتخر أن أكون فردا في حزب ولاية الفقيه« هكذا قال الأمين العام ل»حزب الله« اللبناني حسن نصرالله في خطابه بتاريخ 27/4/2008 .

عندما يتم الحديث عن العلاقة التي تربط »حزب الله« قيادة وكوادر بايران و»الولي الفقيه«, غالبا ما نسمع من المحللين والمعلّقين على حدّ سواء, ومن الذين ينبرون للدفاع عن هذه العلاقة, "أنّ مبايعة الحزب وامينه العام للولي الفقيه الإيراني تلزم الحزب في الأمور الفقهيّة فقط دون السياسية, وبالتالي فليس هناك من مخاوف او تهديد بحصول تضارب مصالح بين ما يفرضه الانتماء للبنان الدولة والوطن من جهة وبين تلك المبايعة والتبعيّة لإيران و»الولي الفقيه«, وأنّ هذه المبايعة لا تشكّل تبعية على الإطلاق ولا تعني عدم استقلالية الحزب معتقدين انّ هذا التفسير يرضي أهواءهم في كون الحزب صادقا في انتمائه وفي نياته وفي أجندته.

 

في هذا الطرح طبعا مغالطات ستراتيجية تساهم, عن قصد أوجهل, بالتغطية على الصورة الحقيقية ل¯ »حزب الله« وتبعيته لإيران والتي لا ينكرها حتى قادته.

ففي البيان التأسيسي للحزب والذي جاء بعنوان »من نحن وما هي هويتنا«?" في 16 فبراير 1985 عرّف الحزب عن نفسه فقال: »انّنا أبناء أمّة »حزب الله« التي نصر الله طليعتها في ايران, وأسست من جديد نواة دولة الإسلام المركزيّة في العالم ...نلتزم بأوامر قيادة واحدة حكيمة عادلة تتمثّل ب»الولي الفقيه« الجامع للشرائط وتتجسد حاضرا بالامام المسدّد آية الله العظمى روح الله الموسوي الخميني دام ظلّه مفجّر ثورة المسلمين وباعث نهضتهم المجيدة«.

 

يقول الخميني في كتابه "الحكومة الاسلامية«المتوفّر باللغة العربية- في وصف »الولي الفقيه« وصلاحياته وفي وجوب إطاعة الناس له: "لو قام الشخص الحائز لهاتين الخصلتين (أي العلم والعدل) بتأسيس الحكومة تثبت له الولاية نفسها التي كانت ثابتة للرسول الأكرم (ص), ويجب على جميع الناس اطاعته. فتوهم أن صلاحيات النبي (ص) في الحكم كانت اكثر من صلاحيات أمير المؤمنين (ع), وصلاحيات امير المؤمنين (ع) أكثر من صلاحيات الفقيه, هو توهم خطأ وباطل. نعم ان فضائل الرسول (ص) بالطبع هي أكثر من فضائل جميع البشر, لكن كثرة الفضائل المعنوية لا تزيد في صلاحيات الحكم. فالصلاحيات ذاتها التي كانت للرسول (ص) والائمة (ع) في تعبئة الجيوش, وتعيين الولاة والمحافظين, واستلام الضرائب وصرفها في مصالح المسلمين, قد اعطاها الله تعالى للحكومة المفترضة هذه الأيام. غاية الأمر لم يعين شخصاً بالخصوص, وإنما أعطاه لعنوان العالم العادل«.

 

ويوضّح الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام ل¯ »حزب الله«  في كتابه "»حزب الله«, المنهج, التجربة المستقبل" علاقة "الشيعي" ب»الولي الفقيه« بالتفصيل قائلا: "... يحتاج المسلم المكلف في القسم الأول (أي قسم العبادات والمعاملات) إلى مرجع تقليد لمعرفة الأحكام الشرعية وضوابطها, وفي القسم الثاني (القسم العام المرتبط  بالأمة ومصالحها وحربها وسلمها وتوجهاتها العامة) الى قائد هو"»الولي الفقيه«" لتحديد السياسات العامة في حياة الأمة ودور المكلفين العملي في تنفيذ احكام الشرع المقدس والسهر على تطبيقها في حياة الأمة. وقد تجتمع المرجعية والولاية في شخص واحد (...) كما حصل بالنسبة للإمام الخميني مع انتصار الثورة, وللإمام الخامنئي بعد اختياره للولاية"«.

 

وفي سياق شرحه "لارتباط الحزب ب»الولي الفقيه«" يقول: "لا علاقة لموطن »الولي الفقيه« بسلطته كما لا علاقة لموطن المرجع بمرجعيته, فالإمام الخميني كولي على المسلمين, كان يدير الدولة الإسلامية في ايران كمرشد وقائد وموجه ومشرف على النظام الإسلامي هناك, وكان يحدد التكليف السياسي لعامة المسلمين في البلدان المختلفة« هذا "والارتباط بالولاية, -كما يقول الشيخ نعيم قاسم  »تكليف والتزام يشمل جميع المكلفين, حتى عندما يعودون الى مرجع آخر في التقليد, لأن الإمرة في المسيرة الاسلامية العامة للولي الفقيه المتصدي«.

 

وفي هذا الإطار يوضّح الشيخ محمد تقي مصباح يزدي في دراسة له بعنوان »سلطة »الولي الفقيه« خارج حدود بلده " انّ سلطة »الولي الفقيه« هي سلطة كليّة, مطلقة وعامّة لا فرق بين السياسي والديني لمن بايعه.

 

ويطرح في بحثه أيضا عددا من التساؤلات في محاولة للإجابة عنها وتقديم صورة واضحة للقارئ, من بينها التساؤل التالي: "إذا كان هناك فرد أو جماعة مسلمة تعيش في بلد غير إسلامي (خارج حدود البلد الإسلامي المفترض الذي يدار بنظام ولاية الفقيه, فهل يجب عليهم إطاعة الأوامر الحكومية للفقيه المذكور أم لا?", -وهو سؤال بطبيعة الحال ينطبق على حالة »حزب الله« في لبنان- يقول الشيخ يزدي في جوابه على هذا التساؤل: " إن لهذا السؤال كما يبدو فرضين: الأول هو: ان المسلمين المقيمين خارج البلد الإسلامي بايعوا »الولي الفقيه«. والفرض الثاني: انهم لم يبايعوه..... وفقاً للمبدأ الأول (أي ثبوت الولاية بالتعيين أو باذن الإمام المعصوم), ... يحق لمثل هذا الشخص الولاية على الناس, ويكون أمره نافذاً على كل مسلم ويجب عليه تنفيذه. اذن فطاعته واجبة أيضاً حتى على المسلمين المقيمين في الدول غير الإسلامية.

 

اما في ضوء المبدأ الثاني الذي ينص على توقف ولاية الفقيه على الانتخاب والبيعة, ...فان طاعة »الولي الفقيه«, وفقاً لهذا المبدأ, واجبة أيضاً على المسلم المقيم في البلاد غير الإسلامية, سواء بايع أم لم يبايع".

 

اذا فالشيخ يزدي يزيد من الشروط ويقول انّ »الولي الفقيه« في سلطته ملزم للذين لم يبايعوه ايضا, فما بالكم في الذين بايعوه ك»حزب الله«?! هذا "الحجم من الصلاحيات المنوطة ب»الولي الفقيه«" يترجم عمليا برسم السياسات العامة, اما "التفاصيل" فمتروكة للأحزاب الإسلامية القطرية المرتبطة ب»الولي الفقيه«.

ولما كان "»حزب الله«" لبنانياً بعناصره وكوادره وتياراته وانصاره, فان "التفاصيل" اللبنانية متروكة له. يعالج الشيخ نعيم قاسم هذا الاشكال في العلاقة بين المستويين العام والخاص بطرح اعتبارين:

- الاول: تطبيق الاحكام الشرعية وعدم القيام بما يخالفها, وهوما يعبّر عنه بالتكليف الشرعي.

- الثاني: الظروف الموضوعية والخصوصيات لكل جماعة اوبلد تؤثر على دائرة التكليف وساحة الاهتمام.

 

اذن يريد الشيخ نعيم قاسم القول انّه متروك للحزب المحلي,- وفي حالتنا ل¯"»حزب الله«" اللبناني- الإدارة والمتابعة ومواكبة التفاصيل والجزئيات, والقيام بالاجراءات المناسبة والعمل السياسي اليومي والحركة الاجتماعية, بل الجهاد ضد المحتل الاسرائيلي بتفاصيله.

ووفقا لما أورده في كتابه, تكون هذه الامور "من مسؤولية القيادة المنتخبة من كوادر الحزب بحسب النظام الداخلي والتي تتمثل بالشورى التي يرأسها الامين العام والتي تحصل على شرعيتها من الفقيه, فيكون لها من الصلاحيات الواسعة والتفويض ما يساعدها على القيام بمهامها ضمن هامش ذاتي وخاص ينسجم مع تقدير الشورى للاداء التنفيذي النافع والمفيد لمساحة عملها..."

 

لكن من الذي يحدّد ما هوهامش التحرّك للحزب ومتى يكون وكيف يكون ولماذا يكون?! واذا كان هناك حريّة هامش ضمن اطار نفوذ »الولي الفقيه« واشرافه, فمتى يتدخل? ولماذا?

 

الاجابة عن مثل هذه التساؤلات تتيح للقارئ ان يحكم على مدى استقلالية الحزب اوتبعيته. على سبيل المثال, فان مسألة الانتخابات في أي بلد من البلدان هي مسألة داخلية يشترك فيها ابناء الشعب في ذلك البلد, وعلى الرغم من ذلك, فقد اثارت مسألة اشتراك »حزب الله« في الانتخابات النيابية اللبنانية العام 1992 اوعدم اشتراكه فيها ضجّة كبيرة.

 

وعلى الرغم من هامش الحرية المتروك للحزب في التصرف بشؤونه الداخلية ¯ وفقا للمنظّرين الذي يسوقون هذا الكلام على الناس- والتي تعتبر الانتخابات عنصرا من عناصرها, الاّ انّ نائب الامين العام للحزب الشيخ نعيم قاسم يؤكّد انّ قرار اشتراك الحزب في الانتخابات جاء بناء على "فتوى من »الولي الفقيه« الإيراني«.

 

هذا الموضوع استلزم كما يقول الشيخ قاسم "نقاشا داخليا موسعا". فكلفت لجنة من 12 عضوا لمناقشة هذا الأمر. وبعد تداول جملة من الفرضيات ارتأت اكثرية اللجنة (10 من 12 ) ان المشاركة في الانتخابات تحقق جملة من المصالح التي ترجّح الايجابيات على السلبيات. لكن مشروعية الاقتراح اوشرعيته لم تأخذ حيز الاقتناع الكامل والتنفيذ الا بعد "أن استفتي »الولي الفقيه«".

 

يقول الشيخ نعيم قاسم بعد سرده الوقائع في كتابه, "ثم جرى استفتاء سماحة »الولي الفقيه« الامام الخامنئي (حفظه الله) حول المشروعية في الانتخابات النيابية بعد تقديم اقتراح اللجنة, فأجاز وأيد. عندها حسمت المشاركة في الانتخابات النيابية ودخل المشروع في برنامج وآلية الحزب..."

 

فباستطاعة القارئ ان يحكم مثلا اذا لم يُجز »الولي الفقيه« ولم يؤيد اشتراك الحزب في الانتخابات اللبنانية? ألم يكن »حزب الله« سيلتزم أيضا بهذه الفتوى بناء على العلاقة بين »الولي الفقيه« والمكلّفين اوالمبايعين? في هذه الحالة لمن يكون القرار ومن هو المستقل ومن هوالتابع?!

 

فاذا كانت مسألة اشتراك الحزب او عدمه في الانتخابات تحتاج الى فتوى من »الولي الفقيه«, فما هو حال المسائل الجسام السياسية والعسكرية والتي لها انعكاسات اقليمية ودولية على اداء الحزب?! هل تتم بتصرف ذاتي من الحزب ام بناء على توجيهات »الولي الفقيه« وضمن اطارها العام حيث تكون الستراتيجية له والتكتيك للحزب,وحينما يستشعر الأطراف ان التكتيك قد يؤدي الى الاضرار بالستراتيجية يصدر الأوّل امره المباشر سواء عبر فتوى اوعبر توصية ويقوم الحزب بالتنفيذ.

مثال آخر على مدى سلطة وصلاحية »الولي الفقيه« حتى في لبنان. فالانتخابات شأن داخلي, وعلى الرغم من ذلك كما رأينا فقد كان دور »الولي الفقيه« حاسما في المسألة. المثال هذه المرّة يتعلّق بالشأن الاجتماعي الداخلي اللبناني الصرف. فقبل حوالي 11 سنة,وفي 14 نوفمبر 1997, وبعد أسابيع قليلة على إعلان ما سمّي "ثورة الجياع" من قبل الأمين العام الاول ل»حزب الله« الشيخ صبحي الطفيلي, تحدث السيّد حسن نصر الله في صالون سميح الصلح السياسي في بيروت, وقال -في تصريح موثّق بالصحف- رداً على سؤال: ماذا عن العصيان والنزول الى الشارع? (تعقيباً على تهديد الشيخ الطفيلي بالعصيان المدني):

 

"ان العصيان غير مقبول بالمعنى الشرعي, بل ان حفظ النظام العام واجب وعدم الالتزام بالقوانين يرتّب مفاسد كبيرة على أوضاع الناس وشؤونهم الحياتية وهناك حالة واحدة يجوز فيها العصيان هي عندما تصبح المفسدة كبيرة الى الحد الذي لا يوجد فيه حل آخر, وهذا يحتاج الى إذن من »الولي الفقيه«". وطبعا هذا اعتراف صريح وواضح بانّ تحرّك »حزب الله« الأخير في بيروت والعصيان المسلّح الذي قام به على الدولة وعلى الناس قبل اتّفاق الدوحة إنما كان بأمر من »الولي الفقيه«.

 

 هذه هي الآلية, فمسألة الانتخابات في لبنان يتصدى لها »الولي الفقيه« الإيراني, ومسألة العصيان في لبنان يتصدى لها »الولي الفقيه« الايراني, ورغم صلاحية وسلطة الحزب بالتصرف بالامور الداخلية ضمن المنظور العام للولي الفقيه  الاّ انّ هذا القدر من التفويض لم يتح للحزب حسم مسائل صغيرة ¯ مقارنة بالأعمال ذات الأبعاد الاقليمية والدولية- بقدراته الذاتية وعبر قادته وكوادره, أوحتى أمينه العام, انما تطلب الأمر تدخل »الولي الفقيه«. فالكلمة الفصل كانت للولي الفقيه الايراني ولم تكن مثلا لنائبه اووكيله في لبنان اوممثل »حزب الله« اوامينه  العام اللبناني!!

 

أمام هذه المعطيات, لنا ان نتصور تصدي »الولي الفقيه« لأمور مثل العلاقة مع السنّة والموقف من اسرائيل والجبهة على الشمال واتّفاقات الهدنة وقرارات خوض الحرب والسلم والمفاوصات والتوازنات الداخلية. ولنا ان نتساءل كم من المرات استفتي »الولي الفقيه« منذ انشاء الحزب? وما هي الافتراضات والمناسبات والمواقف التي استفتي فيها الفقيه حتى يومنا هذا? وماذا اذا اصطدم توجه »الولي الفقيه« مع مصلحة الدولة اللبنانية, فأيهما سيختار الحزب ولمن سيكون الولاء والطاعة?

 

على الرغم من انّ الجواب واضح عمليا من خلال ممارسات »حزب الله« خاصة بعد الخروج السوري من لبنان والذي كان يعمل على تطويع مصلحة البلد بأكمله -أي لبنان- ليجعلها تتمشى مع مصلحة »الولي الفقيه« فلا يظهر التناقض ولا يضطر الحزب ليكون في هذا المأزق, الاّ أننا سنستعين بما يقوله قادة الحزب أنفسهم بشان قضية كهذه.

 

يقول السيد حسن نصرالله الأمين العام ل»حزب الله« داعماً لمرجعية »الولي الفقيه«: "في مسيرتنا الإلهية نحن قوم نؤدي تكليفنا الإلهي والشرعي , ويحدده لنا ولي الأمر في خطوطه الكبيرة والعريضة وأحياناً في التفاصيل ونحن علينا أن نؤدي هذا التكليف الإلهي الشرعي«.

 

بطبيعة الحال التكليف "الالهي والشرعي" في هذا الكلام المهم الذي يقوله حسن نصرالله, لا يتعلّق بمسائل مثل الخمس والصلاة والنكاح والفرائض الدينية, واذا توهّم احد ذلك فهوتأويل من جانبه لما لا يقبل التأويل.

 

هذا كلام صريح وواضح يتعلّق بخطوط كبيرة وتفاصيل وستراتيجيات, فأين الستراتيجيات في الزواج والخمس والصلاة?! المقصود هنا السياسة والمصلحة, وهنا يرتبط السياسي بالديني من خلال »الولي الفقيه« والتكليف الشرعي.

 

يجيب مفتي صور وجبل عامل العلامة السيد على الامين على مسألة "اذا اصطدم توجه »الولي الفقيه« مع مصلحة الدولة اللبنانية, فأيهما سيختار الحزب?" قائلا: " إذا تعارضت نظرية ولاية الفقيه بنظر "»حزب الله«" مع المصلحة الداخلية, فإنهم سيقدمونها على المصلحة الوطنية, لأن رأي الفقيه حكم مطاع... لديهم هامش وطني يعطى بمقدار ما ينسجم مع مصلحة ولاية الفقيه. كانوا يقولون دائماً, وحتى بعضهم عندما وقعت خلافات في الجنوب, فليذهب الجنوب وتبقى الجمهورية الإسلامية في إيران, والآن يمكن أن يقول البعض فليذهب لبنان ولتبق الجمهورية الاسلامية".

 

* كاتب وباحث في العلاقات الدولية