خطة من ثلاثة بنود لتأكيد لبنانية مزارع شبعا

ماري رينيه غنطوس –النهار 17/2/2006

إن إصرار الأمم المتحدة على الحصول على إقرار موقّع من قبل سوريا يجعل الأزمة تتفاقم بين الفرقاء المحليين حول هذه النقطة ولا يصب في مصلحة لبنان. فمن ناحية، إذا كانت الدولتان تعتبران أن المزارع لبنانية فالقانون الدولي لا يلزم أبدا بمثل هذه الوثيقة من اجل إثبات الحدود. ففي القانون الدولي العام إن إرادة الأطراف هي التي يؤخذ بها وهي الأساس في وضع الحدود. فإما أن توقع الدول المعنية معاهدة بشأن رسم الحدود بينها، وإما أن تقبل بالحدود الموروثة عن الاستعمار أو الانتداب أو الوصاية. وليس على هذا القبول أن يأخذ شكلا معينا.

فأين يكمن المشكل إذن؟ ولماذا هذا الموقف للأمم المتحدة؟ وعلى أي أساس يجب التعاطي مع الموضوع؟

الوقائع الثابتة في هذا الملف

هناك وقائع لا يختلف عليها أحد في موضوع مزارع شبعا وعليها تترتب نتائج قانونية.

-1 قبل حصول لبنان وسوريا على الاستقلال، ظهرت مرات عدة مشكلة الخرائط التي كانت تعتمدها السلطات الفرنسية. فالخريطة الوحيدة المتوافرة آنذاك كانت خريطة عثمانية. وهي بالتحديد التي تظهر مزارع شبعا ضمن الأراضي السورية. وظهر الخطأ أول مرة مع مباشرة الجيش الفرنسي بترسيم الحدود اللبنانية السورية في السلسة الشرقية عام 1934 حين أوكل هذا الترسيم إلى الكولونيل الفرنسي دوجاردان Dujardin.

ثم برز خطأ الخريطة العثمانية مرة أخرى بين عام 1934 و1939 في منطقة شبعا والنخيلة بالتحديد. وبعد التحقيق واستشارة مخاتير ووجهاء وأهالي البلدين، ثبت بأن مزارع شبعا هي ارض لبنانية وان الفاصل بين لبنان وسوريا في شرق هذه المنطقة هو وادي العسل. وصدرت توصية من قبل الخبراء في الجيش الفرنسي إلى المفوض السامي بإكمال عملية الترسيم التي تتسبب بمشاكل حدودية عديدة ومتكررة بين البلدين. إلا أن نشوب الحرب العالمية الثانية حال دون استكمال الإجراءات اللازمة(1).

-2 إذن، في "تاريخ الحرج"، أي في تاريخ حصول لبنان على استقلاله عام 1943، كانت مزارع شبعا ضمن نطاق السيادة اللبنانية ولم تكن سورية. فالتحديد كان مبتوتا بأمره لكن الترسيم غير مكتمل.

-3 إن سبب عدم اكتمال الترسيم هو إن عمليات التحديد والتحرير للعقارات اللبنانية لم تكتمل تحت الانتداب الفرنسي. إذ إن المبدأ العام المتبع في رسم الحدود اللبنانية السورية هو اعتماد الحدود الإدارية للأقضية كحدود دولية بين البلدين، ما عدا جزء محدود في شمال السلسلة الشرقية الذي قام الكولونيل دوجاردان بترسيمه وحيث اعتمد خط زوارب الجبال (وليس خط القمم). ولمعرفة حدود الأقضية يجب معرفة حدود القرى التي تعتمد على الحدود العقارية.

-4 فالسؤال الذي يجب أن يطرح اليوم ليس معرفة ما إذا كانت هذه الأراضي لبنانية أم سورية، بل هل إن لبنان تنازل عنها لسوريا بعد الاستقلال.

أ – إن إثبات الحق في السيادة يرتكز على معايير عدة يأخذها القاضي الدولي بالاعتبار جميعا وفي آن واحد. وهذه المعايير هي السند القانوني le titre juridique، وممارسة السلطة الفعلية les effectivités، والخرائط، وتصرف الفرقاء اللاحق لتاريخ الحصول على الاستقلال le comportement subséquent des parties (ما لم يكن قد طرأت معاهدة غيرت الوضع الراهن في تاريخ الحرج).

ب – من الثابت انه يوجد تناقض في الخرائط حول مزارع شبعا، إلا أن القاضي الدولي لا يأخذ بالخرائط كدليل على الحق في السيادة عندما يكون هناك تناقض بينها. انه يحاول أن يعرف ما إذا كان الخط الخاطئ هو الخط الذي اعتمده الطرفان أو الذي اتفق الطرفان، بتصرفهما اللاحق، على اعتباره الخط الحدودي، بغض النظر عن صحة الخريطة أو غلطها. وذلك يحدث في حال وجود خريطة واحدة مغلوطة اعتمدها الطرفان. أما وجود عدة خرائط تناقض بعضها فيدل على أن هناك عدم معرفة للخط الحدودي ولا يمكن أن يدل على اعتماد خط ما.

المشكلة القانونية مع الأمم المتحدة

يتمحور موقف الأمم المتحدة حول نقطتين أساسيتين:

-1 طلب خريطة رسمية موقعة من لبنان وسوريا، أو اعتراف خطي من سوريا بأن المزارع لبنانية.

-2 الأخذ بالطرح الإسرائيلي القائل إن إسرائيل احتلت المزارع خلال حرب 1967 وإنها بالتالي خاضعة للقرار 242 وليس للقرار 425.

أولا: بالنسبة للنقطة الأولى لا يمكن، منطقيا، لبنان وسوريا أن يوقعا على خريطة مشتركة لأن عملية الترسيم لم تنته بعد. أما اعتراف سوريا بأن المزارع لبنانية فهو واقعة قانونية لا لبس فيها ونتعجب لماذا لا تأخذ الأمم المتحدة بها. فهناك من ناحية اعتراف شفهي من كل من رئيس الجمهورية السورية، ووزير الخارجية ونائب رئيس الجمهورية والأمين العام لحزب البعث في سوريا (لما للحزب من وزنة خاصة في سوريا). وكل هذه الشخصيات هي التي تلزم الدولة في القانون الدولي العام الذي لا يهتم بالشكلياتle droit international n’est pas un droit formaliste. من ناحية أخرى، دوّن في محاضر اللجنة اللبنانية السورية لترسيم الحدود بين 1964 و1967 أن مزارع شبعا هي لبنانية وسلم الرئيس سليم الحص هذه المحاضر إلى موفد الأمين العام للأمم المتحدة السيد تيري رود لارسن عام 2000. كما ان السفير الدائم لسوريا لدى الأمم المتحدة طالب في الأمم المتحدة عام 2001 بتحرير مزارع شبعا "اللبنانية".

 

إلا أن المشكلة مع الأمم المتحدة هي على الأرجح مشكلة حجيةproblème d’opposabilité وليست مشكلة شرعية الحق المطالب به  et non pas un problème de légalitéإذ إن الحدود اللبنانية – السورية غير مسجلة في قلم المنظمة. وهذه الممارسة ناشئة عن المادة 102 من شرعة الأمم المتحدة التي تضع على عاتق الدول الأعضاء موجب تسجيل المعاهدات المعقودة بينها من اجل إعلانها. إلا أن الحدود اللبنانية السورية لم توضع بموجب معاهدة ثنائية بل وضعت أحاديا من قبل السلطة المنتدبة فهذه المادة لا تنطبق بالتالي على الحدود اللبنانية السورية(2).

ثانيا: إن القرار 425 (1978) هو الذي يجب أن يطبق وليس القرار 242 (1967).

أ – إذا سلمنا جدلا بأن إسرائيل احتلت مزارع شبعا خلال حرب 1967، وهي لم تقدم الإثبات على ذلك كما لم يطالبها لبنان بذلك، إلا أن خرق إسرائيل للقانون الدولي لم يتوقف بعد هذا التاريخ فاستمرت بالاحتلال لا بل وسعت رقعته إلى أن صدر القرار 425 عام 1978. فهذه حالة "خرق مستمر" violation continue وفي هذه الحالة القرار الأحدث هو الذي يطبق ويحل محل القرار الأقدم إذ نحن أمام "تنازع قرارات في الزمن"(3).

ب – على كل حال، عام 1967، لم يكن هناك سوريون فقط في منطقة مزارع شبعا بل كان الفدائيون الفلسطينيون هم الذين يسيطرون على الساحة، ولم يتمثل الوجود السوري إلا من خلال تنظيم "الصاعقة". وكانت الصحافة الإسرائيلية تتحدث باستمرار عن "عصابات المخربين" في صفحاتها. فلا ندري كيف تم السكوت من قبل السلطات اللبنانية حيال هذه الواقعة في مطالبتها بالمزارع.

ج – إذا لم يتحدث أحد عن احتلال مزارع شبعا عام 1967 فلأن هناك احتمال كبير على أن تكون إسرائيل قد احتلت مزارع شبعا فعليا عام 1970. قبل هذا التاريخ، كانت إسرائيل تقوم بعمليات تمشيط تدعي بأنها “روتينية" ثم تعود قوّاتها إلى ما وراء الخط الحدودي. إلا أن الاحتلال الفعلي بدأ من لحظة تحول هذه الأعمال المتقطعة – بالرغم مما تتضمن من تعدٍ صريح على السيادة اللبنانية – إلى وجود مستمر وثابت يشير إلى "نية في الاحتلال" animus occupandi. وعلى كل حال، هناك ثلاثة قرارات للأمم المتحدة في هذا الشأن 279 و 280 و 285 ورسالة موجهة للأمم المتحدة من رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مئير، وكل ما نشرته الصحافة الإسرائيلية والأميركية حول هذا الاحتلال عام 1970، وكلها يدعم احتمال احتلال مزارع شبعا من قبل إسرائيل عام 1970. وفي هذه الحالة، لا يطبق القرار 242 على كل حال، ونعود أيضا الى قرارات عام 1970 الى القرار 425 (1978)(4).

التحرك المقترح على أساس ما سبق

من مصلحة لبنان أن توضع مشكلة مزارع شبعا تحت سقف قانوني لانه وليومنا هذا يتم التعامل مع الموضوع في السياسة فقط. ولا سياسة فعالة دون سند قانوني قوي خاصة ان لبنان ليس بدولة عظمى تستطيع أن تفرض وجهة نظرها. لذلك نرتئي أن يكون التحرك بالتدرج على الشكل الآتي:

-1 التفاوض مع الأمم المتحدة لتتخلى عن إصرارها حيال وثيقة موقعة من سوريا لعدم الجدوى من هذا الإصرار والاكتفاء بما هو موجود من وثائق وإثباتات وهو كثير لا بل فائض.

-2 المطالبة بخروج الجيش الإسرائيلي لعدم نفاذ القرار 242.    

-3 وإذا لم يتم الاتفاق مع الأمم المتحدة حول هذه المواضيع، اللجوء إلى الوسائل القانونية ومنها محكمة العدل الدولية.

(1) في موضوع ترسيم الحدود قبل الاستقلال مراجعة كتابنا في اللغة الفرنسية بعنوان "الوضعية القانونية لمزارع شبعا في إطار القانون الدولي المطبق على الدول الحديثة المنشأ" Le statut juridique des hameaux de Chebaa dans le cadre du droit international applicable aux Etats nouveaux ، دار مختارات، 2005، والفصل المخصص لترسيم الحدود في أيام الانتداب الفرنسي، خاصة ص. 164 إلى 173 في المشاكل التي ظهرت في النخيلة ومزارع شبعا.

 (2) مراجعة كتابنا باللغة الفرنسية "مزارع شبعا والقانون الدولي العام" Les hameaux de Chebaa et le droit international public ، مختارات، 2001.

 (3) مراجعة المؤلف ذاته.

 (4) مراجعة "الوضعية القانونية لمزارع شبعا ..."، مختارات، 2005.

مؤلفة كتاب بالفرنسية حول مزارع شبعا- محام بالاستئناف- دكتوراه في القانون الدولي العام،

http://www.annaharonline.com/htd/KADAYA060217-1.HTM

جامعة بانتيون  اساس- باريس2