ملف الحوار اللبناني اللبناني الذي بدأ في 2/3/2006

 

"الصفارة" تطلق الحوار اليوم لسبعة أيام "مبدئيا"

تحت سقف الطائف... ولا تفاؤل أو تشاؤم مفرط

كتبت ريتا شرارة: النهار 2/3/2006

هكذا سيكون المشهد في بيروت الادارية اليوم:

لا سيارات، وربما تتنفس العاصمة الصعداء بتخفيف التلوث، لا حركة طبيعية للبنانيين او السياح! وعلى هؤلاء ان يسلكوا طريقي شارع المصارف ورياض الصلح حصرا سيرا على الاقدام، وان يخضعوا الى التفتيش عند المعابر بحسب لغة الحرب الباردة. ولا حركة اقتصادية طبيعية فالشلل سيضرب الوسط التجاري، رغم نفي رئيس مجلس النواب نبيه بري، ولا اسعار خيالية لاقامة السياسيين في فندق "ايتوال سويتس" انما 8500 دولار اميركي حصرا للايام السبعة المقررة "مبدئيا" للحوار، على ما اوضح رئيس المجلس، ولا وصول للنواب الى الندوة البرلمانية الا سيرا على الاقدام.

ستكثر اللاءات في هذا اليوم المفصلي من تاريخ لبنان، يوم الحوار.

اجراءات

غني عن القول والتأكيد ان الاجراءات الامنية التي تتخذها الدولة ومعها الامن الخاص بالشخصيات المشتركة في اللقاء ضخمة جدا. وغني عن القول ايضا ان الطاولة المستديرة التي اعدت لاستقبال صانعي المستقبل قد تكون استنسخت منها طاولات اخرى لم تصور ولا يعرف اين ستكون وهل تبقى حيث وضعت وان التقطت العدسات الصور اللازمة لها. وليس سهلا، قبل 24 ساعة، الدخول بحرية الى البرلمان. ولن يكون ممكنا من اليوم، ومدى 7 ايام "مبدئيا"، على ما قال بري، دخول المجلس الا لاصحاب الضرورة من بعض الاداريين والمولجين اعمال الصيانة والخدمة في الكافيتيريا الخاصة بالرئاسة الثانية.

وسيكون من رابع المستحيلات، للصحافيين او المصورين او الاعلاميين الذين لا يحملون البطاقة الخاصة الممهورة بختم المجلس، ان يطأوا ارض المربع الامني الذي يحوط مبنى السلطة الثانية في البلاد. لذا تتوقف الحركة الطبيعية في ادارة المجلس، ويحصل موظفوه على "الاجازة الجبرية" اسبوعا.

اما وقد تأمنت "الاقامة الجبرية" للسياسيين في الفندق القريب من المجلس، فان المقر المبدئي للصحافيين اللبنانيين والاجانب سيكون في قاعة المكتبة في المبنى الملحق بالمجلس حيث مكاتب النواب. غير ان جدول العمل لن يعرف بدقة قبل الحادية عشرة قبل ظهر اليوم عندما تنطلق صفارة الحوار، مع العلم انه ليس معروفا بعد من سيطلقها، على اساس ان ليس هناك من يدير الحوار. في اي حال، لن تكون الصور كثيرة، انما ستقتصر على صورة واحدة يلتقطها مندوب كل صحيفة، على ان يعمد المصورون في المحطات التلفزيونية المحلية الى بث الصور غير المباشرة باعتبار انه ليس في الامكان استقدام السيارات الخاصة للنقل المباشر.

اما وقد وضع الحوار في اطاره الوصفي، فماذا في السياسة؟

لجنة متابعة الحوار

لم يبد اكثر من طرف من ساحتي 8 و14 آذار اللتين ستلتقيان اليوم 2 آذار في ساحة البرلمان تفاؤلا ولا تشاؤما مفرطا بما ستكون عليه النتيجة. حتى ان كثرا منهم ربطوا بين الجلسة المسائية لمجلس الوزراء على بعد خطوات من الندوة البرلمانية في مبنى المجلس الاقتصادي والاجتماعي وما سيكون الوضع عليه اليوم.

انما بدا من خلال ما رشح في الساعات الاخيرة، ومن السودان، ان تعديلا ما سيلحق اتفاق الطائف، بحسب متابعين للحركة الحوارية، بادخال امور مستجدة لتأكيد حماية لبنان من اي اختراق اسرائيلي لسيادته. فالامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله اوضح لمعنيين ان الحوار "المنطلق لبنانيا في موضوع نشر الجيش في الجنوب وتطبيق اتفاق الهدنة، امر يمكن البحث فيه، فتطرح الاسئلة والاسئلة المضادة"، وان المطلوب "من الحوار المخلص هو طمأنة الحزب الى اجوبة تؤكد كيف ستتأمن حماية لبنان".

بأي محصلة خرجت اللجنة النيابية للمتابعة بموضوع الحوار الوطني؟

يوضح العضو فيها النائب انور الخليل لـ"النهار" ان الجولة كانت ايجابية في ما يتعلق بقبول الجميع موضوع الحوار والمبدأ الذي تنطلق منه الدعوة. وكانت هناك درجات مختلفة من الحماسة في اتجاه طاولة الحوار دونما سماع اي فريق يعترض على الحضور". وحدد اسباب الاختلاف "في درجات الحماسة بين فريق وآخر"، وتعود الى الآتي:

" - اولا: بعضهم يريد ان يكون موضوع رئيس الجمهورية امرا واقعا من دون التعرض الى مناقشة فيه. فبحسب هذا البعض، ان هذا الامر بحكم المنتهي.

- ثانيا: ان بعضهم الاخر اعتبر ان الملفات المطروحة واسعة في نطاق التفاصيل التي يمكن ان يدخل فيها المتحاورون، وتاليا، يريدون تركيزا واضحا على الامور الاساسية الخلافية، اي رئاسة الجمهورية، سلاح "حزب الله"، والسلاح الفلسطيني.

  - ثالثا: كانت لدى بعضهم تساؤلات عن التمثيل على طاولة الحوار، اي من هم الذين يشكلون "الصف الاول"، بحسب تعبير رئيس المجلس، وخصوصا في ما يتعلق بالتمثيلين الارثوذكسي والارمني".

واشار الى ان اللجنة "دخلت في حوار تفسيري، بكل هذه التساؤلات. واكدنا ان الدخول الى قاعة الحوار يجب الا يكون خاضعا لشروط مسبقة. وتاليا، نحول هذه الشروط اقتراحات على طاولة الحوار، ويجب ان يأتي الجواب من المتحاورين اي ان يكون التركيز على أولوية الموضوعات وشموليتها. لذلك، كان   انطباعنا ان احدا لم يعترض على الحضور، وتركت آليات التعاطي مفتوحة للمشاركين الذين يريد بعضهم ان يدخل بورقة مشتركة مع حلفائه، ويريد بعض آخر ان يترك هذا الامر نتيجة منطقية للبدء بعملية الحوار". وأي نقطة كانت غير قابلة للحوار؟ أجاب: لم نقبل كلجنة بأن يبدأ الحوار معنا، بل ربطنا هذه التساؤلات كلها وما يمكن ان يستجد من موضوعات أخرى لتكون من ضمن مواد الحوار على الطاولة. وركزنا على ان هذا الحوار ينطلق تحت سقف الطائف وليس مسموحاً بان ينال من الثوابت والامور التي كرستها وثيقة الوفاق الوطني اللبناني المعروفة بالطائف".

وقال، بصفة شخصية، ان "الحوار لم يعد محصوراً بالسياسيين انما بكل من يهمه لبنان ويسأل عما يحمل الغد لهذا البلد. لذا، أقول: ان لم ننته من النقاط الخلافية في حوار بيروت – 1، فيجب ان يكون هناك بيروت – 2 وثلاثة حتى. اذ ليس بيروت – 1 الاقتصادي مقبولاً للسماع قبل الانتهاء من الحوار السياسي".

 

"الكتلة الوطنية" ومشاركون

وعشية الجلسة الحوارية، شكل نواب "التنظيم الناصري" (اسامة سعد) والحزب السوري القومي الاجتماعي (اسعد حردان ومروان فارس) وحزب البعث العربي الاشتراكي (قاسم هاشم) كتلة نيابية هي "الكتلة الوطنية" التي قال عنها فارس لـ"النهار" انها "تكتل وطني غير طائفي، تشكل على أساس وطنيتنا ولا طائفيتنا، واننا سنكون الصوت اللاطائفي في الحوار".

مع من ستقدم الشخصيات "الباب أول" الى البرلمان؟

بعد المخاض العسير الداخلي عند بعض الكتل أو الطوائف، تبين ان التمثيل سيكون، في اليوم الأول للحوار، اقله، كالآتي:

-- رئيس المجلس يرافقه النائبان علي حسن خليل وسمير عازار.

-- رئيس الحكومة فؤاد السنيورة يكون مع وزير الدولة لشؤون مجلس النواب ميشال فرعون ووزير الداخلية والبلديات احمد فتفت.

-- وزير الأشغال العامة والنقل محمد الصفدي يكون وحده مبدئياً، وإلا يرافقه من "التكتل الطرابلس" النائب قاسم عبد العزيز.

-- الرئيس امين الجميل يكون مع وزير الصناعة بيار الجميل والنائب انطوان غانم.

-- النائب ميشال عون يصطحب النائبين ابرهيم كنعان وعباس هاشم.

-- النائب وليد جنبلاط الذي يغادر الاحد الى الولايات المتحدة الاميركية يصطحب الوزير مروان حماده والنائب فؤاد السعد.

-- النائب الياس سكاف يكون مع النائبين جورج قصارجي وعاصم عراجي.

-- النائب بطرس حرب يجيء معه النائب جواد بولس.

-- النائب سعد الحريري لم تعرف الشخصيتان اللتان سترافقانه.

-- النائبان غسان تويني وميشال المر عن الروم الارثوذكس.

أما التمثيل الحزبي فسيكون:

لرئيس الهيئة التنفيذية في حزب "القوات اللبنانية" الدكتور سمير جعجع برفقة النائبين في كتلة "القوات" جورج عدوان وايلي كيروز.

-- للأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله برفقة وزير الطاقة محمد فنيش والنائب محمد رعد.

-- للنواب آغوب قصارجيان عن رامغافار، آغوب بقرادونيان عن الطاشناق ويغيا جرجيان عن هنشاق مداورة. وفي السياق، كان زار بري صباحاً في مقره في عين التينة وفد الاحزاب الارمنية الذي ضم الأمين العام للطاشناق هوفيك مختاريان، رئيس الهيئة التنفيذية في رامغافار آرام جورج ورئيس الهيئة التنفيذية لهنشاق اوهانس اورليان. وبعد اللقاء، قال مختاريان ان الوفد ابلغ الى بري "رسمياً قرار الاحزاب الارمنية المشاركة في الحوار"، متمنياً ان "تكون هذه المبادرة ناجحة لمصلحة البلاد، وان يكون قرار الاحزاب الارمنية نموذجاً للقوى السياسية والاحزاب كلها في البلاد للتضامن بغية عقد الحوار".

- مداورة لنواب "الكتلة الوطنية" التي قدّم احد اعضائها النائب قاسم هاشم مساء من السعودية للمشاركة في الحوار.

وبعد، كتبت مجلة "زينيت" الخميس 16 شباط الجاري، بعد اجتماع السنيورة بالبابا بينيديكتوس الـ 16 ان الكرسي الرسولي والحكومة اللبنانية اتفقا على وجوب "تعليم الشعوب المصالحة والسلام".

فهل يحمل اليوم المفتاح السحري لهذه المعادلة؟

صدر عن الامانة العامة لمجلس النواب امس بيان جاء فيه: "بناء على توجيهات صادرة من رئيس مجلس النواب في مناسبة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الخميس 2/3/2006 في مبنى مجلس النواب وحتى تاريخ يحدد لاحقاً، يؤمل من السادة النواب الاستعاضة عن استخدام، او استعمال سياراتهم في منطقة ساحة النجمة ومحيط مكان المؤتمر المذكور، وذلك لاسباب لوجستية ادارية وأمنية وعدم امكان اجتماعات اللجان النيابية للظروف المعروفة. اننا اذ نشكر السادة النواب على حسن تفهمهم لمثل هذا الاجراء الاستثنائي لظرف استثنائي، نأمل في العمل بموجب هذا الاجراء".

 

بعض من محطات الحوار اللبناني أشخاصاً وأوراقاً

كتب ابرهيم بيرم: : النهار 2/3/2006

ليست المرة الاولى التي يذهب فيها قادة الطيف اللبناني السياسي والروحي، الى مائدة حوار يُدعون اليها، في محاولة لايجاد مخارج لاوضاع تكون قد وصلت الى جدران سميكة وابواب موصدة، ولكن الاكيد انه ربما للمرة الاولى تدعو الطبقة السياسية نفسها بنفسها الى حوار مفتوح، خلافاً لكل المرات السابقة التي كان فيها طرف عربي ما يتنكب هذه المهمة، ويحمل هذه الدعوة.

مصطلح الحوار ليس غريباً اطلاقاً عن اسماع اللبنانيين، فتكراره مدى الاعوام الممتدة منذ عام 1975 وارتباطه في احيان كثيرة باحتدام الصراع الداخلي بين الافرقاء، وجعله تعبيرا بلا بريق او لا جاذبية ومن اغراء يجعل اللبنانيين يطلقون العنان لرهاناتهم عليه.

ومشاهد الحوار نفسها توالت امام اعين اللبنانيين اشكالاً وشخصيات، وتنوعت امكنته وازمنته، فهي تارة في اعالي جبال سويسرا، وتارة اخرى في قيظ الكويت، وطوراً آخر في رحاب الرباط، فضلاً عن الطائف في السعودية الى بيروت وبكفيا... ناهيك بدمشق.

تنقل الحوار وطوحت به العواصم والمدن، وتعدد رعاته وتنوع المشرفون عليه، وتراكمت الوثائق والبيانات والتوصيات الصادرة عنه، والاوراق المقدمة الى جلساته، حتى كانت الخاتمة في اتفاق الطائف عام 1989.

يومها كانت كل القوى اللبنانية في عمق المأزق، وفي ذروة الازمة، انهكتها الحروب بلا مكاسب، فنجح ما تبقى من مجلس عام 1972 (62 نائباً) في اقرار وثيقة الوفاق الوطني التي عدها الجميع "اتفاق الضرورة"، وقبلوا على مضض بها لانه لم يعد في قوس صبرهم منزع، وباتوا بلا حول ولا قوة، فقبلوا ما فرض عليهم وعادوا الى الوطن ليخوضوا غمار تجربة جديدة، واختبار اقسى، وهو تسويق ما قبلوا به.

ولان العودة الى جلسات الحوار ومحطاته في مرحلة ما قبل عام 1982، باتت في ضمير التاريخ اللبناني والباحثين في اوراقه وبواطنه ومكنوناته اخترنا إحدى محطات الحوار في مرحلة ما بعد هذا التاريخ، لاعتبارين اساسيين:

الاول: لان الاجتياح الاسرائيلي الواسع للبنان عام 1982 كان بمثابة فيصل طوى صفحة مرحلة بما حفلت به من محطات حوارية، وفتح صفحة اخرى.

الثاني: ان جلسات الحوار التي جرت بعد عام 1982، يضم عقدها خيط ناظم، ويجمعها امتداد مستمر حتى اليوم، ولم يمر عليه الزمن، فضلاً عن ان "ابطال" الحوار يكادون يتكررون ويستنسخون انفسهم. وابعد من ذلك ان مواضيع الحوار الاساسية واوراقه ووثائقه تكاد ان تكون نسخاً طبق الاصل بعضها من بعض.

جنيف كانت فاتحة المحطات الحوارية. ففي 31 تشرين الاول عام 1983، افتتح الرئيس امين الجميل اعمال المؤتمر الوطني للحوار الذي جمع الرئيس رشيد كرامي، الرئيس سليمان فرنجية، الرئيس عادل عسيران، الرئيس صائب سلام، الرئيس كميل شمعون، رئيس حزب الكتائب بيار الجميل، رئيس حركة "امل" نبيه بري، رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط. لم يكن هؤلاء الزعماء القادة وحدهم في الميدان، اذ حملتهم على اختيار ذاك المكان القصي للحوار اشارة سعودية، وقد التأموا اربعة ايام تحت ابصار نائب الرئيس السوري (آنذاك) عبد الحليم خدام، ووزير الدولة السعودي (يومذاك) محمد ابرهيم المسعود.

اما ما استدعى ذاك الحوار وفرضه على سلطة الرئيس الجميل، فهو ان القوى المناهضة له والقريبة من سوريا (بري، جنبلاط، فرنجيه، وكرامي) قد استشعروا من انفسهم قوة وحضوراً جعلهم يسعون الى التأثير على المعادلة التي فرضها الاجتياح الاسرائيلي على لبنان، وما بني عليها من عمارات سياسية. وفي ذلك الوقت كان جنبلاط قد احرز تقدماً عسكرياً في مواجهة "القوات اللبنانية"، في الجبل، وكان بري قد دخل في مواجهة مع الرئيس الجميل في بيروت، جعلته ينمو ويكبر سياسياً، ويتجرأ على اخذ حيز في المعارضة.

وعموماً كانت سوريا قد خرجت الى حد ما من آثار هزيمتها على يد الاسرائيليين وبدأت تتحدث بدعم سوفياتي، عن توازن القوى، وبالتالي بدأت تفكر بالانتقام من هزيمة خروجها من بيروت بعد خروج الجسم العسكري لمنظمة التحرير الفلسطينية من لبنان.

حينها خرج المتحاورون بصفقة عنوانها الضمني اعتراف غالبية المجتمعين بسلطة الجميل، واقرار الجميل بضرورة التعاون مع هؤلاء الذين كانوا يومها بعيدين عن السلطة، واقرار منه ايضاً ببيان حول "عروبة لبنان".

لوزان

وبعد أكثر من مئة وعشرة ايام عاد القادة أنفسهم للاجتماع تحت العنوان نفسه (مؤتمر الحوار الوطني) ولكن هذه المرة في لوزان، وفي فندق مجاور لبحيرتها الذائعة الصيت بجمالها.

لم يكن التغيير في المكان، هو التحول الوحيد الطارىء والذي أرخى بظلاله على المؤتمر وفرض نفسه بقوة على المؤتمرين. فقبل شهر وستة ايام على موعد الانعقاد (في 12 آذار عام 1984) كانت حركة "أمل" قادت ما سمته لاحقا بـ"انتفاضة 6 شباط" فسيطرت على القسم الغربي من العاصمة وأقصت قوات الجيش عنها، الا ما أعلن ولاءه للحركة ورئيسها منها.

وفي الجبل كانت قوات جنبلاط قد أسقطت منطقة الشحار الغربي وأحكمت الطوق حول دير القمر بعدما نجحت بدعم سوري – فلسطيني في ردع هجمات "القوات اللبنانية" الزاحفة الى القرى والبلدات الجبلية.

في ذلك الوقت كانت دمشق استردت مع حلفائها بعضا من هيبتها المفقودة بفعل الاجتياح الاسرائيلي، خصوصا ان المقاومكة ضد القوات الاسرائيلية في الجنوب والبقاع الغربي كانت بدأت تظهر نتائجها الميدانية وتفرض نفسها في المعادلة عموما، عاملا وازنا لمصلحة المناهضين لسلطة الرئيس الجميل.

عاد المتحاورون بعد أيام من سويسرا، بجملة مكاسب لحلفاء سوريا منها تشكيل "حكومة وحدة وطنية" برئاسة الرئيس رشيد كرامي ومشاركة بري وجنبلاط، وبوثيقة اصلاح متكاملة، والأهم بتوجه الى الغاء "اتفاق 17 ايار" الذي أبرم بين لبنان واسرائيل.

وعلى وهج "الانتصارات" نفسها، انتخب الرئيس حسين الحسيني لرئاسة مجلس النواب محل الرئيس المخضرم كامل الاسعد وانفتحت الابواب على مصراعيها بين الجميل ودمشق.

 "حوار جبلي"!

ولكن رياح الامور لم تسر وفق ما تشتهيه سفن كل الفئات التي بقيت على سلاحها، وبقيت عند "متاريس" مواقفها المانعة من حصول الاصلاح المنشود، فكانت خلوات بكفيا الحوارية مشهدا آخر من مشاهد الحوار اللبناني ومحطاته الاساسية.

وشعر حلفاء دمشق بأن الجميل يتراجع عن وعوده بالاصلاح السياسي فرفعوا عقيرتهم بالصياح والرفض، وعادوا الى دائرة الاعتراض والممانعة والتشكيك بحكم الجميل وعهده.

وعاد بري ليجدد المطالبة بما كان رفعه في السابق وهو محاسبة الرئيس الجميل بتهمة قصف الضاحية الجنوبية، فكانت خطوة جديدة تمثلت في اجتماع الحكومة كلها في القصر الرئاسي الصيفي في بكفيا، ولكن هذه المرة في حضور نائب الرئيس السوري خدام الضليع في الملف اللبناني بعدما أحكم قبضته عليه منذ اندلاع الازمة اللبنانية عام 1975.

خلوات بكفيا الخمس أفضت نظريا الى تفاهم على اتفاقات سياسية واخرى أمنية. لكن التفاعلات داخل الجسم العسكري المسيحي أي "القوات اللبنانية" غيّر من  المعادلة، ورسم تحولات أخذت شكلا آخر، خصوصا بعدما أمسك ايلي حبيقة بزمام هذه القوات.

الاتفاق الثلاثي

اختارت دمشق هذه المرة الميليشيات المسلحة الاساسية لتجمعها حول طاولة الحوار بين ظهرانيها، وتدفع بها في اتجاه صنع تفاهم جديد.

وهكذا في مكتب خدام ولد "الاتفاق الثلاثي" بين حركة "أمل" والحزب التقدمي الاشتراكي و"القوات اللبنانية" عام 1985، من رحم جلسات حوار طويلة نسبيا بين قادة هذا الثلاثي، الذي كان يمثل عمليا ثلاث طوائف أساسية وقد وصفه خدام بأنه انجاز تاريخي للبنان وسوريا التي عملت له وكانت حريصة على ان يختل التوازن لمصلحة فريق ضد فريق.

ولكن هذا الالتفاف السوري على المعادلة الداخلية اللبنانية والتي استعصت عليها، نسبيا، سرعان ما تبدد بعد انقلاب سمير جعجع على حبيقة وطرده مما كان يعرف بـ"المنطقة الشرقية"، فسقط بخروجه المذل "الاتفاق الثلاثي".

اعتبر المسيحيون انهم ألحقوا ضربة بسوريا، تعوضهم الهزائم المتتالية التي رأوا انهم منوا بها بعد مؤتمر لوزان، واعتبرت سوريا وحلفاؤها ان عليهم الرد والانتقام، فكان قرارهم بتعطيل دورة العمل الحكومي، وبعرقلة الامور وتأزيم الاوضاع في وجه الرئيس الجميل.

وبعد انسداد الافق السياسي استمر نحو 11 شهرا، ولدت فكرة الحوار الوزاري في ميدان سباق الخيل، بين شطري العاصمة. وأواخر عام 1986 ذهب الوزراء كلهم يومها الى هناك ولكنهم بعد 5 جلسات انفرط عقدهم وعاد كل الى منطقته، ودرجت يومها "المراسيم الجوالة" لتسيير العمل الحكومي بالحد الادنى.

وبعد شغور رئاسة الجمهورية عام 1988 بانتهاء ولاية الرئيس الجميل وانقسام الحكومة حكومتين، واحدة برئاسة قائد الجيش (آنذاك) العماد ميشال عون، والاخرى برئاسة الرئيس سليم الحص وتردي الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية الى الدرك الاسفل وانفجار الصراعات العسكرية، بادر العرب الى احياء مبادراتهم لجمع اللبنانيين المتنازعين الى طاولة الحوار.

فكانت أولاً تجربة اللجنة السداسية برئاسة وزير خارجية الكويت اميرها حالياً الشيخ صباح الاحمد الصباح، وعضوية وزراء خارجية المغرب والجزائر، وتونس والسودان، الى ممثل الامين العام لجامعة الدول العربية الاخضر الابرهيمي.

حينها (عام 1989) اقدمت هذه اللجنة على "خطوة حوارية نافعة"، اذ استدعت الى الرباط رئيس مجلس النواب الرئيس حسين الحسيني، ورئيس الحكومتين سليم الحص والعماد ميشال عون.

ويذكر الحسيني، انه عارض في شكل مطلق عمل هذه اللجنة "لانها بعملها هذا تكرس بختم جامعة الدول العربية انقسام السلطة والشعب في لبنان" اضافة الى انها تجتمع بممثلي ثلاث طوائف لبنانية فحسب، اذا كان هؤلاء الحاضرون يمثلون طوائفهم. وتهمل الاجتماع بممثلي الطوائف اللبنانية الاخرين".

واقترح الحسيني على اللجنة امرين اخذت بهما الاول ان تجتمع بكل من الحضور الثلاثة على حدة ثم ان تستدعي الرؤساء الروحيين للطوائف اللبنانية كافة للاجتماع مباشرة والاطلاع على آرائهم.

ولاحقا، اخذت اللجنة بعدما تحولت لجنة ثلاثية، بهذه الفكرة واستدعى رئيسها الشيخ صباح الاحمد الزعماء الروحيين للطوائف اللبنانية الى الكويت في طائرة واحدة وانزلوا في فندق واحد حيث اجروا حوارات بعضهم مع بعض ومع رئيس اللجنة واعضائها.

كما اخذت اللجنة ايضا بتقرير كان وضعه الرئيس الحسيني اضافة الى تقريرها الى مؤتمر قمة الدار البيضاء العربية عام 1989.

الطائف

وعلى اساس مقررات هذه القمة وتوصياتها، هيئت الاجواء والمناخات لانعقاد حوار الطائف الذي عُد لاحقا "خاتمة الاحزان اللبنانية"، وعد ايضا "التجربة الحوارية الانجح" في التاريخ اللبناني المعاصر.

أبطال هذا الحوار كانوا هذه المرة، اعضاء مجلس النواب الذي جمعهم العرب في قصر المؤتمرات في مدينة الطائف الجبلية السعودية، وعلى مدى 22 يوماً خاض هؤلاء النواب وعددهم 62 نائبا حوارات لا تحصى ووضعوا مسودات مشاريع وفاقية لا تعد، وانتابهم اليأس مراراً، وبدا لهم في مرات عدة ان ابواب التفاهم قاب قوسين او ادنى من الانسداد، ومن شعورهم بما ستؤدي اليه الامور اذا عادوا الى البلاد خاوي الوفاض من اي اتفاق "والضغوط التي مورست عليهم" كلها عوامل دفعتهم في خاتمة المطاف الى التوقيع في الحادية عشرة والنصف من ليل 23 تشرين الاول عام 1989 على اتفاق الطائف (الذين وقعوا عليه 58 نائبا).

وعاد هؤلاء بعد ايام قليلة الى بيروت ليوقعوا ثانية على الاتفاق على اساسه انه بات وثيقة وفاق وطني، وينتخبوا الرئيس الاول على أساسه في مطار القليعات في عكار، وهو الرئيس الشهيد رينه معوض، ثم ليشرعوا في رحلة طويلة لتسويق تلك الوثيقة التي كان لها الفضل الاول في انهاء حالة الاحتراب الاهلي التي باتت في سنواتها الاخيرة عبثية.

وفي الحوار الوطني الذي يتعين ان يبدأ الحادية عشرة قبل ظهر اليوم في مجلس النواب، ثمة مزج بين كل اشكال الحوار التي حصلت في السابق، فهو حوار نواب منتخبين وآخرين يمثلون احزابهم وتياراتهم وآخرين يحضرون ايضا بصفتهم ممثلين لطوائفهم، وبين المتحاورين مسلحون وآخرين كانوا يحملون السلاح.

واذا كان يصعب التكهن بمآل هذا الحوار ومدى مساهمته في ايجاد المخارج والحلول ، فان الاكيد حسب رأي احد صناع اتفاق الطائف انه "ما من بند مطروح للمناقشة في مؤتمر الحوار اليوم، الا اشبعه اتفاق الطائف مناقشة، ويضيف ان هذا الحوار سيشل البلاد ويوهم الآخرين انها منقسمة ومفتتة وهو امر لا صحة له، ولكنه ينسجم مع خطة الفوضى التي تشهد احد ابرز تجلياتها في العراق الآن.  انهم يحملون البلاد والعباد مسؤولية اخفاقهم هم، لانهم شرعوا في حوار لا ورقة عمل له، ولا احد يدرك بالضبط المطلوب منه".

 

الحوار الانقاذي أو المجهول

 بقلم جميل حايك - : النهار 2/3/2006

الثاني من آذار الموعد الذي حدده الاخ الرئيس نبيه بري لانطلاقة حوار هادف وهادئ بين اللبنانيين ليتكلموا بلغة واحدة تخاطب بعقلانية كل المحطات المستجدة على الساحة اللبنانية ووضع لبنان على طريق السلم والاستقرار والاعمار، واذا كانت النقاط الثلاث الاساس كشف الحقيقة ومتفرعاتها، القرار رقم 1559 ومتفرعاته، والعلاقة اللبنانية السورية ومتفرعاتها، فإن جوهر الحوار الوفاقي الذي دعا اليه رجل الحوار الدائم والتلاقي حول لبنان وطن الانسان من خلال ام المؤسسات الدستورية السلطة التشريعية انه يهدف الى اسقاط السجال بالحوار والارتجال بالاتزان والعقلانية، ومن موقع الحرص الدائم على رأب الصدع واعادة الامور الى ما فيها مصلحة لبنان حرصاً على وحدته وقوته واستقرار نظامه السياسي.

اذاً الحوار هو الابتعاد عن الاتجاهات الخاطئة عبر المواقف المغامرة والمقامرة بمصير البلد ومستقبله ومصلحة ابنائه.  الثاني من آذار يريده الرئيس نبيه بري ربيعاً حقيقياً للبنان يعيد الحياة الى صفائها ونقائها ويسقط كل اوراق اليباس التي تحاول ان تغيّر صورة لبنان وتعيد العجلة الى الوراء.

انه حوار قوة لبنان والقيام بدوره الريادي واستعادة موقعه الطبيعي الذي يضمن له تثبيت الوحدة والاستقرار. مبادرة الرئيس نبيه بري لبنانية بامتياز، معروفة الحسب والنسب والهوية، ليس فيها مفردات اجنبية كي تحتاج الى مترجم.. بل تحتاج الى صدق في النيات واخلاص في التوجه لان غايتها الاولى الحرص المعهود على الجميع باختلاف توجهاتهم واتجاهاتهم من اجل وصل ما انقطع وتوحيد ما تفرّق.

من هنا الواجب الوطني يدعو الجميع الى الانخراط بدعم المشروع الانقاذي والعمل بقوة واصرار على انجاحه، لاننا نريد مصلحة وطننا ولا تكون الا بجمع الشمل وعدم السماح لرياح الفتن ان تهب بين الفينة والاخرى، لان اللبنانيين جميعاً المنتسبين الى كل ايام شباط وكل ايام آذار لم ينسوا بعد مآسي الحروب العبثية المدمرة وويلاتها وسياسات الشطب وصراعات الزواريب والاحياء واللهاث المستحيل وراء السراب تحت عناوين استقوائية وإلغائية وانتصارات وهمية.

ان الوطن الذي يُحدد مصيره ومصير ابنائه في الشوارع لا بد من ان يبحث عنه ذات يوم على الارصفة او في الانفاق او الدهاليز او في دور الايتام التي تأوي الاوطان او مرمية في احضان عدوها الذي امعن في تفتيتها وتمزيقها وتحويلها إلى أشلاء.  لنكن أوفياء لبلدنا الجميل ولا نسمح بأن يصبح أثراً بعد عين وحلماً صريعاً على مذبح الانانية والنزوات والتسلط. لنكن اوفياء لبلدنا الجميل الذي تميّز بدوره الرائد عبر التاريخ، وقهر اخيراً المشروع الصهيوني، واسقط حالات الوهن والضعف المصطنعة، واثبت انه قوي بوحدته وبمقاومته وبارادة ابنائه التي اختارته وطناً نهائياً تتفاعل فيه الارادات لتواجه كل التحديات.

الثاني من آذار حوار من اجل لبنان... كل لبنان.

***رئيس المكتب السياسي لحركة "امل"

 

حقيقة الحوار ومعناه

بقلم الدكتور رميلي رميلي -: النهار 2/3/2006

منذ فترة اقترح الاستاذ غسان تويني على الدولة اللبنانية الحوار مع "حماس" وكانت ضربة معلم. ومنذ فترة اقترح الملك عبدالله عدم عزل "حماس" وسوريا وكانت ضربة معلم أخرى. والآن يبقى الحوار مع الجميع: الحوار مع السنة. وقد بدأ هذا الحوار فعلاً رغم ما يدل على العكس في العراق ومن قبل الشيعة أنفسهم ومن قبل الأكراد الذين يأخذون مواقف معتدلة اكثر فأكثر ويحاولون المراهنة على عودة الهدوء الى العراق. فما أروع هذا الجو خارج اطار ما يدل على العكس – ان للبنان دوراً يؤديه في هذا المجال الرائع وحسناً فعل دولة الرئيس بري باطلاقه مبدأ الحوار وورشته داخل اطار المجلس النيابي. بكلام أوضح اذا لم يتصدّ لبنان للحوار مع الجميع فمن عساه يفعل: ارض المقدسات الدينية جميعها، يجب ان تبقى ارض الحوار الحقيقي.

وينبغي ان لا نسقط من حسابنا في هذا المجال هذا اللقاء الموفق بين الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون. يبدو ان كل محاولة للتصعيد من الآن فصاعداً فعلاً تظهر أنها محكومة بترك نافذة مفتوحة على الحوار الحقيقي، لقد قال لي صديق: حتى لو رأيت مجرماً افتح معه حواراً! فكم بالحري مع السياسيين الابرار ومع قادة الرأي في البلاد عموماً. فكم مرة فكرت في الحوار ومعناه وكان الجواب يأتيني في ما يشبه الحدس الصارخ والفرح: انه الاعتراف بالآخر! حتى ولو اختلفت معه في وجهات النظر وفي المبادئ. بل ان الاختلاف في وجهات النظر ضروري للتوصل الى الحقيقة القصوى. هذا ما تعلمته من التاريخ ومن المفكرين أيضاً. وافلاطون أبو الفلاسفة حتى اليوم لم يتوصل الى الحقيقة "القصوى" الا عند طريق الحوار. و"حواراته" التي علمتنا جميعاً كيف نفكر بهدوء تبقى مثالاً أعلى على الفرح بالحقيقة عن طريق التقرب شيئاً فشيئا من الرأي الآخر ومن الفرح بالعقل والقلب. انه يلعب اللعبة بذكاء لا يوصف، فكم استغرب ما أتت به الحضارة الحديثة وقد سبقها اليه الجاهليون من ان "الجحيم هو الآخرون"، بل ان السماء هي الآخرون. ماذا؟ اليسوا كلهم من عيال الله ومن خلق الله فعلاً.اذا دخلت الى مكان مظلم عليك ان تنتظر شيئاً فشيئاً حتى تتبين الأشياء وحتى ينجلي الخيط الأبيض بالنظر من الخيط الأسود وحتى تبدأ بالتحرك بأمان كامل. هذا هو المبدأ الذي به نهتدي حتى نقرب وجهات النظر وحتى يتقرب بعضنا من بعض بطريقة سماوية. لا شيء يساوي هذه اللذة المباركة في اكتشاف حقيقة الآخر والحقائق المشتركة بين الناس. فكأنه الماء ترمي فيه بالحجر وتراقب الدوائر كيف تكبر ويتسع اطارها، فلأن دوائر التحاور ليست مقفلة تستطيع ان تراقبها وهي تكبر حتى تتلاشى، وتصبح صفحة الماء هادئة ساكنة كالبلور أو كأنه الألماس الطبيعي تكوّن كنزاً من مئات السنين الحجرية.

استخراج الألماس من الفحم والتراب واستخراج اللؤلؤ من القاع يتطلبان صبراً لا حدود له ولكنه صبر مبارك، لأن الصفاء الذي لا يوصف في الحالتين لا يأتي عفواً ولأنه صفاء النور الموجود حتى في الأرض والتراب والحجر والماء... في أعماق كل رجل وكل امرأة نور يظهر من خلال العينين وفرح يظهر من خلالهما أيضاً وفيما رأيت من اشياء الجمال لم أجد أروع من هذا الفرح الذي يأتي عن طريق التحاور. انها التماعات موجودة وممكنة وينبغي ان لا نتجاهلها على الاطلاق.

قلنا ان الحقيقة المطلقة تظهر عن طريق الحوار وكان يجب ان نقول ان الحقيقة الواقعية خاصة تظهر بهذه الوسيلة ! وما احوجنا اليها واليه. وحدها الحقيقة تنقذ ولكنه الحقيقة التي نتحاور عليها وليس الحقيقة التي نفترضها سلفاً، والوضع كله في لبنان في حاجة الى انقاذ وربما كان الانقاذ عن طريق الحوار حاجة عالمية الآن.

 

ماذا يريد المسيحيون في لبنان؟

بقلم حبيب افرام -: النهار 2/3/2006

عند كل مفترق تاريخي يشعر المسيحيون بعبء قضيتهم كأنهم خلقوا لرسالة الخطر. دائماً قلقون، يشدهم سؤال عن مصيرهم والمستقبل.

فماذا يريدون؟

انهم لا يطلبون لانفسهم اي شيء لا يريدونه لكل لبناني، لكل شريك في الوطن. انهم اصلاً يؤمنون بلبنان اولاً واخيراً. اولاً وقبل كل شيء آخر. لبنان السيد. لا احتلال ولا هيمنة ولا تدخل ولا وصاية لا اسرائيلية ولا سورية ولا فلسطينية ولا ايرانية ولا فرنسية ولا اميركية.  ولبنان السيد يعني لا جيش على ارضه الا الذي الارزة تكلل هامته. وهم مع المواطنية التامة الكاملة المتساوية حيث يشعر كل فرد وكل مجموعة بأنها تتمتع بالحريات المنصوص عليها في شرعة حقوق الانسان. وهم متشبثون بلبنان رسالة حياة مشتركة حضارية ودوراً رائداً في محيطه العربي.  المسيحيون مشكلتهم الاعتراف بهم كما هم، لا كما يراد لهم ان يكونوا، ولا يقبلون ان يعاملوا كمواطنين درجة ثانية، ولا كذميين سياسياً، ولا كأتباع ولا كمهمشين ولا كملحقين، ولا يمكن ان يسمحوا لاحد بأن يمننهم بحقوقهم او بمقاعد نيابية او وزارية او ادارية او بلدية، او ان يعطيهم حقوقهم كجوائز ترضية.

والمسيحيون مع المصالحة الوطنية الاكيدة التي لا تستثني احداً، ولا يثيرون عصبيات بل يدعون دائماً الى الالفة والوفاق والتقدم والتغيير والاصلاح، وهم اساس في انشاء لبنان الكيان المميز، رغم عثراته وسوء تطبيق دستوره، ورغم الحرب، فإن التجربة اللبنانية الديموقراطية والحريات التي نعمنا بها، كانت مجال افتخار في منطقة يغلب عليها طابع الاحادية المطلقة في الزعامة والحزب والعائلة والدين.

والمسيحيون ميثاقيون مؤمنون عن قدر وعن خيار بالعيش المشترك الحر المتساوي، وان تغيّرت الصيغة، فهم كانوا مع لبنان الكبير، ومع صيغة 43، ومع اتفاق الطائف، ومع اي اتفاق جديد يحفظ ارادة الحياة معاً.

لقد تعلم المسيحيون، من دمهم ولحمهم، عبر الحرب، واهمها على الاطلاق ان الوحدة الوطنية هي مدخل اي حل لاي مشكلة. فلا سيادة دونها ولا اصلاح دونها ولا تقدم وتطوّر دونها ولا امل ولا مستقبل دونها.

والمسيحيون يحلمون بوطن عدالة وبدولة قادرة بلا فساد ولا هدر ولا محاصصة ولا محسوبيات، وبلا ديون ترهقه، وبفرص عمل لابنائه حتى لا تقتات الهجرة من زخم شبابه.

ان المسيحيين ببساطة مع وحدة ثوابتهم وتنوّع زعاماتهم وتعددها، هم رأي عام حر واع منفتح، مع استعادة توازن حقيقي في كل مؤسسات الدولة، وهم ليسوا ملحقين لا بمشروع سني ولا شيعي وليسوا مع اي ثنائية ولا طرفاً في اي صراع مذهبي، بل مع وطن للجميع، وليسوا مع محور سوري – ايراني ولا مع محور اميركي – فرنسي بل مع لبنان المحور.

ان مستقبل المسيحيين رهن وعيهم دورهم ورسالتهم، رهن تغلّب العقل والعصب على الانانية والمراكز، رهن تجذرهم واتحادهم على الخير والمحبة والبذل ليشهدوا للوطن.

 

الحوار الوطني وأزمة الهوية

محسن الامين - : النهار 2/3/2006

المجتمع التعددي مكون من طوائف عدة تتعايش في اطار سياسي واحد ولم يحصل بينها بعد عملية انصهار فعلي. فالمشكلة الاساسية في هذه المجتمعات هي مشكلة تحقيق الانصهار المجتمعي لقيام السلطة السياسية الفاعلة. ان تراكم الخصوصيات ينمي شخصية الطائفة ويعرقل نمو العلاقات المجتمعية بين افراد الطوائف المختلفة فيجد الفرد نفسه محاطاً بشبكة من العلاقات تمنعه من المشاركة في الحياة السياسية الا من خلال طائفته. غير ان العلاقات الاقتصادية تنمو وتتطور بين افراد ينتمون الى طوائف متعددة، لان الطائفة لا يمكنها ان تؤمن اكتفاء ذاتياً، وهذه العلاقات الاقتصادية تتوافق والمصلحة المشتركة للطوائف وتشكل اللحمة التي تجمع بينها في مجتمع تعددي، ولكن تماسكها يبقى دون مستوى مجتمعات الطوائف التي تكونه. والمجتمع التعددي مركزه سلطة سياسية تعبر عن ارادة العيش المشترك كما ان تنظيم العلاقات بينها يفرض وجود هذه السلطة الموزعة بين الطوائف والدولة فكلما اهتز هذا التوزيع شكل ازمة توجب معها حواراً متعدد الجانب. وهذا الحوار قد انتج صيغاً توافقية كميثاق 1943. وعندما اصبح هذا الميثاق لا يعبر عن تطلعات البعض او جزء من اطرافه انتج ازمة أدت الى حرب اهلية وكانت نهايتها حواراً انتج اتفاق الطائف. وعندما وضع هذا الاتفاق جانباً كان سبباً لازمة نشهدها الآن وهذا ما يدعونا الى الحوار مرة اخرى.

وهنا لا بد لنا من الدخول الى مسائل تتعلق بازمة متكررة تتجدد لاسباب تتعلق بجوهر النظام السياسي وهي ازمة الهوية اي الولاء الوطني والسيادة بالمعنى السياسي. لذلك لا بد لأي حوار سياسي كي يدخل في عمق الازمة أن يعطي لازدواجية الولاء اهمية خاصة. فالمواطن اللبناني لا يستطيع المشاركة في الحياة السياسية الا عبر طائفته وبالتالي فهو طائفي قبل ان يكون وطنياً ولعل الاخطر من كل هذا هو ان لكل الحق في اقامة روابط خارجية مع الطوائف المنتمية والتي لها العقيدة نفسها والدين نفسه وفي اية منطقة او دولة في العالم ولو كانت لغاتها مختلفة، فهل يوجد في العالم دول مشابهة لهذا النظام اللبناني.

ان هذه الصيغة ساهمت وما زالت في تعميق قوة المفهوم التركيبي للكيان على المفهوم السياسي للدولة. بمعنى آخر محاولة الفصل بين استراتيجية العلاقة مع المحيط التاريخي لجماعات او لطوائف تؤكد دائماً على الانتماء له دون أن يقدم لها الانتماء اللبناني هذا البعد الاستراتيجي. وذلك من خلال ممارساتها وعلاقاتها مع بقية الطوائف داخل السلطة وعلى المستوى الشعبي. وقد شكل ذلك وما زال ازمة داخلية ترتبط بازدواجية الولاء، مما جعل تركيبة الكيان اللبناني التي ساهمت ظروف معينة في انتاجه وعطلت تحوله الى وطن يتساوى فيه المواطنون.

لذلك لا بد من رفع شعار دولة "المواطنة" ضمن التوحد الوطني في الولاء الذي يعبر عن الارتباط الداخلي المتماسك دون الانعزال وعن البعد الجيوسياسي للكيان في محيطه وفي المنظومة العالمية بدلاً من تناقض الولاءات وانفصامها او تحولها الى مجموعات ومحميات متنافرة يؤثر فيها للخارج بحجة حماية نفسها اثناء الازمات الداخلية. ان المواطنة هي صيغة للوحدة الوطنية وهي لا تتناقض مع المفهوم الحضاري للتعددية الثقافية لا السياسية، بل تمتزج بها وذلك بتوحد الولاءات لا بازدواجيتها بين صيغة الطائفية والمواطنية.

وبالانتقال الى مسألة السيادة الوطنية فاننا هنا نناقش مفهوم السيادة بالمعنى الجيوسياسي اي بتكريس الشعور الوطني لاهمية الانتماء الى الدولة المؤلفة من ارض وشعب بتاريخه وحدوده الجغرافية. ولكن السيادة اللبنانية اين هي الآن؟ خاصة ان لكل طائفة مفهوماً سيادياً مختلفاً عن الآخر رغم وجود اطار جغرافي واحد. كذلك الدفاع عن الوطن وحمايته من أي اعتداء خارجي ايضاً له مفاهيم متعددة.

لذلك نلاحظ ان المفهوم السيادي يبقى ملتبساً ضمن التوجهات السياسية الداخلية المختلفة. ان السيادة كما يفهمها البعض في لبنان قد اصبحت تعني المصلحة الطائفية ومن خلال سيطرتها على السلطة.

كما ان قوة السيادة لا تأتي الا بقوة الوحدة الوطنية من خلال المواطنة في اطارها الوطني الشامل لا في مضمونها التعددي الطائفي، وتأتي ايضاً بقوة مقاومة المجتمع ومناعته، من تأثيرات الخارج وضغوطه، مهما كانت، وفي تغليب مصالح الوطن عن غيرها، ولعل ابرز الامثلة على ذلك برزت عندما حاولت اسرائيل منع الاستفادة من مياه الوزاني فكانت مقاومة كل شعب لبنان لها بالمرصاد مما ادى الى انتزاع سيادتنا على مياهنا.

ان اي حوار لا يمكن ان يبدأ الا ضمن اتفاق الحد الادنى على المبادئ الاساسية لبناء الدولة الحديثة. وهي تنطلق من مفاهيم مختلف عليها بين القوى السياسية والطائفية اللبنانية. صحيح ان مبدأ حق الاختلاف هو من صلب الديموقراطية وبناء المجتمع السياسي، ولكن الخطر الاكبر في أن يتحول الاختلاف الى انقسامات حادة وذلك من خلال الغاء الآخر داخل الوطن الواحد لذلك فان الواجب الوطني هو في عدم التوجه نحو تحويل الوطن الى فيديرالية طائفية.

اما بالنسبة الى تطبيق اتفاق الطائف فان الحوار يرتكز على بقية البنود التي لم تطبق او المختلف عليها. وفي تلك المواضيع يبدو ان الحوار هو حول آليات التطبيق، لانها اصلاً جزء من اتفاق سابق. فكيف اذا تكون صيغتها من حيث تطبيقها ومدتها؟ إن الطريقة لا تكون بطاولة حوار الاقطاب بل بتكليف لجان متخصصة تعمل على هذه الآليات ضمن بنود محددة، منطلقة من العناوين المطروحة امامها، وهذا ايضاً يتطلب ارادة وطنية صادقة من قبل اطراف الحوار وذلك بقرار سياسي يعمل على تدعيم الآليات والنصوص التي توصلت اليها تلك اللجان.

ولكن هل صحيح ان التوافق الوطني هو فقط حول تطبيق هذه البنود؟ او ان الازمة اكبر بكثير او حتى اكبر من اطراف الحوار مما يعيدنا الى حوارات سياسية سابقة، قبل الحرب الاهلية وبعدها، وهي كانت دائماً حول التوجهات السياسية للسلطة، وحول طبيعة النظام السياسي وازماته المتكررة، وهذا هو مكمن الداء في لبنان؟ وهي كما ذكرنا حول مفاهيم اساسية تتعلق بالهوية وازدواجية الولاء بين الطائفية والمواطنية.

 

امتحان بري ينجح إذا أخرج المؤتمر ببيان ختامي بالإجماع

حوار الزعماء: حلول وسط للرئاسة وسلاح المقاومة

كتب نقولا ناصيف: : النهار 2/3/2006

قبل دعوة الرئيس نبيه بري الى "مؤتمر وطني للحوار" كانت ثمة سابقة مشابهة. في خضم "حرب السنتين" تألفت "هيئة الحوار الوطني" في 24 أيلول 1975 وضمّت 20 شخصية مناصفة بين المسيحيين والمسلمين برعاية دمشق التي كانت تحاول آنذاك الظهور مظهر الوسيط النزيه، ونيط بالهيئة التوصل الى حل سياسي لمعالجة الأزمة اللبنانية بما في ذلك اجراء الإصلاحات الدستورية المطلوبة. كان فيها رئيس مجلس النواب كامل الأسعد، ورئيس الحكومة رشيد كرامي، وأربعة وزراء هم كميل شمعون ومجيد أرسلان وفيليب تقلا وغسان تويني، الى بيار الجميل وصائب سلام وريمون إده ورينه معوض وعبدالله اليافي وكمال جنبلاط وخاتشيك بابكيان والياس سابا وعباس خلف وحسن عواضة ورضا وحيد وعاصم قانصوه وإدمون رباط ونجيب قرانوح. وقد عقدت تسعة اجتماعات في السرايا حتى 24 تشرين الثاني الى أن انهارت مع انقطاع شمعون وجنبلاط وسلام وإده عن جلساتها. بدأت مداولاتها في الإصلاحين السياسي والدستوري، وانتهت الى بذل جهود لوقف النار وترسيخ هدنات أمنية ووقف الحملات الإعلامية. وأخفقت الهيئة في عملها لأن الأفرقاء اللبنانيين لم تكن قد أنهكتهم الحرب بعد، ولأن عاملين غير لبنانيين هما الفلسطيني والسوري كانا يمارسان ضغوطاً غير مباشرة عززت إحجام المتحاورين عن التفاهم. مذذاك لم تنجح أي محاولة لحوار لبناني - لبناني حتى اتفاق الطائف عام 1989، لسببين: أولهما وجود العامل السوري الذي كان يريد توجيه الحوار في المنحى الذي يخدم دوره في المعادلة اللبنانية ويستأثر بإدارة هذه اللعبة بلا منازع. وثانيهما لأن لا قرار دولياً بانهاء الحرب كان قد اتخذ.

وبسبب هذين العاملين يحاول الرئيس نبيه بري بعث الإطمئنان حيال نجاح دعوته الى الحوار استناداً الى بضع ملاحظات:

- لأن لا عامل خارجياً يجلس مع الزعماء اللبنانيين الى الطاولة ويجعل منهم وقود مناوراته، ولأن لا قرار دولياً بإشعال الحرب اللبنانية مجدداً.

- بدا بري على يقين، وهو في زيارته الأخيرة للأردن يتتبع ردود الفعل على انعقاد المؤتمر، أن موافقة الزعماء على الإجتماع الى طاولة مستديرة واحدة يتيح قطع مسافة حيوية ومهمة في مسار الحوار. وفي أبسط الأحوال فإن جلوسهم الى هذه الطاولة يجعل الحوار مباشراً ووجهاً لوجه بعدما كان الزعماء قد غالوا في الأشهر الأخيرة في تقاذف الإتهامات والتشهير والتخوين ودفع البلاد الى الهاوية. لذا يأمل رئيس المجلس في أن يصدر عن المتحاورين في نهاية أعمال المؤتمر بيان ختامي يلخص ما اتفقوا عليه، فضلاً عن نقل الخلاف من الشارع الى المؤسسات.

- وجد في وضعه الحوار الوطني تحت سقف اتفاق الطائف صمام أمان في توجيه المداولات فلا تخوض هذه في الإتفاق ولا في أي من ثغر الدستور، واستثنى قانون الإنتخاب في انتظار إنجاز اللجنة المكلفة وضعه برئاسة الوزير السابق فؤاد بطرس مهمتها. وتالياً حصر بري الحوار بمجمل الأزمات التي نشأت عن صدور القرار 1559 بما في ذلك مصير رئيس الجمهورية إميل لحود.

- عندما باشر بري درس إجراءات الحوار، قرر أن تكون مقاربته للطاولة المستديرة أنه لا يجمع اليها مواقع ومناصب، بل مراكز القوى الفاعلة في إدارة الصراع السياسي والشارع من خلال الكتل التي تمثلها في مجلس النواب، معوّلاً كذلك على تمثيل الطوائف تفادياً لخطأ يُفسّر أنه استبعاد طائفة عن هذا الحوار. وتالياً وضع بري كرسيه الى جانب الزعماء الآخرين بصفته رئيساً لحركة "أمل" لا كرئيس للمجلس ليس له إلا أن يعلن افتتاح حوار الزعماء ويترك للحاضرين أن يديروا بأنفسهم تفاهمهم وخلافهم. ويعني ذلك بالنسبة اليه ان التسليم بالحوار يؤدي الى التسليم بتنازلات متبادلة سعياً الى الاتفاق.

ومع أن بري لا يقلل وطأة الصعوبات التي ستواجه الحوار. فواقع الأمر تبعاً لحصيلة اتصالات أجريت في الساعات الاخيرة على أكثر من صعيد، ومع أكثر من جهة مشاركة في الطاولة المستديرة، تحدثت عن إمكان التوصل الى حلول موقتة من شأنها تخفيف وطأة التشنج وتعارض المواقف من أجل إنقاذ مؤتمر الحوار وتجنيبه انتكاسة قد تخرج نتائجها هذه المرة عن سيطرة أطراف النزاع.

وتكمن هذه الحلول التي هي بمثابة مخارج لمآزق السجال، في ثلاثة محاور هي:

1 - المطالبة بإقالة رئيس الجمهورية. إذ حيال إصرار فريق 14 آذار على تنحيه، فإن الرأي الآخر الذي لا يرى أن ثمة حلاً لذلك خارج الأصول الدستورية، قد يقترح الإحتكام الى الدستور. وهو الموقف الذي يُنتظر أن يتسلح به الفريق الشيعي والعماد ميشال عون إدراكاً منهما، كما من فريق الغالبية النيابية، أن لا إمكان لإسقاط الرئيس إميل لحود من دون ثلثي أصوات مجلس النواب.

وتالياً فإن الإحتكام الى الدستور يؤول الى الاتفاق في مجلس النواب من أجل تأمين الثلين المطلوبين، ويعني أولاً وأخيراً توافق الطرفين القادرين على جمع الأكثرية المطلقة لتقصير الولاية، ومن ثم لانتخاب رئيس خلف. الأمر الذي يُقرن التوافق بالتفاهم سلفاً على رئيس بديل. وهي وجهة نظر البطريرك الماروني مارنصرالله بطرس صفير التي يتظللها بري وعون و"حزب الله".

2 - سلاح "حزب الله": يشير بعض المعلومات الى إمكان التوصل الى صيغة تفسح في المجال أمام تكليف رئيس الحكومة فؤاد السنيورة بقرار من المؤتمر إجراء حوار مع الحزب سعياً الى بتّ مصير السلاح انطلاقاً من أن لا خوض في هذا السلاح قبل تحرير مزارع شبعا وإطلاق المعتقلين والأسرى اللبنانيين في السجون الإسرائيلية. وهي تسوية غالباً ما تبناها رئيس الغالبية النائب سعد الحريري ودافع عنها عون، وكان رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب وليد جنبلاط على نقيض منها. إلا أن من شأنها تبديد الشكوك بين الطرفين على نحو يجعل لسلاح المقاومة وظيفة موقتة من جهة، وينزع عنه صفة أنه سلاح مطلق. الأمر الذي يعني أيضاً ربط استمرار المقاومة باستكمال التحرير، على أن حكومة السنيورة هي المعنية مباشرة بإدارة هذه الخطة مع الحزب.

3 - العلاقات اللبنانية ـ السورية: يبدو طبقاً للمعلومات نفسها أن ثمة اتجاهاً الى فصلها تماماً عن التحقيق الدولي في اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وترك الأمر للجنة التحقيق الدولية، على أن كشف حقيقة هذه الجريمة هو الهدف الذي يجمع عليه اللبنانيون جميعاً وغير القابل لأي مساومة، بحيث يكون للجنة التحقيق الدولية ومن بعدها المحكمة الدولية أن تقرر اتهام سوريا بمسؤولية ما عن اغتيال الحريري أم لا. في مقابل ذلك يُفتح باب مقاربة جديدة للعلاقات اللبنانية - السورية عبر  مناقشة الاتفاقات المبرمة إلغاء أو تعديلاً في ضوء المصلحة اللبنانية بدءاً بالمعاهدة. ويقتضي ذلك حوار تجريه حكومتا الدولتين.  

 

مرايا للمتحاورين !

راجح الخوري- النهار 2/3/2006

سبع ساعات قد تغني عن سبعة أيام.

وهكذا فإن الاجتماع الذي عقد بين النائب سعد الحريري والسيد حسن نصرالله ليل اول من امس، يمكن ان يكون قد وضع المشهد الختامي لوقائع "مؤتمر الحوار الوطني"، الذي يبدأ اليوم ويفترض ان يستمر لمدة سبعة ايام.  لا يشكل هذا الكلام انتقاصاً من دور الآخرين او من اهمية مشاركتهم في المؤتمر المذكور، ولكن التدقيق في الحيثيات والبنود التي سيتناولها الحوار يوضح بما لا يقبل الشك ان الاتفاق بين كتلة نواب "المستقبل" وما لها من تحالفات، وكتلة نواب "حزب الله" المتحالف مع "حركة امل"، يمكن في حال التفاهم ان يفضي الى خاتمة سعيدة وسريعة لهذا الحوار الوطني، كما ان الخلاف بينهما يمكن ان يفضي الى خاتمة بائسة تنعكس سلباً على الوضع الداخلي الدقيق، في وقت يتزايد عصف رياح السموم المذهبية والصراعات المفتعلة في المنطقة.  طبعاً ليس منطقياً ولا من مصلحة احد الآن تحديداً، القول ان الاجتماع الطويل في قريطم وضع سلفاً خواتيم مؤتمر الحوار. ولكن من البديهي ورغم التكتم الذي احاط به، الافتراض ان بصمات هذا الاجتماع ستبدو واضحة تماماً على مسار مؤتمر الحوار وعلى مناخه ايضاً ومنذ لحظاته الاولى اليوم.

لماذا هذا الكلام؟

لاسباب عدة يفترض ان تكون جليّة امام الجميع:

اولاً: ان المؤتمر الذي يبدأ اعماله اليوم، يندرج تحت مظلة "اتفاق الطائف" الذي صار دستور البلاد، وهذا يعني ان الحوارات والمواضيع التي سيشهدها مؤتمر اليوم، تهدف الى حل تباينات او خلافات في وجهات النظر حول مسائل دقيقة تتصل بالاوضاع الراهنة وطبعاً بالتحولات الحاسمة الاخيرة التي حدثت منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما.

لكن كل هذا لا يرقى عملياً بمؤتمر الحوار الى المستوى التأسيسي. فالمؤتمرات التأسيسية لا تعقد دورياً وبتواتر سريع ومتلاحق في حياة الاوطان. اتفاق الطائف كان تأسيسياً، وحوار اليوم هو لحل التباينات وتقريب وجهات النظر وتوحيدها حيال مجموعة محددة من المواضيع لا تتصل بهوية لبنان وشكله والقواعد الدستورية لادارته، بل بأمور حاسمة استجدت: الحقيقة – القرار 1559 – العلاقات مع سوريا.

ثانياً: ان مناقشة موضوع التحقيق وكشف الحقيقة في جريمة اغتيال الحريري في برنامج المؤتمر الحواري، يجب الا تستغرق من المؤتمرين اكثر من دقائق، اذا صدقت النيات المجمعة اصلاً على ضرورة اكتشاف الحقيقة ومعاقبة المجرمين. ولان التحقيق مسألة دولية يديرها مجلس الامن يجب احترام الشرعية الدولية في التحقيق وحتى في المحاكمة، اما غوغاء الحديث عن التسييس واستعمال التحقيق للوصول الى اهداف تطول سوريا او غيرها، فيجب وضع حد نهائي له.

ثالثاً: ان جوهر مؤتمر الحوار يقوم على القرار 1559 وما ينطوي عليه من مضامين ثلاثة:

رئاسة اميل لحود الممددة اكراهاً بتعديل الدستور بالقوة.

سلاح المقاومة وقد احتل حيّزاً اساسياً في النقاشات المحلية والدولية.

سلاح المخيمات الذي حظي هو ايضاً بحيّز من هذا النقاش.

في موضوع رئاسة لحود التي لا يجوز ان تستمر بعد العزلة الشاملة التي تتسع من حوله وكذلك بعد اقدام بكركي على مطالبته ولو بلباقة اكليريكية، بالاستقالة للمرة الرابعة او الخامسة، فإن مؤتمر الحوار يفترض ان يجد مخرجاً سريعاً لهذه العقدة عبر القنوات الدستورية او السياسية، وخصوصاً ان ما يحول دون حسم هذه المسألة دستورياً، هو الحاجة الى 15 نائباً اضافياً لتأمين اكثرية الثلثين الضرورية لاقالته.

ان عدم تأمين هذه الاكثرية مرتبط شيعياً بالافتراض النظري ان وجود لحود يحمي المقاومة (!) بينما المقاومة هي التي تحمي بقاء لحود، في حين ان من يحميها تالياً هو اجماع اللبنانيين عليها.

هنا يكمن جوهر الحوار: سلاح المقاومة. ولكن منذ صدور القرار 1559 حتى الآن، بات لبنان يملك حقل مناورة جيداً في هذه المسألة، ان لجهة الاسلوب اي عبر الحوار بين اللبنانيين او لجهة التوقيت اي الزمن المطلوب لتنفيذ ما يتفق عليه.

ان الاقرار الدولي المتكرر وكان آخره تصريحات كوندوليزا رايس في بيروت، بقبول روزنامة لبنانية لحل مسألة سلاح المقاومة، يفسح في المجال امام فرص حقيقية وجادة في مؤتمر الحوار للاتفاق على هذا الأمر الحاسم. وعندما نتحدث عن روزنامة فإننا لا نقيس الزمن بالاشهر بل ربما بالفصول او ربما بالسنوات ولكن ذلك يرتبط بطبيعة ما تمليه هذه الروزنامة في الاسلوب وفي التنفيذ.

واذا تم التفاهم على هذا الامر مع التحالف الشيعي، ما الذي يحول دون انضمام هذا التحالف الى جبهة المطالبة باقالة لحود وانتخاب رئيس جديد يطلق سراح الدولة المعطلة وآلياتها؟

من جهة ثانية، قد يرى البعض ان عدم تأمين الاكثرية المطلوبة للتغيير الرئاسي في "الاطار العوني" يرتبط بحسابات واضحة تقوم على القول بأحقية العماد ميشال عون بأن يكون الرئيس العتيد. ومثل هذا الامر الذي يصطدم بخلافات وعراقيل معروفة، يمكن ان يكون مدار بحث في المؤتمر في سياق برنامج متكامل يتصل بكل جوانب المرحلة وبنود التغيير المرجو وبمحتوى القرار 1559 ايضاً.

ماذا يبقى؟

السلاح الفلسطيني الذي لن يشكل نقطة نزاع تواجه المتحاورين اذا اتفقوا على النقاط الاخرى في القرار 1559.

رابعاً: العلاقة اللبنانية – السورية. وسط الاجماع اللبناني على ضرورة قيام علاقات اخوية في اطار من الندية والمساواة، ليس هناك ما يمكن ان يحول دون ذلك اذا تم الاتفاق على بنود القرار 1559، واذا قرر المؤتمرون ان يثبتوا مرة اخيرة وحاسمة بطلان الحديث عن ان لبنان لا يمكن ان يعيش الا في قبضة المحاور الخارجية!

الخلاصة ان مكتوب الحوار الوطني سيقرأ من عناوينه الاولى وفي يومه الاول. اذا كان منظمو مؤتمر فرساي قد تعمدوا ادخال المتحاورين عبر "قاعة المرايا" ربما لكي ينتفخوا ويحسوا بالعظمة ويتسلحوا بـ"الأنا" وقد شاهدوا للتو انفسهم مكررين الى ما لانهاية، فإن على المتحاورين اللبنانيين ان يخرجوا عبر قاعة للمرايا، بحيث يفخروا بالتفاهم او بحيث يتآكلهم الخجل والعار، اذا انصرفوا من دون التوصل الى تفاهم يضع حداً لمآسي لبنان واللبنانيين.

تبقى كلمة واحدة الى الرئيس نبيه بري:

هل كان من الضروري ان تذبح وسط العاصمة بالحواجز؟ وهل كان من العدل ان ينزل "المربع الامني" كجلمود صخر على قلب بيروت، لكي يجتمع فرسان الطاولة المستديرة، وتتعطل اعمال الكثيرين في هذا الزمن المزدهر؟لماذا لم تجمعهم متحاورين آكلين شاربين مؤركلين... ونائمين طبعاً في فندق فينيسيا على سبيل المثال الذي استضاف قمماً دولية من قبل، حيث يمكن ان يتذكروا عند كل لفتة ساحة الهول الاجرامي القريبة التي سقط فيها الحريري ورفاقه ليكتبوا بدمهم استقلال لبنان الجديد الذي يحاول البعض ان يحول دونه حتى الآن؟

 

تخوّف من الفشل... والخلاف يكمن في العناوين "الفرعية"

هل مُهّد للحوار بما يكفي لضمان نجاحه ؟

كتب سمير منصور: النهار 2/3/2006

بعيداً من اي تسرّع او استباق لنتائج الحوار المقرر ان يبدأ غداً، ومع افتراض حسن النية لدى الجميع والامل في ان يؤدي الى النتائج المتوخاة، ومن خارج التحالفات والاصطفافات بين الثامن من آذار والرابع عشر منه، ثمة انطباع انطلاقاً من جدول الاعمال المعلن ومن الواقع السياسي الراهن ان من الصعب توقع انجازات من خلال جلسات الحوار تكون في حجم الملفات الشائكة التي تتضمنها عناوينه.

بعد تكرار الترحيب بكل خطوة في اتجاه الحوار والتقارب، يرى مرجع سياسي ان الحوار على المستوى الوطني يفترض ان يمهد له بتحضيرات ومشاورات وتقريب في وجهات النظر بما يكفل الحد الادنى من شروط نجاحه، "وهذا ما لم يحصل"، ملاحظاً ان احداً لم يرَ من هذه التحضيرات سوى الوفود والموفدين والزيارات المتعددة الى المرجعيات السياسية وصولاً الى احزاب وجمعيات وتكتلات، لم تتعد اطار توجيه الدعوات او الادلاء بالتصريحات والترويج اعلامياً للحوار "وهذا شيء جيد ولكنه لا يكفي".

وثمة من يضرب مثلاً الحوار بين "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" اللذين توصلا الى "وثيقة تفاهم" بعد عشرات الاجتماعات خلال أشهر عدة قبل ان يتفقا على لقاء بين الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله ورئيس "التيار" النائب ميشال عون.

يبدو واضحاً ان في العموميات لاخلاف بين المدعوين الى الحوار الذين لم يعرف بعد مستوى حضورهم وتمثيلهم فيه. واما الخلاف فيكمن في التفاصيل وما اكثرها... وكذلك في العناوين المتفرعة من كل عنوان عريض. لا خلاف حول مطلب كشف مرتكبي الجريمة – الزلزال التي اودت بالرئيس الشهيد رفيق الحريري والنائب باسل فليحان ورفاقهما. المحكمة ذات الطابع الدولي بات امرها محسوماً. ولكن هل يتفق المتحاورون على "آلية" التعاطي مع التقرير النهائي للجنة الدولية للتحقيق؟ هل يستمر التشكيك في حيادها واطلاق النار عليها واتهامها بالتسييس وخصوصاً اذا خلصت الى اتهام مسؤولين سوريين بتحمل مسؤولية ما؟ هل يتفقون على الفصل بين تقرير اللجنة والعلاقة اللبنانية – السورية؟ وبين التحقيق الدولي والضغوط الدولية على سوريا؟ وبين الدفاع عن سوريا والتعاطي مع نتائج التحقيق؟

 

وفي العنوان الثاني وهو القرار 1559 يكمن الجانب الاكبر من الخلاف العميق: سلاح المقاومة. كيف يمكن التوفيق بين مدافع عن هذا السلاح ومتمسك به، ومن يعتبر ان التحرير انجز، وان مزارع شبعا تحل ديبلوماسياً كونها تخضع لمنطوق القرارين 242 و338؟

ثمة قاسم مشترك "عام" هو اعتماد الحوار سبيلاً الى التفاهم حول البند المتعلق بسلاح المقاومة في القرار 1559. هل مهد له بمشاورات تؤدي الى الخروج بصيغة تفاهم؟ هل يمكن الافادة من "وثيقة التفاهم" بين نصرالله وعون؟ من يحدد مفهوم الخطر الاسرائيلي وما هي الصيغة التي تضمن زواله؟ هل ان تعهداً دولياً، على سبيل المثال، يقنع الاطراف جميعاً بزوال خط الاعتداءات الاسرائيلية جواً او براً او بحراً؟

وفي العنوان الثالث وهو العلاقات بين لبنان وسوريا، ايضاً لا خلاف في العموميات. الكل مع اقامة افضل علاقة على اسس واضحة من الاحترام المتبادل والندية وعدم تدخل سوريا في الشؤون الداخلية اللبنانية او تدخل لبنان في الشؤون الداخلية السورية. ولكن، ثمة عناوين "فرعية" كل منها يحتاج الى حوار "خاص": ضبط الحدود واغلاق المعابر غير الشرعية و"وقف تدفق السلاح" الذي يتحدث عنه تحالف الاكثرية النيابية، و"انهاء الوجود المخابراتي" و"رفع الغطاء عن التجمعات المسلحة خارج المخيمات تحت لافتات فلسطينية"، والتبادل الديبلوماسي. ناهيك باتهامات متكررة من "التحالف" لسوريا بتحمل مسؤولية ما واحياناً "مسؤولية مباشرة" في الاغتيالات واعمال التفجير التي اعقبت انسحابها العسكري من لبنان. من يقنع من؟ وكيف السبيل الى رؤية مشتركة في كل هذه العناوين الخطيرة؟

انهاء الولاية الممددة

هكذا يبدو حجم التحديات امام المتحاورين، فكيف يمكن ان يغوصوا فيها والعنوان الطاغي والابرز هو انهاء الولاية الممددة لرئيس الجمهورية و"ازالة ابرز رموز عصر الوصاية السورية"؟ كيف يمكن ان يدخل المتحاورون في جدول اعمالهم اذا كان "اسقاط الرئيس" خارج المناقشة؟ ومن اين ينطلق الحوار؟ وهل يتمكن "تحالف الاكثرية" من اقناع اطراف 8 آذار بأنه آن لرئيس الجمهورية ان يستقيل؟ ام ان المدافعين عن بقائه سيقنعون الآخرين بصرف النظر عن المطالبة باسقاطه؟ وما بين الموقفين، موقف آخر "نوعي" لرئيس "كتلة الاصلاح والتغيير" النائب ميشال عون الذي يشترط التفاهم على البديل، وموقف ثالث للبعض مؤيد لبقاء رئيس الجمهورية، الا اذا كان البديل عون نفسه، وعندئذ يصبح هؤلاء مع استقالته.

وهكذا تبقى كتلة نواب "حزب الله" وحدها بين الكتل الاساسية من المدافعين عن بقاء رئيس الجمهورية، وقد ميّزت كتلة حركة "امل" نفسها عبر رئيسها نبيه بري بأنها "مع ما يقرره البطريرك الماروني"، علماً ان ثمة انطباعاً من قريبين من "حزب الله" ان كتلته "من باب الوفاء لرئيس الجمهورية" لا تنضم الى المطالبين باستقالته ولكنها لن ترجوه البقاء اذا حسم خياره وقرر التنحي... وللامانة لم يصدر عن الحزب مباشرة ما يؤكد هذا التوجه الجديد.

ليس في استطاعة احد انكار واقع ان المطالبة باسقاط رئيس الجمهورية ترخي بظلالها على المشهد السياسي وتطغى على كل العناوين في المرحلة الراهنة. وعليه فإن المناخ في نظر البعض لا يبدو ملائماً لحوار مضمون النتائج. كيف لا وفريق اساسي يشترط ان يكون هذا العنوان "محسوماً ولا يقبل المساومة" وخارج اي نقاش؟

يلفت المرجع السياسي إلى هذا الواقع مبدياً خشية من ان يكون الحوار في ظل هذه الاجواء عقيماً ولا سيما انه مصر على ان "الحوار لم يحضّر له كما يجب"، فإذا فشل – لا سمح الله – فإن المرجع نفسه يخشى من ندم على قاعدة ان "اللاحوار في ظرف غير ملائم لنتائج مضمونة يبقى افضل من حوار فاشل". وبالتأكيد لا يختلف اثنان على اهمية التوقيت الذي يعني انه يحدد في ضوء التحضيرات اللازمة لحوار ناجح.

وسط هذه الاجواء الملبدة، هل يخفي "صاحب الدعوة" رئيس مجلس النواب نبيه بري ما يشجع على توقّع مفاجآت سارة؟

 

حوار.. لا "طاولة بوكر"!

نبيل بومنصف – النهار 2/3/2006

ُغطّي اتفاق الطائف واقعياً ودستورياً ومبدئياً محورين من ثلاثة محاور حددها الرئيس نبيه بري للمدعوين الى "مؤتمر" الحوار في مجلس النواب، هما القرار 1559 والعلاقات اللبنانية – السورية، فيما يرتبط المحور الثالث المتعلق بالحقيقة في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري و"مشتقاتها" المتناسلة وصولاً الى اغتيال جبران تويني بالتحقيق الدولي ومتفرعاته.

اذن، ثمة مسرب مفتوح واحد على فرصة وحيدة لجعل هذا المؤتمر يشكل "سابقة تاريخية" في قيام حوار لبناني ناجح من دون اي وصي عربي او غربي، هو اعادة الاعتبار على نحو كامل وناجز من دون مناورات ولا تشاطر ولا تحذلق، الى اتفاق الطائف لان الاطراف المؤتمرين لا يملكون "أوراقاً" أخرى سواه، ان هم ظنّوا ان الحوار هو "لعبة بوكر" او مقامرة كفيلة بتحسين مواقعهم في مواجهة بعضهم البعض.

قد تكون المرة الاولى التي يعقد فيها حوار اوراقه مكشوفة، بل بلا اوراق. جدول اعمال هذا الحوار تكاد تختصر بكلمتين فقط ان كانت "نية الجمل كنية الجمّال"، هما "استحداث دولة". عدة الشغل هذه لا تحتاج الى المؤتمرين، ولا الى حوار لو كانت القيادات اللبنانية وزعاماتها على مستوى "الموجات المليونية" التي عرفتها شوارع بيروت ومختلف مناطق لبنان منذ سنة ولا تزال لا تبخل باستعدادها لمزيد.

هذه القيادات في كل "معسكراتها" المتحالفة والمتقابلة و"المتضادة في آن واحد، "ترفل" منذ سنة بنعمة تحريك الملايين، في ظاهرة لم يعرفها لبنان من قبل بهذا الحجم ولا بهذا التكرار المتتابع من دون هوادة. لكن هذه القيادات ستقدم في حوارها غداً، الاثبات القاطع على انها جميعا تعلن عجزها عن اقامة دولة الاستقلال الجديد، لانها لو فعلت خلال سنة لما كان للحوار اي جدوى. تصل هذه القيادات الى الحوار متساوية في ميزان قوى سلبي وليس ايجابياً، لانها اخفقت اخفاقاً مجلجلاً موصوفاً في ان تلحق السيادة المستعادة منذ انسحاب الجيش السوري من لبنان بدولة السيادة. بين معسكر اسكره الزحف الشعبي ولم يعرف كيف يقيم دولة، ومعسكر أدمن رصف الجماهير لمنع تغيير الدولة، العنوان الخلفي للمؤتمرين هو الفشل المحقق في اقامة الدولة التي تحقق التغيير اللبناني الصرف الكامل. حين يجلس الزعماء والقادة حول الطاولة غدا يتعين على المواطن اللبناني من اصغر قرية نائية الى قلب بيروت ان يدرك حقيقة خطرة هي ان الموجات المليونية استطاعت اخراج الجيش السوري من لبنان في نيسان الماضي لكنها عجزت عن فرض "تسوية" سياسية في الداخل، مجرد تسوية، لان زعماء لبنان هم اقوى من الجيش السوري نفسه وهم قادرون على منع الحل حتى ولو كان سلاحهم العجز. ليس سوى في لبنان يرفل الزعماء بعجزهم وقوتهم في آن واحد ويظلون زعماء. وليس سوى في لبنان تتمكن الحشود الشعبية من استعادة السيادة وتعجز عن اقامة دولة بل تندفع البلاد نحو مسلسل مأزق لا ينتهي.

ما لم يضع الحوار الآتي حداً حاسماً لكل هذه الوقائع المفجعة الافضل، مرة اخرى، الف مرة الا يكون حوار ولا من يحاورون ولا من يضحكون على ذقون "الجماهير". والافراط في الرهان على "الموجات المليونية" هو اشبه بالادمان المرضي، الذي غالباً ما ينتهي بخيبة هائلة. اذا اخفق هذا الحوار في تقديم حل الى اللبنانيين وعبرهم الى العالم، ستسقط فرصة غير مسبوقة مفادها ان اللبنانيين قادرون على ادارة شؤونهم بأنفسهم. اكبر الاخطار المحيقة بهذا الحوار، ما دام اصبح امراً حتمياً، هو ان يوصل الى هذه الخلاصة لان اي موجة مليونية جديدة لن تقدم او تؤخر في ترسيخها مع مفاعيلها القاتلة. وزعماء لبنان غداً على موعد مع المرآة اولا علّهم يلقون نظرة خاطفة الى حقائقهم قبل الالتحاق بالمائدة.