هل انتهى الدروز إلى أحادية سياسية؟ حرب كرّ وفرّ قديمة وتبادل مواقع تحكم صراع الزعامات الدرزية

شهيب: الفراق بدأ بتحالف أرسلان مع الحكومة الكرامية والسوريين الصراعات الضيقة أصبحت خارج التاريخ ونؤمن بضرورة التنوع

أرسلان:  لولا الأصوات الشيعية لكنا الأكثرية في النواب الدروز أنا حليف لسوريا وجنبلاط ضلّله المقربون

عدنان الساحلي   -السفير 16/2/2006

حمل حدث الرابع عشر من شباط 2005، تغييراً في المشهد الدرزي لا سابق له. كان نصيب الدروز تداعيات لا تقل حجماً عن << الصدمات>> التي أصابت تلاوين الطوائف اللبنانية الاخرى. <<فاز>> الدروز بأحادية في تمثيلهم السياسي، تمخضت عنها الانتخابات النيابية التي أعقبت حدث اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

المشهد الدرزي، في شباط 2006 لا يشبه صورته التي كانت قبل سنة (شباط 2005) وان كان متصلا بها، في استمرارية معهودة لصراع الثنائية الدرزية الجنبلاطية الارسلانية، التي تتوسع مروحتها تحت شعار التنوع لتضم أسماء متعددة، تصطف في نهاية المطاف الى جانبي هذه الثنائية التاريخية، في طائفة طالما لعب زعماؤها ورجالاتها أدواراً أكبر بكثير من حجمها العددي، مستفيدين من جملة عوامل ترفد هذا الدور بالقوة والنفوذ، لعل أبرزها: الموقع الجغرافي والتحالفات السياسية.

السؤال الابرز الذي يلح عند استعراض الوضع الدرزي بين شباط 20062005: هل نجحت الزعامة الجنبلاطية اخيرا في زحزحة البيت الارسلاني عن موقعه ودوره وتمكنت من تحويله الى تركة ترثها مع مؤيديها؟ وهل بات الخوف التقليدي الدرزي محصوراً بالآخر خارج الطائفة، مثل بقية المخاوف المزروعة داخل أنفس أبناء الطوائف اللبنانية الاخرى، كشرط لالتفافهم حول زعاماتهم التقليدية؟ أم ان التنوع السياسي ما يزال ساري المفعول، على الرغم من حرب إلغاء ضروس ليست الاولى التي تشهدها الساحة الدرزية، التي ورثت، استثناء عن بقية الطوائف اللبنانية، صراع القيسية واليمنية، التي تحولت في ما بعد الى صراع جنبلاطية يزبكية، لتتحول لاحقا الى صراع جنبلاطية ارسلانية، تدور رحاها منذ عقود، حاملة مفارقات لا يمكن تجاهلها، خصوصا منذ عهد الانتداب الفرنسي حتى اليوم... اذ يسجل وقوف الزعامتين الدرزيتين الجنبلاطية والارسلانية دائما على طرفي نقيض في خياراتهما السياسية، حتى لو كانت هذه الخيارات تمس المصير الوطني العام. والتاريخ يذكر لنا ان موقف الزعامتين الدرزيتين لم يكن موحداً من الانتداب الفرنسي مثلا، اذ كان حكمت جنبلاط والسيدة نظيرة جنبلاط، ثم كمال جنبلاط نفسه، حلفاء للكتلة الوطنية، التي كان يتزعمها اميل ادة حليف الانتداب ومعارض الاستقلال. في حين كان الامير مجيد ارسلان حليف الكتلة الدستورية الاستقلالية. وبعد الاستقلال، كان لكمال جنبلاط الدور الابرز في انتخاب <<حليفه>> كميل شمعون رئيسا للمجمهورية، فيما كان ارسلان على الضفة الاخرى. وسرعان ما انقلبت الادوار واذ بجنبلاط على رأس الحملة التي أطلقت الثورة المسلحة لإسقاط شمعون ومنع التمديد له، في حين تموضعت الزعامة الارسلانية الى جانب شمعون، في حلف سياسي انتخابي استمر حتى بداية السبعينيات من القرن الماضي. وكأن الزمان يدور دورته ويعود الى المكان ذاته، مع انقلاب الادوار في كل مرة، فجنبلاط الاب اختار التحالف مع المشروع الوحدوي العربي (الناصري) في سبعينيات القرن الماضي، إضافة الى سوريا والمقاومة الفلسطينية. فيما كان الارسلانيون حلفاء لأخصام هذا المشروع في لبنان. واليوم تتهم الزعامة الجنبلاطية طلال ارسلان بأنه <<عميل سوري>> وتتحالف مع أطراف مسيحية أكثر ما يعرف عنها عداؤها المشهر للعروبة، في حين يتحالف ارسلان مع التيار المسيحي الاقوى، الذي يبحث عن مصالحة ما بين لبنان وسوريا، بعد أحداث السنة الماضية العاصفة.

انقلاب الصورة

يبدو المشهد كلعبة شد حبال وتجاذب، لكنه مكلف في بلد بلغ فيه التوتر السياسي أشده، وسط أحداث دموية مخيفة. لكن الملامح المتكونة للمشهد، بعد سنة على حدث الرابع عشر من شباط 2005، تؤكد ان الصراع <<حرب طويلة>>، المؤكد فيها ان الزعامة الجنبلاطية حققت نصراً كبيراً في آخر جولاتها، وتمكنت من حصر التمثيل النيابي الدرزي بها وبمؤيديها. و<<طردت>> أخصامها خارج مبنى البرلمان، في تغيير قد يكون مقدمة اذا سمحت الظروف لتكريس أحادية سياسية في الزعامة الدرزية، تتعدد قراءات أطرافها لتطوراتها وأسبابها ومآل الامور فيها، خصوصا أن تداعيات العام الماضي امتدت من السياسة الى التمثيل النيابي الدرزي، فغابت وجوه وبانت اخرى. كما طالت التحالفات السياسية المعهودة للقيادات الدرزية، فإذ بوليد جنبلاط يصبح الخصم الاول المعلن للمقاومة و<<حزب الله>>. في حين استمر التجاذب الدرزي حول مشيخة العقل، وان كان عبر سن القوانين هذه المرة.

ساعة الافتراق

يرى النائب عن الحزب التقدمي الاشتراكي أكرم شهيب، ان التغييرات التي شهدتها الطائفة الدرزية لا تنحصر فيها، فقد <<حصل زلزال في لبنان وكانت النقطة المفصلية في التغيير الذي حصل، اغتيال النظام السوري للرئيس الشهيد رفيق الحريري>>. وينفي شهيّب من الاساس وجود ثنائية درزية <<قبل الاغتيال لم تكن هناك ثنائية درزية ولم نتصرف في يوم من الايام على أساس الثنائية، ان كان على صعيد الانتخابات النيابية عام 2000، حيث خضناها وتركنا مقعداً شاغراً لحزب الله، تقديراً منا لدوره المقاوم واعترافاً بهذا الدور الكبير في محاربة العدو الاسرائيلي. كما تركنا مقعداً لطلال ارسلان، حتى لا نخلق نوعاً من التشنجات في الجبل، نحن بغنى عنها. ولأننا لا نريد أن نلغي أحداً. والمعادلة تقوم بأننا نفكر بطريقة توافقية في معظم المفاصل السياسية، وتحديداً في الموضوع الدرزي العام، اعترافاً بأن هناك رأياً آخر في الطائفة الدرزية، وبأن هناك تنوعاً سياسياً داخلها. ولان هناك شريحة من الطائفة الدرزية تؤيد الوزير والنائب السابق طلال ارسلان، كنا، اعترافاً بها، نترك مقعداً في الجبل. لكن في انتخابات العام 2000 وبروز التباين الكبير مع النظام السوري، بعد إطباق النظام الامني المشترك على الحياة السياسية؛ واختصار العلاقة معها عبر (الرئيس) اميل لحود، طالبنا بتصحيح العلاقات بين لبنان وسوريا، فكانت ردة الفعل قاسية جدا في الخطاب وفي الممارسة السياسية اللبنانية السورية، بعد أن رفضنا انتخاب لحود رئيساً للجمهورية عام 1998، في هذا العام جرى الفراق مع طلال ارسلان. عام 2000 تركنا له مكاناً حرصاً على عدم إيجاد شرخ داخلي درزي، لان الموضوع ليس مقعداً زيادة أو نقصاناً. وبعد تلك الانتخابات بدأ التباين يظهر بشكل واضح. وبدأت المعارضة بالتكون، اثر حصول مصالحة الجبل، بزيارة البطريرك صفير الى الشوف والجبل، حيث بدأنا تطبيق اتفاق الطائف وتصحيح العلاقة بين سوريا ولبنان>>.

ويعتبر شهيب ان <<الخلاف حصل في المرحلة التي سبقت محاولة فرض التمديد على الشعب اللبناني، من خلال اغتيال الدستور اللبناني، بالتمديد (للرئيس) لحود. وهنا كان الفراق الكبير، اذ تحالف ارسلان مع السلطة ومع السوريين ومع بقايا النظام الامني السوري اللبناني. وساهم، في السياسة، في تشكيل الحكومة الكرامية، التي مهدت، بالسياسة، لاغتيال رفيق الحريري، لان حكومة اللون الواحد الكرامية وبخطاب عمر كرامي، فرزت الشعب اللبناني بين اميركي فرنسي اسرائيلي وسوري. وكانت الكارثة الكبرى باغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. وهذا أدى الى الانفصال السياسي والى الفرز السياسي: من مع لبنان ومن مع النظام السوري>>.

<<موظفون نواب>>

لكن للوزير والنائب السابق ارسلان قراءة مختلفة للحدث، اذ يعتبر ان <<بعض الجهات السياسية اللبنانية استغلت حدث اغتيال الرئيس الحريري، لتنفذ استهدافاً في السياسة، فكان أن حصلت انتخابات حزيران 2005 وتكّون مجلس نيابي على قاعدة الاصطفاف الطائفي. وهذه النتيجة التي نبهنا منها مرات عدة، أوصلت الى فيدرالية طوائف غير معلنة، غاب عنها صوت الاعتدال والانفتاح، لأنه نقيض التطرف. ولان أجواء التطرف والخوف المذهبي والطائفي تعطل هذا الصوت، كما تعطل كل طرح وطني عام. وقد أثر ذلك على الحياة السياسية العامة وعلى مسار الدولة وعلى تركيبة مجلس النواب، الذي تراه معطلا هذه الايام، بعد ان تم اختصاره من قبل 43 قوى أساسية في البلد، على حساب كل القوى الاخرى. وبتنا نشاهد، لأول مرة في تاريخ لبنان، ما أسميه <<الموظفون النواب>>. أصبح لدينا في لبنان وظيفة جديدة اسمها <<النائب الموظف>>، لأنه ليس ذلك النائب الذي يتفاعل مع قاعدته الشعبية وله صفة تمثيلية حقيقية>>.

ويرى ارسلان ان الاصطفاف الذي حصل <<أثّر على الوضع الدرزي، لأنه غير مفصول عن الحياة العامة>>. ويلفت الى ان التمثيل النيابي الدرزي، <<الذي جاء بجهة واحدة <<لا يعني انه حصل بأصوات الدروز، أو بقرار درزي، لان انتخابات بعبدا عاليه الاخيرة، فرقت على ألفي صوت. وتحديداً نتيجة أصوات الضاحية الجنوبية. الاخوان الشيعة هم الذين جعلوا كفة الميزان تميل الى الجهة الاخرى. ولو وقف الشيعة على الحياد ولم يدعمونا، أو لم يدعموا الطرف الآخر بهذه الكثافة غير العادية، لكنّا نحن أحد عشر نائباً في عاليه بعبدا، بوجه سياسي آخر، بينهم ثلاثة نواب دروز، أنا وغالب الاعور والدكتور عصام شرف الدين، أي أكثر من نصف التمثيل الدرزي في الجبل. والامر نفسه في البقاع الغربي، حدث مع فيصل الداوود، حيث أمال الصوت الشيعي الكفة الى الجهة الاخرى. وإلا لكنا نحن الاكثرية في التمثيل الدرزي، فيما كان للطرف الآخر نائبان أو ثلاثة على الاكثر. وهذه النتائج بكل أسف زادت الشرخ درزياً وزادت العصبية لدى فريقنا، أكثر مما كانت عليه في السنوات الماضية، كردة فعل على صدمة الانتخابات. نعم اختصر التمثيل النيابي الدرزي، لكن ذلك لم يكن انعكاساً حقيقياً للوضع الدرزي، على مستوى الجبل وعلى مستوى بقية المناطق>>.

دور التحالفات

ما شهدته دائرتا عاليه بعبدا والبقاع الغربي، في إسقاط لوائح وإنجاح اخرى، بأصوات من طوائف غير التي ينتمي اليها الفائزون، تدفع الى التدقيق في وضع الناخب الدرزي ودوره في إيصال مرشحيه الى الندوة البرلمانية.

يقول شهيب: <<التحالفات موجودة لدى كل القوى. ولا يتم التحالف من جهة واحدة، بل يتم بين طرفين، يستفيد أحدهما من الآخر، أو يؤثر أحدهما بالآخر. والتحالفات تفيد من دون شك، لكنها لا تحصل من دون اقتناع الطرفين المتحالفين. والاقتناع لا يكون إلا على الاسس السياسية الاساسية والمركزية>>.

أما ارسلان فيرى أن الطائفة الدرزية <<من الطوائف التي لا تختار نوابها بإرادتها الخاصة، لان مناطق وجودها تتميز بالاختلاط الطائفي. لنأخذ مثلا الشوف، هناك دروز وسنة ومسيحيون موارنة وكاثوليك.وفي عاليه بعبدا، بعد ضم القضاءين في دائرة انتخابية واحدة، هناك تنوع يضم أكثرية مسيحية، ثقلا درزيا وصوتا ترجيحيا شيعيا. وهذا الموزاييك الطائفي المذهبي لا يسمح لأي طائفة بأن تختار نوابها لوحدها. وما حصل في الانتخابات الاخيرة، ان تمسك الاخوان في <<حزب الله>> وحركة <<أمل>> بالتحالف الرباعي، أدى الى النتيجة المعروفة. ولأول مرة في تاريخ بعبدا عاليه يقترع 18 الف صوت شيعي. ولأول مرة كذلك يقترع 14600 صوت شيعي للائحة الاخرى. مع العلم أننا عندما كنا في لائحة واحدة مع <<حزب الله>> في انتخابات عام 2000 حصلت على أصوات شيعية، بين الضاحية والقماطية وكيفون بلغت 7600 صوت، أفهم أنها تصبح عام 2005 عشرة آلاف، لكن ان يتم الاستنفار لتصل الى هذا الحجم، كان الامر سابقة ومفاجاة. ولولا ذلك، لو بقي التحالف الشيعي متماسكاً معنا، كقوى متحالفة في لقاء عين التينة، لخسرت الاكثرية النيابية الحالية أربعة عشر صوتا على المستوى العام. وعلى المستوى الدرزي، كنا خمسة نواب، فيما كان وليد جنبلاط ومن معه نائبين أو ثلاثة فقط. وبالتالي كانت أكثرية النواب الدروز في مكان آخر>>.

تنوع وأحادية

ليس جديدا القول ان الزعامة الجنبلاطية دأبت على سحب البساط من تحت أقدام الزعامة الارسلانية، خصوصا بعد وفاة الامير مجيد ارسلان. وتشهد فصول <<نقل العباءة>> الارسلانية تدخل وليد جنبلاط بثقله الى جانب طلال ارسلان، في وجه شقيقه الاكبر فيصل، لأسباب كثيرة، منها ان فيصل يحمل وزر الزيارة الحاشدة التي قادها لتهنئة بشير الجميل اثر انتخابه رئيساً عام 1982. إضافة الى صلة القرابة التي تجمع الامير طلال لجهة الام، مع جنبلاط، حيث يغمز كثيرون من محاولة جنبلاطية لاحتواء ارسلان وممارسة وصاية ما عليه، انقلبت محاولة لإلغائه، بعد فشل الوصاية والاحتواء. ومن المؤكد كذلك، ان جنبلاط وسع بساط زعامته الدرزية على حساب الارسلانيين، خلال سنوات الحرب، الى درجة أن جميع النواب والوزراء الذين كانوا محسوبين عليه، في المجلس النيابي السابق، منذ عام، كانوا من أصول ارسلانية. حتى النائب أنور الخليل، حليف الرئيس نبيه بري، والجنبلاطي الجذور، قرر جنبلاط استبداله بوائل ابو فاعور، في الانتخابات الاخيرة، إلا ان تمسك بري بالخليل جعل جنبلاط يرشح ابو فاعور عن منطقة راشيا، مفاقماً بذلك مشكلتها معه، التي ظهرت الى العلن، عندما شكلت العائلات الجنبلاطية فيها لائحة مضادة أسقطت لائحة الحزب الاشتراكي، في الانتخابات البلدية. وكانت راشيا نموذجاً لشكوى القواعد الجنبلاطية، في العديد من المناطق، من سيطرة <<الجنبلاطيين الجدد>> ذوي الاصول الارسلانية، على مختلف نواحي التمثيل السياسي والحزبي الجنبلاطي، مما أثار جنبلاط بعيد الانتخابات البلدية، فأطلق تصريحه الشهير عن <<الجنبلاطية العفنة>>. فهل أدت السياسة الجنبلاطية المتبعة الى إلغاء التنوع السياسي الدرزي، بما يشكل خطراً على مستقبل السياسيين الخارجين على طاعة زعيم المختارة؟

يرفض النائب شهيّب الفكرة من أساسها. ويقول: <<المختارة تمثل الخط الوطني المنفتح، هي الموقع المتقدم بديموقراطيتها وعروبتها. المختارة خارج إطار هذا الصراع الضيق، لأنه أصبح خارج التاريخ. المختارة تمثل اليوم الموقع اللبناني المتقدم والعربي المنفتح. هكذا كانت عام 1982 في مواجهة الغزو الاسرائيلي. ولم ينظر إليها إلا من هذا الموقع الكبير. وبالتالي، القضية ليست قضية موقع نيابي زيادة أو نقصانا، انما جوهر الموضوع، هو الموقع الوطني للجبل والموقع الوطني لهذه الشريحة العربية في هذا الوطن>>. ويرى ان <<تغييرا كبيرا، بل انقلابا، طرأ على طبيعة الولاءات والانتماءات في الوسط الدرزي. وتجربة الحزب التقدمي الاشتراكي نقلت طبيعة الصراع الى آفاق اخرى، أوسع وأرحب وخارج الاطار الدرزي>>. ويلفت شهيب الى أن الحزب <<قدم لارسلان ما لا يقدم بعد الحرب بكل الوسائل الممكنة>>. ويتابع: <<الموضوع لا ينظر اليه من هذه الزاوية. والدليل اننا رفضنا الثنائية حينما كانت تحضر قوانين رعاية وإدارة شوؤن الطائفة الدرزية، إفساحاً في المجال للعملية الديموقراطية، لإيصال الكفاءات الى موقع القرار داخل مؤسسات الطائفة، والعمل على إنجاز قانون عصري حديث مؤسساتي، يؤمن تطور مؤسسات الطائفة ضمن البيت الدرزي الواحد، لكن الرفض كان يأتي دائما من النائب السابق طلال ارسلان، الذي كان يطالب بثنائية تحت شعار <<أنا النصف وأنتم النصف الآخر>> وهذا غير واقعي وغير منطقي وغير ديموقراطي. فالناخب هو الذي يقرر، حسب أدائك يتعامل معك، يراقبك، اذا اقتنع برأيك السياسي سيصوت لك. ولو لم تكن هذه الشريحة الواسعة التي ننتمي اليها، مقتنعة بهذا الخط السياسي، لما أعطتنا هذه الثقة عبر دورات عديدة. كان الخلاف سياسيا وكانت سوريا تتدخل من فترة لفترة، لعدم السماح ببناء البيت الدرزي>>. يتابع: <<ليس هناك تطور داخل المجتمع من دون تنوع واحترام الرأي الآخر. ونحن نحترم الرأي الآخر ونؤمن بضرورة وجوده وإلا نكون خارج الاطار الديموقراطي>>.

ارسلان من جهته، يرى ان كلمة أحادية <<غير موجودة في القاموس اللبناني. وان الموزاييك السياسي اللبناني والنظام السياسي القائم، يحتمان وجود التنوع. ولا أحد يستطيع اختصار طائفة في لبنان، مهما حاول. قد ينجح لفترة قصيرة جدا، لكن تاريخ لبنان يثبت ان أحدا لا يستطيع اختصار طوائف أو مذاهب في اتجاه معين. وما جرى في الانتخابات الاخيرة، أثر في التمثيل السياسي للدروز، لكنه لم يؤثر في حياتهم السياسية، لان التنوع السياسي ما زال موجودا.علما ان المحطات لم تكن خلافية دائما أو تحمل تناقضا في الخيار الاساسي، بل كانت السمة خلافات محلية>>.

ويلفت ارسلان الى ان أحد أسباب محاولة الاستفراد بالساحة <<ان الامير مجيد رفض الاشتراك في الحرب الاهلية وبناء ميليشيا. وهذا القرار هو وسام وان كان البعض يعتبره خطأ دفعنا ثمنه غاليا في السياسة>>.

حسابات انتخابية

يعتبر البعض ان تقسيم الدوائر الانتخابية في لبنان، أراح الطوائف الكبرى وقواها السياسية، في حين شعر وليد جنبلاط بأن تلك التقسيمات جعلته أسير الاصوات المسيحية في دوائر جبل لبنان. وان هذا الامر الواقع، ربما يكون السبب في دفع جنبلاط الى تبني خطاب <<مسيحي تقليدي>> للتقرب من المسيحيين، تكون نتيجته الاشتباك مع <<الحليف>> السوري السابق، بما يؤدي الى انسحاب الجيش السوري من لبنان، باعتباره مطلباً مسيحياً بامتياز قبل اغتيال الرئيس الحريري. كما يؤدي الى عودة الجنرال عون من منفاه وإطلاق سمير جعجع من سجنه. وبالتالي يكون الهاجس الانتخابي هو التفسير الاقرب للتقلبات التي تصيب مواقف جنبلاط بين وقت وآخر.

يرى ارسلان ان <<وضع المصلحة السياسية فوق كل اعتبار، يعني ان كل الثوابت ستسقط. فلا أحد في لبنان من دون مصالح. كما ان اللبنانيين والمسيحيين خصوصا، ليسوا في الشكل الذي يصورهم البعض عليه. وعلى الرغم من معرفة الجميع بأنني حليف لسوريا، حصلت في الدورات الانتخابية الاخيرة (200520001996) على سبعين في المئة من أصوات المسيحيين. لان المواطن يحترم مصداقية السياسي. وهذا هو سبب تحالفي مع ميشال عون، لأنني أراه صادقا وواضحا. وهو أكثر من عانى من السوريين، لكنه تعامل مع الموضوع بكبر وتعقل وتعفف، هكذا ميشال عون فكيف بالآخرين؟ قلت وأكرر ان الذي حمى البلد من <<الهستيريا>> السائدة اثنان: ميشال عون وحسن نصر الله، من قبل أن يلتقيا، لان عقلانية خطابيهما ووطنيتهما حمت البلد من الفوضى التي يدفعه اليها الآخرون. واذا كان مسموحاً لي أن أخرج من كل ثوابتي لأصبح نائباً، أو أن أحصل على كتلة نيابية، فأي لبنان سيكون؟ سيكون لبنان <<المبندق>>، لا هوية له، لا طعم، لا استراتيجية ولا موقف. ساعة اذ نكون فعلا أدوات مصلحية رخيصة وصغيرة لمصالح الدول الكبرى. وأنا لن أكون في هذا الموقف مهما كان الثمن. ولا أنصح أحدا بأن يكون هذا موقفه>>.

ياخذ شهيب الجواب الى مكان آخر، ليقول ان معركة جنبلاط بدأت بشكل مبكر <<كانت لنا ملاحظات منذ العام 1992 وكان في سوريا من يسمع ويتابع ويصحح، الى ان أمسك الدكتور بشار الاسد بالملف اللبناني، عام 1998. وجاءت الظروف المحلية بعدها لتخدم مطلبنا في إقامة أفضل العلاقات مع سوريا وتطبيق اتفاق الطائف. لم نطالب حينها بخروج الجيش السوري، طالبنا بتطبيق اتفاق الطائف، إعادة التموضع وتنقية العلاقات من الشوائب، نتيجة حدثين أساسيين: الاول تحرير الجنوب ولبنان من الاحتلال الاسرائيلي. والثاني هو المصالحة الوطنية في الجبل التي انقلبت عليها سوريا ولم تكن تريدها. وكان السابع من آب ردا عليها. هنا بدأ الخطاب يتكون وبدأت الممارسة السياسية تتخذ منحى جديدا، هو كيف نبني الوطن المستقل السيد الديموقراطي العربي المنفتح. طلبنا في المرحلة الاولى أفضل العلاقات الندية بين دولتين. وما نزال نطالب بعلاقات ندية بين دولتين مستقلتين جارتين، مع كامل الاستقلال والسيادة للبنان. وهذا بالطبع لا تريده سوريا ولا أعوانها في لبنان، لأنها تريد لبنان ساحة لها، منذ دخولها اليه بالضوء الاخضر الاميركي حتى اليوم>>.

العداء لسوريا

هل بات الدروز أعداء لسوريا وبات كل درزي صديق لها <<عميلا>>، يجيب ارسلان: <<أعوذ بالله، هذا الكلام مرفوض جملة وتفصيلا ولا يمكن أن نتهاون فيه. وللتاريخ أقول ان لي علاقات معروفة مع سوريا، لم أتنكر لها في الماضي ولا في الحاضر ولن أستغني عنها في المستقبل. هذه العلاقات ثابتة بيني وبين بيت الرئيس الاسد وهي لم تكن يوماً على حساب لبنانيتي وسيادة بلدي واستقلاله وحريته. وأنا أتعاطى مع سوريا على أساس ان السوري يحافظ على الثوابت اللبنانية التي نتمسك بها. وأنا أعتبر أن هذا هو موقع الدروز الطبيعي والتاريخي. والدروز في عمق خياراتهم الصريحة والواضحة، في الجانبين الديني والزمني، لا يمكن أن يتهاونوا في مسألة التعاون مع سوريا أو معاداتها. فإضافة الى العلاقة السياسية، للدروز علاقات خاصة مع سوريا، اذ ليس هناك عائلة درزية إلا ولها فرع أو جذور في جبل العرب أو حلب وفي بقية انحاء سوريا>>.

ويؤكد ارسلان ان العداء لسوريا <<يحمل أخطارا مطلقة على لبنان>>. ويسأل رافعي شعار العداء لها: <<ليقولوا لنا أين مصلحة لبنان في العداء لسوريا، لنكون معهم في موقف واحد؟ لكن كل ما في الامر ان <<حفلة هستيرية>> تبث سمومها على العلاقة اللبنانية السورية، على قاعدة مصلحة شخصية محضة لفئات معينة، تنطلق من سياسة حاقدة وشخصية جدا، على حساب الوضع العام، انه جو هستيري (عصفورية) نشهده منذ سنة، من دون أي مضمون سياسي أو منطقي، كأن المطلوب أن تقدم سوريا ترضية ما لهذه الجهات، أو أن يتحول لبنان الى ممر ومقر للتآمر على سوريا. وأنا أقول ان المؤامرة بدأت باغتيال الرئيس الحريري ولم تنته باغتياله، لان المطلوب نقل لبنان والمنطقة الى مكان آخر>>.

عن مواقف جنبلاط، يقول ارسلان <<من الصعب قراءة مواقف <<وليد بك>>. ولا أدّعي أنني أستطيع تحليل كل خطاباته ومواقفه وعلى ماذا يستند فيها. وللتاريخ أقول ان وليد جنبلاط ضُلل من قبل الذين يدعون أنهم أقرب الناس اليه. هذا شعوري، لأنني أرى أن جنبلاط ليس هو الذي نعرفه>>. ويتابع: <<لا يستطيع الدروز أن يذهبوا الى أي مكان لوحدهم. وأنا أرى أن الايام تكشف أن مقولة الاستقواء بالخارج عقيمة، لان من الوهم أن يظن البعض أن الغرب لا عمل له سوى إدارة ملفات لبنان الداخلية. هذا الغرب عندما يحقق مصالحه لا يعود يلتفت الينا>>.

عند قراءة تداعيات الحدث اللبناني خلال العام الفائت على صعيد الطائفة الدرزية، يبرز بوضوح أن القوى السياسية الدرزية تصطف في مكانين متواجهين: صف وليد جنبلاط بقاعدته الشعبية الواسعة داخل الطائفة. وصف غير المنضوين تحت جناح الزعامة الجنبلاطية وفي مقدمهم الزعيم الارسلاني طلال ارسلان، وعدد من النواب والوزراء السابقين والفاعليات؛ وطبعا شيخ عقل الطائفة الدرزية بهجت غيث، الذي نقل خلافه مع جنبلاط الى السياسة ليقول في تصريح له مؤخرا: <<الاعلام يصور أن الطائفة منجرة وراء زعيم معين، لكن الحقيقة أن معظم أبناء الطائفة ليسوا مع هذا الطرح، هم متجذرون في مواقفهم، في أصلهم وهويتهم وتاريخهم. وأي زعيم مهما كان حجمه اذا حاد عن هذا الخط، لا يعود له مكان بينهم>>.