هذه هي حقيقة "الاتفاق الرباعي" - الخماسي

بقلم الياس الزغبي

15 شباط 2007

 

امتد الحديث طويلاً خلال الاشهر الاخيرة عن "الاتفاق الرباعي" الشهير في الانتخابات النيابية صيف العام 2005، وجرى تحميل هذا الاتفاق كل المسؤولية عن تشكيل السلطة الراهنة، بل المأزق السياسي – الامني الذي يخضع له لبنان، والذهاب بالاتهام الى حد القول ان فريق الاكثرية (قوى 14 آذار) طعن طرفي الاتفاق الآخرين ("حزب الله" وحركة "امل") في الظهر، واستغل اصواتهما لتكوين اكثرية "مسروقة" او "وهمية"، فكان لا بد من اعادة تصحيح الميزان السياسي من خلال مشاركة فورية تحت تسمية "الثلث المعطّل" او "الثلث الضامن" تلطيفاً، ثم تصحيح التمثيل الشعبي باجراء انتخابات نيابية مبكرة.

 

هذه الصورة التبسيطية الدعائية التي يرسمها فريق 8 آذار ويوغل في ترويجها وينزل بكل طاقاته الى الميدان من اجل تظهيرها تخفي الحقيقة الفعلية لـ"الاتفاق الرباعي" والخطة التي انتجته والاهداف التي استبطنها. ومن أجل كشف هذه الخطة والاهداف لا بد من اعادة تجميع المعطيات والوقائع وربطها بما آلت اليه التحالفات السياسية وما تكشف عن قرائن وادلة قبل عقد الاتفاق وفيه وبعده، وطوال اكثر من عشرين شهراً. وليس هناك اي عيب سياسي في تدارك الحقيقة، بعد مرور زمن ما، لان الغبار السياسي الكثير واستشراء العواطف في لحظة ما كفيلان بتشويش الرؤية والتأثير على حسن التقدير، ولكن... الى حين.

 

لقد كان لكل فريق من فريقي "الاتفاق الرباعي": "حزب الله" وحركة "امل" من جهة و"اللقاء الديموقراطي" والقوى المسيحية و"تيار المستقبل" من جهة اخرى، اهدافه وحساباته السياسية. ففريق جنبلاط الحريري والقوى المسيحية المنضوية في 14 آذار كان يجري حساباً مزدوجاً: الاول بسقف سياسي وطني على قاعدة استعادة الفريق الآخر ("حزب الله" – "امل") الى كنف الحالة الاستقلالية واحتضانه في السياق الوطني الجديد وتطمينه الى الانخراط في النسيج اللبناني العام بعد رفع المظلة السورية عنه، وذهابه بعيداً في تكريم النظام السوري وشكره في احتفال 8 آذار شعبيا وسياسياً، والسقف الثاني هو حساب مصلحي رقمي للحصول على اكبر عدد ممكن من المقاعد النيابية في اطار التنافس السياسي (وهذه مسألة مقبولة ومشروعة في التحالفات الانتخابية).

 

اما الفريق الثاني ("حزب الله"، "امل"، فريقا الرئيس لحود والعماد عون، ومجموعات اخرى، والجميع في اشراف سوري مباشر)، فكانت حساباته ابعد بكثير وذات بعد استراتيجي، ولم تكن مقتصرة على كسب عدد من المقاعد النيابية ولا تغيّر الموازين، بل قامت على دراسة سياسية متكاملة وعلى خطة تشمل كل الدوائر وتقضي باستخدام الاتفاق الرباعي (وتحديداً في المنطقة – الميزان البالغة الحساسية، اي بعبدا - عاليه) مطية ذكية وحاسمة لتحقيق امرين:

 

الاول موضعي يتمثل في الاستفادة من اصوات الفريق الاول لتمرير مرشحيه في مناطق الضعف (نواب في بيروت وبعبدا والبقاع الغربي وزحلة...) مع محاولة سرية (كشفت سريعاً) لاسقاط اكثر من مرشح لـ"المستقبل" و"اللقاء الديموقراطي" ومسيحيي 14 آذار (وكان النموذج الصارخ تمرير "حزب الله" اصواته الى المرشح نجاح واكيم، وكان افتضاح هذه اللعبة سبباً لارباكه في بعبدا وعدم قدرته على تكرارها واضطراره الى استخدام "التكليف الشرعي").

 

اما الثاني، وهو الاشد خطورة لانه يشكل جوهر الخطة في هذا السياق، فيقضي بابقاء تيار العماد عون (قصداً وعمداً) خارج التحالف الرباعي في بعبدا وعاليه تحديداً، وباتفاق وتنسيق مسبقين ومقررين مع عون نفسه، بهدف استنهاض حالة مسيحية استثنائية في المتن وكسروان وجبيل وزحلة، ولاحقاً في الشمال، مقابل ضرب صورة الاحزاب المسيحية (قوى 14 آذار) وتصويرها في موقع الملتحق بالثلاثي المسلم (الشيعة والسنة والدروز)، مع ابقاء الدكتور سمير جعجع في السجن لمنعه من تقاسم الوهج المسيحي مع عون، اضافة الى الترويج المركّز لحصرية المسؤولية في اعتماد قانون الـ2000 على عاتق "قرنة شهوان".

 

لقد وضعت الخطوط العريضة لخطة "الاتفاق الرباعي" لدى التوليفة اللبنانية – السورية قبل ان يعود العماد عون الى لبنان في 7 ايار 2005. وكان التنسيق يتم بدقة واحكام بين المخابرات السورية وجهاز الرئيس لحود والآخرين ("حزب الله"، "امل"، عون، وتشكيلات اخرى)، عبر حركة موفدين لبنانيين وسوريين تحركوا بكثافة خلال نيسان وايار 2005 بين دمشق وبيروت وباريس (البعض منهم معروف وآخرون مكتومون).

وتوصل هؤلاء المكوكيون الى وضع تفاصيل الخطة بابعادها الثلاثة السياسي والقضائي والمالي، ورسموا الأهداف والتحالفات ومصادر التمويل، وحتى اسماء المرشحين (حصلت تعديلات طفيفة في بعض الدوائر لدواعي البورصة السياسية والشخصية والمالية).

وقد تجرّأ احد هؤلاء السعاة الموضوعيين بين دمشق وباريس، وهو المحامي فايز قزي الاشد قرباً من العماد عون مدى 20 عاماً، على كشف جانب واحد من هذه الخطة حين اعلن لصحيفة "السياسة" الكويتية اواخر كانون الثاني الماضي ان دمشق كلفته ابلاغ عون وجوب التزامه عدم التحالف مع الحريري وجنبلاط واستطراداً مع اركان "قرنة شهوان" كشرط اساسي من شروط السماح بعودته الى لبنان!

 

في الواقع، كان هذا الشرط رأساً واحداً من رؤوس جبل الجليد في الخطة – الصفقة. اما الرؤوس الاخرى فهي سلة من الالتزامات السياسية والاستراتيجية والمواقع الحكومية والرئاسية والقضائية والمالية، مقابل تسهيل اعادة النظام السوري على قاعدة المقولة التي وصفت مرحلة الاحتلال السوري بـ"التجربة السابقة" التي يمكن اعادة تجريبها بعد تشذيبها من "الشوائب والاخطار والثغر" وفق نص ورقة "التفاهم" بين عون و"حزب الله". وهل هناك ابلغ مما جرى منذ ذلك الحين وصولاً الى الاعتصامات الانقلابية لتأكيد مرامي ذاك "الرباعي" الشهير وابعاده؟

 

في اي حال، لا بد من ان ينبري، ذات يوم ومع مرور الزمن، وسطاء آخرون من صنّاع هذه الخطة او من العارفين ببعض خفاياها والمتابعين عن قرب لتلك المرحلة، فيتجرّأوا على كشف جوانب اكثر اهمية، لاثبات ان 14 آذار لم تتواطأ ضد العماد عون ولم تكن هي التي انقلبت على "الاتفاق الرباعي"، بل العكس كان الصحيح. ولعل التقصير في كشف الخلفيات الحقيقية لما جرى كان خطئاً فادحاً من اخطاء 14 آذار.

 

الاكيد ان واضعي "الخطة الانقلابية"، في طبعتها القديمة (اي غير الحاصلة اليوم)، والتي اطلقوا عليها آنذاك "التحالف الرباعي"، كانوا يجرون الحسابات الآتية:

في بعبدا – عاليه، اذا تحالف "حزب الله" و"امل" والمجموعات الاخرى مثل الارسلانيين والقوميين و... مع العماد عون، فقد تفوز لائحتهم كاملة ربما بعشرة مقاعد، لكن المشكلة كانت ستظهر في دوائر اخرى، ولا يعود ممكناً استنهاض المسيحيين لمصلحة عون في المتن وكسروانجبيل وزحلة، ثم الشمال، لان مجرد تحالف "حزب الله" مع عون يكسر حجة او خطر الاصطفاف المسلم الصافي في بعبدا – عاليه (شيعة + دروز + سنة)، ويرتد ذلك سلباً على استقطاب عون للمسيحيين في المناطق الاخرى بما يضرب بقوة الخطة الموضوعة، خصوصا ان حساسية مسيحية قوية كانت سائدة ضد "حزب الله" وسلاحه غذاها برنامج التيار "العوني" نفسه آنذاك بقوله "ان هذا السلاح يهدد وحدة لبنان ومرتبط بايران وسوريا و"حماس".

 

حتى أن أصحاب الخطة نفسها تخوفوا من ان انضمام 15 الف صوت شيعي الى لائحة عون في دائرة بعبدا كان سيؤدي حكما الى ردة فعل سلبية صاعقة لدى الناخبين المسيحيين، فينتقل اكثر من 15 الف صوت مسيحي الى اللائحة الاخرى وتنهار اذذاك كل لائحة عون – "حزب الله" بمن فيها مرشح الحزب نفسه، وتنهار معها كل المراحل المتبقية من المخطط!

 

ومن الوقائع التي تثبت صحة الخطة المشار اليها بخطوطها العريضة نكتفي بعرض عينة من المفاوضات التي كانت تدور ومن التقديرات التي أجريت في تلك المرحلة.

 

قبل ثلاثة اسابيع من انتخابات جبل لبنان والبقاع التي حصلت في 12/6/2005، كانت الحسابات الاشد تفاؤلا لدى العماد عون تتوقع حصوله على مقعد واحد في المتن (الكاثوليكي) مع احتمال ضئيل للفوز بمقعد ماروني، ومقعد في كسروان (اذا ترشح هو شخصيا)، ومقعد غير مضمون في جبيل (اذا تم التحالف مع أحد الاقوياء). أي ثلاثة نواب في الدائرتين في أكثر التقديرات تفاؤلا.

وقد كنت، من موقعي آنذاك، أرصد وأتابع بدقة على مدار الساعة المجريات الانتخابية، وكنت من أشد المتحمسين لخوض المعركة منفردين لأننا نأتي من خارج السياق السياسي التقليدي مع أفكار متقدمة وبرنامج تغييري، وعلى أساس مبادىء "التيار" وأهدافه الصافية، بغض النظر عن عدد المقاعد التي نحصدها. لكنني لم أكن أدرك ان هناك حسابات اخرى مرتبطة والتزامات أشد ارتباطا مجافية للمبدئية السياسية والوطنية ونقاء التراث النضالي.

 

وهنا واقعة واحدة من سجل مترع بالوقائع أعرضها كدليل لاثبات ما سبق: في 23/5/2005 عقدنا، كعادتنا صباح كل يوم في الرابية، اجتماعا للجنة السياسية العليا للانتخابات، ونقل الينا الفريق الثنائي المكلف التفاوض مع فريق جنبلاط – الحريري، وبتهليل واعتزاز، "بشارة" الاتفاق على حصص الانتخابات من دون معركة على الوجه الآتي: "8 نواب لـ"التيار" موزعين هكذا: 3 في بعبدا – عاليه، واحد في زحله، واحد في البقاع الغربي، 3 في الشمال بين عكار وطرابلس والبترون. أما دائرتا المتن وكسروانجبيل فمتروكتان للاتفاق بين "التيار" و"قرنة شهوان". ومع ترحيب معظم الحاضرين (15 شخصا) كان لي تحفظ، بل رفض كامل لهذا العرض طلبت تدوينه خطيا، لثلاثة أسباب مبدئية:

 

1 – لأن هذا العرض يلغي مبدأ الديموقراطية وحق المواطن في الاختيار، ويساوي "التيار" بسواه من القوى في بيروت والجنوب التي صادرت عملية الترشيح والاقتراع وعلّبت النتائج.

 

2 – لأن العرض يضرب الصورة الوطنية التي تعبنا طويلا (وخصوصا بحكم مسؤوليتي السياسية والاعلامية) لاضفائها على العماد عون وتقديمه كمنقذ وطني عابر للمناطق والطوائف، وليس كرجل حصص له مساحة مسيحية ضيقة (كما حصل لاحقا ويا للأسف).

 

3 – لأن ترك دائرة المتن ودائرة كسروانجبيل للاتفاق بين القوى المسيحية يضمر احتمال التنازع والخلاف، بل ربما الفتنة والمزيد من الشقاق.

 

وحين حضر العماد عون لترؤس الاجتماع واطلع على تحفظاتي الثلاثة لم يكترث بها ولم تعن له شيئا، بل ذهب فورا الى تبرير آخر من اجل اعلان قبوله العرض، وروى حادثة من مخزونه العسكري جاء فيها ان قائدا أمر أحد ضباطه بأن يحتل موقعا ما مع فرقته، لكن الضابط اعتذر معددا عشرة أسباب، التسعة الاولى منها بسيطة وشكلية، أما السبب الاخير فكان ان ليس لدى الضابط ومجموعته "بارود"، أي ذخيرة. فأجابه القائد محتدا: كان عليك ان تبدأ بهذا السبب الاهم قبل أسبابك السخيفة الاخرى! ثم ضرب عون الطاولة بيده وقال وهو يقف للانصراف معلنا انتهاء الاجتماع: اعلموا ان "البارود" الذي لدينا غير كاف للمعركة، هناك فقط (...) في الصندوق، فافهموا المطلوب والقصود! طبعا فهمنا المقصود: لا مال لدى "التيار" لخوض معركة الانتخابات... اذا، لا مفر من الموافقة على العرض "السخي" كما وصفه الثنائي المفاوض.

 

تم ذلك في العاشرة صباحا، وفي الثامنة مساء حضر الى الرابية الثنائي المفاوض من فريق جنبلاط - الحريري، وهما الوزير مروان حماده والدكتور غطاس خوري، من أجل توقيع ما تم الاتفاق عليه، ودام الاجتماع مع العماد عون وفريقه حتى الحادية عشرة ليلا، وانتهى بدخان أسود: لقد سقط العرض! وخرج عون الى الحديقة مزهوا بالمعركة العتيدة، وعقد في الصباح التالي مؤتمرا صحافيا أطلق خلاله صفارة الحرب، ليس بالطبع للأسباب "المسكينة" الثلاثة التي عللت بها رفض العرض، فهل لأن "البارود" هبط بسحر ساحر، أم لأن الخطة المرسومة كانت تقضي بالذهاب بالمناورة الى اقصى مداها، أم للاثنين معا؟

 

في الواقع، ومع تكشف الحقائق عبر الايام ومجرى الاحلاف والتطورات، لم تكن المسألة مجرد خلاف على مقعد او اسم درزي او أرثوذكسي في بعبدا – عاليه، ولا على رفع مستوى التمويل لأن "البارود" كان يتدفق بسخاء، ونجحت مناورة الساعات الاخيرة في مضاعفته فتغير الموقف (ظاهريا على الاقل) بين العاشرة صباحا والعاشرة ليلا. ولم يعد الان مجال لأي شك في ان السبب العميق و"الاستراتيجي" هو استكمال الخطة نفسها القاضية بالمغامرة بخسارة (غير أكيدة) لعشرة مقاعد في بعبدا – عاليه مقابل كسب 15 مقعدا في المتن وكسروانجبيل وستة مقاعد في زحلة، مع حساباتهم "الواثقة" من كسب عدد غير قليل من مقاعد الشمال. وفي هذا السياق يندرج الدعم المطلق والشامل من "حزب الله" للوائح العماد عون في جبيل وكسروان وزحلة والشمال، ومجموع أصوات الشيعة في هذه المناطق لا يقل عن 22 الف صوت.

 

لكن ما حصل في الشمال كان مفاجئا لأهل الخطة وشكل ضربة قاسية لحساباتهم وآمالهم، لأنهم كانوا يتوقعون الحصول على نصف المقاعد على الاقل (14 مقعدا) بما يتيح لهم التمتع بأكثرية مريحة جدا لا تقل عن 74 نائبا. ولو صح ذلك الحساب لكان لبنان اليوم في موقع آخر لا نسمع فيه خطاب استكمال الاستقلال وتثبيت السيادة، ولا اقرار المحكمة الدولية، ولا القرار 1701، ولا باريس 3... ولكان "الرباعي": دمشق – حزب الله – لحود – عون (في ظل ولاية الفقيه) هو الوريث الاكيد لـ"الاتفاق الرباعي". لكن، ربما كانت ستغيب عنا مشاهد الدواليب الانقلابية ومواجهات الفتنة و"التبليط" في قلب بيروت ولغة الاثلاث المعطلة والعاطلة، ولكان لبنان استعاد "استقراره" الابدي المعهود في "التجربة السابقة" للوصاية السورية وفوق رميم عظام شهداء الاستقلال الثاني.

 

ان الحقيقة الساطعة اليوم تؤكد ان من خرج على الاتفاق الرباعي هو ثنائي "حزب الله" – "أمل" واستلحق بهما من سمّوا أطراف "المعارضة" حين تبين فشله في مرحلته الثانية (الشمال). لقد تم تأجيل وفاته بضعة أيام بعد انتهاء الانتخابات في 19/6/2005 لسبب واحد هو تمرير انتخاب نبيه بري رئيسا لمجلس النواب وأخذ حصة دسمة في الحكومة العتيدة، ثم انقض عليه "حزب الله" قبل سواه بعقد تحالف سريع مع التيار "العوني" استغرق ظاهرا بضعة أشهر، لكنه في الواقع كان تحالفا مبرما قبل الانتخابات في اطار المخطط الذي شرحناه، وفي رعاية سورية استثنائية، وقد شكل الاتفاق الرباعي – الخماسي الحلقة الاولى منه، او الخطة – أ، وما يجري منذ 1 كانون الاول الفائت ليس سوى الخطة – ب.

 

لقد كان العماد عون شريكا مضاربا في الاتفاق الرباعي واكثر المنتفعين من خيراته ومن "فضائل" قانون الـ2000، لكنه اصبح اليوم شريكا "مضروبا" (بالمعنى السياسي) في الحلقة الثانية (الاخيرة) من خطة الاتفاق نفسه، وأكثر المتضررين من ويلاته او سيئاته.

 

ان ظروف محاولة الانقلاب على الوضع السياسي القائم بدأت تتكون فور اصطدام الاتفاق الرباعي بنتائج الانتخابات:

اشتركوا في الحكومة بثلث ظنوا انه معطل او انقلابي ففاجأهم الوعي الوطني لثلاثة وزراء.

ذهبوا الى تحالف ثنائي مفخخ فانكشفت حقيقته سريعا.

أحبطوا طاولة الحوار بقدسية استراتيجيا الدفاع وصنمية الرئاسة الاولى.

جرّوا لبنان الى الحرب وسيسوا تضامن اللبنانيين.

بتروا الحكومة مرتين قطعا للطريق أمام المحكمة الدولية.

وضعوا مهلة قاتلة لطاولة التشاور.

زجوا بانفسهم وبلبنان في أهداف ومطالب تعجيزية.

أقفلوا مجلس النواب، ثم انخرطوا في لعبتهم الاخيرة في شوارع التحدي وأزقة الفتنة، والآن يصرخون: أين الحل؟

 

الجواب بسيط اذا عقلنا وتوكلنا: فليعترف أهل الخطة بسقوطها، مرة اولى في الشمال في 19 حزيران 2005 لأن مسيحييه لم تستنهضهم "رباعية" بعبدا كما حصل في جبل لبنان الشمالي، ولأن مسلميه استشعروا ضراوة الخطر السوري المتحفز للعودة، ومرة ثانية في صمود الحكومة والاكثرية ونجاحهما الاستثنائي في الداخل والخارج (باريس 3) ومرة ثالثة في تذويب أخطار الاعتصام وفي تعطيل صواعق الانقلاب (23 و25 كانون الثاني) وخصوصا في المناطق المسيحية. وليتحلوا بشجاعة سياسية لفك حركتهم عن رابطها الخارجي، وليخفضوا قليلا اجنحتهم المهيضة وعناوينهم العالية، وليفيئوا الى كلمة سواء... والى حوار ثان بانٍ.

 

(•) كاتب سياسي.

------------------------------------------------------------------------------------------------

ملاحظة: نشرت جريدة النهار هذا التحليل السياسي في 13 شباط 2005 وقد حصلت المنسقية العامة للمؤسسات اللبنانية الكندية على إذن خاص من كاتب المقال لنشره وتوزيعه والسماح لمن يرغب بنشره وتوزيعه أيضاً.