ألا يستحق اللبنانيون في الخارج ان يعاملوا اسوة بالسوريين المنتشرين؟

الإحتساب المُثَقَّـل للأصوات يحقق المناصفة الحقيقية بين المسيحيـين والمسلمين

توفيق هندي - :  النهار 4/3/2006

في خضم النقاش الحاد قبيل إجراء انتخابات 2005 حول قانون الانتخابات صرح غبطة البطريرك صفير ما معناه أن الدستور يعطي المسيحيين 64 نائباً وأن هذا هو حقهم. وأعتبر البعض أن غبطته يريد أن ينتخب المسيحيون نوابهم. فصحح هذا الانطباع. وكان غبطته يشير إلى أن اتفاق الطائف الذي منحه غطاءه المسيحي والدستور الناتج عنه مبنيان على معادلة واضحة: التساوي الفعلي وليس الشكلي بين المسيحيين والمسلمين في شراكتهم في السلطة.  انطلاقاً من هذه النظرة الموضوعية لحقيقة اتفاق الطائف ومضمونه لجهة معالجته للشأن الداخلي اللبناني والتي أتبناها بشكل كامل لمعرفتي الشخصية والعميقة بمسيرة الطائف التي واكبتها عن قرب في حينها، بادرت إلى وضع تصور يترجم هذه المعادلة في قانون الانتخابات.

لقد حان الوقت، ولبنان يعيش مرحلة تأسيسية ناتجة عن الظروف الدولية والعربية والداخلية  الإستثنائية، لكي يفتح النقاش الشفاف الصادق الصريح الجدي المجدي  والموضوعي بين اللبنانيين الذين باتوا أحراراً  حول طبيعة الكيان اللبناني المميز والعيش المشترك في إطار التسوية التاريخية التي حددتها وثيقة الوفاق الوطني التي باتت الأطراف اللبنانية كلها تعلن إلتزامها بها. لماذا؟ لأن  هذه الظروف الإستثنائية قد لا تتكرر وبالتالي لأن الفرصة المتاحة اليوم قد تضيع غداً!

إن تحديد من يجب أن يحكم لبنان وكيف، أي تحديد طبيعة السلطة في لبنان، هو الموضوع الأساس الذي يجسد ويثبت إتفاق اللبنانيين على ماهية الكيان اللبناني ويخرجه من دائرة الخطر على وجوده كنموذج حضاري مميز في المنطقة والعالم.  وبما أن السلطة الإشتراعية هي منبع السلطات الدستورية الأخرى وأساسها، وبما أن الشعب هو الذي يختار ممثليه في مجلس النواب، فإن الإنتخابات النيابية تشكل الآلية الأساسية لعملية تكوين السلطة ويشكل قانونها أساساً لصحة التمثيل، وفاعليته وتعبيره الصادق عن تعددية المجتمع اللبناني وتنوعه وبالتالي عن تمسك اللبنانيين بهويتهم وتميز كيانهم في العالم العربي وليس تميز كيانهم عنه.  

إن الاجتماع السياسي اللبناني قائم على التعدد وتنوع ضمن الوحدة وبالتالي الوحدة الوطنية ليست حالة ثابتة جامدة تتحقق أو لا، بل هي مسار ومسيرة لتفاعل المجموعتين الطائفيتين الأساسيتين المسيحية والمسلمة، كما لتفاعل المجموعات المذهبية التي تتكون منها هاتين المجموعتين في حركة مستمرة من الحوار الدائم الحر والعيش المشترك اللذين يؤديان إلى توسيع مستمر للجذر المشترك لمقومات الحياة الوطنية في الاجتماع والسياسة والاقتصاد.

إن قاعدتي العيش المشترك هما التوازن والتوافق. فإذا إختل التوازن أو تزعزع التوافق يتعثر العيش المشترك وتهتز الوحدة الوطنية وبالتالي يدخل لبنان في حالة عدم استقرار.

لذا فإن الترجمة السياسية للعيش المشترك هي بالتحديد في الشراكة السياسية المتساوية في السلطة بين مسلمين يمثلون ومسيحيين يمثلون ليس فقط في صياغة القرار ولكن وخاصة في اتخاذه وتنفيذه. إن هذه المعادلة تشكل المحتوى الأساسي للميثاق الوطني والدستور اللبناني وروح اتفاق الطائف والنظام السياسي اللبناني الذي يشكل في واقع حاله شكلا من أشكال النظم الديموقراطية التوافقية.

إن النقاش الدائر حول قانون الإنتخابات النيابية حتى يومنا هذا يتمحور حول مسألتين أساسيتين: الدائرة الإنتخابية (حجمها وترسيمها) والنظام الإنتخابي (أكثري أو نسبي). إن هذا النقاش يخفي في طياته خلفيات طائفية ومذهبية ومناطقية وسياسية غير معلنة وتشاطراً وتذاكياً وتكاذباً ولغة خشبية في طريقة إجرائه.

إنني في إقتراحي، إبتكرت مقاربة نوعية جديدة تتسم بصفة الشمولية وتتركز على طريقة إحتساب نتائج الإنتخابات بما يتخطى المسألة الديموغرافية حاضراً وعشوائية تطورها مستقبلاً وبما يتناغم مع خصوصية الإجتماع اللبناني ويتيح بشكل ثابت أن يكون للمسلمين كما للمسيحيين قدرة متساوية رياضياً ومتوازية (sym้trique) في التأثير على إنتخاب ال 128 نائباً في مجلس النواب، علماً أن هذا الإحتساب يصح مهما كان حجم الدائرة وكيفما كان ترسيمها كما يصح اعتماده في النظام الأكثري كما في النظام النسبي.

وهكذا يتم تجاوز النقاشات العقيمة القائمة حول مسألتي الدوائر والنظم الإنتخابية والتي قد تطول دون أن تسمح بالوصول إلى حل مرض. وبالتالي تسمح المقاربة المقترحة إلى مناقشة هاتين المسألتين من زاوية معايير انتخابية موضوعية علمية لا ترتبط بالمصالح الضيقة الطائفية والمذهبية والمناطقية والسياسية.

وفقاً لهذه المقاربة، ثمة شرط وحيد يتوجب تأمينه عند ترسيم الدوائر، وهو أن تكون كل دائرة مختلطة، أي أن تحتوي أقله على مقعد مسلم واحد ومقعد مسيحي واحد. في كل دائرة يقترع المسيحيون للمرشحين المسيحيين والمسلمين والعكس بالعكس.

 

غير أن احتساب النتائج في الدائرة نفسها يرتبط بمذهب المقعد وطائفته. فإذا كان المقعد شيعياً مثلاً، يمنح نظام الاحتساب المقترح قدرة مستقلة للمقترعين الشيعة في التأثير على انتخاب المرشح للمقعد الشيعي بنسبة 20%، وقدرة للمقترعين المسلمين بمن فيهم الشيعة بنسبة 50% وقدرة للمقترعين المسيحيين بنسبة 30%، وذلك مهما كان عدد الشيعة والمسلمين والمسيحيين في الدائرة. أما إذا كان المقعد مارونياً في الدائرة ذاتها، فيكون تأثير الموارنة على انتخاب المرشح للمقعد الماروني بنسبة 20% والمسيحيين بنسبة 50% والمسلمين بنسبة 30%. وهكذا، تكون النتيجة الإجمالية أن المقترعين المسيحيين يؤثرون بنسبة 70% على انتخاب الـ 64 نائباً مسيحياً وبنسبة 30% على انتخاب الـ 64 نائباً مسلماً في حين أن المقترعين المسلمين يؤثرون بنسبة 70% على انتخاب الـ 64 نائباً مسلماً وبنسبة 30% على انتخاب الـ 64 نائباً مسيحياً.

يرتكز هذا النظام على مفهوم النسبة المئوية المثقّلة. ويشكل مقاربة جديدة لقانون الإنتخابات أساسها طريقة احتساب نتائج الإنتخابات وهي بذلك مختلفة عن المقاربتين الكلاسيكيتين: الدوائر (حجماً وترسيماً) والنظم (أكثري أو نسبي)، بل هي تكملهما وتسهل الوصول إلى تفاهم حولهما.

مفهوم النسبة المئوية المثقّلة

• تتحدد النسبة المئوية المثقلة لمرشح معين بـ20% من النسبة المئوية من المقترعين في مذهبه + 50% من النسبة المئوية من المقترعين في طائفته +30% من النسبة المئوية من المقترعين في الطائفة الأخرى.

• يفترض إمكان تحديد عدد المقترعين كما عدد الأصوات التي نالها كل من المرشحين في المذاهب والطوائف التي تتألف منها الدائرة المعنية. هذا الإمكان متوافر لأن الغالبية العظمى للأقلام الإنتخابية هي أقلام مذهبية.

• يسمح بتجاوز مسألة عدم التوازن الديموغرافي ومسألة التوزع العشوائي للديموغرافيا على الجغرافيا كما مسألة عشوائية التطور الديموغرافي في المستقبل من خلال استبدال عدد الأصوات بنسب التصويت في المذاهب والطائفتين كما من خلال إعطاء أوزان تأثيرية: لمذهب المقعد (20% لطائفة المقعد (50%) وللطائفة الأخرى (30%).

• إن هذه الأوزان التأثيرية يمكن تغييرها كما يمكن إلغاء الوزن التأثيري لمذهب المقعد لحساب الوزن التأثيري للطائفة التي ينتمي إليها المذهب؛ فيصبح مثلاً الوزن التأثيري لطائفة المقعد 70% وللطائفة الأخرى 30%.

الاحتساب المثقّل والدوائر

• اعتماد مفهوم النسبة المئوية المثقّلة يفترض بالدائرة أن تكون مختلطة، أي أن تحتوي أقله على مقعد مسلم واحد ومقعد مسيحي واحد. تحقيق هذا الشرط سهل للغاية.

• لا تأثير لحجم الدائرة (كبيرة، أو متوسطة أو صغيرة) ولا لترسيمها على حجم مساهمة المذاهب والطوائف المعنية في التأثير على نتائج الإنتخابات لأن الأعداد لا تؤثر إنما النسب.

الاحتساب المثقّل والنظم الإنتخابية

1- يمكن استخدام الاحتساب المثقّل في النظام الأكثري، بمعنى أن المرشح الذي يحصل على أكبر عدد من الأصوات (أو أعلى نسبة مئوية من عدد المقترعين) لا يفوز بالضرورة بالمقعد الذي يكون من حظ المرشح الذي سجل أعلى نسبة مئوية مثقّلة.

2- يمكن استخدام الاحتساب المثقّل في النظام النسبي على النحو الآتي:

• إلى جانب الاقتراع للائحة، يختار المنتخِب اسمين من اللائحة التي يقترع لها، واحد مسلم وواحد مسيحي.

 

• لكل لائحة يتم احتساب النسبة المئوية المثقّلة الإجمالية للمسلمين والنسبة المئوية المثقّلة الإجمالية للمسيحيين على قاعدة احتساب النسبة الأولى بإعطاء ثقل 70% للاقتراع المسلم للائحة وثقل 30% للاقتراع المسيحي والنسبة الثانية بإعطاء ثقل 70% للاقتراع المسيحي للائحة وثقل 30% للاقتراع المسلم.

إن هذا الاحتساب يجري للوائح تماماً كما للأفراد، فتعتبر اللائحة كما لو أنها مرشح لمقعد مسلم، فيتم احتساب النسبة المئوية المثقلة الإجمالية للمسلمين وتعتبر اللائحة كما لو أنها مرشح مسيحي، فيتم احتساب النسبة المئوية المثقّلة الإجمالية للمسيحيين.

• تفوز اللائحة بعدد من المقاعد المسلمة في الدائرة (النسبة المئوية المثقّلة الإجمالية للمسلمين من عدد المقاعد المسلمة) كما تفوز بعدد من المقاعد المسيحية (النسبة المئوية المثقّلة الإجمالية للمسيحيين من عدد المقاعد المسيحية).

• أما انتقاء الفائزين في كل لائحة، فيتم على قاعدة من نال أعلى نسبة مئوية مثقلة إجمالية بدلاً من نال أكبر عدد أصوات، آخذين في الاعتبار التوزع المناطقي والمذهبي، ومعتمدين أيا من آليات الانتقاء في النظم النسبية المقترحة.

بهذه الطريقة يتأمن في آن واحد التمثيل العادل والحقيقي والفاعل للمذاهب والطوائف كما لتفاعلها في إطار عيش مشترك لا يتأثر بالعوامل الديموغرافية  غير السوية وعشوائية تطوراتها المستقبلية .

إضافة إلى هذه الحسنات، تسمح هذه الطريقة بتخطي المفارقات المناطقية، فلا يكون مرشحون "محظوظون" من حيث أن مناطقهم صافية مذهبياً أو طائفياً أو أن مذهبهم أو طائفتهم له أو لها غلبة عددية حاسمة  في دائرتهم مقابل مرشحين "غير محظوظين" من الطائفة نفسها أو المذهب نفسه يواجهون وضعاً أقلوياً في مناطقهم.  

يبقى أن نشير الى أن عدداً من الأطراف السياسية، متخطية ما اتفق عليه في الطائف، تعتبر أن الاختلال في الميزان الديموغرافي لا بد أن يترجم اختلالاً في التوازن السياسي في السلطة.

يبقى الاتفاق على ماهية الهدف النهائي: إلغاء الطائفية السياسية دون إلغاء الطائفية أو الانتقال إلى المجتمع المدني، أي إلغاء الطائفية بشكل كامل في الاجتماع والسياسة معاً.

ولا بد من الملاحظة هنا أن المادة 95 من الدستور المعدلة من خلال اتفاق الطائف ملتبسة من حيث إلغاء الطائفية السياسية أو إلغاء الطائفية.

لذا، لا يصح في نظرنا اتخاذ أي خطوة في عملية إلغاء الطائفية، ولا سيما في ما يخص المس بمبدأ التساوي الفعلي في السلطة بين المسيحيين والمسلمين وبشكل خاص لجهة قانون الانتخابات، إلا بعد اقتراحها على مجلس النواب والوزراء من قبل الهيئة الوطنية  المشار إليها بالمادة 95.

لذا، يتوجب أولاً تشكيل الهيئة الوطنية. ولكن لا يصح تشكيلها قبل إعادة تكوين السلطة على أساس القواعد المنصوص عنها في اتفاق الطائف، أي إجراء انتخابات نيابية وفقاً للقانون العتيد الذي يفترض به أن يراعي نص اتفاق الطائف وروحيته، وتشكيل حكومة وفاق وطني كما ينص عليها الاتفاق والدستور، كما انتخاب رئيس جديد للجمهورية يتحلى بمواصفات المرحلة الاستقلالية الجديدة، لأن سلامة تكوين السلطة هي الشرط الرئيسي لسلامة تشكيل الهيئة.

وإلى أن تتناول الهيئة موضوع قانون الانتخابات في مداولاتها من ضمن خطة شاملة ذات هدفية واضحة، فتقترحه على مجلس النواب والوزراء ويقره المجلسان بعد مناقشته، يجب على أي قانون انتخابات أن يحقق مبدأ المناصفة الفعلية وليس الشكلية في السلطة بين المسيحيين والمسلمين. إن نظام الاحتساب الانتخابي المثقّل يحقق بامتياز هذا الهدف وكل الاقتراحات الأخرى لا تحققه أبداً بل أنها تشكل حلولاً قاصرة تعكس بدرجة أو بأخرى الاختلال المؤذي للكيان اللبناني في التوازن الديموغرافي.