غليان اسلامي سوري في مواجهة غزو ايراني يحميه الاسد
الشراع - 2006 / 10 / 20
تتكاثر في سماء سوريا، ولا سيما دمشق الشام غيوم القلق والتوتر الشعبي، على خلفية تراكمات شديدة التعقيد والخطورة، وهي تحمل ملامح صراع سياسي بلباس مذهبي، نتيجة سياسة معتمدة يقوم النظام السوري بتنفيذها، وهي تهدف إلى إحداث خلل في التوازنات المذهبية والسياسية القائمة، رغم الخلل القائم أصلاً، بسبب ميراث القمع الذي تركته السنوات الثلاثون الغابرة من حكم عائلة الأسد باسم البعث وباسم الطائفة العلوية وباسم القومية والعروبة..
فشل التغلغل الإيراني خلال حكم حافظ الأسد
خلال حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، ورغم احتفاظه بتحالف استراتيجي مع إيران، إلا انه لم يسمح لأساليب نشر الثورة الإيرانية بالتسلل إلى سوريا، وكان بانتظام وإصرار يلجم التواجد الإيراني، بل انه عمد في مراحل مختلفة إلى إغلاق المعاهد والمؤسسات وحتى المستوصفات، الممولة إيرانياً، وكان حجم الأسد الأب وسطوته وقدرته على إدارة العلاقة مع إيران.. يحول دون فتح أي باب لمناقشة إجراءاته في مواجهة تغلغل المؤسسات الإيرانية في سوريا.
وكان الإيرانيون قد حاولوا الدخول إلى المناطق التي تتواجد فيها الطائفة العلوية، مستغلين ما يعتبرونه تقارباً مذهبياً مع أبنائها، إلا ان الرئيس الأسد الأب، اتخذ سلسلة إجراءات داخل الطائفة العلوية وخارجها لضمان عدم التسلل الإيراني إلى الداخل السوري. ومن الإجراءات التي قام بها الرئيس الراحل أيضاً انه كلف مفتي سوريا السابق المرحوم الشيخ أحمد كفتارو بإنشاء معاهد لتدريس وتحفيظ القرآن الكريم، في كل أرجاء سوريا بما فيها المناطق ذات الكثافة السكانية العلوية، وقد عرفت هذه المعاهد باسم ((معاهد الأسد لتحفيظ القرآن الكريم)) بالإضافة إلى منع البعثات التعليمية الدينية إلى إيران.
متغيرات واختراقات
مع وفاة حافظ الأسد وتولي نجله بشار رئاسة الجمهورية، بدأت هذه التوازنات تتزعزع والتحفظات تتراجع.
فالتغلغل الإيراني في سوريا، واشتداد حملات التشييع في صفوف الشعب السوري، وتجنيس الإيرانيين والعراقيين (الشيعة) ذوي التوجهات الإيرانية، بمنحهم الجنسية السورية من قبل النظام.. وقد تجاوزت أعدادهم المليون حتى الآن، ويقيم معظمهم في منطقة (السيدة زينب) وما حولها من دمشق..!
كما برزت عمليات التزوير الفاضحة للتركيبة الديموغرافية للشعب السوري، ولعل أشدها وضوحاً، تلك الدراسات الوهمية التي نشرتها المخابرات الطائفية السورية، عن ان المجتمع السوري هو مجتمع أقليات، وان أهل السنة العرب لا تتجاوز نسبتهم 45% من مجموع الشعب السوري، وان هؤلاء منقسمون على أنفسهم! في محاولات لتزوير التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا السورية..
كما عمد النظام السوري إلى إحضار ميليشيا خاصة مهمتها الدفاع عن هذا النظام، تضم حوالى ثلاثة آلاف من القوات الإيرانية، بالإضافة إلى بعض التشكيلات من الحرس الثوري الإيراني، المختصين بحرب المدن، وهي تعمل إلى جانب قوات الحرس الجمهوري بقيادة ماهر الأسد.
كذلك تعمل الجهات والمؤسسات الإيرانية على تخريج مجموعات متطرفة من السوريين، عبر استيراد أصحاب هذا الفكر من إيران والعراق ولبنان، لفتح ((الحسينيات)) في جميع أنحاء سوريا لنشر هذه الأفكار.. وقد لوحظ أن النظام يقدم تسهيلات هائلة لمجموعات تعمل على إقامة حزام حول مدينة دمشق، فيما يبدو بوضوح ان هناك موجة متواصلة لشراء المنازل والأراضي في دمشق وأطرافها..
أما الحوزات الإيرانية فعاودت نشاطها بقوة غير مسبوقة، ناشرة فروعها في مختلف المناطق، وهي تقوم بأعمال التدريس من غير حسيب ولا رقيب، لا على المناهج ولا على الأداء.. وقد دخلت في سباق محموم مع المعاهد الشرعية الإسلامية (السنية) لاستقطاب الطلاب الوافدين إلى سوريا، والذين طالما اعتادوا ارتياد هذه المعاهد منذ عقود طويلة.. حيث يقوم الإيرانيون بتقديم مغريات متواصلة لهؤلاء الطلاب، بدءاً من الدراسة المجانية مروراً بالرواتب الشهرية وليس انتهاء بالزواج والدعم في مرحلة ما بعد الدراسة حيث تعمل إدارات الحوزات على تحويل هؤلاء عبر البعثات الدبلوماسية والدينية الإيرانية في دولهم، إلى أدوات تحريك فاعلة في بلدان، مثل ماليزيا وأندونيسيا والهند وباكستان وأفغانستان والبوسنة وغيرها.
اختراق الحدود
منذ تولي بشار الأسد الرئاسة في سوريا، بدأت متغيرات إعلامية ذات دلالة بالظهور عبر شاشات التلفزيون السوري المحلية والفضائية.
فقد استحضر النظام مشايخ من اللون الإيراني لتظهيرهم على حساب الوجوه الإسلامية التي طالما شكلت الوجه ((التقليدي)) طيلة الفترات السابقة.
وقد تطوّر هذا الوضع ليلقي هؤلاء ((القادمون الجدد)) عبر وسائل الاعلام الرسمية دروساً ذات توجهات خلافية، كما حدث قبل حوالى الشهر، عندما أطلّ أحدهم فاتحاً الباب أمام أكثر القضايا إثارة للخلاف السني – الشيعي (مثل الموقف من صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم)، ليتبنى موقفاً محدداً ومنحازاً، أدى إلى ردات فعل إسلامية شديدة الخطورة في دمشق خصوصاً، وفي مناطق أخرى تشهد احتكاكات مماثلة مثل حلب وجوارها.
ومن مؤشرات التوسع الإيراني في سوريا، وجود إذاعة تبثّ على الموجة القصيرة جداً ((أف. أم)) تتولى بث المفاهيم العقائدية والسياسية، على غرار الإذاعات التابعة لـ((حزب الله)) في لبنان ولـ((المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق)).
ومما يفاقم هذا الاحتقان، إخضاع دوائر الأوقاف الإسلامية، وخصوصاً في دمشق وحلب لمنظومة فساد تكاد تأتي على هذه المؤسسات العريقة، دون أن يستطيع العلماء التصدي لهذا الواقع المتدهور المرتبط بالإدارة الرسمية المهيمنة.
تجدد الاعتقالات
تكررت في الأخبار منذ بضعة شهور عناوين اعتقالات في محافظة الرقة وتذكر الأسماء دون ذكر الأسباب حتى وضحت القضية اليوم.
فقد ذكر القادمون من داخل سوريا ان كل من يعارض موجة التشييع المذهبي – السياسي التي تقوم بها المؤسسات الإيرانية، والمتواصلة على قدم وساق اليوم في سوريا عامة، وفي محافظة الرقة خاصة.. وكل من ينتقد أو يعارض أو يعبّر عن عدم سروره ورضاه لتشيع بعض المواطنين السوريين الفقراء من القبائل العربية في الرقة، يكون مصيره الاعتقال من قبل وحدات الأمن السورية، ويتهم بأكبر تهمة توجه في سوريا اليوم وهي أنه ((وهابي)) أو تكفيري.
وفي موقع سوريا الحرة ليوم الأحد 10/9/2006 أعلن عمار قربي ان السلطات السورية اعتقلت في 23/8/2006 خمسة عشر مواطناً في الرقة على خلفية دينية محظورة، بعضهم من الطلاب والموظفين وذوي الأعمال الحرة.
الرقة: كلية إيرانية
وفي الرقة تركيز على دعوة القبائل العربية إلى التشيع ومعاداة أهل السنة، وإثارة أحقاد تاريخية زرعها أعداء الإسلام بين أبنائه.
وفي الرقة أنشأ الإيرانيون ما يشبه كلية الشريعة يدرس فيها الطلاب الأسس والمبادىء، ثم يرسل النابغون منهم إلى مدينة قُم ليتخرجوا منها دعاة للسياسة الإيرانية.
يشار هنا إلى انه منذ عقدين يعمل حزب ((جمعية المرتضى)) على نشر التشيع بين القبائل العربية البدوية مستغلاً انتشار الجهل عند الكثيرين، وعدم اهتمامهم بتعلم دينهم، مما جعلهم فريسة سهلة لهذا الاختراق.
بعد ((الإخوان)).. الوهابية
الاتهام بالانتماء إلى جماعة دينية محظورة أو تكفيرية أو وهابية، بات موضة جديدة تختلقها وحدات الأمن السورية وتلصقها بكل من يعبّر عن عدم ارتياحه في انتشار وفرض التغيير الديني والفكري والسياسي على المواطنين، تدل على الإصرار لدى الوحدات الأمنية على محاولة السيطرة والتدخل في عقول المواطنين، وحجر التفكير عليهم.
وتركز الوحدات الأمنية على المواطن السوري العائد من العمرة في الديار المقدسة، وتصادر ما يحمل من كتب دينية أحضرها معه من مكة والمدينة، وكثير من المواطنين يحضرها للذكرى أو التبرك بها حسب فهمه، ولا علاقة لهذه الكتب أو لمن يحملها بمقاومة تيار التشيع في سوريا.
وفي الواقع، فإن النشاط الإيراني في أي بقعة انتشر بات يولد ردات فعل مضادة، تتسم في الكثير من الأحيان بالتشدد، نظراً لما تفرضه هذه الممارسات من استعادة للكثير من الهواجس، ونظراً للواقع والصورة المخيفة التي خلفتها السياسة الإيرانية في العراق.
اما اعلان عدم السرور من التشيع، فهذا ليس وهابية ولا صوفية، ومن حق المواطن ان يتكلم ويعبر عن رأيه، ومن حق المجتمع المدني ان يتحرك لسد الثغرات التي تسبب المتاعب في المستقبل، ومن حق المواطن السوي ان يقول: لا داعي ولا حاجة لنشر المذهب الشيعي في سوريا بين اهل السنة.. انشروا هذا المذهب بين غير اهل السنة لعل ذلك يكون مفيداً.. اما ان تبنوا مذهباً شيعياً مواجهاً للمذهب السني ((مذهب الاكثرية المسلمة في سوريا) فهذا يتوقع ان يسبب المزيد من الصراع والعنف الطائفي كما يحدث في العراق اليوم.
اجتياح ايراني لسوريا
اكثر من خمسمائة حسينية تبنى في سوريا، وقيل في دمشق فقط، وصار تحول المسلمين السنة في محافظات الرقة وحلب على قدم وساق، ومنح النظام السوري الجنسية السورية لعشرات الالوف من الايرانيين، في حين يحجبها عن المواطنين الاكراد السوريين منذ اربعين عاماً.
ويتضامن النظام السوري مع ايران ضد عرب الاهواز (مع انهم شيعة) ولكن الايرانيين يضطهدونهم، وقد نشرت الصحف خلال الشهر الماضي ان النظام السوري سلم حكومة طهران عدداً من الاهوازيين المعارضين للنظام الايراني.
أزمة استهداف المعاهد الشرعية
كل هذه التطورات تأتي في ظل اطلاق حملة على التعليم الشرعي الاسلامي في سوريا بدأت منذ قرابة العامين ولا تزال مستمرة، عندما اقدمت وزارة التربية على اتخاذ جملة اجراءات ابرزها قضم احدى مراحل التعليم من المناهج المعتمدة في الثانويات والمعاهد الشرعية (المرحلة الاعدادية) مقابل اطلاق يد كامل للحوزات والمؤسسات الايرانية في سوريا، الامر الذي خلق حالة توتر واسعة النطاق، بلغت ذروة التعبير عنها في البيان الذي اصدرته ((رابطة علماء سوريا))، والذي رغم احتفاظه بالادبيات السياسية التي تحكم الواقع السوري، مثل التوجه للرئيس السوري من أجل التدخل لوقف قرار وزير التربية الغاء المرحلة الاعدادية من التدريس في المعاهد الشرعية، الا انه لم يخف خطورة وتداعيات هذا الاجراء غير المفهوم والذي ليس له ما يبرره الا البحث عن اسباب الفتنة وإخراجها للعلن وطرحها في الشارع كأزمة ساخنة..
رابطة علماء سوريا
وقبل الدخول في تفاصيل البيان، لا بد من التعريف بهذه الرابطة وأهدافها وأهميتها، تعتبر (رابطة علماء سوريا)) الامتداد الديني لرابطة علماء الشام التي تأسست سنة 1938 في مؤتمر جامع انعقد في دمشق وحضره ما يزيد عن المائة من علماء بلاد الشام (سوريا، فلسطين، لبنان والاردن) وكان لها دور في مواجهة المشروع الصهيوني، وفي ارساء الوحدة الوطنية وأسس المواطنية في سوريا ومجمل بلاد الشام.
وقد انعقد الاجتماع التأسيسي للرابطة بحضور وزير الاوقاف السوري الدكتور زياد الدين الايوبي ومفتي سوريا العام احمد بدر الدين حسون، وشهد حضوراً لافتاً من العلماء حيث تم الاتفاق على برنامج عمل الرابطة، وكان اللقاء التمهيدي الاول قد انعقد في قاعة القدس في مجمع الشيخ احمد كفتارو في 19/4/2006م.
اما أبرز اعضاء رابطة علماء سوريا هم: السيد محمد الفاتح الكتاني، الحافظ الشيخ محيي الدين الكردي، الشيخ محمد كريم راجح (شيخ قراء بلاد الشام)، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور وهبة الزحيلي، الشيخ عبد الرزاق الحلبي، الدكتور محمد محمد الخطيب (وزير الاوقاف الاسبق)، السيد غسان النحاس (عضو مجلس الشعب) والدكتور محمد عبد اللطيف فرفور وغيرهم من علماء سوريا البارزين.
وقد وضعت الرابطة جملة اهداف تسعى لتحقيقها، وهي تبدأ بالمجال الدعوي وصولاً إلى السعي لأخذ دورها على المستوى الوطني، في اشارة واضحة الى مخاطر الفراغ السياسي الحاصل وضرورة ملئه على مستوى الحالة الاسلامية في سوريا.
الاهداف والغايات
*نشر الدعوة الاسلامية وإبلاغها في كل مكان من خلال وسائل الاتصال المتنوعة المرئية والمسموعة والمقروءة.
*تعليم الناس احكام دينهم ودنياهم من خلال الفتوى المسؤولة المبنية على فقه الاسلام وفقه الواقع.
*التواصل مع الجهات العلمية الاسلامية القائمة من مفكرين ودعاة وعاملين للاسلام وفقهاء، لتوحيد الجهود في كل مجالات العمل الاسلامي.
*تقديم الاسلام بصورته الحقيقية المشرقة البعيدة عن الجمود والتطرف..
*تقوية اللحمة الاخوية بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم.
*تنمية العلاقات بين الجماعات الاسلامية على الساحة السورية في الداخل والخارج.
*تأسيس مدارس جديدة للدعاة والائمة والخطباء وتأمين الدعم المالي لها، وتدريب الخريجين الجدد على الخطابة والدعوة.
*تشكيل لجان لفض النـزاعات وإصلاح ذات البين، وتنشيط الزواج القويم في صفوف الشباب والفتيات وتذليل مصاعبه.
*التفاعل مع الاحداث الجارية على الساحة السورية والتأثير فيها ما امكن.
*التواصل مع كل قيادات الشعب السوري بكل اطيافه واتجاهاته والعمل معاً على خدمة هذا الشعب، وقد قامت لجنة مؤقتة تدعو الى هذه الاهداف، واختارت ان يكون الموقع الالكتروني اداة الاتصال بداخل سوريا وخارجها، ويعلن الانضمام للرابطة من خلاله، لتشكل بعدها الهيئة التأسيسية لرابطة علماء سورية على اوسع نطاق، وتختار الهيئة بملء ارادتها قيادتها التنفيذية خلال عام على الاقل، والمائة الاوائل الذين قامت على اكتافهم نواة هذه الرابطة جميعهم جنود لتحقيق هدف الرابطة الاشمل والاوسع من كل علماء الامة.
بداية القصة – الازمة
قبل عامين اقدم وزير الاوقاف السوري على إصدار قرار يقضي بإلغاء المرحلة الاعدادية (الابتدائية) من الدراسة في المعاهد الشرعية، مما احدث خللاً في الانتظام التعليمي العام للمعاهد الشرعية، الامر الذي اعتبره العلماء اشارة انطلاق فعلية للتضييق على المعاهد وبداية قضم العملية التربوية فيها، ويبدو ان العلماء حاولوا في البداية التصدي لهذا الاجراء عبر وسائل تصاعدية، لم تستطع ان تعطي أي نتيجة تذكر، ورغم محاولاتهم ايجاد مسافة بين وزير التربية وبين الرئيس الاسد لايجاد مخرج لهذه الازمة، الا ان العلماء يعرفون تمام المعرفة من يتخذ القرارات التي يشكون منها، وان مثل هذا التوجه في سوريا لا يمكن ان يأخذ طريقه للتنفيذ دون علم مواقع القرار الاولى في النظام السوري، ذي الطابع المركزي، والمتحكم بسائر التفاصيل في الحياة السورية.
بدأ العلماء بيانهم بتوجيه الخطاب الى الرئيس السوري وتذكيره بضرورة تحمل مسؤولياته في تأمين ((الضمانات اللازمة لتربية النشء في الامة العربية تربية اخلاقية سليمة تسمو به فوق كيد الكائدين وتعينه على النهوض برسالته في الحياة))، ولفت العلماء الى ان ((هنالك من يحاول ابراز التآمر على اخلاق هذه الناشئة ودينها، في مظهر التدبير لشأنها والاهتمام بمصالحها، وهي في الحقيقة مؤامرة تحاك خيوطها منذ قرابة عامين)). وتقدم العلماء الموقعون بجملة نقاط ابرزها:
رفض تجفيف روافد المعاهد الشرعية؟!
اولاً: ان من الممكن تنفيذ الهدف الرامي الى إحداث المرحلة الاساسية بحيث تصبح مكونة من حلقتين الابتدائي والاعدادي، وتدريس مقرراتها كاملة، دون الحاجة الى حذف المقررات الشرعية التي يكلف بها طلاب المعاهد والثانويات الشرعية من حلقة الاعدادي فيها، وتلك هي الحال في مدارس الشويفات، حيث تدرس فيها مقررات المرحلة الاساسية مضافاً اليها زيادات غير موجودة في مدارس الدولة، ولم يعترض احد على تلك الزيادات ولم تطالب إدارة تلك المدارس بحذفها.. ولكن الخطة المرسومة في وزارة التربية تهدف الى تجفيف روافد الثانويات والمعاهد الشرعية، ثم القضاء عليها، ولأن الطالب اذا تجاوز الحلقة الثانية من المرحلة الاساسية بعيداً عما لا بد منه من المقررات الشرعية الممهدة، فإنه لن يجد ما يدعوه تربوياً ولا ثقافياً الى التحول الى الدراسة الشرعية، ولسوف يختار ما هو امامه من الفرع العلمي او الادبي وبذلك يتم القضاء على المعاهد والثانويات الشرعية من حيث هي..
ثانياً: ان تسكين الهياج القائم اليوم في صدور الآباء والامهات لهذا البلاء الذي فوجئوا به عن طريق الوعد بإحداث معاهد شرعية متوسطة، العوبة لا تنطلي على احد ولا يمكن لها ان تخدر المشاعر او ان تبرد لظى هذا الهياج، ان المقصد الذي لا بديل عنه ولا تعوض عنه كنوز الدنيا، ان تتوافر لأولاد هذه الاسر في مرحلة المراهقة ضمانات التربية الدينية والسلوك الاخلاقي الامثل، وانما ميقات ذلك الحلقة الاولى في منهاج المعاهد والثانويات الشرعية يليها ما يستكملها من الدراسات الشرعية اللازمة في الحلقة الثانية، واذا زج بالتلامذة في مرحلة المراهقة داخل تيار الضياع الاخلاقي وبين امواج النـزوات النفسية، فهيهات للمعاهد المتوسطة ان تصلح فساداً او ان تقوم أي اعوجاج لا سيما ان اخذنا بعين الاعتبار ما يلي:
الموقف من تغلغل النفوذ الايراني
اضاف بيان ((رابطة علماء سوريا)) محذراً من مخاطر التغلغل السياسي الايراني:
*ان الحوزات الشيعية ماضية في تجاهل هذا التعميم (الصادر عن وزارة التربية) مصرة على عدم الاستجابة لها ومدارس الشويفات تضيف الى منهاج المرحلة الاساسية ما تشاءه من الزيادات في الساعات والمقررات والمدارس التبشيرية الاجنبية ماضية في مناهجها الخاصة بها وأساليبها التربوية دون أي معارضة ولا إشكال.
وختم البيان بتساؤل تحذيري: ترى ما هي الحكمة من ان ينـزل هذا البلاء برأس المعاهد والثانويات الشرعية وحدها؟ وان تمضي هذه الخطة في التطبيق على التربية الدينية عموماً ومناهج التعليم الشرعي خصوصاً حتى الاختناق؟ وماذا لو فضحنا الخفايا واستشهدنا بما يعرفه بعض موظفي وزارة التربية من رسم خطة تآمرية مقصودة للإطاحة بدين هذه الامة وثقافتها الاسلامية وتراثها الشرعي؟
ابرز الموقعين على البيان
السيد محمد الفاتح الكتاني، الحافظ الشيخ محيي الدين الكردي، الشيخ محمد كريم راجح (شيخ قراء بلاد الشام)، الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور وهبة الزحيلي، الشيخ عبدالرزاق الحلبي، الدكتور محمد محمد الخطيب (وزير الاوقاف الاسبق)، السيد غسان النحاس (عضو مجلس الشعب)، الدكتور محمد عجاج الخطيب، الدكتور مازن المبارك، الشيخ صادق حبنكة، الشيخ محمد ديب الكلاس (الشهير بالشيخ اديب)، الشيخ اسامة عبدالكريم الرفاعي، الشيخ سارية عبدالكريم الرفاعي، الشيخ محمد علي الشقيري، الشيخ صلاح الدين احمد كفتارو، الشيخ محمد زياد الحسني الجزائري، الدكتور محمد راتب النابلسي، الحافظ الشيخ محمد سكر، الحافظ الشيخ شكري اللحفي، الحافظ الشيخ بكري الطرابيشي، الحافظ الشيخ محمد نعيم عرقسوسي، الشيخ اسامة الخاني، الدكتور توفيق محمد سعيد رمضان البوطي، الدكتور عبدالعزيز الخطيب الحسني الجزائري، الداعية الاستاذ احمد معاذ الخطيب الحسني الجزائري، الاستاذ عبدالهادي الطباع، الشيخ حسن وحود، الدكتور محمد عبداللطيف فرفور، الشيخ هاشم العقاد، الاستاذ سعيد الحافظ، الدكتور محمد سامر النص، الاستاذ ضياء الدين خطاب، الشيخ محمد هشام سعيد البرهاني، الشيخ نـزار الخطيب، الشيخ الدكتور مصطفى الخن، الدكتور عماد الدين الرشيد، الاستاذ بديع السيد اللحام، الدكتور بشير العمر.
الابعاد السياسية لبيان رابطة علماء سوريا
توجه العلماء لبشار الاسد في بيانهم رسالة مباشرة للرئيس السوري بأن الجميع يدرك ان مقبض القرار في يديه اولاً واخيراً، وان المسؤولية تقع عليه في السماح بالتمادي في الانتهاكات التي اشار اليها علماء الشام، وايضاً في التراخي عن معالجتها، وهي التي باتت مصدر توتر متصاعد منذ قرابة العامين حتى اليوم.
وحدة كلمة العلماء التي برزت من خلال تنوع الموقعين على البيان، اذ نرى في اسماء الموقعين الاربعين كل الاتجاهات الاسلامية من علماء وفقهاء وقراء واساتذة شريعة ومفكرين اسلاميين.
تصاعد الوعي ازاء الخطوات التي يقوم بها النظام لتغيير صورة سوريا ووجهها الاسلامي تحت ستار التطوير والتوحيد.
توقفت اوساط اسلامية متابعة عند ((اسلوب الصدع بالحق في سلوك الطريق الامثل في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك بمطالبة الحاكم الذي يمثل السلطة التنفيذية في البلد ان يوقف هذا المنكر)).
- اسس البيان لتوازنات جديدة على الساحة الداخلية في سوريا، رغم ان الموقعين لم يهدفوا الى الانخراط في أي صراع سياسي، لكن اداء النظام بات يحول كل الملفات والقضايا الى ملفات مصيرية، ويضاعف خصومه يوماً بعد آخر.. وكان لافتاً في هذا المجال ان الموقعين على البيان هم كبار علماء الشام، ومنهم من لا يمكن تصنيفه في أي اطار من اطر المعارضة، ومن المؤكد ان وصول الوضع الى خطوط الخطر دفع بهؤلاء العلماء الى رفع الصوت والتحذير من مخاطر هذه التوجهات..
- من خلال هذه الممارسات لا يستهدف النظام فقد ضرب التعليم الاسلامي بل يهدف الى احداث شرخ بين الاتجاهات التي يفسح لها المجال للعمل دون ضوابط (الحوزات خصوصاً) وبين المرجعيات الدينية الاسلامية في سوريا، في اطار استراتيجية تغذية التناقضات داخل المجتمع السوري، للابقاء على سيطرته.
الاسد رفض التجاوب
ورغم كل هذه التوترات التي اثارها قرار وزير التربية في حكومة الرئيس بشار الاسد، الا ان هذا الواقع الخطر لم يحرك مواقع المسؤولية في النظام لمعالجة المخاطر الناجمة عن استمراره، وقد بلغت تحركات ((رابطة علماء سوريا)) ذروتها في اجتماع عقدته مع الرئيس الاسد وعرضهم المسألة عليه، لكن رده كان سلبياً ولم يتحرك لوقف قرارات وزيره، بل ترك الامر ليزداد تأزماً وتعقيداً في اوساط العلماء وطلاب العلم الشرعي وأهاليهم.
وحتى ندرك خطورة الموقف لا بد من الاشارة الى ان شرائح واسعة من ابناء الشعب السوري تستفيد من نظام المعاهد الشرعية الذي يقوم بتدريس المواد العلمية والدينية بشكل متكامل، بحيث يتخرج الطلاب حاملين شهادتين دينية وعلمية في الوقت نفسه، وهذا الاقبال ناجم عن الطبيعة المتدينة للشعب السوري، التي لا ترتبط بالضرورة بأي توجه سياسي، خاصة وان النظام يمنع منذ عقود أي نشاط سياسي اسلامي في الداخل.
هذا المنحى من الاحداث وضعه الكثيرون من المعنيين بالشأن الاسلامي في اطار تصعيد بارد واستدراج للفتن واستقطاب لعوامل التوتر واطاحة بكل عوامل التهدئة الداخلية، في خطوات تشكل انقلاباً حقيقياً على الواقع العام في سوريا، الذي كان الرئيس الأسد الأب يدرك مخاطر الانقلاب التام عليه، ولذلك فان المتحكمين بمسار القرار والمنحازين لصالح توسيع نفوذ الحوزات الايرانية، يريدون الانتقام من المعاهد الشرعية، مستندين الى توجهات هذا النظام الذي يبدو انه دخل مرحلة اللعب على كل الاوتار الحامية داخل سوريا وخارجها.
((ثورة)) العلماء ترجع التعليم الشرعي في سوريا
الا ان ارتفاع سخونة الوضع في الداخل السوري، وارتفاع وتيرة الاعتقالات، وتفاقم حدة الصراع بين المواقع الاسلامية السورية وبين المؤسسات الايرانية، واتساع دائرة الاعتراض على استهداف التعليم الشرعي، دفع بالنظام السوري الى التراجع عن قرار الغاء المرحلة الاعدادية من المعاهد الاسلامية، حيث اصدرت السلطات السورية تعليماتها باعادة السماح بالتسجيل في المدارس والمعاهد الشرعية، في خطوة تلبي الاحتجاجات والمطالب المنادية بالحفاظ على التعليم الشرعي في سوريا والاستمرار فيه حسبما افادت حركة العدالة والبناء، السورية المعارضة في بيان بثته على موقعها في الشبكة العنكبوتية، مضيفة ان هذا القرار بالسماح باعادة التسجيل في المعاهد الشرعية يأتي بعد ان كانت وزارة الاوقاف قد اصدرت تعميماً في بداية العطلة الصيفية المنصرمة يقضي بايقاف التسجيل في المعاهد والمدارس الشرعية في سوريا، وحظي هذا التعميم بردود فعل وتفاعلات كبيرة كان ابرزها توقيع اكثر من 200 عالم سوري على عريضة احتجاج على القرار.
وما يمكن قوله في خلاصة لهذا الملف ان تراجع السلطة السورية يأتي في اطار عجز هذا النظام عن خوض مواجهة بهذه الشمولية مع العلماء ومع الشرائح الاساسية من الشعب السوري، والتجاء هذا النظام الى اعتماد سياسة الاعتقال المحدود والاستهداف الانتقائي لشخصيات ومجموعات محدودة للتهرب وتجنب ردات الفعل التي قد تنجم عن مواجهة مفتوحة، بوجود وسائل الاتصال وامكانية تسريب المعلومات والوقائع عبر مختلف وسائل الاعلام.. والتفاعل الاسلامي والحقوقي مع أي حملة لانتهاكات حقوق الانسان.
هوامش:
*رئيس المركز اللبناني للاعلام، كاتب مخصص في الشؤون الاسلامية