جميل السيد الإشاعة التي كانت تخيف اللبنانيين

بقلم رئيس التحرير/حسن صبرا

مجلة الشراع الصادرة في 9/5/2005

 

*السيد بدأ رحلته مع العميد إبراهيم شاهين في جيش الطلائع العربي ثم أتقنها ضده تحت قيادة العميد سيمون قسيس

*أول ضابط لبناني يتعرض لمحاولة اغتيال من حزب الله كان السيد قبل أن يصبح بعد سنوات الأكثر تنسيقاً معه

*جميل السيد كان شباك دمشق لاصطياد الحريري.. الصيد الثمين

*ضاق الهراوي وعائلته ذرعاً من أوامر السيد الأمنية ولما شكاه للأسد ((أقنعه)) بكفاءته

*منـزل السيد في الرملة البيضاء اشتراه الحريري له بطلب من الهراوي.. وشقيقاه تعلما بمنحتين دراسيتين من مؤسسة الحريري

*لم يكتف السيد بتلقين صحافيين تحليلاتهم بل كتب بأسلوبه البارع من دون توقيع ضد من يريد النيل منهم

*إشارة من جنبلاط وواسطة من نصرالله مع الأسد طوتا صفحة خلافه مع كنعان وغضبه منه

*جميل السيد كلف مهمة تحجيم الحريري من لحود وسوريا وتوجها بمعركة إقصائه عن رئاسة الحكومة عام 1998

*استند كنعان إلى كلام لم يقصده دلول لاستخدامه في خطة إزاحة الحريري

*جميل السيد مفتاح لكل يد تتملكه نقطتا ضعفه تألهه أو نرجسيته وشهوته أو شبقه للسلطة

*اختلف السيد مع رستم غزالة فتحدث كل منهما عن سرقات الآخر وارتكاباته وعلاقاته المتعددة

*طموحه اللامحدود جعله يعمل لتغييرات تجعله رئيساً لمجلس النواب لزمن قبل ان يصبح رئيساً للجمهورية

*النيابة العامة التمييزية في عهدة عضوم كانت خاتماً في إصبع السيد

*لحود أراد أن يوازن بين مصطفى حمدان وجميل السيد عبر تقوية الحرس الجمهوري

*قوة الحرس الجمهوري اعتبرها ساترفيلد رسالة من مصطفى حمدان إلى الحريري فردت بهية الحريري ان على شقيقها توفير الإمكانيات ليحيى العرب لمنازلته

*عندما كان السيد يختلف مع الهراوي كان حافظ الأسد يحميه وحين يختلف مع لحود يحميه كنعان أما حين يختلف مع الحريري أو بري فكان يجد الحماية عند لحود وكنعان

*رتب ملف اعتقال جعجع بعد إثارة ملف الكنيسة

*عندما كان الهراوي أو الحريري يقرأ الصحف صباحاً كان يعرف ان السيد يقف وراءها

*الحريري كان يعتبر ان السيد مزروع سورياً من كنعان وأحياناً من لحود للحرتقة عليه وابتزازه

*الثنائي لحود – السيد أذاقا الحريري المر بدءاً من هجوم وحدة من الجيش على وزارة المالية واعتقال سكرتيرة السنيورة

*وضع الياس الهراوي أسير أمنه فذهب يستجير منه بالرئيس حافظ الأسد مفضلاً الخطر على هذا النوع من الأمن.

*فرض على ميشال المر وزير الدفاع بالوكالة فاخترع له هيئة تملأ وقته ضجراً ومللاً.

*تسلم الاستخبارات العسكرية في الجيش نائباً لمديرها فجعل منها مرتعاً لمواهبه في التخريب السياسي وهدم أسس النظام المدني اللبناني.

*اختلف مع اللواء غازي كنعان فلم يجد حرجاً من اللجوء إلى السيد حسن نصرالله والزعيم وليد جنبلاط ليشفعوا له عند الرئيس بشار الأسد.

*صنع من إميل لحود رئيساً للجمهورية ثم تجرأ على صنيعته إلى درجة جعلت لحود يقسم على ضريح والدته بأنه لن يعيده إلى مركزه مهما حدث، لكن ((القضاء والقدر)) أي اللواء غازي كنعان في ذلك الحين لم يستطع التخلي عن عقله التخريبـي، ولا عن عينه التي ترصد ظلماً وعدواناً حياة الناس.

*بلغت به النرجسية حد اعتبار نفسه المرشح المستقبلي لرئاسة مجلس النواب فاستخف برئيسه الحالي (منذ 1992 -) نبيه بري وأهانه علناً وسراً، حتى ذهب الرئيس بري إلى الرئيس حافظ الأسد مستجيراً للخلاص منه.. فلم يحصد إلا الريح.

*حاول ان يجعل من حياة الرئيس رفيق الحريري جحيماً وان يحيل مشاريعه للبنان المستقبل رماداً، فأقحم نفسه في كل صغيرة وكبيرة في مساره العام وحياته الخاصة، فذهب الحريري أيضاً ومراراً وتكراراً مستجيراً بالرئيس حافظ الأسد وكبار معاونيه للتخلص من هذا الشبح، لكنه كان كمن يستجير من الرمضاء بالنار.

*فجأة جاء نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة وفي جيبه قرار دولي أكرهت دمشق على الموافقة عليه، فقام وزير داخليته العميد المتقاعد في الأمن العام حسن السبع وأمسك به مخطئاً فحاسبه وهو لم يتعود الحساب من أحد.

*انه اللواء جميل السيد الإشاعة التي أخافت لبنان واللبنانيين في الخمس عشرة سنة الماضية.

 

كان الرائد جميل السيد أول ضابط لبناني يتعرض لمحاولة اغتيال من جانب مجموعة صغيرة شكلت اللبنة الأولى بقاعياً في حزب الله الصاعد حديثاً على يد سفير إيران في دمشق السيد علي محتشمي الذي أصبح فيما بعد وزيراً لداخلية إيران وأبرز عناصر التيار الإصلاحي المتهاوي.. (الضابط الثاني هو رئيس السيد في البقاع اللواء إبراهيم شاهين الذي قاد جيش الطلائع العربي في البقاع والعميد فهيم الحاج بالتحالف مع سوريا عام 1976)..

 

وكان السيد بالنسبة إلى شاهين هو رستم غزالة بالنسبة للجيش السوري في لبنان، ويقال ان الذي اختاره لهذا الموقع هو تحليلاته وأسئلته التي لفتت أنظار قادة جيش الطلائع عند بدء تكوينه حيث كانت الحاجة ماسة إلى جهاز استخبارات أسندت مهمته إلى الملازم أول جميل السيد. ومن هذا الموقع بدأت رحلة جميل السيد التي أتقنها داخل جيش الطلائع تحت قيادة شاهين ثم أتقنها تحت قيادة قائد جهاز الاستخبارات العسكرية في عهد أمين الجميل العميد سيمون قسيس فبدأ بكتابة تقارير ضد شاهين نفسه ثم كلفه قسيس بفتح خطوط مع جهاز الاستخبارات السوري في لبنان حتى نجح وبات قسيس بعد فترة خاصة في نهاية عهد الجميل أحد أصدقاء غازي كنعان المقربين وبات السيد من أكفأ الضباط الأمنيين الذين تبحث عنهم سوريا في لبنان؟!

 

عرف عن الضابط جميل السيد أمران أساسيان: هما انضباطيته وجديته الكاملة فضلاً عن طموحه اللامحدود ومن خلال هاتين الميزتين وبهما وبسببهما امتلك السيد قدرة تحليل منطقية وقدرة أقوى على الاسترسال والاستطراد في الكلام إلى ان يجد من هو أعلى منه يطلب منه التوقف بعد استفاضة في شرح أفكاره.

من هذا المنطلق وبسبب تميزه في جيش الطلائع العربي في الجيش اللبناني بقيادة اللواء إبراهيم شاهين حرص على انضباطية الجيش الذي عرفت ردائفه أو أشباهه الأخرى في مناطق مختلفة في بيروت والجنوب والشمال بقيادة الملازم أول أحمد الخطيب تسيباً وانفلاشاً واختراقاً من جانب قوى سياسية وحزبية واستخباراتية فلسطينية في الدرجة الأولى ولبنانية بعد ذلك أو من خلال ذلك أدت إلى انهياره دون وفاة إلى ان اجتاحت إسرائيل لبنان وبيروت عام 1982 فأعلن عن موته قبل ان تعود سوريا بعد ذلك لتعتقل قائده أحمد الخطيب ورئيس أركانه يوسف منصور طويلاً في المزة.

 

حرص الجيش الثائر الذي عاد كتلة واحدة إلى الجيش الرسمي في عهد أمين الجميل ومنه اللواء شاهين وضابط اللواء جميل السيد على الانضباط في البقاع جعله يتصرف كجيش تقليدي له مناقبيته ولم يكن يرضى وجوداً منفلشاً ميليشياوياً أو حزبياً حوله أو إلى جانبه فكانت حواجزه محاولة للسيطرة على الأرض وهذا ما كان يزعج حزب الله الصاعد حديثاً بأغلبيته البقاعية الذي كان بدأ عملاً سرياً في المقاومة بعد الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1982، وكانت عقبته حواجز ((جيش الطلائع)) السابق الذي كان فعالاً في التنسيق مع الجيش السوري ومخابراته في البقاع بعد نكسة خروجه الأول تحت وطأة الحصار الصهيوني لبيروت إلى البقاع، فحصلت صدامات متعددة أثارت غضب أطر الحزب فقررت إزاحة شاهين والسيد من الدرب ورتبت عملية لاغتيالهما في البقاع فنجوا منها بأعجوبة حيث رمى السيد نفسه وسط حقل على الطريق، في قريته النبي أيلا، فكان استيعابه للدرس سريعاً، وساعده أول الأمر نسبه مع أحد العناصر البارزة في الحزب يومها إبراهيم أمين السيد، الذي استعار لقب السيد لاسمه إبراهيم الأمين حيث عائلة الأمين من العائلات الدينية المعروفة جداً على مستوى لبنان وسوريا والعراق وبات اسمه متداولاً بهذه الصفة السيد إبراهيم الأمين الناطق الرسمي باسم حزب الله، إلى ان استقامت الأمور وعاد إبراهيم أمين السيد نائباً ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة (حزب الله) في مجلس النواب السابق.

 

ومن مفارقات القدر ان يصبح اللواء جميل السيد بعد ذلك ليس فقط رأس حربة الأجهزة اللبنانية المفوضة سورياً للإمساك بلبنان وتحت رعايتها وجهازها الاستخباراتي بل وكلف بمهمات تتناسب مع طموح وجدية وانضباطية وقدرة التحليل التي يتمتع بها اللواء السيد مديراً عاماً للأمن العام وحاكماً فعلياً للبنان في شقه المحلي بالتنسيق الأكمل مع حزب الله نفسه.

 

عديدة هي المهمات الاستراتيجية التي كلف بها اللواء السيد ووجدت هوى في نفسه وكفاءته، وإذا كانت إدارته للأمن العام أعطت انطباعاً عن شخصه وإمكانية نجاح الرأس في الإدارة عندما تكون نواياه صافية نحوها فإن الأهم هو المسائل السياسية والأمنية والاستراتيجية التي تصدى لها السيد حتى أعطته صفة الأخطبوط أو المخطط أو الصانع لعهد إميل لحود كواحدة من نجاحاته.

 

كان تدمير النظام السياسي المتهالك في لبنان هو أول المهمات التي أوكلتها دمشق إلى جميل السيد بعد التزام سوريا حكم لبنان بناء على توكيل عربي ودولي طبيعي أو بصفة الأمر الواقع أو التخلي العربي والدولي عن لبنان لمصلحة سوريا لإدارة هذا البلد في مرحلة إعادة تكوين العالم كله مع بدايات انهيار الاتحاد السوفياتي ثم المنظومة الاشتراكية وبدء قيام الامبراطورية الأميركية الشاملة للكون كله.

 

وليست من الصدف أبداً ان تكون مهمة السيد هذه جاهزة للتنفيذ مع مجيء رفيق الحريري رئيساً لحكومة لبنان التي سيرأس ثلاثاً منها (1992 – 1995 – 1997) في عهد الياس الهراوي.. فقد كان الحريري هو الصيد الثمين الذي جهزت شباك السيد المتعددة لاصطياده.

 

فتلك روزنامة اعتمدها الرئيس حافظ الأسد بعبقريته لحكم لبنان خطوة خطوة، وعبر كل مرحلة كان يختار لها الرجال في عهد الهراوي الذي بدأ بعد 48 ساعة من اغتيال الرئيس الشهيد رينيه معوض في 22/11/1989 والذي انتخب بعد اتفاق الطائف كأول رئيس للمعادلة العربية – الدولية التي تلقفتها سوريا أول الأمر على مضض لأن معوض كان تعبيراً أميركياً عن مشاركة جدية مع سوريا وأيضاً بتفويض عربي – دولي وهو ما لم تستسغه دمشق فكان لا بد من ذهابه ليبدأ حكم سوريا المطلق للبنان في عهد الياس الهراوي.

 

نعم

توقفت المعادلة العربية – الدولية ومفاعيلها بوقف كل صناديق الدعم العربية – الدولية البالغة أرقامها 6 مليار دولار، لتبدأ المعادلة السورية الوحيدة والكاملة في لبنان بانتخاب الياس الهراوي مستهلكاً عهده ثلاثة رؤساء للحكومة حقق كل منهم ما يريده حافظ الأسد وفق روزنامته المتقاطعة مع المصلحة اللبنانية الكاملة وهي:

1- شهد عهد الرئيس سليم الحص حل الميليشيات وبدء تكوين الجيش اللبناني وإعادة نشره في كل الربوع اللبنانية ما عدا الجنوب طبعاً وبعض الجبل حيث ميليشيا القوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع وحيث العماد ميشال عون المتحصن في بعبدا وجوارها.

 

وإذا كان عهد الرئيس سليم الحص شهد أيضاً حدثين هائلي الأهمية والخطورة دولياً وعربياً ومحلياً وهما اجتياح الجيش العراقي للكويت في 2/8/1990 وتشكيل تحالف دولي – عربي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لإخراج الجيش العراقي من الكويت فإن الحدث الأبرز محلياً هو إعطاء أميركا الضوء الأخضر لسوريا لاقتلاع عون من قصر بعبدا الذي تحصن فيه وبدأ منه حرب تحرير ضدها في 14/3/1989، وهو ما تم يوم 13/10/1990 بعد مشاركة سوريا عسكرياً في قوات التحالف الدولي تحت القيادة الأميركية وكثمن لهذه المشاركة.

 

2- وشهد عهد الرئيس عمر كرامي محاولة إعادة ((الاعتبار)) للمؤسسات اللبنانية بدءاً من استكمال عديد مجلس النواب الذي كان انتخب عام 1972، وخسر حتى 1991 أكثر من خمسة وعشرين نائباً بالموت أو الاغتيال (كميل شمعون، بيار الجميل ماتا، رشيد كرامي وناظم القادري اغتيلا.. كنماذج للغياب أو التغييب) وزيد عدد النواب إلى 128 عين العميد غازي كنعان كل الزيادات التي أضيفت تطبيقاً لاتفاق الطائف في هذا المجال.

 

3- وشهد عهد الرئيس رشيد الصلح عام 1992 أول انتخابات نيابية تجري في لبنان منذ 1972، إنما هذه المرة بتركيب استخباراتي سوري كامل نتج عنها مقاطعة مسيحية شاملة بحيث جاء مجلس 1992 اول مجلس نيابي لبناني معين من الاستخبارات العسكرية السورية لتتبعه مجالس 1996 – 2000 بالطبيعة ذاتها.

كان الرئيس حافظ الاسد – كعادته – حريصاً حرصاً كاملاً على الشكل اما المضمون فليس للسياسيين ان يتعبوا فيه طالما انه يثق برجال استخباراته لاقامة نظام في لبنان شبيه تماماً بالنظام الامني السوري الذي يجلس على عرشه منذ العام 1970، فقد اراد الاسد ان يطبق نجاحه في سوريا في لبنان عبر الاستخبارات والامن اساساً ويبقى للساسة الشكل دون المضمون او الفعالية.

 

وكان الشكل ايضاً ان يأتي الى الحكم رجل رأى فيه حافظ الاسد بثاقب بصيرته قدرة على تحمل الاوضاع المأساوية اقتصادياً واجتماعياً للملمة الوطن في هذين القطاعين اللذين يهمان الناس التي تريد الخلاص من كل اثر للحرب دماراً وعنفاً وتهجيراً الى استقرار اجتماعي يوازي الاستقرار السياسي عبر مشروع اقتصادي اعماري طموح ليس له الا رفيق الحريري.

 

تفتقت عبقرية حافظ الاسد عن هذه المعادلة:

اسقترار اقتصادي – اجتماعي يقوده رفيق الحريري من خلال مشروعه الانمائي الشامل.. بدءاً من بيروت العاصمة والقلب والمركز.

 

امساك امني – عسكري يقوده رجال استخباراته بقيادة الرجل الذي اثبت كفاءة عالية في ميدانه ويتمتع بثقته الكاملة وهو غازي كنعان.

 

ولأن رفيق الحريري كان يدرك بل ويقول باكراً جداً وقبل ان يصبح رئس حكومة انه يجيء لأن حافظ الاسد هو الذي يصنع الرؤساء.. وكل شيء في لبنان، فإن الحريري لم يخالف هذه المعادلة، فكانت حركته ملتزمة الايقاع السوري بالكامل من خلال المجموعة التي اختارها الاسد لحكم لبنان عبر ما يسمى بالملف اللبناني وهي مشكلة من العماد اول حكمت الشهابي ومن نائب الرئيس عبد الحليم خدام، ومن رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية العماد علي دوبا ومن رئيس جهاز الامن والاستطلاع للجيش السوري في لبنان العميد – اللواء غازي كنعان.

 

والنجاح الذي اعتبرته سوريا جائزتها الوحيدة وهو لبنان بعد حرب تشرين عام 1973 عائد الى هذه المعادلة التي حسمت سنواتها الاولى الى مرحلتين:

المرحلة الاولى 1989 – 1992 وشهدت النصف الاول من عهد الهراوي الدستوري غير التمديدي وفيها ثلاث حكومات (الحص – كرامي – الصلح) وشهدت لملمة الوضع الامني والمؤسساتي.

 

المرحلة الثانية 1992 – 1995 وشهدت النصف الثاني من عهد الهراوي ببدء عملية الاعمار للملمة الوضع الاقتصادي – الاجتماعي مع حكومة رفيق الحريري الاولى ثم الثانية مع بدء المرحلة الثانية من عهد الهراوي الممدد له من 1995 حتى 1998.

 

لم تواجه سوريا صعوبات في لبنان في الوسط الاسلامي بعد اغتيال وتهجير وتحجيم كل قادته من الزعيم كمال جنبلاط الى المفتي حسن خالد الى تهجير صائب سلام وتقي الدين الصلح وتحجيم كامل الاسعد واخفاء موسى الصدر.. حيث انحصرت مشاكلها في الوسط المسيحي فكان عليها بعد اقتلاع عون بتدبير اميركي ان تقلع سمير جعجع انما هذه المرة بتدبير استخباراتي، وهنا يبدأ كبيراً الدور المميز لجميل السيد وجهاز استخباراته رغم انه كان نائباً لمدير الاستخبارات يومها العقيد ميشال الرحباني، خاصة بعد ان فتحت له سوريا الطريق بإنهاء اعتصام عون في بعبدا ثم في نفيه الى فرنسا وأيضاً بتدبير امني – قضائي – سياسي كان للرئيس حافظ الاسد دور مباشر فيه (راجع الشراع في العدد رقم1170 تاريخ 24/1/2005).

 

جميل السيد والهراوي

من مقره المؤقت – عسكرياً – في نادي الضباط وبيوتهم في ثكنة ابلح كان الرئيس المنتخب حديثاً الياس الهراوي تحت حماية وأوامر رئيس مخابرات البقاع المقدم جميل السيد، الذي كان يفرض على الهراوي احياناً ان يخرج بسيارة مدنية خاصة او بالايجار تحسباً وحرصاً على حياته، الى ان قدم رفيق الحريري مبنى يقع في منطقة الرملة البيضاء غرب بيروت لرئيس الجمهورية الجديد ليقطن فيه مع مصروف ((للرئاسة)) قدره 250 الف دولار شهرياً يصرفه له رفيق الحريري عبر رسول خاص له في بيروت (لم يكن الحريري قد استقر بعد في منـزله في قريطم، وان كان يتردد عليه بين الحين والآخر).

 

سكن الهراوي وعائلته مقر الرئاسة المؤقت (هو الآن مكاتب جريدة المستقبل، احدى وسائل الاعلام الحريرية في لبنان) لكنه ظل ايضاً تحت حماية جميل السيد، وكانت اوامر جميل حاسمة وأرادها ان تشمل الهراوي وعائلته ومرافقيه المدنيين والعسكريين ومستشاريه رجالاً ونساءً.. حتى ضاق الحال بالسيدة منى الهراوي، واشتكت لبعلها اوامر جميل السيد كما اشتكت ايضاً مستشارته الاعلامية مي كحالة، فاستغاث الهراوي كأول استغاثاته من جميل السيد بالرئيس حافظ الاسد وضاق الهراوي ذرعاً بمضايقات جميل الامنية وأوامره بل وتدخله في كل كبيرة وصغيرة حتى انه قال للرئيس الاسد في دمشق يا سيادة الرئيس جميل السيد بيلحقني عالحمام ببيتي..!! وهي احدى الاساليب التي يلجأ اليها الهراوي اذا كان يريد امراً آخر كبيراً وكان يخلط المزاح بالجد وحين يردد انه بعد كل زيارة خارج القصر الرئاسي المؤقت في الرملة البيضاء يستقبل من اهل بيته بالقول ((حمداً لله على السلامة))!!

 

كانت عين الهراوي على قصر بعبدا ليتخلص ايضاً من نفوذ رفيق الحريري عليه كما نفوذ جميل السيد ليقطن في منطقة مسيحية وفي منتصف الطريق تقريباً الى البقاع وتحت حماية الجيش اللبناني، وألح بالشكوى حتى امر حافظ الاسد بتأهيل قصر بعبدا لينتقل اليه الياس الهراوي، بعد ان كان جميل السيد استقر في مديرية المخابرات نائباً لقائدها.

 

استقر الهراوي في بعبدا وظل جميل السيد في الرملة البيضاء انما في منـزل كبير يقول الهراوي انه طلب من رفيق الحريري، ان يشتريه له.. ولم تكن هذه هي الهدية الوحيدة التي قدمها الحريري لجميل السيد، فقد سبق له ان قدم قبلها منحتين دراسيتين حصل عليهما اثنان من اشقاء جميل للدراسة على حساب مؤسسة الحريري احدهما اصبح طبيباً معروفاً والآخر مهندساً؟!

 

ومع ان الهراوي استقر سعيداً في بعبدا وقد انهالت المساعدات الشخصية العربية وأهمها من رئيس دولة الامارات العربية المتحدة الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله لتأهيل القصر الرئاسي لكنه كان دائم الشكوى من نفوذ جميل السيد خاصة عندما كان يقرأ في بعض صحف الصباح اللبنانية اخباراً او تعليقات تزعجه وكان يدرك ان جميل السيد وراءها، وهو ككثيرين يعلمون ان جميل كان لا يكتفي بتلقين بعض الصحافيين تحليلات تنشر في كثير من الاحيان في الصفحات الثانية من بعض صحف الصباح، بل وأيضاً كان جميل السيد كاتباً بارعاً بلغة سياسية راقية مليئة بالوقائع – حقيقية او مبهرة او مزورة – تنشر في بعض الصحف دون توقيع طبعاً، ودون اسم ابداً واحياناً تحت عنوان المحرر السياسي او كاتب سياسي او ..

 

 ولعل بعض رفاق جميل السيد يعلمون ان الرجل كانت له أمنية، ان يكون صحافياً ومحللاً استراتيجياً قبل ان تتملكه نزعة الرئاسة من مجلس النواب الى ما هو اكبر ويقول عارفوه ان السيد كان يكتب مقالاً او تحليلاً او تقريراً بلغة عربية سليمة ودون أي خطأ بل انه لا يشطب أي كلمة خلال كتابته حتى لتظنها مطبوعة ومصححة!.

 

 كان الهراوي – وما زال – عصبي المزاج يغلب عليه طابع الزحلاوي في استسهال التعابير المباشرة التي تخدش الحياء احياناً، ومع انه كان يعتبرها مفتاح احاديثه مع الرئيس حافظ الاسد الذي كان يستلقي على كتفيه ضحكاً من قفشات ابو جورج الا انه سرعان ما يضع الهراوي عند حده وهو يطلب – في ثلاث قمم طلبها الهراوي ليشكو فيها من السيد – ان يتوقف عن الهجوم على جميل السيد، ((فهذا ضابط كفؤ ويساعدك يا ابو جورج، ولديه مهمات عديدة في لبنان تحتاجونها جميعكم، ولا تستطيعون الاستغناء عن جميل)).

 

 وعندما كان الياس الهراوي يظهر ألماً من مقالات في الصحف تتناوله من صحافيين معينين يسميهم الهراوي بالاسم في الصحف المحلية كان الاسد يطمئنه الى انه سيطلب من غازي كنعان ان يوقف هؤلاء الصحافيين عند حدهم وكان الهراوي يعلم ان هؤلاء الصحافيين يتلقون اوامرهم من جميل السيد وانهم قد يتوقفون لفترة عن انتقاده ثم يعودون اليه بطلب من السيد نفسه.

 

ولم تكن إملاءات جميل الصحافية على صحافيين في صحف يومية معروفين هي الأسلوب الوحيد لتعامله مع الوسط الإعلامي، بل ان هناك صحافيين تحدوا جميل السيد لاقوا منه المر والملاحقة والتهديد.

 

كان الزميل سمير قصير أستاذ العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف، والكاتب في جريدة ((النهار)) ذا رأي مستقل ومن أول المنتقدين في كل لبنان للنظام الأمني اللبناني – السوري، وكانت مقالاته في الصفحة الأولى في جريدة ((النهار)) صباح كل جمعة فضلاً عن محاضراته وندواته ومداخلاته عبر وسائل الاعلام الفضائية تغضب جميل السيد كثيراً وتجعله يتطير شراً من هذا الصحافي الذي يتحدى نظامه، فكان كثير التهديد له بالإلغاء والشطب، دون أن يمنع هذا سميراً من الاستمرار على نهجه، حتى قرر جميل السيد إحالة حياته وزوجه الزميلة جيزيل خوري إلى جحيم (جيزيل كانت تقدم برنامجاً أسبوعياً في ((اللبنانية للإرسال)) ثم تحولت لتقديم برنامج بالعربي في محطة العربية).

 

وكانت سيارة للأمن العام بعناصرها فرزهم جميل السيد لملاحقة سمير وجيزيل، مما دفع سمير للاتصال بصديقه الزعيم وليد جنبلاط ناقلاً حالته وتهديد السيد له فوضع جنبلاط مرافقاً مع سيارته تحت تصرف سمير، ولم يرتدع السيد وظل ملاحقاً للرجل وزوجه حتى ان سيارة الأمن العام لاحقت الاثنين إلى عشاء برفقة الرئيس الشهيد رفيق الحريري في مطعم ((بلنيس)) في آخر الوسط التجاري لبيروت وبعد انتهاء العشاء سارت سيارة سمير التي يقودها عنصر من الحزب الاشتراكي مع موكب الحريري حتى وصوله إلى منـزله في قريطم، واقتربت سيارة الأمن العام من سيارة سمير وزوجه في تحدٍ سافر، لكن عنصر الاشتراكي نزل من سيارته حاملاً مسدساً في يده ووجهه إلى صدر عنصر جميل السيد قائلاً: أمر شو بدهم الشباب فتراجعت سيارة الأمن العام وعناصرها وتوقفت الملاحقة عن سمير بهذه الصفة ليفتعل جميل السيد مشكلة مع جواز سفر سمير العائد من إحدى سفراته فينـزع منه الجواز بحجة تجديده ولا يعاد له لأن سمير حسب رواية الأمن العام فلسطيني المولد، رغم ان جوازه لبناني منذ أكثر من عشر سنوات، إلى ان تم تسليمه الجواز بعد عدة أسابيع.

 

كان جنبلاط هو الفزاعة الحقيقية التي يخشاها جميل السيد مع نبيه بري، وكان الاثنان مثل جميل مقربين من دمشق مع الفارق النوعي ان جميل مقرب كموظف يؤدي مهمته، أما جنبلاط وبري فهما زعيمان كل في طائفته، وهما على الصعيد الشخصي من الأقوياء ويخيفان مئات من وزن جميل، ولا يجرؤ على مواجهتهما علناً حتى لو سرب اخباراً عبر مخبرين أو كتبة في صحف الصباح.

 

ولم تكن حالة سمير قصير وحيدة، بل ان الأمر نفسه تكرر بشكل أخف مع الكاتب الصحافي أيضاً الزميل جهاد الزين الذي بكّر مثل سمير ليس فقط في انتقاد النظام الأمني اللبناني – السوري بل وفي إعلان نهايته وقبل عدة أشهر، فكان عرضة لتهديد من جميل ورد لئيم، لكن الزين كتب في ((النهار)) حيث يرأس قسم صفحات الرأي رداً أكثر لؤماً لم يجرؤ بعده جميل السيد على معاودة الكرة وان كان كرهه لجهاد الزين أوغر صدره ليفش خلقه بآخرين.

 

وقصة سحب جواز سفر الزميلة راغدة درغام في لبنان لأنها شاركت كمندوبة ((للحياة)) في نيويورك في ندوة عقدت هناك وكان بين المحاضرين كاتب يهودي، باتت معروفة وقد صمم جميل على موقفه وهو يعلم ان ((الحياة)) مملوكة للأمير خالد بن سلطان بن عبد العزيز السعودي.

 

كذلك قصته مع رئيس تحرير جريدة ((الشرق الأوسط)) السعودية عبد الرحمان الراشد الذي منعه جميل من دخول لبنان فجاء عبد الرحمان غصباً عن جميل وفي وفد ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبد العزيز.

 

 واسوأ توقيت اختاره الياس الهراوي ليخلع جميل السيد من منصبه حاملاً شكوى مرة الى الرئيس الاسد بذلك كان مع بدء تركيب ملف كنيسة سيدة النجاة لاعتقال د. سمير جعجع، خاصة بعد ان ذهب الهراوي الى الكنيسة بعد الحادثة وسمع كلاماً قاسياً من رجال الدين والمواطنين المسيحيين محملينه مسؤولية تدبير هذه ((المسرحية)).

 

 طلب الهراوي موعداً عاجلاً من الاسد ملحاً عليه استقباله وعلى جدول الاعمال نقطة واحدة هي إخراج جميل السيد وميشال الرحباني من مديرية مخابرات الجيش، فرد عليه الاسد بحسم: ((يا ابو جورج الشباب الآن ماسكين اهم ملف في البلد – اعتقال سمير جعجع – وعندما ينتهي امر هذا الملف نبحث الأمر من جديد)).

 انتهى عهد الهراوي رغم التمديد وما زال سمير جعجع في السجن.. وظل جميل السيد في مكانه في إشارة الى مكانة هذا الضابط عند حافظ الاسد شخصياً.

 عاد الياس الهراوي الى لبنان ليشكو أمره الى المقربين وكان بينهم وزير الدفاع ميشال المر، فاخترع له هذا الاخير منصب رئيس الجهاز المشترك المسؤول نظرياً عن أمن العلاقات بين الجيشين اللبناني والسوري لكنه ظل في موقعه ليضبط حركة الهراوي الذي كثيراً ما حاول التفلت لكنه كان يرد على عقبيه دائماً.

 

جميل السيد والحريري

 غير ان المعركة الحقيقية لجميل السيد كانت مع الرجل الأهم في لبنان منذ العام 1992 وهو رفيق الحريري.

 

 نعم،

 كان رفيق الحريري هو خيار حافظ الاسد وفق روزنامته التي أشرنا اليها سابقاً، إلا ان طبيعة الحريري وقامته وحجمه الشخصي والمالي وكفاءاته وطموحاته وعلاقاته العربية والدولية ورسوخ شعبيته السياسية والمذهبية في لبنان خاصة وسط الطائفة السنّية كانت تقلق كثيرين حول حافظ الاسد الذي كان يدرك كل هذا، لكنه كان يدرك ايضاً قدرته على ضبط الحريري وعلى ان الحريري لن يخرج عن الخط الذي يرسمه له حافظ الاسد مهما كبر وتوسع وتعمقت جذوره الطائفية في لبنان.

 

 نعم،

 كان هناك في دمشق من يخشى حجم رفيق الحريري الكبير عربياً ودولياً، اقتصادياً وسياسياً، طموحاً وجموحاً، والأهم من هذا هو التطلع الاسلامي السنّي لشخصه باعتباره قادراً على تمثيل طموحات السنّة السياسية في ظل المعادلات المحلية التي اظهرت ان لكل مذهب وطائفة في لبنان مرجعية واكثر: شيعة ودروزاً وموارنة وارثوذكساً.. أما السنّة فإن شوكتهم انكسرت قبل الحريري، في ظل انكفاء قياداتهم او ضعف امكانياتهم وامكاناتهم وفي ظل استهدافهم بالتفتيت والتشتيت وشراء واستحداث بعض الدكاكين والشراذم خاصة في بيروت تحت اسماء حركية او تجمعات او جمعيات او جماعات دينية وحزبية نجحت الاستخبارات السورية واللبنانية في الهيمنة عليها مثلما فعلت استخبارات ياسر عرفات سابقاً.

 

 وكان حجم رفيق الحريري يكبر محلياً وعربياً في سوريا وخارجها كلما ظهر خلل عربي او سقط حاكم عربي من ياسر عرفات الى صدام حسين، وفي ظل انكفاء مصر بعد جمال عبد الناصر عن أي دور قومي طليعي ورائد، وفي ظل الهجمة الصهيونية التي تذبح الشعب الفلسطيني وقواه وطموحاته ومساعيه للحرية والاستقلال وتقرير المصير وبعد ذلك وحتى الآن في ظل حصار العراق ثم احتلاله وإسقاط صدام حسين وتراجع التمثيل العربي السني في العراق لمصلحة التحالفات الايرانية – الاميركية – الكردية التي نصبت جماعاتها في هذا البلد العظيم.

 

 كان كبر حجم رفيق الحريري من طبيعته ومن ظروفه الذاتية والموضوعية عامل قلق في سوريا بالدرجة الاولى وفي لبنان عند كثيرين.

 والمشكلة في الحريري انه بالنسبة لخصومه كان شراً لا بد منه، ولأنه كان يعرف حجمه فإنه كان يعمل ويتحمل ويعاني ويصمت في كثير من الاحيان، وإذا ما عاند لفترة – وهو مشهود له بالعناد السلبي والايجابي – فإنه كان يقف عند حدود الخط الاحمر في سوريا ويتراجع بطلب من عبدالحليم خدام او حكمت الشهابي او غازي كنعان، ودائماً عندما كان حافظ الاسد يطلب منهم البحث عن تسوية لخلاف للحريري مع الآخرين (الياس الهراوي، نبيه بري، حزب الله ثم ودائماً اميل لحود..).

واجه الحريري معاركه الكبرى مع اميل لحود، لكنه ايضاً عاش معارك لا تنتهي مع الياس الهراوي وفي معاركه مع الرئيسين كان الحريري  يعرف انه يواجه جميل السيد مباشرة او تحت جنح الظلام.

 

كان الحريري ينتظر، كلما بلغه لقاء جميل السيد مع الياس الهراوي، معركة مع الاخير، وكانت معارك الهراوي مع الحريري قياساً بمعارك الحريري بعد ذلك مع لحود سهلة ومحتملة وثمنها معروف، وكان المال وسيلة مهضومة وفعّالة لحل أي مشكلة مع الهراوي، او تعيين قريب او محسوب بغض النظر عن كفاءته او امكاناته.

 

ومع ان الهراوي جاء برجل مشهود له بالآدمية هو ريمون روفائيل لرئاسة جهاز الامن العام، وكان ابو اسعد واسطة خير دائماً مع الحريري يعاونه اول الامر شقيق زوجه والمستشار السياحي عند الحريري فؤاد فواز وهو الآن المستشار السياحي لنبيه بري الا ان الهراوي كان يبعد روفائيل عن خط الحريري عندما يريد مشكلة معه فيكلف جميل السيد وهو يعرف ان السيد مؤذ ويجيد ترتيب الخوازيق لحكومة الحريري، ويجيد تسريب ما يريد ضده شخصياً، وكان هو أي جميل يتولى تحريض بعض الصحافيين لكتابة معلومات لا اساس لها من الصحة في بعض الصحف ضد حكومة الحريري وشخصه (مثلما يكتب هؤلاء الصحافيون معلومات اخرى غير صحيحة ضد الهراوي نفسه عندما يشتبك معه جميل). كان جميل السيد نائباً لمدير المخابرات في الجيش وقد نجح مع قائد الجيش المعين اميل لحود في تشكيل ثنائي متناغم ضد الهراوي والحريري، وفي جعل الجيش جزيرة معزولة وكان يتعالى على السياسيين دون استثناء حتى الذين ينتظرون اشارة منه لشتم الحريري او الهراوي او بري وكان يجعلهم ينتظرونه على باب مكتبه في وزارة الدفاع بالساعات وهو جالس في غرفته مع صحافيين يلقنهم درس اليوم لينشر تالياً في صحف الصباح تحليلات في الصفحة الثانية او اخباراً صغيرة فيها او على صدر الصفحات الاولى).

 

كان الحريري يدرك ان الهراوي يريد منه شيئاً فيصعد اليه الى بعبدا ويتناقشان والحل دائماً على الطاولة يناوله الحريري للهراوي فتنتهي المشكلة ويرتاح الهراوي فيغضب جميل السيد.

 

كان الحريري في حالات يتجاوز فيها الهراوي حدوده وتزداد مطالبه كفرن تلتهم ناره كل ما تضعه فيه، يصعد الى القصر الجمهوري ليفجرها مع الهراوي او ليوقفه عند حده، وكان الهراوي اللماح والذكي يدرك غضب الحريري فيتداركه بنكتة او طرفة تجعل الحريري يستلقي على ظهره ضحكاً وفرقعة، تجعله ينسى كل ما جاء من اجله.

 

كان الحريري يعتبر ان جميل السيد مزروع سورياً وأحياناً كثيرة من قبل غازي كنعان شخصياً للحرتقة عليه، لابتزازه، وفي احيان اقل لحساب قائد الجيش اميل لحود اول الامر وأيضاً لحساب جميل الشخصي، وكان يريد ان تكون له عين داخل جهاز الاستخبارات العسكرية فطلب تعيين العقيد محمد فرشوخ نائباً لرئيس المخابرات فرفض لحود حتى رفع الامر الى حافظ الاسد فتم تعيينه في هذا المنصب دون صلاحيات لكن الحريري كان يشحنه معنوياً كي يؤدي دوراً له داخل الجيش لتخفيف الحرتقة عليه، فإذا به يقول بعد عدة اشهر من تعيين فرشوخ: ((مثل قلتها)).. فلم يشكل فرشوخ أي قوة مع الحريري بل بات الحريري نفسه يتدخل لحمايته من حرتقات خصومه.

 

التمهيد للحود رئيساً

لم يعمل جميل السيد لتحجيم الحريري في عهد الهراوي الا مقدمة وتسهيلاً للمجيء بإميل لحود رئيساً للجمهورية، ولعل الاثنين لحود والسيد لم ينسيا ان رفيق الحريري كان الاكثر حماساً للتجديد للهراوي (1995 – 1998) من حافظ الاسد نفسه، بل انه هو الذي خاض معركة التجديد للهراوي خوفاً من مجيء لحود وهو يعرف ما يخبئه الثنائي لحود – السيد له.

 

وكان الحريري هو صاحب مبادرة الطلب الحكومي في مجلس الوزراء من الهراوي – المتعفف!!!!!!!! قبول التمديد له لمدة ثلاث سنوات، فوقف خطيباً يرجوه ((قبول)) التمديد الشهير.. تأجيلاً لقدر مجيء اميل لحود لرئاسة الجمهورية.. عل وعسى.

 

نجح الحريري بالتمديد للهراوي عام 1995 يعاونه اساساً في دمشق نائب الرئيس عبد الحليم خدام وهو صديق شخصي ووفيّ للحريري، ومنذ ذلك التاريخ اقفلت ابواب دمشق الاخرى في وجهه، مع بدء صعود نجم الدكتور بشار حافظ الاسد داخل سوريا، وشيئاً فشيئاً كان الرئيس الاسد يسلم ابنه اوراقاً من ملف لبنان حتى بات كله بين يديه مبعداً وشيئاً فشيئاً قادة الملف القدماء الثلاثي في سوريا الشهابي – خدام – دوبا – مبقياً الرجل الموثوق في كل العهود غازي كنعان في لبنان.

كان حول بشار الاسد رجال لا يحبون رفيق الحريري لاعتبارات كثيرة، ومع ان حافظ الاسد كان يوصي الحريري دائماً باللقاء مع ابنه بشار الا ان الحريري كان يستمع كثيراً الى خدام الذي لم يكن متحمساً لهذا الطلب، وبالمقابل كان الحريري يستمع الى من يقول له ان بشار عندما يأتي الى السلطة لن يرحم خدام.. ولن يرحمك.. وكم خاف الحريري وغضب وتأسف عندما بدأت حملة اعلامية شنيعة من اذاعة لندن وجريدة ((الحياة)) ضد الرجل الاساس في نظام حافظ الاسد العماد اول حكمت الشهابي، واتفق مع رفيقه القوي وليد جنبلاط ان يطلق الاخير تصريحاً من لبنان دفاعاً عن الشهابي – وكان الحريري رحمه الله – يردد: وليد شجاع وأنا لا استطيع ان ادافع حتى عن اصدقائي وأبو حازم (الشهابي) واحد منهم!!

 

وكان الحريري في لبنان يعرف ان اميل لحود يكرهه أيضاً وان جميل السيد كان يحرتق عليه سواء عبر تصريحات نواب ضده وضد حكومته او وزراء يهددونه داخل جلسات مجلس الوزراء بقلب الطاولة ضده بل ان احدهم محمود ابو حمدان هدده في حال عدم تعيين حسن تفاحة (امل) مسؤولاً عن الاسواق الشعبية المقررة بفتح ملف الاستملاكات البحرية وكل لبنان يعرف ان هذا الملف يطال الجيش ووزراء ونواباً ومؤسسات دينية واجتماعية وحزبية وشخصيات معروفة.. لكن الحريري كان يأخذ كل الامور بصدره رغم معرفته انه المستهدف الوحيد فيذهب لمراضاة نبيه بري وهو يعرف ان باب النار في عنجر او في اليرزة فيتدخل ابو مصطفى بعد الترضية للتخفيف عن الحريري عند كنعان دون أي اتصال مع جميل السيد.

 

وكان الاعلام المكتوب – وأغلب المرئي – ممسوكاً من قبل جميل السيد وطبعاً غازي كنعان، يسطّر ويشنّع ويشيع ويفبرك اخباراً وأوهاماً ومعلومات في مقالات يطالون فيها دائماً مشروع الحريري الاعماري وأرقامه الاقتصادية، وكان نجاح واكيم صاحب اطول لسان مزوداً بمعلومات جميل السيد او هناك في دمشق من الحاقدين على الحريري للتطاول عليه وعلى مشروعه.

 

كان الحريري يدرك ان كل هم الثنائي لحود – السيد وترجمة لأحقاد من في دمشق ضده، الاطاحة به واضعافه الى الحد الادنى كي يأتي لحود رئيساً للجمهورية، ولم يكن لحود يخفي هذا الطموح، بل كان يردد وبحسم انه قادم للرئاسة مهما طال الزمن، لأن الرئيس حافظ الاسد الذي يتخلى شيئاً فشيئاً عن الحكم لابنه بشار ويتخفف من اعمال الدولة كلها لنجله الطبيب بسبب وضعه الصحي الحرج يريد أن يطمئن إلى من يرتاح ابنه بالعمل معه في لبنان وهو يعرف ان بشار لا يكن وداً للحريري.

 

ولقد أذاق الثنائي لحود – السيد رفيق الحريري المر عندما هاجمت وحدة من الجيش وزارة المالية حيث وزيرها الصديق الشخصي للحريري فؤاد السنيورة، بحجة المطالبة بحقوق الجيش في مسائل ((يعطلها)) السنيورة، وحصلت مواجهة مع مديرة مكتبه اعتقلت على أثرها وكان الهجوم والاعتقال رسالة مباشرة ليس لفؤاد السنيورة الذي يمكن اعتقاله من منـزله، بل إلى رفيق الحريري شخصياً وسياسياً، ونموذجاً أو صورة للمستقبل الذي ينتظره بوجود هذا الثنائي القادم إلى الحكم.

كانت مهمة السيد تدمير النظام السياسي في لبنان والطبقة السياسية الحاكمة وكلها جاءت بها دمشق منذ العام 1992، تمهيداً لمجيء إميل لحود من قيادة الجيش إلى رئاسة الجمهورية على حصان أبيض، وتولى السيد التمهيد بأضخم حملة إعلامية تتحدث إيجاباً عن مآثر الجيش وقائده، ولا تترك سلبية أو نقيصة بالطبقة السياسية إلا وتتهمها بها.

 

وكان الغريب والعجيب ان كل مساوىء الطبقة السياسية والسياسات الحكومية والقرارات التي صدرت منذ العام 1992 ألصقت برفيق الحريري وحده وتولى نواب ووزراء اعلام وأحزاب وأشخاص التطاول عليه شخصياً وعلى سياساته دون أي ذكر لأي مسؤول أو رئيس أو وزير أو نائب أو مدير عام في لبنان كله.. حتى بات الحريري هو الهدف الأبرز للاغتيال السياسي – قبل الاغتيال الجسدي - لكل هذه الحملة التي بدأت ضد الرجل منذ العام 1993 حتى استشهاده في مطلع العام 2005.

 

لحود حاكماً والسيد مديراً

جاء الثنائي إميل لحود وجميل السيد إلى السلطة عام 1998 الأول رئيساً للجمهورية والثاني مديراً عاماً للأمن العام مع كامل الصلاحيات.

وإذا كان صحيحاً ان إميل لحود ليس طائفياً ولا يهمه طائفة أو مذهب أي موقع في لبنان حتى لو كان المديرية العامة للأمن العام، فإن الصحيح أيضاً ان اختيار السيد كان سورياً بالدرجة الأولى، لا بل لعل جميل السيد هو الذي عمل لإيصال إميل لحود نفسه إلى الرئاسة بطلب سوري مباشر وصريح وحاسم.

 

فتنازل لحود الطائفي والمذهبـي هو سياسي أيضاً باختيار السيد مديراً عاماً للأمن العام، وقد خدم لحود السيد بتوسيع جهاز وملاك وصلاحيات الأمن العام مثلما فعل تماماً الرئيس الراحل سليمان فرنجية في مطلع عهده عام 1971 حين اتفق مع الزعيم الراحل صائب سلام على تصفية المكتب الثاني اللبناني يومها – أي استخبارات الجيش حالياً – ووزع ضباطه سفراء ومبعدين وملاحقين، واستعاض عنهم بتعزيز مكانة وصلاحيات وإمكانات الأمن العام اللبناني مع تعيين المقرب منه اللواء انطوان الدحداح مديراً عاماً للأمن العام فزاد ميزانية المديرية وعززها بالعناصر، وكان قربه من فرنجية يسمح له أن يكون الحاكم الأقوى أمنياً وعسكرياً في لبنان.

 

ولم يكن جميل السيد ليرضى بهذا الموقع إلا وفق المعطيين الأساسيين وهما:

1- أن يكون هذا الخيار سورياً وبالمطلق ولخدمة مشروعها في لبنان، وهو يعرف هذا تماماً قادماً بالإرادة السورية ولاستهداف معين يخدم فيه سياستها ومشروعها في لبنان، مثلما يخدم طموحه اللامحدود رئيساً لمجلس النواب إلى زمن تتغير فيه الأحوال ليصبح بإمكانه أن يكون رئيساً للجمهورية فعلاً!؟

 

2-صلاحيات مفتوحة على كل الطاقات والافعال المناسبة يريدها موازية لطموحه المهني – وقد برع فيه جداً – والشخصي وقد ((تأله)) حتى لم يبق عنده كبير، وكان هو يردد وعلناً ((والله نحنا قصة كبيرة)) نحنا البلد!!

 

وكانت الصلاحيات في المديرية العامة للأمن العام والميزانية والعديد والسلطة والهيبة كلها مكونات توافرت بعوامل موضوعية بقرارات من السلطة وذاتية بقدراته الشخصية الكبيرة حقاً.

أما الأهم

فهو ان جميل السيد، وهو الخبير العارف بمكانته الكبيرة وأهميته داخل جهاز الاستخبارات العسكرية، لم يكن ليرضى أن يتخلى عن إدارة جهاز مسؤول عن 50 ألف عسكري ضباطاً وجنوداً ومديريات وعتاداً ومهمات واستراتيجيات ليقبل جهازاً للأمن العام تكاد أفضل مهماته تكون في إصدار جوازات السفر وتصاريح استقدام السيريلانكيات وكتابة تقارير عن هذا وذاك..

 

كانت السواعد الأقوى مع جميل السيد في مديرية الأمن العام هي في تجيير مدعي عام التمييز عدنان عضوم لخدمة موقعه بالقانون والمؤسسات.

كان جميل السيد يدرك انه يتخلى عن موقع نائب مدير الاستخبارات العسكرية حيث ليس فقط مسؤولية50 ألف عسكري بل وأساساً حيث المؤسسات الفائقة الأهمية العظيمة الصلاحيات، سواء في الضابطة العدلية أو المحكمة العسكرية والقضاء العسكري والشرطة العسكرية وصلاحيات التحقيق وقبول الإخبار والتحقيق فيه.. وقد وفر هذا كله انسجاماً كاملاً مع النيابة العامة التمييزية كانت في عهدة عضوم خاتماً في إصبع جميل السيد ودائماً بوصاية ورعاية وأمر سوري حاسم، وكم من الملفات الكبيرة فبركت في مناخ هذا الانسجام.

 

وكان أمراً مثيراً للسخرية ان يلجأ السيد إلى هذه النيابة العامة التمييزية مدعياً على نفسه – إخباراً عنه وعن زملائه الذين لم يكلفه أحد منهم بذلك وهم قادة أجهزة – في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري يوم 14/2/2005.

ومصطفى حمدان

جاء إميل لحود على حصان أبيض كان جميل السيد يضع قماشة سوداء على عينيه وكان لجامه الحقيقي في يد غازي كنعان لكن لحود أصعد خلفه على الحصان مرافقه الشخصي بطوله وعضلاته العقيد – العميد مصطفى حمدان.

 

ومثلما ابتدع السوريون – كسابقة فرنجية المختصرة – صلاحيات وإمكانات وتوسعاً وتجييراً قضائياً للأمن العام ابتدع إميل لحود – وكما فعل صدام حسين في العراق – عديداً وميزانية وصلاحيات وإمكانات للحرس الجمهوري بقيادة مصطفى حمدان ليوازن به حركة وقوة الآخرين وخاصة جميل السيد، (ما هذه المفارقة ان يتجسد أسوأ ما في النظامين البعثيين السوري والعراقي في عهد الثنائي لحود – السيد؟)

 

كان لواء الحرس الجمهوري قوة مستقلة عن الجيش حتى لو كان نظرياً تابعاً لقيادة الجيش، لكن لحود لم يرض أبداً أن يكون مجرداً من السلاح.

كانت ضخامة عديد وميزانية الحرس الجمهوري المتوافرة من الصندوق الأسود في كازينو لبنان – كغيره من المصادر الأخرى غير المرئية، والتي تبلغ عشرات ملايين الدولارات سنوياً (الكازينو يوفر وحده 78 مليون دولار يوزع هذا المبلغ كما مبالغ المصادر الأخرى أيضاً على عديدين في لبنان وسوريا) تشكل عنصر توازن قوة للحود مع جميل السيد تحديداً أو أية جهة لبنانية أخرى يريد لحود إرعابها أو تطويعها، ألم يكن الصاروخان اللذان اطلقا على ((مرئية المستقبل)) عام 2001 رسالة واضحة الى رفيق الحريري؟

 

 وكان أول من استوعب رسالة قوة الحرس الجمهوري هو سفير اميركا السابق في لبنان (نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية حالياً) ديفيد ساترفيلد عندما حضر بصفته الاولى العرض الذي قدمه الحرس الجمهوري في ((عيد الاستقلال)) عام 2000 وحضره الى جانب لحود رفيق الحريري بصفته رئيساً للحكومة الثانية في عهد لحود الاولى له في هذا العهد.

 

((تمتع)) حضور العرض بالمعارك اليدوية وبالسلاح الابيض بين عناصر الحرس الجمهوري ليلتفت ساترفيلد الى وزير المالية فؤاد السنيورة قائلاً له: ((مستر سنيورة هذه رسالة من مصطفى حمدان إلى رفيق الحريري، فهل هو مستعد للمنازلة؟)).

 

 سمعت النائبة السيدة بهية الحريري هذا السؤال من السفير الاميركي فردت قائلة: ((على الرئيس الحريري الآن توفير الامكانات لأبي طارق (الشهيد يحيى العرب المرافق الشخصي للحريري وسقط معه يوم 14/2/2005) لكي ينازل مصطفى حمدان)).

 

 بدأ عهد لحود على الضفة السورية بهذه التركيبة الثنائية ليبعد عن نفسه صفة الأول او الثاني مع جميل السيد، فجاء بمصطفى حمدان وعزز وضعه ليحكم هو بثنائية من تصوره أي ثنائية السيد - حمدان.

 

 ومع ان جميل السيد متزوج من ابنة عم مصطفى حمدان السيدة سوسن وشقيقها فؤاد الآن مدير عام الاتصالات – اوجيرو. الا ان عقلية جميل واستعداداته العملية للمبادرة والابداع وتمرده الداخلي الخادم لمصلحته الشخصية وهي في نفسه فوق أي اعتبار وقدرته على فعل الشيء ونقيضه وكتابة التقرير ونقيضه واقناعك بالشيء ونقيضه، تختلف تماماً عن عقلية مصطفى حمدان الموظف المنضبط شأنه شأن اعظم ابناء اقليم الخروب الذين امتهنوا الوظيفة الرسمية التي توفر الضبط والربط والدوام واحترام التراتبية في بيروقراطية مشهودة، وليس من المصادفة ان يختار اميل لحود ابرز مساعديه من بين ضباط الجيش المنتمين الى هذه المنطقة، وهم يتمتعون بكفاءة ادارية عالية وعملهم الوظيفي فوق كل اعتبار.

 

 فإميل لحود كان يعرف ان مصطفى حمدان لن يتخلى عنه او يبيعه كما يمكن ان يتخلى عنه ويبيعه جميل السيد مثلاً. وأكثر من هذا كان اميل لحود يعرف ان مصطفى حمدان لن يكتب تقارير ضده حتى الى السوريين بينما كان يدرك تماماً ان جميل السيد مستعد ان يكتب تقارير عن اميل لحود وحتى عن جميل السيد ايضاً!!.

 

 فهذا الرجل – جميل السيد – مبدع في الكتابة ويستهويه قراءة خطه الذي كتبنا سابقاً انه لا يخطىء فيه بحرف، وكان يكتب موجزاً دورياً  للسوريين يتناول فيه ليس كتابة المعلومات فقط بل وأساساً كتابة الاستنتاجات والتحليلات التي يتوصل اليها بناءً على هذه المعلومات، وكفاءته تسمح له بأن يكتب تحليلات ويستخرج استنتاجات مضادة بناء على معلومات مضادة ايضاً.

 

 ولم تكن العلاقات دائماً ((سمناً على عسل)) بين اميل لحود وجميل السيد وما قوة او تقوية مصطفى حمدان وحرسه الجمهوري الا للتوازن مع جميل السيد ومهاراته وامكاناته، خاصة وان اسماع لحود كانت تلتقط تمرداً من جميل السيد ضده وكلاماً كبيراً حول دوره في المجيء به الى السلطة، قائلاً في احدى المرات ((نحن بذلنا الدماء كي يصل اميل لحود الى السلطة، فهل يظن نفسه انه اصبح حافظ الاسد في لبنان؟)).

 وكانت تعابير الخلاف احياناً بين لحود والسيد تمر عبر مصطفى حمدان الذي كان يصدر تعليماته الى ضباطه بمنع أي منهم من زيارة جميل السيد او الاستماع الى أي معلومة او تعليمة منه، والامر كذلك كان سارياً عند جميل السيد وضباطه فكان منعهم من زيارة القصر الجمهوري او لقاء مصطفى حمدان او التعاون معه في أي حقل او ميدان.

 

 وكانت الامور تتطور من حالة الى اخرى فينقل السيد ضباطاً من الامن العام يشك بعلاقاتهم مع الحرس الجمهوري، وينقل مصطفى حمدان ضباطاً في الحرس يشك بعلاقتهم بجميل السيد.

 

 وكان هناك صراع المودة ايضاً اذ كان السيد وحمدان يتسابقان ويتنافسان حول من هو الأقرب الى عقل وقلب اميل لحود، وكان هذا السباق ينـزل الى الساحة اللبنانية والبيروتية خاصة، فيلجأ كل منهما الى شراذم ودكاكين وأحزاب لا قيمة لها لاحتضانها وتقوية نفوذ كل منها على حساب الاخرى ترجمة للمحبة بين السيد وحمدان وسباق الفوز بعقل وقلب اميل لحود.

 

 وكان لحود اقرب دائماً الى طرف حمدان ليس لأنه الأقرب فقط، وليس لأنه ينفذ كل ما يطلب منه دون نقاش، بل لأنه متفق معه تماماً على ان لحود لا يدين بمجيئه الى الرئاسة الى دور جميل السيد كما كان السيد يشيع ويتباهى حتى يكون تحت وصايته بل هو يدين للسوري مباشرة في مجيئه الى الحكم عام 1998، وكان حمدان يردد ((يا فخامة الرئيس انت وجميل السيد من منبع واحد ولا فضل له عليك فالسوري جاء بكما معاً))، وكان لحود يجن جنونه عندما يصله كلام السيد ويبدأ بالسباب والشتائم ضده، بل اقسم انه لن يتركه لحظة في مكانه، خاصة بعد ان بدأ يقرأ تقارير تعد له ساعة بساعة مقالات في صحف الصباح تنتقده وتجرح في عهده وكان يعرف من اسماء كتابها انها من فبركة جميل السيد.

 

 استدعى اميل لحود ميشال المر وارسله على عجل الى دمشق ليخلع جميل السيد، متجاوزاً غازي كنعان في عنجر فأحاله من في دمشق الى غازي كنعان فعاد المر الى المركز البقاعي الاستخباراتي فلم يجد كنعان فتوجه الى بعبدات لمقابلة لحود ونقل الرسالة السورية له فوجد عنده أبو يعرب يقول له بمودة: ((فخامة الرئيس: انت تقلع عيناً من عيني وانت تكسر يداً من يديّ ولكن اترك لي جميل السيد، فأنا لا استغني عنه، فوافق لحود شرط الا يقوم جميل السيد بأي دور امني او سياسي الآن اما بعد ذلك فيتم كل ذلك تحت اشرافه.

 

 وهكذا عندما كان جميل السيد يختلف مع الياس الهراوي كان يجد حماية من حافظ الاسد الى اميل لحود، وحين كان يختلف مع اميل لحود فإن غازي كنعان كان يحميه، اما حين يختلف مع الحريري او بري فإنه كان يجد لحود وكنعان خلف السيد دائماً.

 

عكازا جميل السيد

 كان جميل السيد يمشي على عكازين ثابتين حتى عندما كان يختلف مع لحود، هما العكاز السوري وعكاز حزب الله، وعكاز الاخير كان وظل وسيبقى آخر ما يمكن ان يستند اليه جميل السيد في آخرته.

 

غضب كنعان

فعندما اشتد الخلاف بين كنعان والسيد لأن الأخير فتح خطاً مباشراً على دمشق وبات يتجاوز بعض الاحيان غازي كنعان في عنجر صمم الاخير بالاتفاق مع اميل لحود على خلعه واتصل برستم غزالة في بيروت ليطلب منه منع جميل السيد من حضور اجتماع الامن المركزي الذي يعقد اسبوعياً برئاسة وزير الداخلية وحضور قادة الاجهزة اللبنانية والسورية في بيروت فاتصل أبو عبدو بالسيد وأبلغه قرار كنعان فعاد السيد من منتصف الطريق الى مكتبه ممتنعاً عن حضور هذه الاجتماعات الى ان سويت مشكلته مع كنعان. يومها تدخل اثنان لمنع نقل جميل السيد هما وليد جنبلاط وحزب الله بشخص امينه العام السيد حسن نصرالله.

 

 اشارة جنبلاط

 ذهب وليد جنبلاط الى دمشق للقاء مع الرئيس بشار الاسد واثناء الحديث تحدث عن اميل لحود والى ان الرئيس اللبناني يحيط نفسه بعضلات مصطفى حمدان وعقل جميل السيد، فالتقط الاسد الاشارة وخاف على اميل لحود اذا تم ابعاد السيد.

 

 وواسطة نصرالله

 وكان السيد الاكبر حسن نصرالله زار دمشق سراً طالباً موعداً عاجلاً من الرئيس بشار الاسد الذي يكن مودة شخصية عميقة جداً لأبي هادي فاستقبله ليسمع منه طلباً بالإبقاء على جميل السيد في مكانه لأن المقاومة لا تستطيع الاستغناء عنه تحت أي ظرف.

 

 اشارة جنبلاط الذكية وواسطة نصرالله المباشرة دفعتا بشار الاسد لأن يوعز بزيارة جميل السيد الى غازي كنعان للإعتذار منه، فاستقبله غازي بعد ان سمع بما جرى في القصر الجمهوري وطوى صفحة مع جميل السيد وأعاده الى حضور اجتماعات مجلس الامن المركزي الاسبوعية.

 كان هم اميل لحود الاول ان يحكم وان يزيل من دربه كل من يعترض سبيله او يحجم مكانته كرجل اول بغض النظر عن الدستور او القانون او الاعراف، وكان يعتبر ان رفيق الحريري هو العقبة التي لا بد من التخلص منها.

 

وبدأ إميل لحود بالتفاهم مع الجانب السوري استعراضاً للقوى يؤكد فيه مفهومه للسلطة المقبلة في لبنان واتفق الطرفان بتخفيف الحساسية على ان يتولى الجانب السوري وحده هذه العملية فأبلغ العميد غازي كنعان في حينه الرئيس رفيق الحريري ان لمستشاره السياسي والاعلامي نهاد المشنوق اتصالات بجهات إسرائيلية وانه أمام واحد من أمرين: إما ان يتعرض للتحقيق من جانب السلطات اللبنانية وإما ان يترك عمله ويغادر لبنان.

 

كانت الخطة تقول بأن فقدان الحريري لمساعده الرئيسي والأقرب إليه درس لرفيق الحريري أولاً ولكل الذين يفكرون في التجرؤ على عهد إميل لحود، وما حصل بالفعل انه تم تطبيق البند الثاني حين نفي نهاد المشنوق لمدة ثلاث سنوات خارج لبنان ونفي رفيق الحريري نفسه لمدة سنتين خارج رئاسة الحكومة (1998 – 2000).

 

 عمل لحود مع جميل السيد على تحجيمه قبل ان يصبح لحود رئيساً للجمهورية وكان قائداً للجيش، فحرّم عليه ان يدخل ملعب الجيش وجعل لحود المؤسسة العسكرية في معركة مستمرة مع الحريري وبالاستناد دائماً الى جميل السيد وقدراته وافلامه وأهمها الطعن والتحريض على الحريري دون الطبقة السياسية التي كلف السيد سورياً بتدميرها وابتداع طبقة اخرى بديلة عنها حملت الى مجلس النواب ومجلس الوزراء حثالات من البشر ليحكموا ويشرعوا؟!!.

 

 ثم لما اصبح لحود رئيساً للجمهورية لم يتورع عن بدء عهده بمعركة اقصاء حاسمة للحريري عن تشكيل اولى حكوماته، في اول جلسة عقدها مع الرئيس حافظ الاسد في مطلع شهر كانون اول/ديسمبر 1998.

 

 قال الاسد في هذه الجلسة ان رفيق الحريري هو أنسب من يتعاون معه لحود لتشكيل حكومة العهد الاولى ليبدأ بداية صحية يحتاجها لبنان للخروج من اوضاعه الاقتصادية المتأزمة. لكن لحود قال انه يرى ان سليم الحص جيد ويحب ان يتعاون معه، قال الاسد الحص كويس لكن يمكن تأجيل مجيئه الآن لأن المرحلة تحتاج الحريري، وخرج لحود وهو متمسك برأيه ضمناً حتى ان الاسد كلف غازي كنعان ان يرافق لحود الى بيروت ليقنعه بالحريري وينـزع فكرة تكليف الحص بتشكيل الحكومة من رأسه.

 

 وبدأ كنعان بمعالجة اولى عقبات عهد اميل لحود المتمثلة بترجمة كلام الرئيس الاسد حرفياً وعدم اغضاب او احباط اميل لحود مطلع عهده خاصة وان أبا يعرب يعرف ان لحود هو خيار بشار الاسد الفعلي والعملي، وان بشار يلتقي مع لحود في كراهية الحريري.

 

 وكان الدور هذه المرة على نائب رئيس مجلس النواب ايلي الفرزلي، وهو احد الخياطين المهرة العاملين في معمل غازي كنعان بإدارة جميل السيد، فأطلق في بداية مرحلة تكليف رفيق الحريري تشكيل الحكومة بدعة الاستشارات النيابية غير الملزمة التي ستسبق التكليف حسب المادة 53 (زعماً) في محاولة لتحرير اميل لحود من الاغلبية النيابية التي ستسمي رفيق الحريري لتشكيل اولى حكومات العهد، ثم اكتملت المسرحية بتوزيع اصوات النواب كأسهم ((سوليدير أ)) وأسهم ((سوليدير ب)) كما وصف الحريري اللائحة التي قرأها لحود امامه باسماء النواب الذين اقترحوا اسمه لتشكيل الحكومة، اذ قرأها لحود بالتقسيط المريح فلم تتجاوز ارقامها الاولى 60 نائباً اضاف اليها نائبي البعث اللذين فوضاه ثم اضاف اليهما نواب كتلة التحرير والتنمية برئاسة نبيه بري الذي فوضه ايضاً فيصبح عدد النواب الذين سموه لتشكيل الحكومة 83 نائباً، فطلب الحريري مهلة للتفكير بقبوله التشكيل. كانت بداية للإعتذار ثم تصريح للحريري مع شبكة ((سي.ان.ان)) الاميركية تحدث فيه عن بدء عهد لحود بخرق الدستور والاساءة للديموقراطية في خطوة اعتبرها اصدقاء للحريري انها متسرعة (اتصل محمد حسنين هيكل بالحريري، بعد مشاهدته حديثه مع الشبكة الاميركية ليقول له: أبو بهاء لقد تسرعت).

 

 وبدأ الإعداد للخطوة الثالثة في خطة إزاحة الحريري وكانت هذه المرة من فعل اللواء غازي كنعان الذي استند الى حوار مع النائب محسن دلول للبحث عن حل فقال أبو نزار ربما يكون الحل في اعادة التكليف، فالتقطها كنعان على انها بإيحاء من الحريري او انها شرطه للعودة عن الإعتذار، ولم يكن هذا قصد دلول، ولم تكن العلاقات جيدة يومها بين الحريري ودلول بل كان الحريري مبعداً والد صهره عن أي دور اساسي في السلطة او في التشاور.

 

 هنا دبّرها غازي كنعان مع جميل السيد، ففي حين استمع الحريري الى نصائح مقربين ومحبين بالتراجع عن الإعتذار وقبول التكليف، كان الثنائي الامني يكتب مع لحود نهاية المسرحية بقبول اعتذار الحريري المتأهب للصعود الى القصر الجمهوري لاعلان قبوله التكليف حاملاً في جيبه صيغة اول حكومة في العهد الجديد، فسمع عبر وسائل الاعلام قبول اعتذاره ليدرك ان كميناً أعد له في ليل لإبعاده فاستسلم له ليبدأ معه عهد الكيدية السياسية كما اسماها احد اصدقاء الحريري من النواب.

 

وكان من الطبيعي ان يتساءل الرئيس حافظ الاسد عن سر ابتعاد الحريري وتكليف لحود للرئيس سليم الحص بتشكيل الحكومة فاستدعى غازي كنعان ليروي له ان الحريري وضع شروطاً لتشكيل الحكومة بإعادة الاستشارات وفق ما حمله محسن دلول وفي هذا – حسب وصف كنعان – اساءة وعرقلة للحود في مطلع عهده فإنـزعج الاسد الأب من الحريري وبارك تكليف الحص وقطعت الطريق من يومها على أي علاقة مع محسن دلول وأقفلت ابواب القصر الجمهوري في دمشق امام محسن دلول فلم يزره في السنوات الاخيرة من عمر حافظ الاسد كما لم يـزره منذ تسلم بشار الاسد رئاسة الجمهورية، ومع ضمور دور قادة ملف لبنان الشهابي – خدام – دوبا ثم إحالة الاول والثالث الى التقاعد وعزل الثاني عن أي دور ومع عودة اللواء كنعان الى دمشق رئيساً لجهاز الامن السياسي ثم وزيراً للداخلية ومع كراهية لحود لدلول الذي عمل له بكل قوته ليكون رئيساً وجد أبو نـزار نفسه محاصراً متراجعاً وهو يرى ان اولاده خسروا صفقة الخلوي رغم وعود ثبت كذبها من العميد رستم غزالة خليفة كنعان في رئاسة جهاز الامن السوري في لبنان.

 

 وهكذا.. وفي دربه ازاح جميل السيد خصماً اساسياً من خصومه البقاعيين محسن دلول، حتى انه لم يتورع منذ عدة اشهر وتحديداً عام 2004 عن التحدث اليه طالباً منه التنحي عن مقعده الشيعي في البقاع قائلاً له: ((يا أبو نـزار انت كبرت واخذت حصتك بالكامل وقد جاء دوري لآخذ مقعدك النيابي في البقاع الاوسط لأني اريد ترك الاستخبارات والامن العام والتفرغ للعمل السياسي))، فرد عليه محسن دلول بالقول ((يا ابو مالك خلي المعركة رياضية وأهلاً وسهلاً بك الى ميدان المنافسة الرياضية)).

 

 وكان جميل السيد يستند في طموحه الى دعم مباشر وواضح من الرئيس بشار الاسد الذي كان معجباً بشخصية جميل ودوره وكان تعرّف عليه في دمشق وكان يزوره في بيروت ضمن اهتمامات الاسد برفاق دورته الذين درسوا الاركان معه عندما كان يتهيأ للسلطة وكان يلتقيه مع آخرين في الدورة ومنهم جريس لحود ونديم الاسمر وقد استضافوه الى غداء في نادي اليخوت في الكسليك عندما كان عقيداً في الجيش السوري.

 

1998 - 2000

 كانت السنتان الاوليان من عمر عهد لحود وحكومة الرئيس سليم الحص سنتين عجفاوين في حضور الحريري الرسمي، لكنهما شهدتا ازدهاراً في حضوره الشعبي، رافقهما القدر والموت في دعم هذا الحضور بوفاة والدة زوجه السيدة نازك ثم وفاة والده الحاج بهاء الدين، فتحولت التعازي بالرجلين – بفارق عدة اشهر بين وفاة المرحومين – الى استفتاء شعبي حاشد اسس لانتخابات العام 2000 التي جاءت بالحريري على حصان ابيض اين منه حصان لحود تحت وصاية كنعان – السيد.

 وكلما كان حضور الحريري يطغى كان حضور لحود – السيد الامني يطغى اكثر، وتتوالى التدابير الكيدية ضد الحريري، بمنع المستقبلين له في مطار بيروت من الاقتراب من طائرته ذهاباً وإياباً ثم في بدء عملية تشهير برجاله واعتقال البعض منهم وهرب البعض الآخر، وبدء التخلي ايضاً من جانب بعض المقربين منه تحت ضغط التهديد والوعيد واغراءات المناصب، وكلها من تدبير جميل السيد وتحت اشراف اميل لحود وبمباركة من غازي كنعان نفسه.

 

مفتاح لكل الأبواب

 وكان جميل السيد مفتاحاً لكل يد تتملكه، من يد اميل لحود ضد رفيق الحريري، الى يد غازي كنعان ضد اميل لحود، وكان خلاف غازي كنعان مع اميل لحود، فرصة كي يجرب كنعان هذا المفتاح خدمة للحريري هذه المرة ضد اميل لحود.

 

 فقد تمرد لحود على كنعان ولم يعد يتصل به كي يخاطب بشار الاسد، بل اعتمد الاتصال المباشر احياناً وكان يكلف رجل الاعمال طه ميقاتي كي يقوم بدور المتصل بالاسد لحل قضية ما للحود مما كان يغيظ كنعان وهو لا يريد اغضاب ميقاتي صديق بشار فكان مستعداً لإغاظة لحود.. وكانت الفرصة مؤاتية في انتخابات 2000 النيابية.

 

كان الحريري خارج السلطة، وقد اعمى حقد لحود عليه عينيه وبصره وبصيرته حتى لم يعد يرى الا كيف يشنع عليه ويشيع ويفبرك، وكانت الوسيلة الاعلامية (تلفزيون لبنان) هي بابه لهذا السلوك فخدم دون ان يدري الحريري ومده بشعبية كاسحة اوصلته الى اكتساح انتخابات بيروت عام 2000 نكاية بلحود انما دائماً بتدبير من غازي كنعان منتقماً من لحود نفسه.

 

 وأدى غازي كنعان وجميل السيد أدواراً مهمة في ترتيب وضع الحريري في بيروت، من خلال تركيب لوائح بيروت الانتخابية بعد تقسيم العاصمة الى ثلاث دوائر.

 قال غازي كنعان لرفيق الحريري: ((أبو بهاء لك كل بيروت فاترك لنا المقعدين الشيعيين الاول لحزب الله والثاني لناصر قنديل))، ولم يجد الحريري مشكلة في طلب كنعان فرضخ له.

 

 وقال غازي كنعان لرئيس الحكومة سليم الحص خصم الحريري الانتخابي في الدائرة الثالثة في بيروت: ((دولة الرئيس خذ ناصر قنديل على لائحتك فرفض الحص التخلي عن حليفه محمد يوسف بيضون فكان ثمن الرفض إسقاط الحص وحليفه والمجيء بناصر قنديل في حملة قادها جميل السيد لفرض قنديل نائباً)).

 وتولى كنعان والسيد خداع تمام سلام الذي كان شكّل لائحة لمنافسة الحريري انتخابياً في الدائرة الثانية من خلال إيهامه بأن السلطة وسوريا ستؤيده في هذه الانتخابات ضد الحريري، ليكتشف متأخراً ان الاثنين خدعاه وانهما فرضا حزب الله على لائحة الحريري في دائرته بينما كان سلام يستند الى قوة الحزب الانتخابية الشيعية في دائرة المصيطبة.

 

وجاء الحريري على حصان ابيض.. نعم لم يكن لجامه كله في يديه، ففي كتلته النيابية وديعة سورية مكونة من اربعة نواب على الاقل هم ناصر قنديل وبشارة مرهج وعدنان عرقجي وباسم يموت فضلاً عن ان غازي العريضي رغم انه حمامة سلام بين الحريري وجنبلاط الا ان جذوره ساعة الحقيقة جنبلاطية مئة بالمئة، اضافة الى الاصل السوري لنبيل دو فريج.

 

وليردد اميل لحود في مجالسه ان الحريري اشترى جميل السيد بأموال طائلة في هذه الانتخابات دون ان يجرؤ على ذكر اسم غازي كنعان في هذه المنفعة مورداً رقم 15 مليون دولار ثروة جمعها جميل السيد، وكان الاخير يردد انه معتز انه لم يجمع قرشاً واحداً من موقعه الرسمي وان ماله كله جاء من السياسة وهو تقليد بات كثيرون من المتعاطين في العمل السياسي يرددونه أي انهم لم يجمعوا اموالهم من الدولة او استغلال المناصب بل جمعوها من عملهم السياسي استشارات لهذا المتمول أو ذاك سواء سياسياً او غير سياسي، وصفقات في القطاع الخاص وسمسرات هنا وهناك وقسائم نفط عراقية لا شأن للبنان فيها او ((قسمة ضيزى)) اعتمدها النظام المافياوي الامني اللبناني – السوري بين ادواته في لبنان؟!!

 

ومع هذا،

وعندما شكل الحريري حكومته الاولى عام 2000 في عهد لحود لم يكن مطلق اليدين كالعادة فقد اقصي عنها أي تمثيل سني من كتلته النيابية كما اقصي عنها أي تمثيل مسيحي وفرضت عليه ثقالات سياسية وأخلاقية كان مكلفاً بحملها دون حتى الوعد بتغيير سلوك ونهج وممارسات اميل لحود وجميل السيد ضده، وساد بين الاثنين نهج غسيل القلوب أي ان يفعل اميل لحود ما يريد مقابل ان يسكت الحريري عما يريده لحود، واذا تحدث او تنفس انهالت عليه الأسواط من جميل السيد في الاعلام وفي الامن وفي الاشاعات.

 

ولم تفد كل الاغراءات التي وفرها الحريري للسيد قبل وبعد وخلال الانتخابات النيابية عام 2000 فجميل السيد لا صاحب له الا جميل السيد.

كان الحريري يستيقظ صباح كل يوم باكراً على خبر او تعليق في صحف الصباح البيروتية فيقرأه سواء نازلاً على درج منـزله الاصلي في قريطم او في بهو منـزله الملحق فيدرك أن غازي كنعان يستهدفه بأمر ما نتيجة ((تقصير)) ما او هفوة او تسريبة او فيلم رتبه جميل السيد.

 

وكان اسوأ وأكثر ما يؤلم الحريري وهو يعلم ان جميل السيد مكلف من غازي كنعان بإيذائه سياسياً هو مد يده الى الملعب الاساسي لرفيق الحريري وهو الملعب المالي او الاقتصادي.

 

نعم،

حرّم الثنائي لحود – السيد برعاية غازي كنعان على الحريري الدخول الى ملعب الجيش وملعب مجلس النواب حيث كان نبيه بري (وحزب الله) يتصدى له وأيضاً برعاية سورية، اما ان يقتحموا عليه ملعبه المالي والاقتصادي فكان هذا ضرباً تحت الحزام بالنسبة الى الحريري.

 

كان الحريري يدرك ان الياس الهراوي سبق ودخل هذا الملعب انما بأسلوب بدائي ومكشوف فكان يتصل بمصرف B.N.P.I لصاحبه هنري تيان ليقلب امواله فيه من ليرة الى دولار اميركي في اشارة الى عدم ثقة رئيس البلاد بالعملة الوطنية ويتكفل جميل السيد بتعميم هذا الاتصال على سياسيين واقتصاديين ورجال أعمال ومال محليين وعرب وكان الحريري يلتقط الاشارة فيذهب الى الهراوي ليشوف خاطره في هذه المسألة، حتى اذا رفع الهراوي سعره اضطر الحريري للذهاب الى السوري فكان يدفع لحل هذه المسألة مرتين مرة للهراوي ومرة للسوري، وكان هناك من ينصح الحريري بألا يشتبك مع احد حتى لا يدفع دائماً ثمن المصالحة للسوري او لالياس الهراوي.

 

اما ان يدخل جميل السيد على الخط فكانت هذه اشارة خطرة بالنسبة للحريري بعد ان بلغه ان السيد اقام علاقات واسعة وعميقة مع عدد من اصحاب المصارف اللبنانية ومنهم صاحب ((سوسيتيه جنرال)) موريس صحناوي، بل ان هذه العلاقة تعمقت بين الاثنين الى درجة توزير صحناوي في حكومة عمر كرامي الاخيرة بعد ان وصلت الى الحريري اخبار عن تلاعب صحناوي بالعملة الوطنية لضربها خدمة لمشروع لحود – السيد قبل التمديد القسري لاميل لحود.

 

وقد سبق للحود والسيد ان حاولا اختراق صفوف المشروع الاقتصادي للحريري من خلال اقتراح لحود تشكيل لجنة مشتركة بين مجموعة الحريري ومجموعة ابتدعها السيد للحود لوضع ومناقشة الحلول المقترحة للمديونية اللبنانية – وكان هذا يعني تجميداً عملياً لكل حركة اقتصادية يقدم عليها الحريري فضلاً عن تسجيل فشل كامل لتوجهاته، وعرقلة أي محاولة جديدة وصولاً الى تعطيل كل محاولات الانقاذ عبر مؤتمر اصدقاء لبنان وباريس 1 وباريس 2 وقد تم التعطيل الكامل ودفع لبنان غالياً هذا الثمن وتم تحميل المسؤولية كالعادة لرفيق الحريري.

 

جميل السيد ونقاط ضعفه

الى جانب ثقافته وقدرته على الاقناع وجلَده على العمل وصبره وقدرته على تركيب الافخاخ وتفكيكها، وحذره الموصوف ومسايرته لكل الامواج حتى ركوبها دون خوف او وجل او خجل، وحزمه وعزمه ونجاحه منقطع النظير في جعل جهاز الامن العام الاكثر فعالية واجراءاته اكثر انسيابية وقطع أي فرصة للرشوة او استخدام النفوذ الشخصي (عدا الامني والسياسي طبعاً) فإن لجميل السيد نقطتي ضعف قاتلتين:

 

النقطة الاولى: هي تألهه او نرجسيته الشديدة التي تكون جزء منها من معرفته والتقاطه المعلومات عن الجميع سياسيين واعلاميين ومثقفين ورجال دين ودنيا ومجتمع واقتصاد وأعمال وفنانين كان يهوى جمع كل معلومة ولو صغيرة عنهم بما اتاح له ان يعرف نقاط ضعف الجميع وكان بهذا يقارن بينه وبينهم فيجد انهم ضعفاء ولا يملكون ما يهددونه به بينما هو يملك هذا ولا يتورع عنه، فضلاً عن حاجة الجميع اليه، حيث كان يتأخر في تحديد موعد لنائب او وزير لمدة شهر بينما كان على استعداد لأن يفرغ نفسه للقاء صحافي من أجل بث معلومة او كتابة خبر او تحليل ضد فلان او فلان فيأتوه صاغرين تائبين مستعدين للرضوخ وتنفيذ ما يريد.

 

النقطة الثانية:  شهوة وشبق للسلطة لم يكن يتصور يوماً ان يكون خارجها او قرارها.

كان جميل السيد يعرف ان الياس الهراوي عقد ثلاث قمم مع الرئيس حافظ الاسد لخلعه ولم يستطع، وكان يعلم ان الحريري عقد خمس قمم مع الرئيس حافظ الاسد وأيضاً لخلعه او نقله ولم يستطع وكان يعلم كم حاول اميل لحود ايضاً تأديبه.. ولم يفلح.

 

اشتبك جميل السيد مع الرؤساء الياس الهراوي، ونبيه بري ورفيق الحريري واميل لحود وسليم الحص.. وظل هو مكانه بينما كان الآخرون بين مد وجزر.

لم يقف سياسي في وجهه في الحياة المدنية، مثلما لم يقف ضابط خاصة إذا كان شيعياً في وجهه في مؤسسة الجيش والامن العام وكان حريصاً على ابعاد أي ضابط متفوق او طموح، او يلزمه ان يكون تابعاً له متابعاً له كظله حتى لو كان مغموراً، مع حرص على معاقبة أي ضابط يعرف انه توجه الى مصيلح للقاء الرئيس نبيه بري، وتعددت اشتباكاته مع اللواء لطفي جابر واللواء عصام عطوي والعميد ابراهيم عباس، وعندما جاء  الى الامن العام ابعد مجموعة كبيرة من الضباط المجازين بالحقوق وجاء بمجموعاته ولم يكن أي منهم قد تجاوز دراسته الثانوية فاقتلع الاكفاء وجاء بالموالين.

 

كانت علاقة جميل مع السوريين هي المقياس، وعندما دعت الحاجة الى تمتين هذه العلاقة وجدها من خلال اللقاء الاسبوعي مع نجيب ميقاتي وشقيقه طه حتى اذا عزز وجوده في قصر المهاجرين توقف هذا اللقاء بحجة انشغال جميل الدائم.

 

لم يكن يقف في وجه جميل السيد الا اللواء غازي كنعان وكان جميل يحسب له الف حساب ويأتيه دائماً من تحت اما مع رستم غزالة فكانت العلاقة ندية جداً.

قصر سيادة اللواء

 

اشترى – أو بادل – جميل السيد شقة له في بيروت مع وعد بدفع مبلغ من المال لآل مبارك الذين كان أحدهم بنى قصراً لم يكتمل في رياق فسجله جميل باسمه وحوله إلى قصر منيف.

 

وآل مبارك كانوا يعملون في سياسة الخيل عند آل فستق في رياق، وخلال الحرب رحلوا معهم وقبلهم إلى باريس لمتابعة هذا العمل وهو هواية لآل فستق وبعد فترة هاجر الجميع إلى أميركا وهناك استقل آل مبارك بأعمالهم ونجحوا نجاحاً كبيراً دفعت أحدهم ليعود إلى بلدته رياق لبناء هذا القصر الذي اشتراه أو بادل به جميل السيد ولم يكن قد اكتمل بعد فعمد جميل إلى بنائه على الطريقة السورية بالضخامة وفخامة الأرض الزراعية حوله (60 ألف م2) والديوانية الكبيرة المفتوحة إلى جانب القصر.

 

بلغ اللواء كنعان ان الناس تطلق على منـزل جميل السيد اسم القصر فإتصل هاتفياً بالمكان فإذا عامل الهاتف يجيب قصر سيادة اللواء السيد نعم، فانهالت شتائم كنعان على اللواء وقصره وخادمه، ثم قرر خلع جميل السيد عام 2001، فوسّط جميل كل معارف كنعان وأصحابه لمنع هذا النقل حتى تجاوز المسألة.

 

أما حين اختلف جميل السيد مع رستم غزالة وبدأ كل منهما يتحدث عما سرقه الآخر وارتكبه من إساءات مشينة ومسائل لا أخلاقية (في هذه المسألة تحدث جميل السيد عن زيجات وعلاقات رستم النسائية المتعددة، وتحدث رستم عن الغرفة المحصنة التي أقامها جميل السيد داخل مكتبه في الأمن العام لعلاقاته الخاصة) فإن غازي كنعان كلف نجيب ميقاتي ان يصالح الاثنين، فدعاهما أبو ماهر إلى غداء عنده فحضر رستم وغاب جميل دون اعتذار، فلما عرف أبو يعرب حرض نجيب ميقاتي على جميل قائلاً: ولو يا نجيب انت وزير كيف بيغيب موظف عندكم عن دعوة غداء في منـزلك ولا يعتذر؟!!

 

 أياً يكن الأمر

فإن جميل السيد وقادة النظام الأمني اللبناني – السوري الذي حكم لبنان منذ العام 1989 وأفقده استقلاله والأمل بخلاص شعبه وتقدمه، حتى جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14/2/2005 وانفجار انتفاضة الاستقلال التي أعادت الأمل للبنانيين بالخلاص مع انسحاب القوات السورية واستخباراتها وفكفكة هذا الجهاز، دفعوا غالياً ثمن هذه الممارسات التي أساءت للبنان كله وسوريا كلها وشعبيهما والعلاقات العظيمة التي كانت بينهما والتي كان يمكن أن تكون لخيرهما جميعاً.

 

وبالنسبة لجميل السيد فقد ترك هذا الرجل انطباعاً عاماً عند الجميع انه حاد الذكاء وحيد عصره وزمانه، من خلال نجاحه بإيصال إميل لحود إلى الرئاسة والجميع يعرف ان هذه المسألة هي قرار سوري لا مرد له، لكن النهاية التي وصل إليها عهد إميل لحود بل وكانت نتائجه كارثية خلال ست سنوات، دلت على ان هذا الذكاء إما انه لم يكن يستخدم في مكانه وإما انه وهم تؤكده نسبة وفداحة الأخطاء التي ارتكبت خلال السنوات الست الماضية، هذا فضلاً عن ان جميل السيد نفسه لم يستطع حماية جميل السيد صاحب صاحبه. كان البعض يعتقد ان جميل السيد كان يدفع إميل لحود إلى ما أسماه هو الخطأ المقصود لتوريطه ثم الدفاع عنه ليظل تحت سيطرته، وهذا التعبير استخدمه جميل نفسه عندما دخل منـزل الحريري بوساطة من اللواء غازي كنعان ليفسر لماذا اقتحمت عناصره وزارة المالية واعتقلت مديرة مكتب الوزير فؤاد السنيورة عندما كان إميل لحود قائداً للجيش.

 

غير ان المسالة ليست جميل السيد وحده، بل هي النظام الأمني اللبناني – السوري كله، الذي نظر إلى لبنان كله بشعبه ومقوماته ومكانته ودوره كمجموعات مسلحة يمكن ان تهدد هذا النظام في لبنان وفي سوريا أيضاً، فكان التركيز دائماً على بناء أجهزة استخبارات تكاثرت وكبرت وتعززت مادياً وبشرياً مقابل تحطيم كل مؤسسات الدولة اللبنانية، وبهدف واحد دائم هو تدمير بنية النظام السياسي اللبناني، بقتل الحياة السياسية فيه تماماً كما تم في سوريا خلال 30 سنة من عهد حافظ الأسد و5 سنوات من عهد بشار الأسد.

 

كان كثيرون يعتبرون ان الممارسات الأمنية السورية في لبنان واستتباع الأجهزة الأمنية اللبنانية المضخمة لها هدف واحد وهو إزالة مبرر بقاء لبنان دولة مستقلة ذات سيادة ودور ورسالة لإلحاقها بالكيان السوري خطوة خطوة.. حتى ولو لم يكن الأمر رسمياً أو علنياً، لكن واقع الحال في لبنان منذ العام 1989 حتى انتفاضة الاستقلال بعد جريمة اغتيال الحريري يؤكد ان هذا الهدف كان متحققاً فعلاً.. والفضل كما قلنا لجميل السيد والنظام الأمني اللبناني – السوري الشامل.

لقد جعلت الاستخبارات العسكرية وغيرها في لبنان من نفسها مرجعاً سياسياً للمواطنين وليست جهازاً أمنياً لحماية الوطن، فحكمت الوطن والمواطنين وتحكمت بهم وبمصالحهم.. وبالغت حتى قرب موعد محاكمة قادة هذه الأجهزة هم أنفسهم.

 

وفقدت هذه الاستخبارات حس الدبلوماسية السرية وهي أساس نجاحها، فتعهرت ورقصت عارية على المسرح وهي ترمي الجمهور بكتل من النار فانفض عنها وخافها وترقب لحظة وصول النار إلى أركان المسرح لحرقه وتدميره بمن فيه وهذا ما حصل في انتفاضة الاستقلال.

 

توقفت هذه الاستخبارات عن أن تكون مرجع معلومات لصنع القرار العسكري والسياسي وهذا هو صميم عملها السري وبدل ان يفاخر الضباط الأكفاء فيها بكونهم مراجع المعلومات السرية التي تصنع القرارات المصيرية في الوطن سلماً وحرباً تقدماً وتراجعاً دخلوا مستنقع العمل السياسي تحت عناوين التأله وانعدام الثقة بالسياسيين وفقدان الكفاءة بينهم وبات الضابط الأمني مرجعاً سياسياً متخلياً عن دبلوماسيته السرية كالطبيب الذي يفشي سر مريضه.

 

ليس ممنوعاً على الاستخبارات ان تتصل بالسياسيين، لكن الاعلان عن ذلك هو الخطأ، والمجاهرة بمرجعيتهم لكل صغيرة وكبيرة في الوطن يجلس الهرم على رأسه فينكس الرأس وهذا ما حصل في لبنان عند زلزال جريمة اغتيال رفيق الحريري.

 

قراءة خاطئة

بعد ساعات من استشهاد الحريري وفي جلسة طارئة لمجلس الدفاع العسكري اللبناني وقف جميل السيد ((مطمئناً)) الخائفين في الاجتماع قائلاً في أول مرة يختصر فيها كلامه: لا تخافوا لن يستمر الغضب والحزن إلا ثلاثة أيام وبعدها يعود كل شيء إلى حاله!!

 

قراءة خاطئة

تماماً مثلما قال إميل لحود حين بدأ حملته الإعلامية ضد رفيق الحريري قبل انتخابات 2000 ورد على الذين أوصلوا له رد الفعل العكسي على هذه الحملة واستفادة الحريري منها: اعطوني ثلاثة أيام لتروا ان الحريري أصبح في الأرض!!

 

قراءة خاطئة

تماماً مثلما قال أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله وقبل ثلاثة أيام من استقالة جميل السيد: بسيطة دعوه يذهب سفيراً إلى الخارج إلى ان تستقيم الأمور من جديد.

 

قراءة خاطئة؟

بل هي حالة الخوف والإرعاب والخنوع والانتهازية والنفاق والإغراءات التي جعلت حالة جميل السيد في لبنان كحالة النظام الأمني اللبناني – السوري المافياوي فزّاعة بل إشاعة أخافت اللبنانيين جميعاً وكانت بحاجة إلى حقيقة تفيق الناس لنبذ الإشاعة ودفنها وكانت الحقيقة هي زلزال اغتيال رفيق الحريري أفاق الناس عليها ليبدأوا منها انتفاضة الاستقلال وقيامة الوطن.