الكذبة التي طالت أكثر مما يجب!

الأحد 19 فبراير - الغد الأردنية

بقلم/ خيرالله خيرالله

للمرة الأولى منذ فترة طويلة، يوجد في لبنان من يقول الحقيقة من دون مواربة بعيداً عن أي نوع من التزلف والتملّق لهذا الطرف أو ذاك.

لحقيقة كما يجب أن تُقال من دون مواربة، أي المشكلة التي يعاني منها لبنان فعلاً.

هل مسموح له أن يكون بلداً ووطناً أم يبقى مجرّد "ساحة" للنزاعات الإقليمية؟

 أبعد من الجدل الدائر حالياً في شأن مزارع شبعا، وهي أرض لبنانية ينطبق عليها للأسف القرار (242) باعتبار أنها احتلّت (1967)، ولا بد من أن تتوضّح في ذهن اللبنانيين والعرب الفكرة التي يتحدّث عنها هذه الأيام الزعيم الوطني وليد جنبلاط.

 تكمن المشكلة أن لبنان، المغلوب على أمره، قََبل ضمناً أن تكون مزارع شبعا تحت السيطرة السورية في الخمسينيات لأسباب مرتبطة بالأمن السوري كما أدّعت دمشق في حينه. وقد دخلت الى شبعا قوات سورية قبل عشر سنوات من وقوع حرب (1967) وطردت العناصر التي كانت في المخافر اللبنانية الموجودة في المنطقة. لم يثر لبنان القضية وقتذاك خشية الاصطدام بالحكومة السورية، لكنّ الرئيس سامي الصلح الذي كان رئيساً للوزراء في عهد الرئيس كميل شمعون أشار الى الموضوع في مذكراته، التي صدرت لاحقا، وأكد أن السوريين سيطروا على المزارع بالقوة في العام 1957. كل ما في الأمر أن مزارع شبعا لبنانية وهي مملوكة من لبنانيين، لكنّ سورية ضمتها بطريقتها الخاصة من دون أن يعترض لبنان لدى الهيئات الدولية أو الإقليمية على ما حصل حين كان يجب أن يعترض. ووثّق لبنان عملية الضم واعترف بها بصمت عبر خارطة رسمية وضعها الجيش اللبناني تعود الى العام 1962. ولدى وليد جنبلاط نسخة من الخارطة عرضها على زوّاره قبل أيام.

خسرت سورية شبعا مع الجولان. وعندما توصلت الى اتفاق فك الاشتباك الأول والأخير مع اسرائيل (1974)، انتشرت قوة المراقبين الدولية في الجولان بموجب خرائط دولية، لم تعترض دمشق عليها. أخذت الخرائط  في الاعتبار أن مزارع شبعا أرض سورية ينطبق عليها القرار 242، الصادر عام (1967).

هذه هي قصة مزارع شبعا بكلّ بساطة، وهي قصة تدعم وجهة نظر وليد جنبلاط الذي يعتبر أن القضية كلها قضية مفتعلة من ألفها الى يائها، وذلك كي يبقى لبنان أسير المحور الإيراني- السوري الذي يمثله "حزب الله" الميليشيا الوحيدة المسلّحة في لبنان. أما التفسيرات التي أعطاها السيّد حسن نصرالله الأمين العام لـ"حزب الله" في خطابه الأخير قبل أيام لتبرير ضرورة تحرير مزارع شبعا كونها أرضاً لبنانية، فإنها لا تتجاوز قضية البحث المستمر عن سبب ليظلّ لبنان ورقة في يد الحلف الإيراني- السوري المصرّ على استنزاف لبنان وشعبه.

لا داعي لإثارة موضوع المقاومة ودورها في تحرير الجنوب من الاحتلال ومناقشته والبحث جدّياً في ما إذا كانت لا تزال ثمة حاجة اليها. هذه أمور سيحكم عليها التاريخ يوماً، لكن ثمة ما يدعو حالياً الى قول كلام جدّي في شأن الضرر الذي يلحق بلبنان جراء بقاء جبهة الجنوب مفتوحة، في وقت أعلنت الأمم المتحّدة ومعها المجتمع الدولي أن على لبنان احترام ما يسمّى "الخط الأزرق" الذي انسحبت اليه إسرائيل في العام 2000. هذا الخط، وهو خط الهدنة، يمثل الى حدّ كبير الحدود التي بين لبنان وفلسطين. وبغض النظر عن مسألة ترسيم الحدود النهائية للبنان في تلك المنطقة، يظل السؤال الأساسي ماذا يريد اللبنانيون؟ هل يريدون تحرير فلسطين انطلاقاً من جنوب لبنان أم يريدون حماية المفاعل النووي الإيراني عبر ميليشيا "حزب الله" التي تجعل النظام الإيراني على تماس مع اسرائيل؟

 في النهاية لا وجود لرأي لبناني موحّد في سلاح "حزب الله"، ذلك أن هذا السلاح نتيجة منطقية لمعادلة سياسية وأمنية معينة كانت مسيطرة على لبنان. وأتاحت هذه المعادلة للحزب إقامة دولة خاصة به في لبنان بعدما حوّل مناطق عدة جزراً أمنية تابعة له. أي مستقبل للبنان في ظل استمرار وجود هذه الجزر؟ هل يمكن بناء دولة لبنانية ما دامت هذه الجزر قائمة؟

لقد تبين من تجارب الماضي ألا مجال لأي تعايش بين منطق الدولة ومنطق الثورة. وما يقوم به "حزب الله" حالياً تكرار تلك التجربة. الرهان لدى الحزب على أن المنطقين يمكن أن يتعايشا ما دام المسلّحون الذين في إمرته من اللبنانيين. نعم أنهم لبنانيون، أنهم مواطنون يمتلكون الحقوق نفسها التي يمتلكها أي مواطن آخر. ولكن ماذا عن الواجبات المترتبة على المواطن اللبناني تجاه بلده ودولته التي لا أحد غيرها يمكن أن يحميه ويحمي مستقبله ومستقبل أولاده؟

 من واجب كل سياسي لبناني في هذه المرحلة دعم موقف وليد جنبلاط. وبكلام أوضح، من واجب المسيحيين توفير غطاء لطرح وليد جنبلاط الذي تبيّن أنه سياسي عربي من الطراز الرفيع بسبب قدرته على ربط الأوضاع الداخلية بالأوضاع الإقليمية ربطاً محكماً لا تستطيع القيام به سوى قلة من اللبنانيين لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة. واذا كان زعماء السنّة في لبنان غير قادرين على قول رأيهم الصريح بسلاح "حزب الله" بسبب الخوف الحقيقي من حرب ذات طابع مذهبي، لابد أن يخرج سياسيون ومثقّفون شيعة عن صمتهم لقول رأيهم الواضح والحقيقي في الحزب وسلاحه وممارساته التي بدأت بإسكات كل صوت شيعي له معنى، ارضاء للمرجعية الايرانية للحزب. لقد كان المثقفون الشيعة الضحية الأولى  لـ"حزب الله" وذلك قبل أن تبدأ موجة خطف الأجانب في لبنان.

 لابد لكل لبناني أن يتذكّر في نهاية المطاف ألا وجود لأكثرية ذات طابع ديني أو مذهبي في لبنان بغض النظر عن الأرقام التي تشير الى أن عدد المسلمين يفوق عدد المسيحيين. هذه ليست المسألة، نظراً الى أن كل طائفة لبنانية أقليّة في حدّ ذاتها. لبنان مجموعة أقلّيات لا أكثر ولا أقلّ وكل ما عدا ذلك كلام لا معنى له. ولو لم يكن الأمر كذلك، لما اضطر "حزب الله" الى التخلي عن مشروعه الأصلي بإقامة "جمهورية اسلامية" في لبنان على نسق الجمهورية التي أقيمت في ايران. اكثر من ذلك، إن لشيعة لبنان مصلحة حقيقية في لبنان السيّد المستقل تفوق حتى مصلحة المسيحيين والسنّة، السنّة الذين اكتشفوا في السنوات الأخيرة أن باستطاعتهم اجتراح المعجزات متى تعاونوا مع اخوانهم المسيحيين من أجل لبنان ولا شيء غير لبنان.

 من يريد التأكد من ذلك يستطيع العودة الى ما حصل من أحداث  خلال سنة (أي منذ 14 شباط- فبراير 2005). من أبرز ما حدث بعد استشهاد رفيق الحريري، نزول أهل السنّة الى الشارع واخراج القوات السورية من لبنان، في وقت لم يكن أحد يتجرأ حتى على أن يحلم بخروج العسكر السوري من البلد.

 آن لتلك الكذبة التي اسمها مزارع شبعا أن تنتهي. هذه الكذبة طالت أكثر مما يجب. فإما أن يعود لبنان وطناً وإما أن يبقى "ساحة". إما أن ينتصر منطق الدولة وإما لا قيامة للبلد. ثمّة حاجة قبل كل شيء الى رجال من كلّ الطوائف يدعمون وليد جنبلاط الذي لا يقول هذه الأيام سوى الحق مدركاً الأبعاد التي ستترتب على بقاء لبنان أسيراً لسياسات لا علاقة له بها، أسير سياسات تسعى الى عقد صفقات مع "الشيطان الأكبر" على حسابه ليس الاّ. هل من طموح لدى النظام الإيراني أو النظام السوري غير الوصول الى مثل هذا النوع من الصفقات؟ لو كان الأمر مختلفاً لماذا أيّدت طهران كل خطوة أقدم عليها الاحتلال الأميركي في العراق؟ هل يستطيع "حزب الله" وغير "حزب الله" الإجابة عن هذا السؤال وعن غيره من الأسئلة المتعلّقة بالتواطؤ الإيراني مع الأميركيين في العراق؟

***كاتب لبناني مقيم في لندن

 

كلفة المقاومة على لبنان واللبنانيين: أنه الموضوع الأساسي

الأربعاء 22 فبراير

خيرالله خيرالله  - ايلاف

هل من منطق لبناني يضع البلد ومصلحته فوق كلّ أعتبار؟ في حال كان هناك مثل هذا المنطق، يمكن أن يكون للحوار بين اللبنانيين معنى ما، بدل ان يكون الحوارمجرد وسيلة للهرب من الواقع المتمثل في سؤال في غاية الوضوح والبساطة هوالآتي: أي لبنان نريد؟ لبنان المنفتح على العالم القادر على أن يبني نفسه مستعيداً دوره في المنطقة، لبنان القادر على توفير فرص عمل لجميع أبنائه ... أم لبنان "الساحة" التي تستخدم لتصفية الحسابات بين الأطراف الأقليمية أو بين بعض الأطراف الأقليمية من جهة  والعالم ممثلاً  بالولايات المتحدة والأتحاد الأوروبي  وبقواه الأخرى من جهة اخرى؟

لدى لبنان مصلحة حيوية  في الأستمرار في مشروع الأنماء والأعمار الذي بدأ في العام 1991  مع أفتتاح ورشة أعادة بناء الوسط التجاري في بيروت. لا مستقبل للبنان من دون هذا المشروع الذي يؤسس لأعادة بناء الطبقة المتوسطة وتوسيعها، لأن لا  لبنان من دون طبقة متوسطة تشكّل العمود الفقري للبلد وثروته الحقيقية بمساهمتها في أيجاد قاسم مشترك وقيم مشتركة بين اللبنانيين. أن الطبقة المتوسّطة كانت في أساس صمود لبنان طوال فترة الحرب التي أمتدّت من العام 1975 الى العام 1990 لدى القضاء على تمرّد العماد ميشال عون الذي لم يُحسن ولن يحسن يوماً  قراءة معنى أتفاق الطائف وأهميته على الصعد الداخلية والأقليمية والدولية.

من دون طبقة متوسّطة لا قيامة للبنان، لذلك تنصب الجهود منذ العام 1998، أي منذ وصول الرئيس أميل لحود الى الرئاسة على تعطيل مشروع الأنماء والأعمار بغية تعطيل المشروع المفضي الى تعزيز دور الطبقة المتوسطة التي تضم عائلات من كل المناطق والمذاهب، عائلات تؤمن بأن التقدم على الصعيد الفردي والعائلي والوطني  مرتبط الى حدّ كبير بالتعليم المتطور الذي يشكل الثروة الحقيقية التي لا بد من المحافظة عليها، أضافة بالطبع الى أنها ضمانة المستقبل لأي فرد من أفراد العائلة.

متى يحصل تفاهم على الأسس، يمكن  الحديث عندئذ عن حوار مثمر بين اللبنانيين بعيدأً عن أي نوع من الشعارات الفارغة التي لا هدف منها سوى تبرير الأرتباط  بأجندات خارجية لا علاقة لها بلبنان لا من قريب ولا من بعيد. متى يحصل تفاهم على الأسس، يمكن البحث في مسائل بديهية من النوع الذي  يعطي معنى للكلام عن المقاومة وضرورة المحافظة على المقاومة، هل السلاح يضمن لشيعة لبنان حقوقهم  أم الدولة العادلة التي تحافظ على حقوق جميع المواطنين وتحميها؟ هذا أحد السؤالين الكبيرين اللذين لا بدّ من طرحهما بدل الدخول في جدل بيزنطي لا فائدة منه في شأن القرار 1559 الذي يدعو الى حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية. أما السؤال الكبير الآخر، فهو مرتبط بالخيارات المسيحية ومستقبل المسيحيين في لبنان ومدى أرتباطه بوجود رئيس قوي يتكل على المعادلات الأقليمية من أجل حماية موقعه كما فعل أميل لحّود الذي أعتبر أن الأستزلام للنظام السوري يمكن أن يعوّض ما فقده الرئيس المسيحي من صلاحيات بسبب أتفاق الطائف. لم يدرك أميل لحّود أن الصلاحيات التي فقدها رئيس الجمهورية في أساس المعادلة الجديدة التي تحكم العلاقات بين اللبنانيين لا أكثر ولا أقل وهي تساهم الى حدّ كبير في جعل المسؤوليات المتعلقة بالمحافظة على لبنان المستقلّ  وحمايته موزعة على الجميع بدل أن تكون محصورة بالمسيحيين وبالموارنة تحديداً.

ثمة نضج لدى الدروز الذين باتوا يعون أن لبنان وطن نهائي لا بديل منه. وثمة نضج لدى قسم كبير من أهل السنّة بدأوا يدركون أن لبنان ذو المجتمع المتسامح والنظام الديموقراطي خير من نظام يرفع شعارات العروبة وينفّذ عملياً ما تطلبه أسرائيل. لقد أدرك أهل السنّة بعد مخاض عسير أن لبنان  بالنسبة اليهم ،أفضل من أي مكان آخر وان ولاءهم يجب أن يكون له وليس  للخارج، لا لجمال عبد الناصر ولا  لياسر عرفات وليس لرافعي الشعارات العروبية المزيفة من بعثيين وغير بعثيين في دمشق أو في بغداد.

في النهاية، ليس أمام أي مؤتمر أو لقاء يبحث في الحوار بين اللبنانيين سوى مواجهة الحقائق كما هي بعيداً عن أي نوع من المسايرة. والحقائق تعني أوّل ما تعني ما هي الكلفة التي سيتحملها لبنان في حال أصرّ على رفع شعار المقاومة فيما كل الجبهات العربية الأخرى صامتة؟ ما كلفة الحديث عن المقاومة التي تخدم الحور السوري- الأيراني ليس ألاّ والتمسّك بها في حين أن المقاومة التي ينادي بها "حزب الله" تحوّلت عراضات لا هدف منها سوى تخويف اللبنانيين الآخرين وتذكيرهم  بأن هناك فريقاً مسلحاً قادراً على أجتياح بيروت وغير بيروت ساعة يشاء؟

الكلفة ولا شيء غير الكلفة. ذلك ما يفترض أن يكون عنوان أي حوار بين اللبنانيين،  في حال كانت هناك رغبة في الوصول الى نتيجة تصب في مصلحة الشعب والبلد. لماذا لبنان خائن من دون "مقاومة" ولماذا النظام السوري نظام وطني من الواجب الأقتداء به في وقت لم تطلق رصاصة من الجولان منذ أحلته أسرائيل في العام 1967، خصوصاً منذ التوصل الى أتفاق فك الأشتباك بين سوريا وأسرائيل في العام 1974 بفضل مساعي هنري كيسينجر وزير الخارجية الأميركي وقتذاك؟ هل لبنان خائن لأنه يحترم "الخط الأزرق"  وهو خط أتفاق الهدنة مع أسرائيل في العام 1949 وسوريا- النظام وطنية لأنها تحترم أتفاق فك الأشتباك مع أسرائيل الذي أبقى على جزء لا بأس به من أراضيها تحت الأحتلال؟ لماذا لا يقيم لبنان حسابات على الطريقة السورية؟ لو كانت سوريا- النظام قادرة على تحقيق أرباح، هل كانت  ألتزمت الهدوء ولا شيء غير الهدوء مع أسرائيل التي تحتلّ أراضيها وراحت تطلق يومياً الصيحات المحذرة من المسّ بالمقاومة في لبنان؟ أن المقاومة تصبح حلالاً عندما يكون الخاسر لبنان وعندما تكون على حساب الشعب اللبناني الذي لن يكون قادراً عندئذ على الأستمرار في التنمية التي تصب في مصلحة كل الناس الى أي فئة أو طائفة أنتموا!

لا حاجة الى شعارات ترفع في أي حوار بين اللبنانيين. كل ما في الأمر أن الموضوع يتعلّق بالكلفة، كلفة المقاومة وما تفرضه من ضريبة على المواطن اللبناني الذي عليه أن يتحملّها بالغصب منه من أجل أن أن يعقد النظام السوري أو النظام الأيراني صفقة على حساب لبنان واللبنانين يخرج منها النظامان رافعين شعارات الوطنية والتقدمية والأنتصار على الأمبريالية! تلك هي الحقيقة. وكل ما عدا ذلك تفاصيل لا معنى لها بأستثناء أنها تشكّل أعباء لا قدرة للبنان على تحمّلها من اجل أن ينعم غيره بصفقة من هنا أو هناك أو هنالك بأسم محاربة "الشيطان الأكبر" الذي لا يلبث أن يتحوّل شيطاناً ظريفاً عندما يُضحي بلبنان واللبنانين!

لا يربح لبنان  شيئاً خارج مشروع الأنماء  والأعمار، ولذلك كان ذلك الأصرار على تعطيل المشروع بحجة المقاومة أحياناً وبحجة التصدي للفساد في احيان كثيرة، الى أن تبين أن الفاسدين الحقيقيين هم الذين يعطّلون المشروع خدمة لأسيادهم خارج لبنان. متى يدرك اللبنانيون هذه الحقيقة، لا تعود حاجة الى حوار. تعود حاجة فقط الى  تحديد الأولويات. الأولويات في متابعة المشروع الحضاري الوحيد المطروح على اللبنانيين  والهادف الى توسيع الطبقة المتوسّطة في البلد وجعل تجربة أعادة أعمار الوسط التجاري تمتد الى مناطق لبنانية أخرى كي يستفيد منها أكبر عددٍ من اللبنانيين خصوصاً في محيط بيروت. أن الطبقة المتوسطة التي تعلّم أبناؤها في أفضل الجامعات بنت لبنان وستبنيه مجدداً مستندة الى مشروع الأعمار الذي أنطلق من وسط بيروت. ذلك هو التحدّي الذي يواجه لبنان واللبنانين في وجه قوى الظلام الساعية الى أبقاء البلد مجرد "ساحة" بدل أن يكون  قادراً على البحث عن مصلحته الحقيقية بغض النظر عما يريده هذا الطرف الخارجي أو ذاك. أن السؤال عن الكلفة بما في ذلك كلفة المقاومة التي يتمسّك بها النظامان في سوريا وأيران هو الذي يعطي معنى للحوار بين اللبنانيين يعيداً عن الكلام التخويني الذي لا فائدة منه. مثل هذا الحوار اكثر من مطلوب خصوصاً اذا كان هناك من يتجرأ على خوضه!