أخرجوا الذين جنّستموهم زوراً! انّهم يخرّبون لبنان

بقلم مي مر (•)

 18 كانون الثاني 2007

مرسوم تجنيس الغرباء الذي وقعته الايدي العابثة بمصائر لبنان، لا يزال يقض على اللبنانيين مضاجعهم منذ استصداره. هذا المرسوم هو حقا "فضيحة" و"تغيير ديموغرافي متعمد" كما نعته النائب نعمة الله ابي نصر، بطل هذه القضية المصيرية. والى ان يلغى هذا المسمى مرسوما والذي ارادونا ان نصدق انه محق، في حين انه مصيبة، وسيظل من أفظع خطايا الساسة المميتة، تلك التي ينعتونها في الدول الحضارية، "بالخيانات العظمى".

 

لدينا مجموعة اوراق من مكتبة اللبناني الكبير النائب الصادق الوطنية نعمة الله ابي نصر: انها على التجنيس. هذا النوع من التجنيس بالجملة، ومن غير وعي – وكان الوطن هو احدى دساكر البيع والشراء واللهو بالمصائر -، هو مما يوجع الرأس والقلب ويحرم من الراحة! انه احدى الجرائم الكبرى في حق لبنان. اقترفت هذه الجريمة منذ سنين، ولم نتمكن بعد من استيعابها، ولا يزال ضميرنا الوطني يتقيّأها كل يوم. فحواها ان ساسة لبنان، "منحوا" الجنسية اللبنانية – وكأنها ملك لهم - لمئات الآلاف من البشر، جاءوا وطننا من كل حدب وصوب، من دون اذن من أية سلطة مسؤولة، ومن دون ان يتعرفوا اليهم عبر امتحان مسبق، ويعرفوا ماذا يساوون: لا فحصوهم صحيا للتأكد من انهم لا يحملون لنا الامراض. ولا فحصوهم عقليا لمعرفة ما اذا كانوا سليمي العقول. ولا سألوا اي منجزات (مدارس، مزارع، مصانع...) أنشأوا في لبنان وللبنان، إبان مكوثهم فيه، وبماذا افادوه ان سيفيدونه؟ ولم يدققوا في اوراقهم الثبوتية، ليتأكدوا انها صحيحة لا غش فيها، ولا عرفوا إن كانوا ممن حمل السلاح ضد لبنان – وممن حكم اولم يحكم عليه بالسجن -، وبالتالي سيحمله مجددا؟ولاي سبب اذن جنسوهم؟ كل ما دار حول هذا المرسوم، ان هو الا تبريرات واهية لم تقنع احدا بصلاحها. جنّسناهم، قالوا، لانهم مكثوا عندنا عشر سنوات، فصار لهم حق في الجنسيةّ... الذين قالوا هل نسوا – بل انهم تناسواّ - ان حدودنا السائبة منذ اتفاق القاهرة المشؤوم، سمحت لاي كان، ولا سيما للمتخصصين في القضايا الاجرامية، بدخول بلادنا وانتهاك حرماتنا، والعبث بمقوماتنا الوطنية؟

 

وأكيدا لم يسألوا الاختصاصيين – ولا سيما الشعب اللبناني، عبر الاستفتاء مثلا -، ان كان يجوز التجنيس بهذه الكثرة في أي من البلدان. ولا راعهم تجنيس الآلاف في بلد كلبنان مساحته لا تتعدى الـ10452 كلم2، ويضيق بسكانه الذين يهاجرون بالآلاف كل يوم! فيما معظم البلدان خصوصا المجاورة، حتى الملايينية المساحات، لا تجنس احدا ولا تبيع غريبا ولو شبرا من ارضها؟

 

وهل حكى لهم التاريخ عن بلد جنس بشرا بمئات الآلاف، وحتى بالآلاف، او المئات، غير لبنان؟

 

هواة التجنيس من ساسة لبنان، هل كانوا يعلمون – أجل كانوا يعلمون، وهنا خطيئتهم الفادحة! -، ان التجنيس مقصود وقصده اغراق لبنان في الأغراب، وتفريغه من اهله؟ اجل كانوا يعلمون لكن "سياسيي انفسهم"، كانوا ينتظرون المغانم الانتخابية. هؤلاء المصابون بداء الكراسي، الذين راحوا يثقلون مناطقهم بمن يصوّت لهم دون الالتفات الى امر آخر! هؤلاء تصرفوا كمن يفرغ الجسم الحي من خلاياه الصحيحة، ويملأه بالخلايا المريضة او المميتة! وكعميان البصائر، انتهكوا حرمة موتانا، واستعملوا هوياتهم لتجنيس غير المستحقين.

 

هذا ولم نحك بعد عن تجنيس 1940 شخصا، لم يطلبوا تجنيسهم فغدوا لبنانيين بالاكراه"! ومن يصدق امرا كهذا! ولا عن الذين "منحوا" الجنسية وهم يقضون عقوباتهم في السجن"، ولا عن "70 الف فلسطيني، وراء 70 الفا، فسبعين الفا... - جنسوا سرا...

 

ولا حكينا عن مأساة "حجب الجنسية عن اللبنانيين المنتشرين في العالم، ولو كانوا من المخترعين والعلماء والصناعيين الكبار حتى لا نقول من صنف الحكام.

وماذا نقول عن عائلات اللبنانيات المتزوجات من غير اللبنانيين، اللواتي عوملن وكأنهن حتما اقل قدرا من ابخس الرجال الذين تعطى الجنسية تلقائيا لعائلاتهم، وهي نقطة بين النقاط الكثيرة السوداء، التي تبخس المرأة حقها في التساوي مع الرجل، في مجتمعات شرقنا المريض! ومأساة "التهجير أولم تفتعل خصوصاً بتفقير الناس وبالتالي بحرمانهم من العمل والمأوى والتطبيب... وذلك لتسهيل حذفهم من قوائم اهل لبنان؟ هذا وبكل وقاحة يطالبون هؤلاء المنتشرين بالعون المادي والدعم السياسي"، للبنان، قال!...

 

لا، نحن لم نحك مطوّلاً عن كل هذا، لكن النائب المقدام نعمة الله ابي نصر، حكى عنا منذ سنين... ولا يزال يحكي، والارقام والوقائع، والفواجع بين يديه!... ولا يزال يصرخ، يدعمه "التيار الوطني الحر"، الذي اختار الانتماء اليه، كما دعمته ومنذ البدء مجموعة مفكرينا والرابطة المارونية وجميع الصالحين. ولكم قدم حلولاً، ما كانت تتضمن شيئاً يستوجب رفضها، واوقفت ورُفضت، ووُعد بهذا وبذاك! ووُعد اخيراً بحذف الذين جنّسوا دون طلب منهم. وجاءت الوعود كلها سراباً بسراب!

والمشكلة الكبرى هي انهم جنّسوا العائلات! ما أقْهمَ الناس انهم يرفضون الافصاح عن ارقام التجنيس الحقيقية التي قد تكون بلغت حوالى 600 الف نسمة الى 700 الف (سمعنا هذا الرقم من فم رئيس جمهورية سابق، اطلع على الملف).

 

اما الارقام التي ادلت بها الدولة، فلم يصدقها احد لن يصدقها!

 

كان احرى بهم قبل التجنيس ان يصيغوا قانوناً جديداً للجنسية ينص على ما يأتي:

1 – ان يكون طالب الجنسية سليم العقل والجسد وصالحاً روحياً وخلقياً.

2 – ان يكون مثقفاً حائزاً على الاقل شهادة جامعية. ويُفضّل عليه المبدع ولو في حقل من حقول المعرفة والنشاط المتفوّق.

3 – ان يكون معافى صحياً. ففي لبنان ما يكفيه من المصابين الذين لا يقوى على تطبيبهم بشكل لائق. وعليه ان يرفض المرضى، لا لانه غير رحيم، بل لان الكثيرين من ابنائه يئنون تحت اوزار المرض، ولا من يعينهم.

 

وما العمل؟

الغاء مرسوم التجنيس الصادر في 20/6/1996، والعمل باقتراحات النائب نعمة الله ابي نصر، بعد مطالبته بكتيّب يعدد فيه كل آفات التجنيس وشكاوى لبنان منه. ولديه ما يملأ كتباً مما قاله في جلسات تلفزيونية واذاعية، ومما كتبه في مقالات جمة، لن يكون آخرها الذي صدر اخيراً يوم الثلثاء 7/11/2006.

 

واخيراً نسأل المتسلمين مصائر شعبنا – على ان معظمهم تسلّموا غصباً عن الشعب – نسألهم ماذا ينتظرون لاسناد الوزارات الاساسية: الداخلية والخارجية والمنتشرين والتربية والمالية وغيرها لامثال النائب ابي نصر العالي في خلقيته ووطنيته، كي يساهموا في حل معضلات لبنان؟

وقبل الاختتام، ننوّه بأن هذه الخيانة الكبرى، عنينا التجنيس، ليست الوحيدة التي ارتُكبت منذ شرعنة المسمى: "اتفاق الطائف" الذي عنونا مقالتنا عنه في "النهار الدولي"، يوم وقعه الذين اقتسموا قالب حلوى سمّوه "لبنان": "اتفاق الطائف مجزرة الحقيقة". وبالفعل، هذا الاتفاق افرز معضلات كثيرة منها مصابنا بالتجنيس، وبيع الاراضي، وبحذف تراث لبنان من المناهج التربوية... والخلل في توزيع الوظائف العامة، المرتكز توزيعها على "الوساطات"، لا على الكفايات... ومشكلة تفقير اللبنانيين لدفعهم الى الخارج... الى ما هنالك من معضلات نأمل تبيان آفاتهم في بيانات لاحقة، علّ الصالحين من الساسة يوقفون بقدر الامكان نزف طعنات خناجر الغدر في صدر لبنان، ويتجرأون على انهاء ما يسمى في لبنان "قضية فلسطين"، التي استنزفت كل قوانا وامكاناتنا، ونحن في اشد الحاجة الى هذه القوى لحل قضايانا المستعصية والعمل على خلاص لبنان!

 

وشكراً للذين قرأوا بياننا هذا الذي تؤلم مواده ضمائرهم، وعساها تظل تؤلمه الى ان يجرّدوا لبنان من الهويات الغريبة المزيّفة التي تثقل كاهله حتى الموت، ويعيدوا اليه هويته اللبنانية.

(•) رئيسة "أكاديما الفكر اللبناني".