ميقاتي طربوش حكومي مدني لنظام أمني جديد 

 بول شاوول/ جريدة المستقبل 

 

ما نرى تلاويحه اليوم، بعد الانقلاب الذي "أنجزه" حزب الله" والنظام السوري على الشعب اللبناني، وهو انتصار يحسدان عليه فعلاً، لا سيما الطرف الأخير الذي يعيش وسط بلاده "أجمل مراحل عهوده وأخصبها وأشفّها وأنضرها.. حتى الآن 1800 قتيل، و30 ألف معتقل، و15000 جريح، و15000 مُهجّر ولاجئ".

 

إذاً يليق هذا الانتصار الإلهي بحزب الله ورديفه الشقيق و"ظلّه الشريف" الأعجمي.. إذاً ما نرى تلاويحه اليوم يحيلنا على زمن "النظام الأمني المشترك"، بطربوش حكومي مدني (نجيب ميقاتي)، وقباقيع من موجودات الأحزاب، أو من أحزاب الموجودات، ومفرقعات الجنرالات! ومعروف ان نجيب ميقاتي يترأس حكومة لا يرئسها. وتترأسه حكومة يرئسها. مدني بلباس الميدان، وأمني باللباس المدني، الى درجة صرت لا تعرف ما إذا كان صار ظلاً بظلين أو ظلين بلا ظل. هو "الحضاري" المحاضر بالمجتمع "المدني" "يقود حكومة ظل، لكن بلا ظلال، وحكومة "مؤمننة" بأشباح النظام الأمني المشترك. فهو "مترئس" مُؤَمْنَن. وكأن الثقة التي نالها من مجلس النواب هي ثقة مؤمننة. من مجلس مؤمنن. ومن نواب "معسكرين" وعندما يكون لنا ان نستعرض تفاصيل التفاصيل في "مقامات" تأليف الحكومة وحيثياتها وأدوارها، لا نجد "مقاماً" له بين المقامات، ولا حيثية له في تلك الحيثيات، ولا دوراً بين هذه الأدوار: شأنه في ذلك شأن زملائه في الحكومة، وزملائه الذين منحوه "ثقة" مسلحة بالايمان وبالقمصان السود وبالظلال ايضاًّ. أخذ ثقة السلاح وانتُزع منه القرار: استبقى الأصداء. والأصداء ظلال. والظلال أخف وأعجز من الهواء. ولهذا فهو يدور وكلّما دار اصطدم بطربوش. أو بأصابع مشهورة. أو بتهويل أو بحصار. أو استخفاف. والاستخفاف من خفة: فمعتمر الطربوش قد يكون أخف من الطربوش. وحامل الكلام المستعار أصغر من كلامه. لأنه كلام المُتون وهو رئيس من الهوامش. ولأنه كلام الشهود بلا شهادة. أو شهادة الشهود في مقام الزور. فالرئيس المستعار (كقطع الغيار)، يستعير أفكاره من غير نياته، ويُعبّر عن نياته من غير كلامه: لا شيء!

 

أنت هنا بدلة. مجرد بدلة. اسم مجرد اسم. كرافات مجرد كرافات. وترداد بلا صوت. وحنجرة بلا ايقاع: وعليك، وانت الحصيف (بلا حصافة)، والتوفيقي بلا توفيقية، والوسطي بلا وسط، والمحاور بلا حوار... عليك ان تتحسس الطربوش كل دقيقة، سواء اعتمرته أو اعتمرك، لكي لا تنسى انك طربوش "مدني" في غابة من الأسلحة... وانت، وإن تقدمت الى هنا، فمشدود الى الوراء، وان تراجعت الى هناك فمشدود الى الأمام: فلا أمام عندك ولا وراء: البوصلة عندنا يا "اخانا". نحن حزب السلاح! نحن ضرابي الطبول. نحن مطوِّبي القتلة قديسين. نحن جئنا بك لكي لا تجيء، وسنذهب بك لكي تجيء: بمعنى انك مجرد وهم فلا تتوهم. وانك مجرد طربوش والرأس لا يعلو على الطربوش، والطربوش لا يعلو على الرأس، فانت دولة بلا رئيس، ورئيس بلا دولة. ذلك عليك ان تفهم ان السلاح هو دولة الرئيس، والرئيس هو "دولة السلاح"، وإذا فكرت يوماً بأنك دولة الرئيس بلا دولة السلاح، فيعني انك ستكون لا دولة ولا رئيساً ولا طربوشاً... مجرد "رجل" استعرناه موقتاً... ونستبدله برجل آخر موقت... فالمسألة كلها توقيت بتوقيت يا ميقاتي، والتوقيت يوقّته حزب السلاح، والوصايتان... وعندها تكون بلا ميقاتٍ ولا مواقيت.

 

فاليوم، يحاول "حزب الله" وبقرار من إيران وسوريا وعبر حكومة ميقاتي (هكذا أنشئت المقاومة الإسلامية بقرار من رفسنجاني والرئيس حافظ الأسد، قرار خارجي لمقاومة لبنانية للعدو! مع هذا رحّبنا وأيّدنا ووقفنا وراءها لإيماننا بفعل المقاومة تماماً كما أيّدنا المقاومة الوطنية تحت قيادة فلسطينية: ياسر عرفات)، أن يستولي على البلاد، والدولة، والمؤسسات، بالأدوات التي استعملتها الوصايتان وأنجبته بها، بالقوة. مثلما حدث في غزوة 7 أيار "المجيدة" لبيروت والجبل (بسلاح المقاومة فأبشرْ)، وما حدث في إقفال مجلس النواب، وحصار الحكومة، واحتلال الأسواق... فالقوة التي انحرفت عن وجهتها أصابت لبنان كله. والدولة. والمؤسسات. والحريات. والديموقراطية. فحزب الله يريد اليوم أن يستولي بعون خامنئي (دام ظله الشريف)، والنظام السوري على الجمهورية، ليطيح ما تبقى من تقاليدها "الديموقراطية"، تحت شعار قديم وبالٍ "حكم الحزب الواحد"، أو "حكم المرشد الأعلى"، بحيث يجمع أسوأ تجربتين في التاريخ الحديث: التجربة الإيرانية مع خامنئي وتجربة النظام السوري. هذه الخلطة جُرّبت في الماضي، قبل اندلاع ثورة الأرز، وكانت وبالاً على لبنان، وعلى المجتمع المدني، والاقتصاد، والحرية، والديموقراطية، والثقافة، والسياسة، والقضاء، والعدالة. نظامان استبداديان اختزلا لبنان (بمؤازرة وموافقة أميركية إسرائيلية!) أولم تجرِ تصفية المقاومة الوطنية والمقاومة الفلسطينية كرمى للأميركان...(تحت شعار الممانعة؟)، وهيمنا عليه بواسطة المخابرات الثنائية، وقوة ضاربة للجيش السوري (40,000 عسكري)، وقوة ضاربة لحزب الله... (40,000 صاروخ ومدافع وعتاد واحتراف وارتزاق!).

 

كل شيء صار في قبضة النظام السوري (وحليفه الديموقراطي: حزب الله!)، خصوصاً عندما ركب الجنرال عون رأسه وأعلن حرب تحرير مزعومة وأخرى لإلغاء "القوات"، كانت نتيجتها سيطرة السوريين على كل لبنان من أقصاه الى أقصاه. وصار غازي كنعان وبعده رستم غزالي (السيئ الذكر) حاكمين بأمر السلطان البعثي. ونظن أن "عهد رستم غزالي" كان فضيحة، وشرشحة، وانتهاكاً سافراً، وفساداً. استباح هذا الفجعان كل شيء. الحرمات. والمؤسسات. فعزّز "عنجر"، وطوّر "البورياج"، وأحكم بواسطة جامع جامع... القبضة على بيروت وسواها، مستخدمين أدوات وواجهات لبنانية كجميل السيد في الأمن العام (نتذكر مطاردته للشهيد سمير قصير)، وعضوم (قاضي القضاة)، وإميل لحود (رئيس الولايتين)، من دون أن ننسى أجهزة المخابرات، لفرض نوع من الإرهاب والترهيب على اللبنانيين، الذين بات زعماؤهم (لا سيما الموارنة والسنة) إما في السجن (سمير جعجع) أو في المنفى ريمون إده، أمين الجميل، ميشال عون، ابراهيم قليلات وصائب سلام وتقي الدين الصلح... من دون أن ننسى 3500 لبناني ما زالوا مفقودين في سجون "النظام الشقيق".

 

إنها المرحلة الأكثر طغياناً وقسوة وقمعاً التي عرفها لبنان، حتى في عصر الوصايات المتتالية أو المتقاطعة (من صدام حسين، القذافي، منظمة التحرير وطبعاً الاحتلال الإسرائيلي قبل التحرير من دون أن ننسى الوصاية الإيرانية دام ظلها البهي والوارف). إنه عصر الانفلات المطلق لنهب البلد، وتحويله كله محمية سورية إيرانية في تسلّط لم يعرف له مثيل، أي لضرب كل مقوماته ومكوّناته. فالقضاء وقع كله في قبضتهم، وكان يكفي أن يرتفع صوت معارض ليُلفّق له ملف. (نتذكر الملف الذي ركّب لميشال عون) والاتهامات التي ألصقت بالرئيس الشهيد رفيق الحريري والكتاب الذي ولّفته المخابرات ووقّعه بطل الحريات نجاح واكيم من دون أن ننسى الألسنة المشحونة بالتهديد والتخوين كناصر قنديل (وديعة سوريا في بيروت).

 

إنها العدة السورية المعهودة: الأمن من جهة، و"البروباغندا" الكاذبة من جهة أخرى (أوليس هذا ما يحصل في سوريا اليوم مع الثوار الأبطال والشرفاء)، والنهب... وما كان ينقص هذا المشهد الملحمي سوى انخراط "حزب الله" في اللعبة السياسية، وافتضاح نياته باستخدام "شمّاعة" المقاومة لأخذ البلد حصة كاملة.

 

جنون الألوهية وجنون العظمة

حرّر الجنوب واحتلّه. أقام في الضواحي واحتلها (كثمن أو كفدية أو كغنيمة حرب)، ووقع اللبنانيون بين فكّي قوتين غاشمتين؛ بين دكتاتورية عائلية تدعي العلمانية(!)، وأخرى "إلهية" لا تقل عن الأولى جنوناً بالسلطة! (ألم يكتشف اللبنانيون مدى هوس "حزب الله" بالسلطة. ومرضه بها. وهل لنا ألا نشبّه "فتوات" "حزب الله" بالفتى الأغرّ ميشال عون: طنجرة ولاقت غطاها! جنون الألوهية عند "حزب الله"، جنون العظمة عند عون الذي سبق أن اتهمه حليفه الحالي السيد نصرالله بالعمالة لإسرائيل! وقد أصاب).

1) نشر ثقافة الكراهية والموت بين اللبنانيين. كراهية قائمة على انعزالية مغلقة.

2) ألغت كل ما تبقى من الحريات. هددت الصحافيين، واغتالت بعضهم، وخوّنت آخرين ونصبت رقابة ستالينية ونازية على الكتّاب والأحزاب.

3) حرّمت التظاهرات السلمية، وواجهتها بالقمع (نتذكر 7 آب المشؤوم)، أو بإرسال البلطجية لمواجهة أي تحرك (كما يحدث في سوريا اليوم)، ونتذكر "الأحباش" والخناجر والعصي.

4) رفع سلاح التخوين فوق كل معارضة: فكل من يعترض على تلك الحالات الشنيعة ما هو إلاّ عميل لإسرائيل، أو للولايات المتحدة...

5) ممارسة الخطف، والتعذيب، والسجن، والنفي، لكل من يخالفهم الرأي أو وجهة النظر: وكيف ننسى معجزات المخابرات السورية في عنجر وفي بيروت وفي البورياج. ونتذكر هنا بعض أقبية التعذيب في البورياج، وبعض الأدوات التي اكتشفت بعد انسحاب القوات السورية من لبنان: قذارة ودماء وتلطّخ الجدران وآثار وحشية (هذا ما نشهده حالياً في سوريا!).

6) استخدام القضاء كوسيلة تهديدية، وكأداة سياسية لإرهاب المعارضة، وتبرير عمليات البطش (القانونية)، ودور قضاة أمثال عضوم في هذه المجزرة القانونية.

 

كل شيء ممنوع

7) ونظن أن تعيين إميل لحود رئيساً للجمهورية (1998) كان التعبير الصارخ عن المدى الذي استكلمت فيه العناصر القمعية واتساعها وإطباقها على اللبنانيون. ونظن أننا يمكن أن نعتبر تاريخ "تساقط" إميل لحود الى سدة الرئاسة كان فاصلاً جديداً، في عهد أسود لم يشهد اللبنانيون مثيله. فالطربوش الرئاسي (الماروني) ووجود الرئيس الحص على رأس الحكومة، وجميل السيد في الأمن العام، وعدنان عضوم على رأس القضاء، إضافة الى أجهزة المخابرات المحلية والسورية كانت علامات "فارقة" مميزة، وانطلاقة مميزة، مجددة لضرب كل ما ينبغي من احتجاج، أو معارضة أو رفع صوت. كل شيء ممنوع. (والوصاية معصومة). السياسة ممنوعة. والحياة السياسية ممنوعة. والتعبير الحر في مستوياته الدنيا ممنوع. التنصّت على قدم وساق وآذان وأضراس. الرقابة من معدن وعيون الرقباء مفتوحة كالمستنقعات. الملفات شغالة. والاعتداء على الحرمات متصاعد. والاتهامات ضمن ملفات ملفقة "مدروسة" بغباء (إنها المرحلة العضومية كما وصفها الرائد الكبير غسان تويني)، يجلب فيها الناس الى السجون؛ ونتذكر كيف اختيرت أسماء معينة لها علاقة بالرئيس الشهيد رفيق الحريري، أو بفضائه، أو بالجريدة قُبيْل إصدارها، لتهان، أو لتروّع كفؤاد نعيم والفضل شلق آنئذ من ضمن اتهامات ملفقة كحائط السنسول أو كإنتاج أحد أفلام الدعاية التلفزيونية، أو بمخالفات في مرفأ بيروت... كان يكفي أن يعيّن شخص معارض قريب من الحريري، أو من الأحزاب المعارضة حتى يكون ملفّه جاهزاً عند ذلك العضوم السيئ الفوح والبوح.

 

القانون "فزاعة" وأداة انتقام

8) استخدموا القضاء والقانون ضد العدالة. استخدموها كفزاعات أو وسائل ضغط أو أدوات انتقام، أو تلويث سمعة، أو افتراءات. تتذكرون كيف اتهموا رفيق الحريري برشوة الناس عندما وزع كميات من الزيت بمناسبة شهر رمضان (وهذا ما كان يفعله كل عام). تذكّروا ملف ميشال عون الذي تضمن اتهاماً بالعمالة لإسرائيل، وبالاتصال بالعدو وبالخيانة العظمى (أميركا)، وبالسرقة، وبالفرار من العسكرية... (وكيف بعدها وعلى الأيدي ذاتها التي اتهمته تمّت تبرئته بعد الصفقة التي عقدها مع النظام السوري قبل عودته الى لبنان، مقابل شقّ 14 آذار).

9) تسخير تعديل الدوائر الانتخابية في بيروت لتحجيم رفيق الحريري، بتقسيمها الى ثلاث، فتكون له حصة من أصل ثلاث، وكانوا يرددون لن يحظى الحريري بأكثر من 4 نواب. لكن خاب فألهم عندما حقق الرئيس فوزاً كاسحاً في الدوائر الثلاث. تأملوا! من دون أن ننسى "الودائع" الثمينة (والسمينة) التي فرضها السوريون على رفيق الحريري ووليد جنبلاط، والتي كانت بمثابة "قرصنة" قومية اشتراكية ذات رسالة "عروبية" خالدة!

10) استخدام الدمية الرئاسية "البرونزية" الأولى لقنص الرئاسة الثالثة، عندما "ابتكرت" الأجهزة الشقيقة بدعة تعداد أصوات الاستشارات، لمصادرة الأصوات التي تركت حرية الاختيار للرئيس، باعتبارها ضد الحريري. وأفضل ما بادر إليه هذا الأخير... اعتذاره! وكان هذا "الاعتذار" انقلاباً على نتيجة الانتخابات! (أوليس هذا ما كرره "حُزيب" الله عندما أسقط حكومة الرئيس سعد الحريري وتعيين أبي الوفاء والصدق والوطنية والسيادة... نجيب ميقاتي؟).

11) إطلاق يد الأجهزة الأمنية (المخابرات، الأمن العام بقيادة بطل الحريات اللواء جميل السيد) لمطاردة الصحافيين والكتّاب، وتهديدهم، وترهيبهم وسجنهم (نتذكر أدونيس عكرة صاحب الغرفة رقم 16 في وزارة الدفاع وكيف اعتُقل بتهمة التحريض والعمالة). وهل يمكن أن ننسى المطاردة البوليسية الغبية والتافهة التي نظمها جميل واللواء والسيّد ضد الشهيد الكبير سمير قصير، عندما أفلت اللواء "غلمانه" لملاحقة قصير بعد كتابة المقالة المشهورة في "النهار" "عسكر على مين؟"، في كل الأمكنة، في المقاهي، المطاعم، وحتى دارة الرئيس الشهيد الحريري، عندما استجار به "عبثاً": فجميل السيد كان يومها "أهم" من رئيس الحكومة، تماماً كما هي الحال في الأنظمة الأمنية حيث الوزراء والنواب في أمرة أي ضابط أمني!

 

جميل يعيّن إميل

بل ويُروى أن جميل السيد هو الذي عمل على تعيين إميل لحود رئيساً للجمهورية: تأملوا أن موظفاً "يصنع" رؤساء الجمهورية! فيا للبؤس، ويا للعار، ويا للوصم! وهل ننسى كيف كان جميل السيد (يرفع حالياً دعوى ضد كاتب هذه السطور، في الوقت الذي يستحق هذا الرجل المحاكمة ليس على قضية الحريري، بل على ما ارتكبه بحق الناس أيام عصر الوصاية المشؤومة)، أن يستدعي رئيس تحرير "النهار" الشاعر أنسي الحاج الى مكتبه تحت التهديد والوعيد ليتلو عليه "تحذيراته" وحتى "نصائحه" بشأن خط الجريدة آنئذ. ويومها كتبنا مقالاً عنيفاً في الصفحة الأولى في "النهار" استنكرنا بشدة هذا الاعتداء المُشين على الصحافة وحرية التعبير. وليس المهم أن يتذكر ذلك جميل والسيد واللواء بل الأستاذ أنسي الحاج نفسه. فهل يتذكر؟ وهل ننسى كيف استُخدم بعض الإعلاميين سواء في القصر الجمهوري أو في الأجهزة الأمنية لتشويه صورة الرئيس رفيق الحريري وترويج أكاذيب، ونسج روايات مضللة.. وهل ننسى بأي طريقة استخدم التلفزيون الرسمي لبث حلقات أو برامج مشينة بحق المعارضة والرئيس الحريري وبعض الصحافيين؟ وهل ننسى كيف وضع هؤلاء الأمنيون المرتبطون بأجهزة مخابرات الوصاية السورية لائحة سوداء تضم بعض السياسيين والإعلاميين أمثال النائب نهاد المشنوق وتلفيقاتهم "العمالة" بهم (تأملوا العملاء يتهمون الآخرين بالعمالة!)، وبعدها برئيس تحرير جريدة "المستقبل" هاني حمود، تمهيداً (بعدها) لوضعهم على لائحة "الاغتيال"! وكأن اتهام بعض رموز "المعارضة" أو غير المرغوبين فيهم من قبل الوصاية وأبواقها، كانت "خريطة طريق" لاغتيالهم لتتهم إسرائيل بقتلهم! هذا ما حدث مع الشهيد رفيق الحريري، ومن بعده مع سمير قصير وجورج حاوي وبيار الجميل وجبران التويني... كل هؤلاء اتهمهم عملاء الوصايتين (السورية والإيرانية) بالعمالة لإسرائيل قبل اغتيالهم ليعود هؤلاء العملاء باتهام إسرائيل بالجريمة، كأن "إسرائيل" لا تقتل سوى حلفائها! فما أجمل القتلة عندما يظهرون بسحن "الملائكة" وما أروع الجواسيس عندما يعمدون الى اتهام الآخرين بالخارج.

 

منصّات "أمنية"

فالقتل والإرهاب والنفي والترهيب والكذب والنفاق وتلفيق الملفات والقمع، والمنع كانت العلامات الدامغة لزمن "النظام الأمني المشترك" "المشؤوم" الذي أنجب رئيساً كإميل لحود ولواء كجميل السيد وقاضياً كعدنان عضوم... لتتحوّل المراكز والمناصب الإدارية والسياسية الى منصات "أمنية" خالصة. مع إميل لحود تم استكمال تصفية المجتمع المدني، بأحزابه وهيئاته وبرلمانه وحكومته ووزاراته واقتصاده... صار إميل لحود أقرب الى "موظف" أمني، بقدر ما صار الموظف الأمني جميل السيد أقرب الى مرجعية سياسية، وهذا ما يُقال عن عدنان عضوم الذي حوّل القضاء اللبناني مجرّد جهاز أمني سياسي لا علاقة له بالعدالة ولا بالأعراف والدساتير والقوانين أسوة بالقضاء البعثي في سوريا والعراق وكذلك في بلاد معمّر القذافي وبن علي في تونس. كأن ما كنّا نشهده هو إعلان قانون طوارئ غير معلن. الفترة الممتدة بين إميل لحود رئيساً والتجديد له، كانت ترسيخاً لسيطرة مطلقة لأجهزة المخابرات السورية واللبنانية المرتبطة بها! وهذا بالذات ما دفع هؤلاء الى تهديد المعارضة، وضرب الصحافة، والخطف، والنسف، وصولاً الى خلق أجواء اغتيالات، كان من أولها محاولة اغتيال مروان حمادة تمهيداً لقتل الحريري بطنين من المتفجرات... وصولاً الى تصفيات لرموز عدة من 14 آذار باعتبار أن كل الأجهزة الأمنية والعسكرية والتشريعية والتنفيذية... في قبضتهم، وهذا ما سيدفعون ثمنه عندما اندلعت ثورة 14 آذار التي شكّلت فاصلاً أساسياً وتحوّلاً كبيراً في الواقع السياسي... وأدى الى انسحاب الجيش السوري من لبنان.

 

زمن الانقلابات الدكتاتورية

نسترجع هذه الوقائع، لأن "حزب الله" والنظام السوري (ووراءَهما ولاية الفقيه)، يريدون بعد إسقاط حكومة سعد الحريري، بانقلاب مشين، أن يُعيدونا الى زمن الانقلابات الدكتاتورية، ليتسنى لهم هذه المرة السيطرة الكاملة على البلد، فلعلّ ذلك يشفي مرض "حزب الله" بالسلطة وليبشرونا (بإذنه تعالى باعتبار الحزب الذي ينتحل صفة الله، وهو إشراك، "متنزه"، ورع، متقشف، زاهد! براو!...)، بأن عهد عضوم سيرجع، وأن الملفات ستفتح، (وأن قضية شهود الزور ستشرّع: وهم أصلاً شهود الزور: وجودهم بسلاحهم يجعلهم شهود الزور الأصليين)، وأن زمن جميل السيد ومطاردة الكتّاب، وقمع الحريات، سيزدهر (السيد حسن نصرالله اتهم كتّاباً وصحافيين بالارتزاق. ولو كان ذلك صحيحاً فلن يتوصل أحد من هؤلاء الى "جلب" مساعدة بـ700 مليون دولار سنوياً! لا من إيران ولا من أي مصدر آخر: هم: أي "حزب الله" ضربوا الرقم القياسي بتلقي "المال" النظيف المنظاف الناصع كحليب "نيدو"، فهو مال الحرية والسيادة والاستقلال لا مال التبعية!). وها هو فضيحة السياسة اللبنانية ميشال عون يهدّد بدوره الصحافيين وقانون الصحافة وخصومه وصولاً الى الوزراء وربما الى النواب والمدراء بالسجن (هذا الجنرال الذي يستحق السجن عن جدارة عندما راح يقصف الأحياء والمنازل والملاجئ في حربه التحريرية المزعومة، ويقتل ويجرح ويدمر الممتلكات). أكثر: هذا المدعو ميشال عون المُتهم بسرقة التبرعات (قرابة 70 مليون دولار كما أعلن محامي ورثة الرئيس الراحل الياس الهراوي في إحدى مطالعاته، هذا الذي يجب أن يسأل قبل غيره "من أين لك هذا؟" وأنت موظف. وهل رواتب الوظيفة لتوفر لك هذه "الممتلكات"، والأرصدة! ونتحداك أن تعلن للملأ ما تملك من عقارات وأموال مودعة في البنوك!

 

إذاً، بعد الانقلاب الإلهي الموصوف الذي خطّط له ونفّذه (بالأجهزة والقمصان السود والتهديد)، السيد حسن نصرالله والرئيس بشار الأسد ننتظر أن تسترجع، عبر حكومة من دمى، ومن أخيلة ظل، ومن مرتهنين، عهود إميل لحود، وسحنة جميل السيد، وقامة عضوم... ومناخات "النظام الأمني المشترك: الإيراني السوري"، لتفكيك إنجازات 14 آذار، وضرب مكوّناتها، وإعطاب المجتمع المدني، واستخدام كل الطرق الإرهابية (التي تستخدم في سوريا اليوم وإيران وليبيا واليمن) من اغتيالات وتهديد وترويع وقمع الحريات، وخطف السيادة، وتحويل لبنان الى مجرد محمية بعثية إيرانية، يستخدم كورقة (كما كان) أو كمنصة، أو كواسطة لهؤلاء، لمقايضة "خصومهم" أو لتسخيره لأغراضهم، أو لتحويله كله هذه المرة كانتوناً أحادياً يستلهم به تجربة الملالي، والدكتاتوريات العربية المماثلة... أي تحويله معسكراً أمنياً، ومنطقة عسكرية، أو ضاحية اللون الواحد، ومدن اللون الواحد. بمعنى آخر: هل سيقبل اللبنانيون الأحرار أن تعلن جمهورية "لبنانية" تحكم من جديد من دمشق وطهران. وهل سيقبل اللبنانيون الأحرار أن يعود عصر الدكتاتورية الغبية، والشمولية التافهة، والطائفية المغلقة...

 

إذاً، المواجهة ضرورية، بالديموقراطية وباسمها، وبالحرية وباسمها، وبالعدالة وباسمها، والتعددية وباسمها، وبلبنان أولاً وباسمه، وبالعروبة وباسمها، وبالمجتمع المدني وباسمه...

إذاً، ننتظر أن تعلن انتفاضة جديدة لـ14 آذار، تستخدم كل الوسائل المشروعة لضرب المشروع الإيراني في لبنان... علماً بأن هذا الزمن يا "حزب الله" لم يعد زمنكم (أنتم صرتم من القرون الوسطى)، وهذا الزمن لم يعد زمن الوصاية الشقيقة... إنه الزمن الجديد، زمن الثورات، الذي بات أعظم سلاح شعبي في أيدي الناس، وفي أيدي اللبنانيين، أيها الطغاة الصغار، ويا أبناء الطغاة... الذين يتساقطون أمام زحف شعوبهم المظفرة!

 

31 تموز/2011