مفاعيلُ إِلغَاءِ الطَّائِفِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ

بقلم/سامي فارس

 

ا-نَتَائِجُ إِلغَاءِ الطَّائِفِيَّةِ السِّيَاسِيَّةِ:

إِنَّ إِلغَاءَ الطَّائِفِيَّةُ السِّيَاسِيَّةُ ليس في مصلحة المسيحيِّين والموارنة لأنّ الاِزْدِيَادَ العَدَدِيَّ هو في غير هَمْزَتِهِمْ(١)، مِمَّا يعني أَنَّ المرشَّحين غير المسيحيِّين سيحصدون معظم الأصوات، وسيبقى المرشَّحون المسيحيُّون، دون الفوز.

 

٢-المَثَلُ القُبْطِيُّ:

وللدَّلالة على هذا الأمر، هناك المَثَلُ القُبْطِيُّ، حيث أَنَّ الأَقباط الذين يشكّلُوْن عشرة بالمئة من أهل مصر لا يتمثّلون بِأَيِّ نَائِبٍ في مجلس الأُمَّةِ، مِمَّا يَضْطَرُّ رئيس الجمهوريَّة على تعيين(٢)أربعة منهم للإِبْقَاءِ على لَوْنٍ غَيْر إِسلاميّ في المُنْتَدَى النِّيَابِيّ.

 

٣. تَنَاقُصُ المَسِيْحِيِّين:

وحيث أَنَّ نِسْبَة المسيحيِّين في لبنان تَتَنَاقَصُ كُلَّ يومٍ بسبب ازدياد المواليد عِنْدَ الطَّوَائِفَ الإسلاميَّة، فإذا ألغينا التمثيل الطائفيّ، فقد نَصْبَحُ عَلى غِرَار أَقْبَاطِ مِصْرَ.

 

٤.الوَضْعُ الدِّيْنِيُّ بُرْعُمُ الحَالَةِ القَوْمِيَّة:

أَمَّا القَوْلُ بِأَنَّ التَّكتُّلاتِ ستتشكَّلُ وِفْقَ المطالبِ الاجتماعيَّة، فاجتهادٌ في غير مَحَلِّهِ لأَنَّنَا نرى قاعدة شبه تامّة هي التّمثيل حسب الأَهْوَاءِ الدِّينِيَّةِ لأَنَّ الوَضْعُ الدِّيْنِيَّ في نهاية الأمر بُرْعُمُ الحَالة القَوْميَّة.

 

٥.حُدُودُ التَّمْثِيلِ الطَّائِفِيِّ:

فللإِبْقَاءِ على التمثيل المسيحيّ المناسب يَجِبُ الإِبْقَاء على التَّمثيل الطائفيّ الرَّسمِْيِّ. لكنَّنا هُنَا أيضًا أمام خَرْقٍ أَكِيْدٍ للتَّوَاْزُن المسيحيّ-الإسلاميّ، لأَنَّ التَّكَاثُرَ الإِسْلامِيَّ في المناطق المسيحيَّة هو أكبر من التَّكاثر المسيحيّ. فَمَعَ الوَقْتِ، سَتَصْبَحُ الأَقَليَّة الإِسْلاميَّة في المناطق المسيحيَّة، أَكْثَرِيَّةً، مِمَّا سيعودُ بنا إلى حالة موضوعيَّة تُنَافِي التَّمثِيْلَ الطَّائِفِيَّ.

 

٦-لتنتخب كلّ طائفة نوَّابها:

وَمِن أَجْلِ تَجَنُّب هذا الأمر، اقترحنا في العام ١٩٩٢ ، أَنْ تَنْتَخِبَ كُلُّ طَائِفَةٍ نُوَّابَهَا، مِمَّا سَيَمْنَعُ الطَّوائِفَ التي يَتَقَلَّلُ حَجْمُهَا بِالنِّسْبَةِ لغَيْرِهَا مِنْ أَنْ يُنْتَخَبُ لها نُوَّابٌ هُمْ في مضمونِهِمْ حَالَةً لا تَتْبَعُ المَنْهَجَ الإحساسي المَسِيْحِيّ.

 

٧-المَنَاطِقُ الذَّاتِيَّةُ:

الخطوة الثَّانية المفروض التوصُّل إليها هي: المَنَاطِقُ الذَّاتيَّة، وهي مناطق تَتَمَكَّن كُلُّ طائِفَةٍ داخِلهَا مِنْ أَن تُعَبِّرَ عَنْ وجودِهَا الحضاريّ-التاريخيّ، ونكون في ذلك نُطَبِّقُ حَقَّ الجماعَاتِ في أَنْ تَعِيشَ حياتها الذَّاتِيَّة وِفْقَ الأُطُر التَّارِيْخِيَّة التي أَنْشَأَت التَّقَالِيْدَ والعَادَات التي انْغَرَسَت بِدَوْرِهَا في الفِكرِ الجمَاعِيِّ، وأَصْبَحَت مَدْمُوْغَةً بالحسِّ الطَّائفِيِّ-الاِجْتِمَاعِيِّ.

 

٨-الاِنْتِقَالُ الدِّيْنِيّ:

إنَّ نظريَّةَ فلسفة الأنوار بفصل الدِّين عن المُجْتَمَع تَصُحُّ عندمَا نَفْصُلُ المُؤَسَّسَات الدِّيْنِيَّة عن الحياة الرَّسْمِيَّة، لكنَّها لا تَصُحُّ إِذَا أردنا فَصْلَ التَّحتيَّة الدينيَّة الاجتماعيَّة عَنْ الوَضْعِ الاِجْتِمَاعِيِّ العَامّ. فكما أَنَّ الاجتِمَاعَ لا يُمكن أَنْ يَخْرُجَ عن الحِسِّ القومِيِّ في مُتَطَلِّباتِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، فَهُوَ أيضًا لا يُمْكِنُ أُن يَخْرُجَ عن الحِسِّ الدِيني في مُتَطَلِّبَاتِه وتَصَرُّفَاتِه. فالحِسُّ الدِينيُّ يَنْغَرِزُ في عُمْقِ أَعْمَاقِ الإِنسان، ولا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلا إذا تَبَعَ الشَّخصُ ديانَةً أُخرَى تَجْعَلُهُ يَتَدَخَّلُ(٣) في عُمْقِهَا الإِحسَاسيّ. أما الرَّجُلُ اللاإيماني، فهو في عُمْقِهِ مُنْغَرِسٌ في اجتماعِ طائفةٍ معيَّنةٍ. فعدمُ الإيمانِ بعُلْوِيَّةٍ دِينيةٍ لا يَجْعَلُ الشَّخْصَ خَارِجَ الاجتِمَاعِ الدِّينِيّ. ومَنْ يَتَهَيَّأُ لَهُ اَنَّهُ خَرَجَ خَارِجَ(٤)اجتماعِ دينِهِ يَرَى نَفْسَهُ في المُلِمَّاتِ والصُّعُوبَاتِ يتَّخِذُ ذَاتَ المَوَاقِفَ وَأَهْلُ جَمَاعَةِ دِينِهِ. أمَّا إذا تبدَّلَ، فَيَكُونُ بَدَأَ يسيرُ في غَيْرِ نَهْجِ حَالَتِهِ الدِّينِيَّةِ-الثقافيَّةِ، فيبدأُ في التَّوجُّهِ نَحْوَ النّفرازِ(٥)السِيَاسيِّ لغَيْرِ جماعَتِهِ، ثُمَّ ينتقِلُ إلى النّفرازِ الثقافيِّ، وبَعْدَهَا إلى النِّفْرَازِ الحَضَارِيِّ، وقَدْ يَنْهِي تَحَوُّلَهُ بِالولُوجِ إلى النِّفْرَازِ الإِيمَانِيِّ-الدِّيْنِيِّ لغَيْرِ طائِفَتِهِ، وجَمَاعَتِهِ التَّارِيخِيَّةِ.

*  *  *

(١) هَمْزَتُهُمْ: دّفْعُهُمْ لِلشيء، أي قَصْبُ سَبَقِهِم.

(٢)تَعْيِينُ عَلى:حَرَكَة فَوقِيَّة.

     تَعْيِينُ إلى:حَرَكَة تَحتِيَّة.

(٣)الاِنْدِخَاْلُ: الدُّخُول مِنَ الدّاخِل.

(٤)خَرَجَ خَارِجَ: أي دَخَلَ مِنْ جَدِيْد.

(٥)النِّفْرَازُ: قُوَّة مَعْنَوِيَّة-إحْسَاسِيَّة تُسَيِّرُ مَفَاهيم اجتماعِيَّة، ثقافِيَّة، دينيَّة، ونفسِيَّة.

http://samiphares.blogspot.com

 

2/09/09