بعد الحديث عن خلوه من المعتصمين...الأكثرية اللبنانية تؤكد أنه انقلاب فاشل استباح أرزاق الناس

 مخيم رياض الصلح... أطلال يحرسها "حزب الله" ولفيف من العاطلين عن العمل

 بيروت - من صبحي الدبيسي: السياسة 10/3/2007

 

اسئلة كثيرة بدات تطرح حول مصير مخيم المعتصمين في ساحتي رياض الصلح واللعازارية بعد التيقن من تدني منسوب الحضور الاعتصامي الى الدرجات الدنيا بحيث لم يبق من المعتصمين سوى خيمهم المنتشرة في تلك الساحات متعددة الالوان والاحجام والاشكال وبعض حراس تلك الخيم من المكلفين بحمايتها وجلهم من القوى النظامية التابعة ل¯"حزب الله" اما ما تبقى من المعتصمين فمعظمهم من العاطلين عن العمل من الذين وجدوا في هذا الاعتصام متنفسا ومكانا للتسلية يبعد عنهم شبح الملل والروتين القاتل الذي يعيشونه.. فحتى القيلولة وجلسات التكوكب حول النراجيل تدنى منسوبها ايضا ولم تعد موجودة الا في ساعات بعد الظهر ممن سمح لهم الوقت لمتابعة هذه الهواية المضافة الى مجموع هوايات العاطلين عن العمل وما اكثرهم في بلد يجر ابناؤه اذيال الخيبة وينتظم شبابه امام السفارات صفوفا بغية حصولهم على تاشيرة سفر الى اي مكان في العام اليوم قبل الغد..

 

بعد ان فقدوا الامل بوطن يحلمون به كما يحلم كل ابناء سائر الاوطان في هذا العالم.. وطن يحميهم ويؤمن لهم مستلزمات العيش بكرامة يساهمون في بنائه ويساهم في تامين مستقبلهم ومستقبل اولادهم من بعدهم.. فكما شكلت الدعوة الى الاعتصام والتهديد باسقاط الحكومة في الشارع مازقا سياسيا اوصل لبنان الى حافة الانفجار المذهبي والطائفي وعطل القسم الاكبر من وظيفة الدولة السياسية والاجتماعية وبدلا من ان تنصرف الحكومة الى استكمال بيانها الوزاري ومعالجة مشاكل الناس وقضاياهم الحياتية اصبح الهاجس الامني الشغل الشاغل لكافة اعضائها دون استثناء.

 

فطالما ان موجة الاغتيالات لم تتوقف ولم تجد حتى الان ضوابط امنية لها.. وطالما ان حسابات الربح والخسارة بين الاكثرية والاقلية هي حسابات ارقام لا اكثر ولا اقل فكان لا بد من اتخاذ اقصى درجات الاحتراس الشخصي تداركا لما قد يحصل. وما هو مخبا في علم الغيب... وبين منتظر للحل من اية جهة اتى سواء من السعودية او من جامعة الدول العربية او من لقاء عبد الله ونجاد... وغير مستعجل بانتظار اكتمال صورة الانقلاب الذي يبدو للبعض وشيكا وعلى قاب قوسين وادنى من تغيير المشهد السياسي لان المعطيات الاقليمية والدولية باتت تشجع على هذا التغيير مع ما يتطلبه من مال وسلاح ورجال. رغم الفشل الذريع الذي منيت به هذه المعارضة في الاضراب الذي دعت اليه في الثالث والعشرين من يناير الماضي وفي حوادث الجامعة العربية في الخامس والعشرين.

 

وفيما تبدو الصورة رمادية ومائلة الى السواد, فان الحديث عن انهاء اعتصام رياض الصلح يتقدم على كل ما عداه من الاحاديث السياسية بصورة دراماتيكية.. ففي حين تصفه المعارضة بانه ادى الوظيفة التي وجد من اجلها وبات عليها الانتقال الى مرحلة اخرى قد تكون من خلال العصيان المدني وما شابه. فان لقوى الاكثرية رايا مخالفا بالاعتصام الذي قرأت فيه النوايا الحقيقية للمعارضة والداعمين لها لتحقيق الانقلاب والعودة الى عهد الوصاية. وهذا مكَّن الاكثرية من افشال ذلك المخطط بعدم الاستسلام والرضوخ الى مطالب المعارضة التي باتت معروفة الاهداف بالنسبة اليهم عن طريق الالتفاف حول الحكومة ورئيسها فؤاد السنيورة الذي شكل بصموده وثباته على موقفه نقطة الارتكاز الحقيقية لتحركها سواء في الاعتصامات المؤيدة للحكومة ورئيسها او من خلال المهرجان الحاشد الذي دعت اليه في الذكرى الثانية لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري وكانت بمثابة رسالة واضحة للمعارضين وفي مقدمهم "حزب الله" وحركة "امل" و"التيار الوطني الحر" بان قوى الرابع عشر من اذار ما زالت ممسكة بقرارها وجمهورها على جهوزية تامة للتحرك السلمي في اي اتجاه تاخذه اليه بدليل الزحف الجماهيري الى ساحة الحرية ووجودهم على تماس مباشر مع المعتصمين في رياض الصلح لا يفصل بينهم سوى شريط شائك وارتال من القوى الامنية لمنع الاحتكاكات وافتعال المشاكل..

 

هذه الصورة الموجزة غيرت الكثير من مضمون الخطاب السياسي العام سواء من جهة المعارضة او من جهة الاكثرية..

لان مشاركة المعارضين في الاعتصام من الجانب المسيحي لم تكن بحجم المواقف التي اتخذها كل من العماد ميشال عون زعيم "التيار الوطني الحر" والوزير السابق سليمان فرنجية رئيس "تيار المردة", لان احداث 23 يناير فوضت بكركي بالتكلم باسم المسيحيين كما افضت الى توقيع ميثاق شرف بعدم الاحتكام الى الشارع ما قلص التحرك المسيحي المعارض بشكل لافت كما ان هناك اكثر من اشارة لعدم المشاركة في العصيان المدني الذي يلوح به "حزب الله" في خطواته التصعيدية.

واللافت في المواقف تعديل لهجة الخطاب السياسي لدى "حزب الله" وحركة "امل" واستبدال بعض الجمل والالفاظ التي شكلت عناوين الموقف السياسي في الفترة الماضية واصبح الحديث عن (عدم الغاء الاخر وعدم السماح لفئة ان تستقوي على فئة او لاكثرية ان تستاثر بحقوق اقلية) امرا مألوفا. مع الابقاء على موقفهم التصعيدي من رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط وقائد "القوات اللبنانية" د. سمير جعجع وتحييد رئيس كتلة "تيار المستقبل" النائب سعد الحريري في محاولة لايقاع الخلاف بينه وبين حلفائه من جهة وتخفيفا للاحتقان المذهبي الذي ساد الاسابيع الماضية من جهة ثانية...

 

وعليه فان مخيم المعتصمين في رياض الصلح ينتظر صدور امر ازالته لانه بات عقبة في طريق الحل السياسي والاقتصادي والاجتماعي للازمة ولم يعد لوجوده اي مبرر بعد تململ المعتصمين واقتناعهم من عدم جدوى الاعتصام لانه لم يبدل من صورة الوضع بشيء لا بل على العكس فلقد زاد من الفرقة بين اللبنانيين واضر بمصالح الناس وعطل مؤسساتهم كما شوه صورة لبنان الحضارية وما تم انجازه في منطقة وسط بيروت من مشاريع سياحية واقتصادية بالاضافة الى تجميد حركة الاستثمار وانتقال العديد من المستثمرين الى مكان اخر..

 

فماذا في مواقف القوى السياسية والمعنيين في موضوع الاعتصام???

"السياسة" جالت على المكان سجلت المواقف التالية:

 

* "التيار الوطني الحر", وبلسان مصدر في "التيار" راى ان العماد عون وعد باعادة النظر في موضوع الاعتصام وامكانية انتقاله الى مكان اخر وفي حال تعذر ذلك فان البحث جارٍ عن ايجاد خطة بديلة, اما بتقليص حجم الخيم او بالتوافق على مركز رسمي للاعتصام في ساحة رياض الصلح او في الجانب الاعلى منها وهذه تقوم بدراستها لجنة من "حزب الله" و"التيار الوطني الحر" ومن الاحزاب الحليفة وان الاتجاه يميل الى ابقاء الخيمة الكبيرة تحمل اسم المعارضين لتكون بمثابة مقر رئيسي للجنة المتابعة عن المعتصمين.

 

* "حزب الله": في الوقت الذي ما زالت تتوالى مواقف قياديي "حزب الله" عبر التصريحات والخطب السياسية او من خلال اللقاءات المتلفزة من ان الاعتصام مستمر حتى تحقيق الغاية التي وجد من اجلها فان الموقف الاخير للوزيرين طراد حمادة ومحمد فنيش له اكثر من دلالة ايجابية على امكانية تغليب الحل السياسي على سائر الحلول الاخرى المطروحة وان ازالة الخيم من ساحة رياض الصلح تبقى من الحلول المتداولة بانتظار الاشارات الايجابية التي تحملها المبادرات العاملة على خط انهاء الازمة..

 

* المحامي ايلي محفوض-رئيس حركة التغيير: انا متاكد من انهاء الاعتصام وازالة الخيم من ساحتي رياض الصلح واللعازارية وان الدراسة التي قمنا بالاعداد لها في الشهر الفائت وسلمنا غبطة البطريرك صفير نسخة عنها تفيد بان المشاركة المسيحية بالاعتصام (صفر) لاسباب عديدة لا لزوم لذكرها من جهة ولان الشباب المسيحي بدا يعي خطورة هذا الاعتصام وانعكاساته على بنية المجتمع اللبناني, بالاضافة طبعا الى ما لحق باصحاب الاملاك العامة والخاصة من اضرار كبيرة في مؤسساتهم وارزاقهم.. وانا واثق من انهاء الاعتصام في فترة قريبة جدا وان هذا القرار لن يتخذه "حزب الله" بل سيناط به للعماد ميشال عون كبادرة لايهام الناس بانه رجل منقذ للوطن وليس العكس.

 

* النائب وليد عيدو: نحن من البداية ضد الاعتصام وضد احتلال املاك الناس والساحات وضد التحدي في الشارع. وانا هنا اريد ان اسال المعتصمين ما جنوا بتصرفهم الارعن هذا غير زيادة الفرقة والبغض والحقد, فهل يجوز لاي فئة سواء في المعارضة او غير المعارضة كلما انزعجت من امر ان تحتل الساحات وتقوم باعمال ضد القانون وضد الدولة.. قلنا ونكرر القول من حق الناس ان تعارض ومن حقها ان تعبر عن رايها لكن التعبير عن الراي يتم بصورة حضارية وليس ب¯"التبليط" في ساحة رياض الصلح او غيرها من الساحات العامة.. اريد ان اسال المعارضة ماذا قدم لهم الاعتصام غير تشويه صورة البلد وتعطيل المرافق السياحية في وسط بيروت وصرف مئات العمال واقفال عشرات المؤسسات وبعد ان ينتهي الاعتصام نستطيع ان نحدد بالارقام قيمة الخسائر الناجمة عنه..

 

توفيق كفوري-نائب رئيس بلدية بيروت: لا نستطيع تحديد حجم الخسائر والاضرار قبل النزول على الارض ومسح الاضرار التي ترتبت على وجود المخيم, كما لا نستطيع تحديد المبالغ المترتبة على بلدية بيروت لاعادة المكان الى طبيعته خصوصا وان هناك امدادات كهربائية محدودة وبنية تحتية تضررت كثيرا, لان هذه الخيم كما هو معروف تامن لها امدادات مياه وامدادات كهرباء. وهنا محطات للكهرباء في بناية اللعازارية تخص بلدية بيروت يتم تزويد الخيم منها وهذا يترتب فواتير مرتفعة ستدفعها البلدية, طبعا بالاضافة الى ما لحق بالكابلات من اضرار و"System Cables" للهواتف ومسارب المياه والصرف الصحي.

 

هذا على صعيد بلدية بيروت انما على صعيد مدينة الاضرار والمبالغ عالية جدا خصوصا ان الوسط التجاري هو قلب بيروت النابض. والمكان الذي تجتمع فيه كل الطاقات الاستثمارية اللبنانية وغير اللبنانية. نحن لنا عند اصحاب هذه الاملاك مترتبات للبلدية لم نقدر الحصول عليها وهي عبارة عن رسوم على القيمة التاجيرية ورسوم اشغال الاملاك للمؤسسات السياحية الموجودة في قلب العاصمة من مطاعم ومرافق اخرى, هذه الرسوم ستضطر البلدية لاعفاء المستثمرين منها وهذا يؤشر جدا على مدخول بلدية بيروت لانه يؤثر على حوالي 11 في المئة من الرسوم العامة في الوسط التجاري وحده التي تتقاضاها بلدية بيروت.

 

وعندما نتكلم عن قيمة الخسارة الاجمالية التي كانت بلدية بيروت تستفيد منها يجب ان نذكر 77 مؤسسة تم اقفالها وتركت الوسط التجاري بعد ان صرفت موظفيها. انا اتكلم على صعيد خدماتي وطني بشكل عام, خسائر البلدية لا نستطيع تحديدها في الوقت الحاضر, بانتظار تبدل الظروف واحلال المحبة محل التعبير عن الغضب في الشارع وفي الساحات واريد ان انوه انه حصلت عدة اجتماعات مع قياديين سياسيين مع اصحاب المطاعم والمرافق السياحية واخرهم مع الجنرال عون الذي وعد في حال عدم ازالة المخيم بشكل تام ان تتقلص المساحة التي يتواجد فيها المعتصمون وبغض النظر عن كل هذه الامور رايي الشخصي ما يجري هو اعتداء على حقوق المواطنين واستباحة لكل القوانين والمنطق في التعامل مع الاخر في وطن عنوانه الاول المشاركة واحترام الاخر والقبول بالاخر لا احد اليوم يسمح لنفسه تحت اي شعار ان يقفل ابواب رزق الناس وانا هنا لا اتكلم عن قضايا سياسية بل في ما يتعلق بارزاق الناس ومعيشتهم..