هل يعد الرئيس ميقاتي حكومته على نار... حامية؟

بقلم/ميشلين ابي سلوم*

 

قُضي الأمر. نجيب ميقاتي رئيسًا للحكومة. والأكثرية باتت أقلية. وثورة الأرز كُسر ظهرها بأيدي من كان متقدما فيها في رشق "الصفر" و"الشام" بأبيات الذل! غادر ساكن المختارة نهائيا عرين السيادة مسقطا نفسه في أسرِ من رفعوا إصبعهم في وجهه.

 

الأكثرية باتت أقلية، والأقلية بالمعاطف السوداء باتت أكثرية، وحكومة الوفاق الوطني طعنت بالثلث الضامن وحكومة جديدة تُعد على نار... حامية! فماذا ستكون النتيجة؟ حكومة من لون واحد؟ من لونين ومشروعين؟ تكنوقراط؟ أو تكنوقراط وأكثرية جديدة؟ او من الأكثرية الجديدة مع وليد جنبلاط فتصبح، في قاموس من يقولون إذا اقتضت مصلحتهم إظهار الاسود أبيض والأبيض برتقاليًا، حكومة وطنية؟

 

أي مصير ينتظر المحكمة الدولية الخاصة بلبنان وقرارها الاتهامي الموعود في ظل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي العتيدة؟ وما شكل الخريطة السياسية الجديدة بعدما افضى تكليف الرئيس ميقاتي الى انفراط عقد تكتلات نيابية معينة؟

 

انها الاسئلة الاولى التي تفرض نفسها بإلحاح في كواليس السياسة اللبنانية وتندرج تحتها عشرات الاسئلة المتفرعة، منذ صار يقينا ان “التركيبة السياسية” الداخلية والاقليمية التي شكلت قبل فترة رافعة سعد الحريري الاكيدة والمضمونة الى سدة رئاسة السلطة الاجرائية في بيروت، السلطة الاوزن والافعل، قد تبدلت عوامل مستجدة بعضها اميط عنه اللثام وبعضها الآخر لا يزال في ظهر الغيب.

 

لم يكن مستغربا او مفاجئا ان تقرن كتلة “المستقبل” النيابية تلبية “دعوة” الرئيس ميقاتي وباقي عناصر المشهد السياسي المعارض للانضمام الى حكومة شراكة وطنية، بسلسلة اسئلة في طليعتها سؤال عن رؤيته لمستقبل المحكمة الدولية ومقتضياتها وكيفية التعامل مع ما سيصدر عنها.

 

ووفق المعطيات المتوافرة فان هذا الموضوع بالذات سيكون محور حركة الحكومة “الميقاتية” المنتظرة ولادتها بين فترة واخرى، تماما كما كان لازمة الحكومات التي سبقتها مباشرة (حكومتي فؤاد السنيورة وسعد الحريري) ولأن قوى 14 آذار وعصبها الاساس تيار “المستقبل”، تدرك تمام الادراك انه يصعب على الرئيس المكلف ان يقدم في هذه المرحلة بالذات جوابا حاسماً حول الموضوع بالذات، وهو المشكلة التي فجرت الحكومة الحريرية، وأطلقت الحرب بما كان يجب ان تقوم به، وانه كان المادة التي استندت اليها المعارضة لتشن “حربها” الضروس على القرار الاتهامي الموعود قبل صدوره، فانه من الواضح ان المقصود احراج ميقاتي قبل اعداد بيانه الوزاري،  والتمهيد للمعارضة الزرقاء التي اكتملت ملامحها قبل الاعلان عن التشكيلة الحكومية وما ترمي اليه المعارضة منذ الآن هو الآتي:

 

1- تبرير وتسويغ مقاطعتها الحكومة التي ما زالت في طور التشكيل.

 

2- تأكيد خطابها السابق الذي واجهت فيه ميقاتي فور بروز اسمه كمرشح لخلافة الحريري في رئاسة الحكومة، والذي يتلخص في أن هذا الرمز الطرابلسي ليس مرشحا توافقيا كما قدم نفسه، بل هو مرشح «الطرف الآخر»، وهو بالتحديد مرشح «حزب الله».

 

3- ايجاد ربط نزاع مع الحكومة الميقاتية المقبلة أياً تكن تركيبتها واللون الغالب فيها، والمضي قدما في مواجهتها تمهيدا لمحاصرتها، في سعي واضح لتحقيق هدف اقصى وهو اسقاطها بالضربات المتتالية في الشارع كما في المواجهة المفتوحة.

 

4-  دفع العالم الخارجي، لا سيما “المجتمع الدولي”، الى مناوأة الحكومة العتيدة بحجة انها تسعى للتخلي عن التزامات لبنان الدولية، ولا سيما المحكمة الدولية التي اقرت كما هو معلوم في مجلس الامن بموجب “الفصل السابع”، وبالتالي محاصرتها خارجيا في موازاة الحصار الداخلي، والذي اطلق عليه صفة “كرة الثلج” التي سيعمل على دحرجتها يوميا لتتحول في نهاية المطاف الى جبل ثقيل تعجز الحكومة عن مواجهته.

 

وفي بعض المعطيات المتوافرة, يبدو جليا ان الرئيس ميقاتي لن يعطي كلمة الفصل حيال هذه المسألة ولو انه سيواصل العمل على معالجتها كقضية خلافية، انطلاقاً من النقطة التي توقف فيها المسعى السوري – السعودي قبل ان تبادر السعودية الى سحب يدها من الوساطة بفعل ضغوط من جانب واشنطن.

 

اما بالنسبة الى مستقبل الخريطة السياسية في لبنان، فإن المعارضة السابقة بدأت ومنذ ان صوت 68 نائبا لمصلحة تكليف ميقاتي تتصرف على اساس ان ثمة اكثرية سياسية جديدة في البلاد ستقبض مجتمعة على مقاليد اللعبة السياسية في قابل الايام.

 

اما في الجوهر، فمن الواضح ان ثمة واقعا سياسيا مختلفا بدأ يتشكل. فالنائب وليد جنبلاط الذي غادر كما هو معلوم منذ 2 آب 2009 فريق 14 آذار، الذي كان رأس حربته وعقله المدبر، غادر في الايام الاخيرة المنطقة الرمادية التي راوح فيها طوال العامين الماضيين، كي لا يكون خروجه من معسكره السابق قطيعة عاجلة مع ماضيه السياسي، وكي لا يحمله انزياحه الى معسكر الممانعة اوزارا يعرف ابعادها وأثمانها. لكن عندما “حكمت” الظروف والتطورات ان يقول كلمته، وفى جنبلاط بتعهداته والتزاماته لدمشق و”حزب الله” وقلب المعادلة رأسا على عقب، ولو ان أحد اثمان هذا التحول الموعود منذ زمن هو انفراط عقد “اللقاء الديموقراطي” وانقسامه تحت وطأة الحدث وعودته الى الاسم الاصلي الذي له رمزية مميزة، وهو “جبهة النضال الوطني” كونه يكرس موقعه الجديد بالاسم الذي اختاره والده الزعيم الراحل كمال جنبلاط.

 

ولا شك في ان سير ميقاتي في خياراته حتى النهاية، غير عابئ بالضغوط الثقيلة التي مورست عليه افرزت واقعا جديدا في داخل الطائفة السنية عموما وداخل طرابلس على وجه التحديد، فضلا عن انه رفد اكثرية سياسية جديدة في مواجهة الحريرية السياسية وعباءتها الاوسع قوى 14 آذار، وهو امر يحصل للمرة الاولى منذ انحازت غالبية الطائفة الى موالاة الزعامة الحريرية. انه واقع جديد يمكن تفسيره بأن “قبضة” الحريرية السياسية على الساحة السنية وعلى الشمال عموما، قد بدأت تتراخى تدريجيا، رغم ان انصار هذه المدرسة السياسية ينظرون الى الامر على انه مجرد “خيانة” من حلفاء سابقين صعدوا على اكتافها وامتطوا شارعها. إلا ان هذا الانطباع لا يرقى الى مرتبة اليقين السياسي حتى الآن.

 

حيال ذلك كله يبقى السؤال عن مدى قدرة الحريرية السياسية على مواجهة الواقع السياسي المستجد.

 

الواضح حتى الآن ان مقاطعة الحريرية السياسية الحكومة هو التوجه الغالب داخل 14 اذار، رغم بعض التحذيرات من مغبة المقاطعة على المستويين الداخلي والاقليمي. اضافة الى ذلك ثمة قوى داخل 14 آذار وفي مقدمها حزب الكتائب مثلاً لا تجد نفسها في المعارضة بقدر ما تستسيغ المشاركة في السلطة.

 

ولن يكون سهلا على الحريرية السياسية ان تعتمد نهج المعارضة السابقة اي لعبة “المشاغبة” واللجوء الى الشارع، ولن تكون مسيرة المعارضة الجديدة نزهة سياحية في اي حال.

نعود الى البداية، أي الى الحقبة الميقاتية التي بدأت وهي حبلى بتغييرات كبيرة في حجم انقلاب دستوري كامل. ما هي عناوين التغييرات المرتقبة؟

 

أولا, سوف يتجلى في منهجية التعامل اللبناني الرسمي مع المحكمة الدولية، أياً يكن مضمون القرار الاتهامي.

 

ثانياً, سوف يظهر تباعاً في المقاربة اللبنانية الرسمية للملفات المطروحة على مستوى المنطقة، بدءاً بسلاح «حزب الله» وانتهاء بالملف النووي الايراني.

 

ثالثا,ً هو المنحى الجديد الذي يمكن ان تسلكه السياسة الخارجية اللبنانية، والذي يفترض أن يراعي توجهات المحور السوري – التركي – القطري في المرحلة المقبلة.

 

رابعاً, سوف يترجم على مراحل من خلال تصفية المرحلة الحريرية السابقة، وتوجهاتها الاقتصادية الاساسية، لمصلحة توجهات جديدة تراعي تطلعات المعارضة وتستجيب اولاً للمطالب الشعبية الملحة على المستويين المعيشي والاجتماعي، بحيث تنجز الحكومة الجديدة ما عجزت الحكومات الحريرية والسنيورية السابقة عن انجازه.

 

خامساً, سوف يظهر بالتأكيد من خلال إقرار قانون جديد للانتخابات، من شأنه تحجيم دور المعارضة الجديدة في الاستحقاقات المقبلة.

 

ووفق المعلومات المتوافرة, إن "الانقلاب" لاخراج "ثورة الارز" أو الحكم الحريري من آخر موقع في الحكم ما أتى مدفوعا بالاحداث المتسارعة، بل في إطار التعجيل في عملية نقل لبنان من موقع الى موقع، والبناء على الانتقال للتفاوض على مرحلة مقبلة يكون فيها الاستحواذ على "تفويض" خارجي بلبنان أكثر يسرا بناء على الواقع الجديد الذي فرضه تحالف يمتد من طهران الى دمشق، وقد وجد لنفسه موطئ قدم في التركيبة اللبنانية عبر شخصيات كانت معتبرة في مرحلة من المراحل بمثابة الودائع الرمادية التي جرى فرضها في فترة الاختلال التي عكستها المصالحة العربية السعودية - السورية. وهذه المصالحة وما استتبعها يجب ان تدرس بعناية للنظر في مواضع الضعف من جهة، وفي الهدايا المجانية التي قدمت الى دمشق وما كانت تنم عن معرفة وادراك بما يهجس به السوريون عندما يكون لبنان موضوع التسوية.

 

أيا يكن من أمر، فقد جرى تكليف رئيس جديد تشكيل الحكومة المقبلة التي لن تكون أكثر من واجهة لحكم الوصايتين الخارجية والداخلية على لبنان. والمشكلة حقا لا تتوقف عند شخص الرئيس المكلف الخارج من صف رجال الاعمال الطموحين، بل عند رمزية الاتيان به كممثل لمصالح الحكم السوري في لبنان ولتطلعات "حزب الله" في التركيبة اللبنانية على حد سواء. وهو في طريقة الاتيان به، والشروط التي وضعت صراحة او مواربة أعجز من أن يتجاوز الدور المحدد له بحراسة هذه المصالح وتلك التطلعات لأنه يعرف ما من قوة كانت اتت به رئيسا للحكومة لو اقتصر الامر قياسا على قاعدته التمثيلية الشعبية او النيابية.

 

مسموح للرئيس المكلف ببعض الاجراءات التخديرية، او ببعض "الانجازات" المرحلية لحرف الانتباه عما وعمن يقف خلف المعطى الجديد في الحياة السياسية اللبنانية. ولكن الملفات الساخنة لن تكون في متناوله، ولن يسمح له بأكثر من التلطي خلف ما يسمى "الحوار" دفعا للحرج، وكسبا للوقت. وفي الاثناء يمضي لبنان بحراسة الرئاسات الثلاث المستسلم بعضها، والمتواطئ بعضها الآخر، والمستعجل بعضها الثالث في الانحدار نحو نظام الوصايتين الخارجية والداخلية، وفي نهاية الامر ستقف البلاد عند محطة نظام حكم الحزب الواحد (حزب الله) يوم تهب على سوريا "رياح"  تونس ومصر، وستهب.

 

*صحافية لبنانية

 

01 شباط/2011