نصر الله يحارب على عدة جبهات عبر طلالته الإعلامية

بقلم/ميشلين ابي سلوم*

 

إطلالات الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله كثيرة هذه الأيام بل ومكثفة, فقد أطل نهاية الاسبوع المنصرم عبر قناة «المنار» متناولاً تداعيات «ويكيليكس» وتشكيل الحكومة وساحل العاج والموقف الأخير لرئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري من موضوع ايران مؤكداً انه لن يسكت عندما يُساء الى دولة وقفت الى جانب لبنان، وقال عندما يقول احد ان ايران عدو وانها سبب التأزيم في لبنان وليس اسرائيل واميركا خصوصاً انه رئيس حكومة، وعندما اقول انه كلام اسرائيلي فهل اتجنّى؟ هذه اللغة والمنطق لاسرائيل.

 

وهذا أمر لا يدعو الى التبرير بل الى التباهي، ان يطل للدفاع عن ايران بعد آخر اطلالة له لمهاجمة الخليج المدافع عن دولة البحرين، فهو ينتمي جهاراً الى ولي الفقيه الايراني وجيشه. وها هي ظروف هذا الانتماء تقتضي الخروج الى العلن بعدما تعرّض نظام الحكم في ايران لهجوم من رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري الذي رفض أن يكون لبنان أو اي بلد عربي آخر "محمية ايرانية".

 

لكن ان يطل نصر الله بعد يوم على هجوم الخارجية الايرانية على الحريري وبعد يومين على هجوم مماثل من "حزب الله"، فإن الامر ينطوي على حالة طوارئ تستدعي هذا الاستنفار من دون حسبان كل الضغوط التي تعرض لها مَن هم في موقع السلطة كرئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان والرئيس المكلف نجيب ميقاتي، ومن خارج السلطة الذين يدورون في فلك الدعم الايراني الدائم لهم من اجل الانضمام الى الحملة ضد الحريري. واغلب الظن ان السلطة في طهران هالها ان هذا التغيير الذي يشهده العالم العربي يمتد الى سوريا التي تمثل البوابة الكبرى لطموحاتها الامبراطورية في الشرق الاوسط وتحديداً لبنان الذي يمثل نموذجا فريدا لممارسة النفوذ من خلال قوة عسكرية ضاربة يجسدها "حزب الله" ودولة عاجزة عن ممارسة سيادتها يجسدها الواقع الراهن للبنان.

 

كأن طهران تعلم ان استحقاق التغيير العربي اقترب من لبنان بعدما دقت قبضته على بوابة دمشق. ولذلك نزلت بكل عدتها ومن ضمنها نصرالله الى الميدان لحماية رأس حربتها الاخيرة في المنطقة.

قبل ان يخرج "حزب الله" من كهف الصمت طوال اسابيع خلال حملة الحريري على سلاحه، كان السؤال: ألا يدور نقاش في دوائر نصرالله حول ضرورة الاخذ في الاعتبار ان مئات الالوف خرجوا في 13 ذار الماضي يطالبون بإمرة الدولة لسلاحه، ومثلهم فعل عشرات الالوف في طرابلس بعد ايام من التجمع في ساحة الشهداء؟ المعلومات تفيد أن "حزب الله" تعامل بلا اكتراث مع كل هؤلاء اللبنانيين ولم يجد في اصواتهم اي تهديد لسلاحه والنفوذ الذي يتمتع به.

 

الحريري الذي أطل مباشرة بعد حملة نصرالله على دولة البحرين استبق عاصفة آتية تتهدد ارزاق مئات الالوف من اللبنانيين في منطقة الخليج. فعندما يتصدى للمنطق المذهبي الذي اطلقه نصرالله على ما يجري في دولة البحرين يتولى حماية المغتربين في تلك الدولة وسائر دول المنطقة والتي تخوض اليوم مواجهة لا سابق لها منذ قيام الجمهورية الاسلامية في ايران عام 1979 مع النظام الايراني. ولمن تعوزه الشواهد يمكنه العودة الى ترحيل مليون يمني من السعودية وألوف الفلسطينيين من الكويت ابان غزو صدام حسين لتلك الدولة عام 1990 وذلك في توترات خارج التصنيف المذهبي. كما يعلم اللبنانيون ممن يملكون ذاكرة جيدة كيف كان يتم الحصول على تأشيرة دخول الى الخليج بعد صعوبات جمة في فترة الثمانينات من القرن الماضي.

 

خيار الحريري العربي

كي لا يصبح مئات الالوف من اللبنانيين وقودا للصراع الايراني – الخليجي، أعلن الحريري خياره العربي بوضوح كامل. والصراع هنا ليس كالذي دار في ساحل العاج بين رئيس منتخب ورئيس منتهية ولايته مما هدد ارزاق عشرات الالوف من المغتربين هناك، بل هو صراع اعمق بكثير وستمتد آثاره الى مرحلة طويلة.

خلال حرب 2006 التي شردت مئات الالوف وخصوصا من الاهل الشيعة، حدثت واقعة من المفيد تكرار ذكرها اليوم بعدما وردت في هذه الزاوية سابقا. فقد طلب وفد  التجار ورجال الاعمال الشيعة من السفير الايراني منحهم تأشيرات وتسهيلات للبحث عن مصادر رزق في ايران ريثما ينجلي غبار الحرب في لبنان. فكان جواب السفير الذي نزل كالصاعقة على رؤوس افراد الوفد: "لقد كتب الله لكم نعمة الشهادة في لبنان فكيف تتخلون عنها؟".

من الطبيعي أن يكون منطق نصرالله مشابها لمنطق السفير الايراني في ذلك الزمن ومنطق الخارجية الايرانية بالامس. لكن ما هو مخالف للطبيعة ان يخرج الرئيسان سليمان وميقاتي وغيرهما بمواعظ حول سياسة لبنان الخارجية من اجل انتقاد الرئيس الحريري في حين ان القطة، كما يقال، أكلت ألسنتهم عندما تعرضت مصالح مئات الالوف من اللبنانيين للخطر عندما شن السيد نصرالله حملته الخليجية، علما أن رئيس مجلس النواب نبيه بري لم ينضم الى الجوقة الايرانية في لبنان، وهو بالكاد يستعيد هدوءه بعد الحملة التي حملت في ظاهرها توقيع "ويكيليكس" وفي باطنها فتوى ايرانية، على ما قال ويقال في اوساط تقرأ ما بين السطور.

 

وثائق «ويكيليكس»

كما يبدو أن وثائق «ويكيليكس» قد بدأت تحدث مفعولها الإيجابي في لبنان، وها نحن اليوم نرى التراشق الإعلامي قد بدأ بين حركة أمل الشيعية، وحزب الله الإيراني، وهذا أمر جيد لأننا لم نرهم وهم يتفقون، والآن نتفرج وهم يتحاسبون.

 

فمما جاء بالوثائق أن عددا من نواب ووزراء كتلة التنمية والتحرير التابعة لرئيس البرلمان نبيه بري، قد أبدوا تذمرا من حزب الله، وسلاحه، ونطاق سيطرته في لبنان، أثناء مقابلاتهم مع الأميركيين، بل وتحدثوا عن تبعية حزب الله الواضحة لإيران. كما كشفت الوثيقة تململ رجال بري من الحليف السوري، وذلك بقولهم إنه في حال لم يتم التوصل إلى ترتيب واضح للتعامل مع المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رفيق الحريري من قبل سورية فإن حزب الله سيحول لبنان إلى جحيم من حيث عودة السيارات المفخخة، والهجمات الإرهابية، بل والأدهى قولهم إن باستطاعة سورية أيضا تحريك عملائها في لبنان من بعض الفلسطينيين، وخلاياها النائمة لفعل نفس الأمر!

 

كلام مهم، وخطير، وهو ليس فتنة، بل يجب تصديقه، وذلك لسبب بسيط جدا، وهو أن حزب الله نفسه يصدق هذا الأمر، حيث طالب باستقالات فورية من العمل السياسي لكل من تحدث بذلك في وثيقة «ويكيليكس»، كما أن جماعة بري، ومثلهم حزب الله، سبق أن ركنوا كثيرا على وثائق «ويكيليكس» لضرب معارضيهم مثل سعد الحريري وفؤاد السنيورة، ناهيك عن الدول العربية، فلماذا تصدَّق «ويكيليكس» هناك، وتكذَّب هنا؟ لماذا تكون صادقة إذا رأى حزب الله، أو أمل، مصلحة في ذلك، وتكون كاذبة وفتنة، إذا رأوا ذلك أيضا؟ خصوصا أن هذه الوثيقة ليست الأولى، بل هناك وثائق أخرى كشفت أن آخرين تابعين للجنرال عون قد تحدثوا بنفس الروح عن حزب الله أيضا!

 

وعليه، ومن خلال وثيقة «ويكيليكس»، وما نقلته عن أتباع نبيه بري ورأيهم في حزب الله وخطورة سلاحه، ووضوح تبعيته لرعاته الإيرانيين، كما يقول أتباع بري في الوثيقة، فإن ذلك يعني أن من يطلق عليهم معسكر المعتدلين من العرب قد كانوا، وما زالوا، على حق في رؤيتهم لخطورة حزب الله الإيراني وسلاحه، وخطورة تحالفه مع سورية، والدور الذي يقومان به في لبنان، وهذا ليس رأي المعتدلين فقط، بل رأي حلفاء حزب الله في حركة أمل، كما أظهرت الوثيقة.

 

صحيح أن أحداث منطقتنا اليوم وموقف إيران وحزب الله منها، وتحديدا موقفهما مما يحدث في البحرين وسورية، يعريان طهران وحزب الله تماما؛ فبينما يطعنان في الدولة البحرينية دعما للشيعة في البحرين، نجدهما يدعمان النظام في دمشق وهو يقمع بكل عنف المتظاهرين السوريين، بل يصوران مطالب السوريين بالفتنة والعمالة للخارج.. نعم كل ذلك واضح وصحيح، لكن الأهم هنا أن وثيقة «ويكيليكس»، وما نقلته عن حلفاء حزب الله في لبنان، تظهر أننا كنا على حق، وأن الجميع، سواء في المنطقة أو لبنان، أو حتى من حركة أمل الشيعية، متفقون على عمالة حزب الله لإيران وخطورة سلاحه، وهذا أمر مهم فعلا!

 

 *صحافية لبنانية