قبقبة..
محمد سلام/لبنان الآن/

مقال الوارد بعد هذه السطور -من عنوانه إلى نقطة النهاية شكلا ومضمونا- لا يمثل ولا يعكس ولا يوحي برأي أي حزب، أو تنظيم، أو تيار، أو نقابة، أو جمعية، أو مدرسة، باستثناء مدرسة أيتام الأخلاق التي افتخر بالانتماء إليها، ويفاخر آخرون بمحاربتها.

"القبقبة" هي عنوان الحقبة الجديدة التي افتتحها السيد حسن نصر الله بخطبة الاستيلاء على مسجد الظاهر بيبرس في بعلبك، فحوّل مدينة الإمام عبد الرحمن الأوزاعي إلى "قم لبنان".عمائم لبنان كلها شاهدت وسمعت. بعضها تمتم انزعاجه لكن همسه الخجول ابتلعه ضجيج القبقبة. الهامسون تهافتوا إلى ضريح الرئيس الشهيد رفيق الحريري ليقرأوا سورة الفاتحة عن روحه، مستذكرين أنه، رحمه الله، كان قد أحضر المهندس المصري المتخصص في العمارة المملوكية –وهو الذي أشرف على تشييد مسجد محمد الأمين- لتفقد مسجد الظاهر بيبرس بهدف ترميمه مع المحافظة على هويته التراثية، فمُنع المهندس من دخول، حتى باحته.

الهمس المُعتمد منذ تلك اللحظة أضاع المسجد، وهويته، على الرغم من أن سند ملكيته ما زال حتى اللحظة يحمل إسم مالكه: الأوقاف الإسلامية السنية. ذه من علامات الدين الجديد. ركنه الأول يقول: أي اعتراض على ممارسة الفتنة هو إيقاظ للفتنة، فاضربوا من يعترض على ممارسة الفتنة... بالقبقاب.

من لا يعرف من الجيل الجديد ما هو القبقاب، يمكنه العودة إلى أي حلقة من فكاهيات الفنان السوري دريد لحام "غوار الطوشة" ليشاهد قبقابه، ويسمع رنينه، ويستشعر الألم الذي ينزله القبقاب إذا استعمل في ... العقاب.  

ونتمتم همسا خوفا من إيقاظ الفتنة، فيما الفتنة تمارس على إيقاع... القبقاب. نتُقدنا على وصفية انتعال. حسّاسون هم، مؤدبون، لا يستخدمون مفردات تخدش الحياء... الخاص. أليس كذلك؟ موقفهم سمج. أما المذلّ فهو موقف شريحة من أهلنا تربّت على ثقافة "الأوادم" فما فهمت منها سوى أن "الآدمي" هو من إذا شُتم لا يشتم، وإذا ضُرب لا يضرب، وإذا أُهين لا ينتفض لكرامته، وإذا شتموه في الشارع يهاجر... وصولا إلى أنه إذا بُصق بوجهه قال "الحمد لله إنها تمطر". هؤلاء لا يعلمون أن ثقافتهم هي من أركان الدين الجديد.

في بيروت، التي كانت ولم تعد، كنا كلما تحالف إبليسان نقول: لف السير على القبقاب. مفردة السير ليس المقصود بمعناها شرطة معالي زياد بارود وراداراته. السير هو القطعة الجلدية التي تدق بالمسامير على طرفي القبقاب كي تستطيع القدم أن تتحرك به... وتحدث ضجيجا. لرنين القبقاب مدرستان: مدرسة ذكورية توحي به بالعقاب. ومدرسة أنثوية توحي به بـ"اللذة" ... وكل يختار ما يشاء.  الدين الجديد كلّف سيرقبقابه بتظهير أركانه. قالت عالمة النجوم للمكلّف بالمرحلة وليس بتأليف الحكومة فقط: "صرخ الله أكبر". إبتسم دولة الرئيس نجيب ميقاتي للشاشة البرتقالية وأجاب: كل يوم بنقول الله أكبر، في الأذان في الصلاة...  أسقط في يدها. دولته لم يتبن الدين الجديد. عقلها المسطّح لم يفهم أنه سليل عائلة الموقتين. هذه أيضا لن تفهمها.

الموقتون، آل الميقاتي الكرام، هم رجال دين كانوا يحملون مسؤولية تحديد مواقيت الصلاة، والصيام، والحج، والعيد. يعني، لمن لا يتيح له تسطيحه أن يفهم، أن العائلة الكريمة تحمل أمام الله مسؤولية توجيه المسلمين إلى تنفيذ أمر ربهم بالعبادة. لذلك أرادت تخويف دولته بـ"الله كبر" فأخافها ... بابتسامة مسلم سني ميقاتي. "وقال خرج المارد السني من القمقم" أضافت عالمة النجوم. إبتسم دولة الميقاتي وأجاب: "يمكن لأني طويل".لا يعنيني إذا كانت "الفهيمة" قد فهمت الإجابة. ما يعنيني هو إلتزامي بمدرسة الأخلاق التي تقتضي شكر دولة المكلف بالمرحلة لأنه التقط "الطرح" في الشارع، فالتزم دينه وأخلاقه.

الولاء أيضا إلتزام أخلاقي. وقمته مورست لحظة الزجر أو التعنيف أو العقاب. لذلك كانت "لعيونك..."هذه القواعد الأخلاقية الصارمة لا يفهمها إلا منتسبو مدرسة "أيتام الأخلاق" حيثما كانوا، أو حيثما وضعوا. المسألة بالنسبة لهم ليست في من يتبناهم، فهم أيتام في زمن هيمنة الرقم على المبادئ. نفتخر بالولاء في لحظة الزجر أو التعنيف أو العقاب (لا فرق، والله لا فرق) لنقول للذين فرحوا: صحيح نحن أيتام في عصر الانحطاط الأخلاقي، ولكن أنتم لقطاء، لا دين لكم، لا أصل لكم، لا نسب لكم، وحتما لا ... مستقبل. أنتم أقصى أدواركم هو "محرمة ورقية". تستخدم، لا تُغسل، تلقى في سلة المهملات ... ومنها إلى "سوكلين" من دون دليل سياحي. الآن فهمت سبب حقد "السير" على سوكلين.

تذكرني ثقافة عالمة النجوم بتسطيحها بطرفة بثت على أثير إذاعة صوت لبنان عندما أرادت أن تتهضمن "إحداهن" فيما كانت مكرمات خادم الحرمين الشريفين توزع على اللبنانيين صناديق إغاثة لأول مرة في زمن الجوع بالقرن الماضي. حكت طرفة. قالت إن أحد الذين تسلموا صندوق إغاثة، قرأ ما كتب عليه، فصرخ إلى موظف الديليفري: "بعد في حرامين وشرشفين. وينون؟" الحرمين الشريفين" تحولا في ثقافة تلك المهضومة إلى "حرامين وشرشفين". لم تستطع أن تستوعب أن ملكا يجد أقصى شرفه وأعمق إيمانه في أن يكون خادما في الحرمين الشريفين. لم يستوعب عقلها المسطح أن الحرمين الشريفين هما في مكة والمدينة المنورة. لم يستوعب عقلها المسطح حتى في ثقافته المسيحية أن الحرمين الشريفين لدى المسلمين هما أشبه بكنيسة المهد وكنيسة القيامة لدى المسيحيين.

لذلك يستخدم الدين الجديد القبقاب أداة، والسير لوصل القدم بالأداة. ويتدحرج "السير" في تظهير ضجيج القبقاب. ينتقل من الشاشة البرتقالية إلى الموقع البرتقالي، فيكرمنا القلمي الفذ بمقالة تحت عنوان "يوم حاضر محمد سلام في ساحة النور". وحقن السير القبقابي مقالة بنعتي "مسؤول التثقيف السياسي في تيار المستقبل" ليكسب كلامه المزيد من السموم مع أنه يعلم بأني لست منسقا لأي نشاط في تيار المستقبل، وإن كان لا يعلم فتلك مصيبة من يزعم بأنه صحافي لأن أسماء المنسقين معلنة منذ أكثر من ستة أشهر، وإسمي ليس بينها.. لكنه سير قبقاب، وليس بإعلامي، لذلك لا يحُتسب الخطأ على أداة. على كل حال، نقول له: شكرا، من كل القلب. لقد أهديتنا "يوما مجيدا" جديدا. واجبي الأخلاقي يلزمني بشكرك. أعلم أن زملائي أيتام الأخلاق الذين أكرمتهم بذكرهم في مقالك الموصوف سيشكروك أيضا كل وفق المرحلة التي وصل إليها في جامعة أيتام الأخلاق، وهي أكبر بكثير من أي مدرسة عرفتها في حياتك، أو حتى تخيلتها، ولا يمكنك الالتحاق بها، فسترسب دائما في امتحان الأخلاق. يتدحرج "السير" في تظهير ضجيج القبقاب، ولكن هذه المرة يستخدمون "سيرا مثقفا" من بقايا التفل الذي لفظته جيف بحر منظومة الاتحاد السوفياتي "العظيم".

تحت عنوان "كي لا يشعر جمهور المستقبل أنه متروك لمحمد سلام" نجح السير القبقاب في تحقيق أمر واحد لا بد من الاعتراف له به. جسد انتماءه إلى شعار المطبوعة التي نشرت له: صوت الذين لا صوت لهم. هو واحد من الذين لا صوت لهم. صوته فقط هو... ضجيج القبقاب. كنت أميل إلى الاعتقاد بأن رائحة السيكار الكوبي التي كانت تخترق أجواء مكاتب القبقاب النتنة قد تكون أسكرت من تنشقها من الصغار، لكن الفرضية سقطت موضوعيا لأن من كان "يتمّون" بالسيكار قُطعت رجله عن صالونات ما زالت تعرضه، للضيافة أساسا، ولمعرفة من يلتهمه، لا لأنه يليق بمستواه بل ليتشبه بالكبار ... حتى في عيادات أطباء الأسنان.

إلتقى سير القبقاب المثقّف مع شقيقه المسطح في الموقع الأرجواني على خطأ متعمّد واحد. فقد استنجد أيضا بالتلفيق واعتبرني منسقا للتثقيف السياسي في تيار المستقبل، مع أن المنسق الحقيقي "رفيقه" سابقا، ومتبرئ منه لاحقا، وهو يعرفه، ويتابعه. السير الذي لا صوت له محنّك فعلا. هو حتما في مرتبة ذهنية أرقى من المستوى البرتقالي، لذلك دس سمه في آخر نصف سطر من مقاله... وفشل لسببين: لأنه ليس من مدرسة أخلاقية تلاحظ التمسك بالولاء في لحظة الزجر أو التعنيف أو العقاب، فهذه لم يفعلها حيث كان حزبيا ولن يفهم بها، ولأنه لا يدرك أن من أرسل سمه إليهم كي يستثمروه في الصالونات ليسوا أكثر من محارم ورقية تسير وحدها إلى... سوكلين. أما أهل الأخلاق، فصاح بي منهم الرفيق طوني "وينكن رايحين ولوووو؟"نظرت إليه، فرأيت صرخته تخرج من عينيه، وقد احمرتا كما وجهه، وشعره الذي نعفه ضجيج القبقاب.

"شو يا طوني؟ سألت؟ "بعدو طعم نعل المحقق على رقبتي، وصوتو يضج في رأسي: وقّع يا كلب". قال الرفيق طوني، وأضاف بحدة: "وينكن رايحين". "إللي عملوه فينا حيعملوه بكل السّنة. ولك وينكن رايحين؟"جن طوني، فعلا كاد أن يضربني، بل جلدني بسياط "وينكن رايحين. ولك وينكن رايحين؟  أخذوا السلطة، بكرا نائب عام بيمضي دفاتر مذكرات جلب على بياض. وبتنفذها الضابطة العدلية قانونيا، وبيوصل نعل المحقق لرقابكن ورقابنا كمان. ولك وينكن رايحين لوين، كرمال الرب والعدرا والمسيح ومحمد، ولك فيقوا...؟"

كان الرفيق طوني يجلدني، وما رحمني، وأخيرا صفعني "ولك فيقوا". تذكرت الزميل الحبيب  شارل جبّور يعلّق على شاشة تلفزيون المر على مشاهد ساحة النور قائلا: "أنا اللبناني المسيحي الماروني بعد اللبناني المسلم السني محمد سلام أصرخ ألله أكبر". شكرا عزيزي شارل لأنك من الدين القديم. تعلم أن الشعار لا يخرجك من إيمانك المسيحي بالله، بل يؤكده ويوحّد عباد الله. شكرا لتلفزيون المر لأنه موجود. وشكرا رفيق طوني لأنك صفعتني. شكري لك نابع ليس من التزام أخلاقي فقط، بل من التزام بالقضية دائما وأبدا.
وتذكرت كتاب "المعصرة" للرفيق جورج علم، ومآثر التحقيق في أقبية نتنة ممزوجة برائحة السيكار.

وتذكرت ما رواه لي الأخ أبو أحمد الفلسطيني عن مآثر "جمهورية عطية" وهي فرع "للمعصرة" في صيدا، وما رواه لي آخرون عن جمهوريات "عطيات" في البقاع والشمال، في هيكلية طرابلس وفيلا جبر والبوريفاج وعنجر، وشاهدت باليقظة حقائق الرفيق طوني "بكرا بيدخلوا عكار بالسلطة، تنفيذا لأمر السلطة، بينعفوها متل ما نعفوا غدراس وكل من كان قد قال لها مرحبا. بكرا بينعفوا عرسال، سعدنايل، مجدل عنجر، وكسروان والمتن وبكفيا وجونية وبشري والعرقوب، كله بأمر السلطة. ولك وينكن؟ رايحين لوين؟

 صحيح. والله صحيح. رايحين لوين؟  مع قيادات 14 آذار رايحين لوين؟ معه حق السير "المشحّر" في صحيفة صوت القباقيب. لا يمكن تكرار نفس الثورة. هذا نقيض المنطق. والله بيفهم ... شوي. 14 آذار انتهت. هزمت. مطلوب مؤتمر وطني عام لشعب ثورة الأرز لإطلاق منظمة التحرير اللبنانية لمباشرة التحرير وفق مقتضيات المرحلة، بالسياسة، بالدبلوماسية ... وبغيرهما. لممارسة حق البقاء، وليس فقط الدفاع عن النفس. مقولة الدولة تحمينا سقطت من يد 14 آذار وصار القبقاب يخيفنا. مقولة أم الصبي أيضا سقطت لأنها في النهاية لم ترتق إلى مستوى صبي له أب يحميه. بقيت أسيرة أم وصبي لا أب له. فعلا معه حق الرفيق طوني. لوين رايحين مع 14 آذار بنصب الخيم ومسيرات الشموع والدموع. نسيتوا أن السيد حسن نصر الله قال لكم في العام 2005 "لبنان ليس أوكرانيا". هو صادق وانتصر وأنتم بعدكم تندروا شموع، وتبكوا دموع، وتنصبوا ... خيم. 

اتصل بي الأخ أبو أحمد الفلسطيني مجددا وقال لي: "لحقوا حالكم طالما بعدكم على أرضكم. ولك اسألونا عن ذل تحرير الوطن من خارج أرضه". أبو أحمد أيضا جلدني كما الرفيق طوني "فاهمين حالكم لوين رايحين؟ ولك وضعكم ... من وضعنا بالـ48. مفيش دول شتات تلم. إذا ما لحقتوا حالكم حيضيع لحمكم على الطرقات. خافوا الله بحالكم".
أبكاني أبو أحمد. نصيحته أغلى من ... أي جمل. فهل من يسمع؟

أخطر أركان الدين الجديد هو ما تعممه قباقيب "أمنية" عن احتمال قيام تنظيم القاعدة بتفجير كنيسة في لبنان، وبعضهم وصل بشطحاته إلى بكركي.
يا جماعة القباقيب، السياسية والعقائدية والأمنية، عاقل يسأل وقبقاب يفهم: لماذا لم تفجر أي كنيسة في العراق عندما كانت القاعدة في أوج قوتها بين العامين 2003 و2007؟
لماذا لم يبدأ استهداف كنائس العراق إلا بعدما أمسك الولي الفقيه بـ"الأيروقاعدة" يا قباقيب؟.

وأخيرا لا بد من التنويه بالجهد الناجح الذي بذلته إخبارية المستقبل في الرد الراقي على قبقبات "بطل الحريات" النائب فضل الله، وشكرها لأنها لم تغامر بتذكّر منزلي الذي أهدرت كرامته في  ذلك الأيار المجيد، وهي أغلى كثيرا من الدم ولا تستطيع الإخبارية أن تتحملها، فهي مدرجة على جدول جامعة الأخلاق وليست ضمن مسيرات الشموع والدموع.
إنها حقبة القبقبة بامتياز، فلا تخافوا ضجيج القباقيب.

30 كانون الثاني/11