نص كلمة الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في ذكرى اسبوع المقاومة الاسلامية واسبوع عماد مغنية

22/شباط 2008

 

في البداية أتوجه باسمي وباسم عائلة الشهيد القائد الحاج عماد مغنية وقيادة حزب الله وكل أخ وأخت في حزب الله وكل مجاهد في المقاومة الاسلامية أـوجه بالشكر إلى كل الذين باركوا لنا وقدموا لنا العزاء وعبروا عن مواساتهم باستشهاد القائد الكبير والأخ الحبيب الحاج عماد مغنية أتوجه بالشكر إلى مراجعنا العظام وإلى جميع المرجعيات الروحية المسيحية والاسلامية والسادة العلماء والأطر العلمائية المختلفة وإلى الرؤساء الحاليين والسابقين والوزراء الحاليين والسابقين والنواب الحاليين والسابقين والقيادات السياسية والحزبية والعسكرية والأمنية والشخصيات والأطر الإعلامية والنقابية والثقافية والاجتماعية في لبنان وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي وإلى كل اللذين أقاموا مجالس التبريك والعزاء في لبنان والعالمين العربي والإسلامي.

 

من واجبي أن أخص بالشكر سماحة آية الله العظمى الإمام الخامنئي دام ظله الشريف لأبوته وعنايته الخاصة التي عبر عنها إن من خلال البرقية أو من خلال خطابه السياسي أو مجلس الفاتحة الذي أقامه في طهران أو المودة الكبيرة والمضمون العالي الذي عبر عنه في برقيته وخطابه وكذلك رئيس الجمهورية الاسلامية في إيران الدكتور أحمدي نجاد الذي أوفد إلى مجمعنا هذا في يوم التشييع وزير الخارجية الأخ الدكتور منوشهر متكي مع وفد رفيع المستوى يمثل مختلف المؤسسات والهيئات القيادية الكبرى في الجمهورية الاسلامية في ايران.

 

أتوجه بالشكر إلى عشرات الآلاف الذين شاركونا تشييع شهيدنا القائد تحت المطر او في الأجواء القاسية كما اتوجه إليكم أيها الإخوة والأخوات في هذا اليوم بالشكر والتقدير على حضوركم ومشاركتكم لنا في الذكرى السنوية لاستشهاد أميننا العام وقائدنا السيد عباس الموسوي وزوجته وطفله وفي الذكرى السنوية لاستشهاد شيخ شهداء المقاومة الاسلامية الشيخ راغب حرب وفي ذكرى اسبوع الرحيل والاستشهاد والغياب والفوز العظيم الذي من الله تعالى به على شهيدنا القائد عماد مغنية.

حضوركم ومشاركتكم اليوم تعنى لنا الكثير وتعنى لعدونا الكثير وهي تعبر بطبيعة الحال عن مدى الالتزام والموقف والصدق والوفاء للشهداء الذين يقدمون دماءهم من أجل أن نحيى جميعا بكرامة ومن أجل أن يبقى وطننا شامخا وأمتنا عزيزة.

 

نحن اليوم في محفل الشهداء القادة وكل واحد من هؤلاء القادة بات بفعل الجهاد والاستشهاد وبفعل التضحية ودم الشهادة رمزا وعنوانا لمرحلة معينة وان كان ما يجمع بين الشهداء القادة في مناسبتنا كثير وكثير، من الايمان الى الصدق والوفاء والاخلاص والتواضع والمحبة والى الأحاسيس الإنسانية الراقية المرهفة والعمل الدؤوب والجهاد الدامي والترفع والصدق الى محبة الناس والثبات الذي لا مثيل له .

 

 كل شهيد من هؤلاء القادة هو عنوان لمسيرتنا ومقاومتنا وتضحياتنا وكل شهدائنا ولكنه رمز لمرحلة محددة في مواجهة العدوان الصهيوني الدائم والمستمر، هذا العدوان الذي بدأ على لبنان منذ سقوط فلسطين واحتلال الصهاينة لفلسطين عام 1948. منذ ذلك اليوم، الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان وعلى جنوب لبنان بالتحديد وعلى القرى الحدودية لم تتوقف وان كان في الواقع الحالي الكثير من اللبنانيين لا يعرفون تلك المرحلة او يغفلون عنها.  ولكن من المؤسف ان بعض من يدعون قادة سياسييون كبار ايضا يتجاهلون او يجهلون تلك المرحلة. وانا اذكر عندما كنا نناقش الاستراتيجية الدفاعية على طاولة الحوار الوطني وتحدثت عن الاعتداءات الاسرائيلية من العام 48 ولبداية السبعينات أي قبل مجيء الفصائل الفلسطينية الى جنوب لبنان احتج بعض الحاضرين وقال ان اسرائيل لم تعتد ولم تفعل شيئا خلال كل ذلك الزمان، وان مشكلة اسرائيل مع لبنان بدأت منذ مجيء الفصائل الفلسطينية الى لبنان وهذا جهل وغفلة، وفي نفس الجلسة احضر الموظفون في مجلس النواب من الارشيف خلاصة طويلة للاعتداءات الاسرائيلية منذ العام 48 وحتى السبعين .

 

هناك مجازر كبرى ارتكبت بعد العام 48 في جنوب لبنان وقراه وفي بعض هذه المجازر استشهد 150 و180 مواطنا لبنانيا. في تلك الاعتداءات كان يعتدى على مخافر قوى الامن الداخلي وكان يخطف عناصر قوى الامن الداخلي ثم يطلق سراحهم بعد التوسل والتذلل. الاعتداءات الاسرائيلية على لبنان لم تتوقف منذ عام 1948 ولذلك ابدأ من هنا قبل ان اصل الى مرحلة الشيخ راغب ومرحلة السيد عباس ومرحلة الحاج عماد لأقول لكل المساكين في لبنان الذين يتحدثون عن قرار الحرب والسلم . ايها المساكين ان قرار الحرب والسلم ليس في ايديكم ولو كنتم حكومة، قرار الحرب والسلم هو في يد اسرائيل منذ 1948 . والقرار الذي نتخذه هو حقنا الشرعي والقانوني والطبيعي والانساني والاخلاقي في الدفاع عن شعبنا واهلنا وقرانا ووطننا عندما تتخلى عنه الدولة وعندما يتخلى عنه العالم .

 

 قرار الحرب والسلم اذا كنتم تريدون الحصول عليه وانتزاعه، عليكم ان تكونوا ابطالا واسودا لتنتزعوه من قلب اولمرت وباراك واسيادهم في واشنطن . هذه الحرب شنها الاسرائيلي واليوم دخلنا الى مصطلح جديد الحرب المفتوحة.

 

الحرب المفتوحة هي مفتوحة من العام 1948 وعندما فتحت لم اكن موجود ولا الحاج عماد كان موجود ولا السيد عباس ولا الشيخ راغب . هم الذين فتحوا هذه الحرب على فلسطين وعلى امتنا العربية والاسلامية وعلى لبنان، انتم تريدون ان تحيدوا انفسكم ولكن العدو يرفض ان يحيد هذا البلد ورفض ان يحيده . منذ العام 48 كان الامام السيد عبد الحسين شرف الدين يصرخ ويبرق ويخطب ويحمل الدولة المسؤولية ولا من يصغي . وبعد الامام السيد عبد الحسين شرف الدين كان الامام القائد والمؤسس للمقاومة الامام السيد موسى الصدر يخطب ويحمل المسؤولية اللبنانية والدول العربية المسؤولية والقوى السياسية المختلفة ويطالب الدولة اللبنانية بان ترسل الجيش الى الحدود ليدافع عن الوطن، ولكن الجيش في تلك المرحلة كان جيشا للنظام وليس جيشا للوطن جيشا لحماية الامتيازات وليس جيشا لحماية الجنوبيين فلم يصغ الى موسى الصدر . حتى وصل الامر ان الامام موسى الصدر دعى بنفسه الى شراء السلاح وهو كان يشتري السلاح . والى حمل السلاح والى تدريب الشباب على السلاح والى تحويل كل بلدة في جنوب لبنان وراشيا والبقاع الغربي الى قلعة حصينة قادرة ان تدافع عن نفسها في مواجهة أي عدوان اسرائيلي .

 

 هذا هو موسى الصدر اليوم من المضحك المبكي ان بعض قيادات فريق السلطة - وانا من اليوم وصاعدا لا اقول فريق الرابع عشر من شباط تنزيها لمناسبة 14 شباط ولذكرى الرئيس الشهيد رفيق الحريري تنزيها للذكرى عن هذه القيادات ولغتها وشتائمها وانما اقول فريق السلطة وفريق الموالاة او أي تعبير اخر - ان تقف بعض قيادات فريق السلطة لتحتج علينا بالامام موسى الصدر، بذكر الامام موسى الصدر وخطه. جيّد، نحن نقبل هذا الاحتجاج وانا اقول لهم تعالوا طالما اننا اضعنا الكثير من المرجعيات التي نعود اليها في حسم خلافاتنا تعالوا لنعود جميعا كلبنانيين ما دمتم تعتبرون ان فكر السيد موسى الصدر هو فكر لبناني وليس فكرا ايرانيا تابعا لولاية الفقيه . تعالوا لنحتكم الى فكر الامام موسى الصدر في مسألة المقاومة والصراع العربي الاسرائيلي وكذلك في مسألة الوضع اللبناني والداخلي. وانا اقول باسم كل فرد من حزب الله وحركة امل اننا نقبل بكل حرف قاله الامام موسى الصدر في أي مسألة من المسائل .اذا كنتم تريدون الاحتجاج فنحن نقبل هذا الاحتجاج ونقبل هذه المرجعية الفكرية والسياسية .

 

استمر العدوان في ظل غياب الدولة وكان الاجتياح الاكبر عام 82 على لبنان والذي اريد من خلاله تغيير هوية لبنان وموقع لبنان ومعادلات المنطقة في ظل دعم دولي وسكوت عربي وتواطؤ داخلي، وسيطر جو قاتم من اليأس والاحساس بالعجز والضعف وايضا جو قاتل من مشاعر الخوف، حتى قيل اننا دخلنا في العصر الاسرائيلي ولم نخرج منه. هنا كانت المرحلة الاولى التي بات الشيخ راغب بشهادته ودمه عنوانا لها، وهذا لا يأخذ شيئا من جهاد البقية وعطاءاتهم، بجهاده ودمه الزكي بات رمزا للمرحلة من العام 82 الى العام 85 مرحلة استنهاض الناس وكسر الخوف بعث الامل الاحساس بالقوة والقدرة على التحرير والنصر واطلاق المقاومة الشعبية الى جانب المقاومة المسلحة، مقاومة الاعتصام والتظاهر والحجارة والزيت المغلي.

 

هذه المرحلة بات عنوانها ورمزها الشيخ راغب الذي كان يرفض أن يصافح (الجنود الصهاينة) لأنّ المصافحة اعتراف وكان يرفض أن يبتسم في وجه الجنود المحتلين وكان يرفض أن يستسلم ولو هدموا بيته على رأسه، وهو الذي تحمل عذاب السجن والتحقيق لأيام طويلة وخرج أشد عزيمة وأقوى إرادة. الشيخ راغب الذي كان ينتقل من بلدة إلى بلدة ومن مسجد إلى مسجد ومن حسينية إلى حسينية ليخاطب ويستنهض الناس ويبعث فيهم روح الشجاعة والثقة بالله والنفس ويبعث فيهم الأمل، وكانت المقاومة المسلحة العالية والمقاومة الشعبية الراقية التي ألحقت الهزيمة بالإحتلال الصهيوني في تلك المرحلة، جاء استشهاده ودمه ليعطيها دفعا قويا سريعا لتنجز المقاومة المسلحة والشعبية معا انتصارها الكبير عام 1985 بطرد الصهاينة من الجبل وبيروت والضواحي وصيدا وصور والنبطية ليختبئوا خلف التلال والجبال في الشريط الحدودي المحتل. كانت شهادة الشيخ راغب عنوانا لتلك المرحلة ودافعا قويا للإنتصار.

 

بعد عام 1985 بدأت مرحلة جديدة دخلت فيها المقاومة العمل العسكري المسلح والمنظم والمركز وغابت فيها المقاومة الشعبية الواسعة بسبب طبيعة التركيبة والحضور في منطقة الشريط الحدودي الذي تعرض لموجة تهجير واسعة جدا ولقمع شديد وكبير. في تلك المرحلة كان قائدنا وأستاذنا وأميننا العام السيد عباس الموسوي الذي كان عضوا في قيادة حزب الله ولم يكن هناك منصب أمين عام ولكنه أصر أن يذهب إلى الجنوب وبيته في بعلبك، أن يذهب إلى الجنوب وأن يتولى مسؤولية حزب الله في الجنوب ليكون على مقربة من عمل المقاومة، وكان السيد عباس طوال سنوات في الجنوب في هذا الموقع يشرف على المقاومة ويشارك في التخطيط ويحضر في غرفة العمليات، يدير ويساعد في الإدارة، يودع المجاهدين ويستقبل العائدين ويزف الشهداء، ومع ذلك، كالشيخ راغب، ينتقل من بلد إلى بلد ومن مكان إلى مكان، يحمل بحنجرته وصوته القوي نبض دماء الشهداء وعرق المجاهدين وأنفاسهم الزكية التي كان يتحسسها عن قرب في كل يوم وليلة.

 

السيد عباس أمضى السنوات الأخيرة من حياته يعيش في السيارة وليس في المنزل، حتى كان مزاحنا معه (بالقول): "أيّها السيد الذي بيته سيارته". السيد عباس كانت حياته وايامه ولياليه وكان فرحه وحزنه كله في المقاومة، وسعى السيد عباس لتكريس النهج المقاوم المسلح المنظم المركز وإعطائه الأولوية المطلقة في ثقافة وفكر وحركة وأداء وخطط وبرامج وسلوك حزب الله وبالأخص عندما تحمل مسؤولية الأمانة العامة لحزب الله، وجاء استشهاده ليكون عنوانا للمرحلة التي يثمر فيها جهاده ودمه، فانطلقت المقاومة في خط تصاعدي وليس في رد فعل انفعالي وإنما في حركة مدروسة ومخططة ودؤوبة ودقيقة في خطٍ بياني تصاعدي من 16 شباط 1992 إلى 25 أيار 2000 لتصنع الإنتصار في ذاك العام.

 

نحن صنعنا الإنتصار بدم السيد عباس الذي تراكم مع دم الشيخ راغب، دم السيد عباس أدخل المقاومة إلى كل بيت وإلى كل قلب وإلى كل وجدان في لبنان وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي، هذا الدخول إلى كل قلب وإلى كل بيت مكّن المقاومة من أن تتطوّر كيفاً وكماً ونوعاً، وهيّأ للمقاومة أوسع حاضنة شعبية لم تكن تحظى بها من قبل، فكان دمه المؤسس للمرحلة الثالثة.

 

في المرحلة الثالثة والتي أستطيع أن أقول اليوم بفخر واعتزاز أنّ عنوانها ورمزها القائد الشهيد الحاج عماد مغنية، وهنا نحاول أن ننصفه بعض الإنصاف وأن نعطيه بعض حقه. المرحلة الجديدة كانت تركز على تطوير عمل المقاومة : على المستوى النوعي فتح آفاق جديدة، على المستوى الكمي تكبير وتكثيف الإمكانيات المتاحة، تصعيد العمليات، تحول في استراتيجية المقاومة من حرب عصابات تقليدية إلى مدرسة قتالية جديدة لم يسبق لها مثيل تقع ما بين الجيش النظامي وحرب العصابات، تحول المقاومة إلى مؤسسة لا تتوقف لا في خططها ولا في برامجها ولا في يومياتها ولا في تكتيكها ولا في سيرها الإستراتيجي على شخص أو على قائد مهما علا شأنه.

 

مرحلة الإنتصارات والإنجازات وتوازن الرعب مع العدو، هذه المرحلة كان الحاج عماد مغنية أبرز قادتها إلى جانب إخوانه ونظرائه وأحبائه من القادة المجاهدين ومن المجاهدين الأبطال في المقاومة. يجب أن يعرف العالم كله وأؤلئك الذين يجهلون قدر الحاج عماد، أنه كان القائد الميداني للتحرير التاريخي في 25 ايار عام 2000، ولكنه بعد التحرير لم يعقد مؤتمرا صحافيا ولم يخرج إلى العلن ولم يقل أنا عماد مغنية، أنا القائد أنا صانع النصر أنا وأنا وأنا ... وأريد منكم جزاء أو شكورا، لأنّه ابن المدرسة التي تعطي لله وتجاهد لله وتعمل لله ولا تريد من أحد جزاء ولا شكورا.

 

الحاج عماد كان القائد لعملية الأسر الأولى بعد التحرير وللعملية المعقدة في أسر العقيد (ألحنان) تتنباوم والتي أدّت في نهاية المطاف إلى تحرير عدد كبير من أحبائنا وأعزائنا الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم. الحاج عماد منذ العام 2000 كان القائد للتحضير والجهوزية للدفاع عن لبنان أمام أي حرب محتملة. بعد النصر عام 2000 ابتهج الناس وعاشوا حياتهم الطبيعية حتّى في القرى الأمامية وكانت لهم حياتهم الهنيئة، أمّا الحاج عماد مغنية، ولا اقول الحاج رضوان فهذا الإسم كان للمرحلة السرية، كان يعمل ويصل الليل بالنهار من أجل اليوم الذي يعلم أنّ إسرائيل ستعتدي على لبنان لأنّه لا حدود لأطماعها، ولأنها ستثأر لذلها وهزيمتها في أيار عام 2000.

 

ثمّ جاءت حرب تموز وكان الإنتصار في حرب تموز وكان الحاج عماد من القادة الكبار في حرب تموز، قبل الحرب وفي الحرب كان كذلك. وهذه الحرب إنما انتصرنا فيها لأنّه كان لدينا الرجال والجهوزية والخطة والقادة الكبار وفي مقدمتهم الحاج عماد مغنية، لو أردت أن أطلق عليه وصفا بلا مجاملة ولأعطيه الحق، وأعتقد أنّ بقية إخوانه وشركائه في الجهاد وفي الإنجاز في المقاومة يشاركونني في أن نعطي الحاج عماد هذا الحق، أقول أنّ الحاج عماد من خلال موقعه في حزب الله هذا السيل البشري الهادر، من خلال موقعه الوارث لدماء الشهداء والوارث لدم السيد عباس والشيخ راغب، كان قائد الإنتصارين بحق، الإنتصار في 25 ايار عام 2000م والإنتصار في حرب تموز 2006م.

 

وبعد حرب تموز، عمل أيضا في الليل والنهار لأننا كنّا نؤمن أن العدو سيعد لحرب جديدة ولأنّ نتائج حرب تموز استراتيجية إن لم يتم تداركها ستودي بإسرائيل إلى الهاوية وإلى الزوال، فكان يعمل مع إخوانه. نحن أنجزنا تقييم حرب تموز قبل أن ينجزه العدو، نقاط القوة والضعف عندنا، ونقاط القوة والضعف عند العدو، وبدأ الحاج عماد مبكرا في تقوية عناصر القوة ومعالجة عناصر الخلل او الضعف عندنا. نعم لقد رحل الحاج عماد شهيدا وقد أنجز المهمة، لم يبقَ هناك شيء يحتاج إلى عماد مغنية لينجزه، عماد مغنية بخصوصياته وبشخصيته وبروحه المتواضعة ونفسيته المحببة وبعقله الألمعي أنجز ما عليه ورحل، وترك هذه الأمانة الكبيرة وأصبح عنوانا ورمزا لمرحلة متقدمة جدا من مراحل المقاومة وحضورها وتطورها وقدرتها على مواجهة الهجوم والعدوان.

 

وهنا ألفت إلى الفارق الإستراتيجي بين مقاومة تقاتل جيشا نظاميا يحتل الأرض فتشن عليه عمليات من داخل الأرض في حرب عصابات استنزافية، وبين مقاومة تقف في وجه عدوان يريد أن يحتل الأرض فتمنعه من الإحتلال وتلحق به الهزيمة، هناك فرق كبير بين النوعيّتين والكميّتين والقدرتين والمدرستين وهذا تطور وهذا الإنتقال بالمقاومة من مرحلة المقاومة الشعبية التي تقاتل في أرضها لتطرد الإحتلال إلى مقاومة شعبية تدفع العدوان وتمنع الإحتلال، (لذا) لا أظن أن لهذا (الأمر) نظير في العالم وفي التاريخ، فالمقاومات تحرر الأرض ولكن مقاومات تمنع عدوانا على بلد فهذا أمر جديد.

 

في هذا السياق، وفي ذكرى شهدائنا القادة وذكرى فَقْد هذا العزيز القائد أود أن أشير إلى بعض النقاط المرتبطة بمناسبة استشهاد الحاج عماد، أولا : جاء الإغتيال بعد 25 عاما بالتحديد من الملاحقة والمتابعة والتعاون الإستخباري الأمريكي الإسرائيلي في محاولة لخطف الحاج عماد أو قتل الحاج عماد. بعد 25 سنة وصلوا إليه، ولكن ما هو الفارق بين الحاج عماد وغيره من بعض المطلوبين؟ كان يمكن للحاج عماد أنّ يختبيء في مكان ويقيم مجموعة من الإجراءات الأمنية ويبتعد عن الناس وعن العمل. وأنا اؤكد لكم أنّهم ما كانوا لينالوا منه أبدا، وكان حينئذٍ من الطبيعي أنّ يعيش الحاج عماد الحياة الطبيعية المفترضة (المرتبطة بمشيئة الله) في أذهان الناس ويموت على فراشه ميتة طبيعية.

 

هم يعتبرون أنّ إنجازهم أنهم قتلوا الحاج عماد ونحن نعتبر أنّ إنجاز الحاج عماد أنّه بقي 25 سنة يقاتلهم، لم يختبيء في كهف وكان دائم الحضور وخصوصا في السنوات العشر الأخيرة، دائم الحضور في كل الساحات، يعمل في الليل والنهار، حركة اتصالات واسعة كان يقتضيها ويفرضها الموقع الجهادي، حضور في الجبهة وفي الخطوط الأمامية، لم يكن يظن الجنود الصهاينة قبل التحرير في العام 2000 وبعد التحرير أنّ مجموعة الشباب التي تقف على هذه التلة أو تلك التلة وتخطط لعملية ما، أنّ واحدا من هؤلاء الشباب هو عماد مغنية. الحاج عماد لم يكن مختبئا حتى نقول كيف نالوا منه، كان حاضرا متحركا نشيطا، أن يصمد ويبقى حيّا 25 عاما هو الإنجاز الكبير لمدرسة حزب الله الأمنية إن صح التعبير.

 

ثانيا، التحقيق في عملية الإغتيال في دمشق ما زال مستمرا ومتواصلا، بالتأكيد هو مسؤولية سورية بالكامل لأنّه حصل في دمشق، وكل ما قيل في وسائل الإعلام عن لجنة تحقيق إيرانية سورية مشتركة هو غير صحيح. بالنسبة إلينا بطبيعة الحال نحن نتعاون مع التحقيق السوري بما لدينا من معطيات ونتواصل بشكل دائم ولكن هم الذين يتحملون مسؤولية التحقيق ويقومون به. وأنا من خلال المتابعة اليومية لهذا الأمر أشهد بالجدية العالية جدا من قبل الإخوة السوريين في هذا المجال والعمل الكبير الذي يتم إنجازه على هذا الصعيد. وبمعزل عن كل الشائعات التي نشرت في وسائل الإعلام والتي تحاول أن تحرف التحقيق عن مساره الصحيح أؤكد لكم أنّ كل المعطيات التي توفرت حتى الآن من خلال التحقيق زادت قناعتنا بمسؤولية إسرائيل عن هذا الإغتيال.

 

ثالثا، نحن نعتبر أنّ إسرائيل هي العدو وأنّ إسرائيل هي الخصم وهي المسؤول عن الإغتيال وكنّا حازمين وواضحين في هذه المسألة، لكن هناك من يريد أيضا أن يحرف مسار المسؤولية باتجاه آخر وهذا ما نرفضه بشكل قطعي وأكيد. هنا من حقنا أن نستغرب ما قامت به بعض الدول الغربية من إغلاق مراكز ثقافية في صيدا أو طرابلس أو ما قامت به بعض الدول العربية من تحذير رعاياها من السفر  إلى لبنان، وكذلك فعلت بعض الدولة الغربية. إذا كان المقصود هو الحذر منّا فَعَدُوِّنَا وَخَصْمَنَا وَثَأْرَنَا عند الإسرائيلي، ونحن لم نوجّه إتهاما لأحد. وإذا كان المقصود هو الخشية أو الحذر مِمَّن قد يدخل على الخط فليعلنوا ذلك وليوضحوا ذلك ولا يتركوا الأمور ملتبسة، يجب على جميعنا أن يحذر من دخول أي طرف على الخط لأنّ هناك أطرافا لها مصلحة في توتير الأجواء في لبنان وإيجاد خضّات أمنية في لبنان ومخاطر جدية في لبنان.

 

نحن نطالب هذه الدول بأن تتصرف بشكل مسؤول وطبيعي إلآّ إذا كان هناك أيضا احتمال آخر لاستغلال هذه المناسبة لدفع الأمور إلى مزيد من التوتر والتشنج مع إسقاط المبادرة العربية للذهاب إلى التدويل وللقول أنّ لبنان على حافة الهاوية وعلى حافّة الحرب الأهلية وعلى حافّة الإنهيار الشامل فلنذهب إلى مجلس الأمن وليتحمل مسؤولية الوضع في لبنان، آمل أن لا يكون الوضع كذلك.

 

رابعاً، استراتيجية المقاومة، للأسف في لبنان يوجد أناس لا يسمعوك ماذا تقول ويحاسبونك على ما في أذهانهم وإذا سمعوا ما تقوله يحرفون كلامك. استراتيجية المقاومة في لبنان كانت وما زالت هي تحرير ما تبقى من أرض لبنانية محتلة وأسرى في السجون والدفاع عن لبنان وحماية لبنان في مواجهة الاعتداءات الصهيونية الإسرائيلية والمتكررة والقائمة. نحن ما زلنا بالرغم من ألمنا الكبير بشهادة القائد الحاج عماد ما زلنا ندعم ونؤيد أي حوار وطني يؤدي إلى استراتيجية دفاع وطني حقيقية تتحمل فيها الدولة واللبنانيون جميعاً، يتحملون بالفعل مسؤولية الدفاع عن لبنان، ما زلنا ندعم هذا الخيار والاتجاه ونؤيده ونرى فيه مصلحة للبنان ولنا ولجنوب لبنان ولكل اللبنانيين.

 

أما زوال إسرائيل من الوجود.. أيها الأحبة يا أعداء إسرائيل أنتم الأحبة، وأنتم الموجودون في مكان آخر أصدقاء إسرائيل والمراهنون عليها، اسمعوا مني ما أقول: إن زوال إسرائيل من الوجود هو نتيجة حتمية قهرية هي قانون تاريخي هي سنة إلهية لا مفر منها، هذا أمر قطعي.

نحن نتحدث عن مسار تاريخي في المنطقة وأنا أعتقد أن هذا المسار التاريخي سيصل إلى نهايته خلال سنوات قليلة. هذا الأمر قهري وحتمي، لماذا ؟ لأسباب ذاتية وأسباب موضوعية: أولاً ، لأن إسرائيل وجود طارئ وغريب ولا يمكنها الاستمرار في المنطقة، هذا سبب ذاتي. لأن إسرائيل ليست موجودة بقوتها الذاتية وإنما موجودة بفعل الإرادة الدولية والواقع الدولي الذي سيتغير وخلال سنوات قليلة أيضاً. وثالثاً ، بسبب صمود الشعب الفلسطيني 60 عاماً والذي تحمل ما لا يطاق وما زال يتحمل، من القتل اليومي والحصار والتجويع ، من قتل القادة والكوادر والشباب والنساء والأطفال ويرفض أن يستسلم، يرفض أن يسلم القدس ويرفض أن يتخلى عن الأرض ويرفض أن يوطن في أي أرض غير أرض فلسطين الطاهرة والمقدسة. هذا ليس أمراً بسيطاً. أن يصمد شعب ما ستين عاماً في ظل كل هذه الظروف القاسية والمريرة والأليمة وخذلان العالم، هذا عامل من عوامل زوال إسرائيل الموجود وعدم وجود مستقبل لها. رابعاً الواقع الديموغرافي في فلسطين 48 والـ 67، حتى من الـ 48، وقد قلت سابقاً أن الإسرائيليين يخافون على وجودهم حتى لو لم يحمل الفلسطينيون السلاح ، لو لم يستخدم الفلسطينيون استراتيجية المقاومة المسلحة، وإنما استخدموا استراتيجية الزواج والإنجاب، إسرائيل هذه لا يمكنها أن تبقى. خامساً ، الممانعة العربية، بعض الدول العربية التي ما زالت ممانعة وفي مقدمتها سوريا والممانعة الشعبية الشاملة على امتداد العالم العربي وعلى امتداد العالم الإسلامي ومعرفة الصهاينة أنه قد يطبع معهم بعض الحكام ، ولكن شعوبنا على امتداد العالمين العربي والإسلامي، شعوبنا المخلصة، شعوبنا الوفية، شعوبنا المؤمنة، شعوبنا الصادقة لا يمكن أن تمد يد المسامحة على احتلال القدس وفلسطين. إذا كان بعض الحكام حاضر للمسامحة من أجل أن يحفظ عرشه فإن شعوبنا وأجيالنا لن تسامح أولئك الصهاينة الذين ارتكبوا المجازر لا في دير ياسين ولا في قانا، هذه الشعوب سوف تبقي إسرائيل محاصرة غريبة طارئة لا تملك إمكانية  الاستمرار والبقاء.

 

سادساً، فقدان الزعامات السياسية والعسكرية الإسرائيلية. أنا أحمل مسؤولية بضعة كلمات قلتها قبل سنوات عدة عندما جاء شارون وبدءوا يخيفون منه، فقلت على مسؤوليتي، شارون هو آخر ملوك بني إسرائيل، هذه إسرائيل لن يأتيها ملك مجدداً، كلهم أقزام صغار. عندما جاء تقرير فينوغراد اعتبر بعض الناس بقاء أولمرت إنجازاً، واعتبروا أن هذا إخفاق للمقاومة .. على العكس، نحن فرحين أن يبقى أولمرت، بالنسبة لنا إذا خيرنا بين رئيس حكومة عدو قوي ولديه كاريزما ويستطيع أن يستنهض الواقع الإسرائيلي، وبين رئيس حكومة عاجز وفاشل وأحمق وغبي، الثاني أحسن لنا.. أنا رسمياً، أشكر السيد فينوغراد على عدم تحميله المسؤولية الشخصية لإيهود أولمرت. سابعاً، فقدان العقيدة، في المجتمع الصهيوني ، والذي تحدث عنه قبل سنوات قليلة نتنياهو عندما قال لقد انتهت العقيدة الصهيونية عند شعب إسرائيل وأصبح المشروع الصهيوني والفكر الصهيوني من مخلفات الماضي. اليوم، الثقافة في إسرائيل، لكن للأسف العرب لا يتابعون.. انظروا نسبة السرقة والجرائم نسبة المخدرات نسبة الخلل الأمني نسبة التفكك الاجتماعي والسياسي والحزبي والتناحر الداخلي، هذا المجتمع الذي يستبدل عقيدة كانت العصابات الأولى تضحي من أجلها بواقع مختلف، بشباب يرفضون الالتحاق بالجيش وبجنود في الجيش يرفضون الذهاب إلى الموت. ثامناً سقوط الجيش الإسرائيلي، سقوط الهيبة ، سقوط قدرة الردع، سقوط الثقة، ثقة الجنود بالضباط والضباط بالجنرالات وثقة الشعب بهذا الجيش وبهذه المؤسسة.. لا اقول أنا هذا ، اقرءوا ما يقولوه الصهاينة واستطلاعات الرأي في إسرائيل: هذه النتائج الأخيرة هي من آثار الانتصار في عام 2000 ومن آثار تصاعد الانتفاضة في فلسطين وعجز الصهاينة عن مواجهة الأخوة في المقاومة الفلسطينية بمختلف فصائلها   ومن نتائج حرب تموز، ولذلك أنا استشهدت بما يقولوه مؤسسهم وخبيرهم بن غوريون عندما يقول أن "إسرائيل عندما تخسر أول حرب تؤول إلى السقوط، تسقط تنتهي" أنا أشرح للأمة هذا الأمر لتكون لها ثقة وأمل وأفق.

 

في إسرائيل كان يدور نقاش إذا ما كانوا قد انهزموا في 73 أم لا ، ولكن في حرب تموز لا يوجد نقاش في إسرائيل بل يوجد نقاش في لبنان، طبعاً لأنه كان يوجد في لبنان  أناس مراهنون أن تنتصر إسرائيل لكن إسرائيل لم تنتصر فحزنوا . يوجد أناس في لبنان يخجلون أن يكون لبنان ساحة انتصار، لماذا ؟ عيب أن تكون هناك ساحة عربية ساحة انتصار! لأن هذا يحرج الكثير من إخواننا العرب! مواساة لمن يحرج يجب أن نهزم! في إسرائيل هناك إجماع على الهزيمة ، هناك إجماع على الخسارة ، أن إسرائيل خسرت أمام عدة آلاف من المقاتلين في لبنان. إذا أردنا أن نطبق كلام بن غوريون فهذا يعني أنه بدأت مرحلة سقوط إسرائيل ، عندما نتحدث عن حرب تموز وما بعد حرب تموز لا يمكن أن تتجاهل لا حضور عماد مغنية القيادي ولا حضور عماد مغنية الشهيد، وهذا ما قصدته عندما قلت أن دم عماد مغنية سيؤدي بإسرائيل إلى الزوال من الوجود لأنه تراكم عالي وكبير لدم الشيخ أحمد ياسين والدكتور فتحي الشقاقي  والسيد عباس الموسوي والشيخ راغب وكل الذين يقتلون ويستشهدون والذين سيقتلون ويستشهدون ويحملون راية المقاومة، يحملونها في لبنان لا يسمحون لها أن تسقط، ويحملونها في فلسطين ولا يسمحون لها أن تسقط ولو سقط كل العالم.

 

خامساً : الآن الإسرائيليون يهددون بالحرب وهم كانوا يهددون قبل اغتيال الحاج عماد ويهددون بعد اغتيال الحاج عماد. نحن ننظر إلى اغتيال الحاج عماد أنها عملية استباقية ليست مجرد ثأر ، ليست مجرد إزالة لتهديد يمثله عماد مغنية، وإنما هي عملية استباقية لما تحضره إسرائيل للبنان وللمنطقة، وهم الآن يتحدثون بصراحة أن هناك عدة رؤوس قيادية وجهادية في المقاومة يجب أن تشطب، هم يتحدثون عن استراتيجية قطع الرؤوس بالاستفادة من العبر والخلاصات التي توصلوا إليها بعد فشلهم في حرب تموز . هم يعتقدون ان هناك مجموعة من القادة  وعلى رأسهم الحاج عماد شكلوا عنصر القوة الرئيسية لحزب الله في حرب تموز، وعليهم أن يشطبوا هذا الجيل من القادة، حتى إذا ما شنوا حرباً جديدة على لبنان، يفقد حزب الله والمقاومة وأنصارها القدرة على المواجهة وعلى تحقيق النصر. إذاً، أيها الأخوة والأخوات، أيها اللبنانيون لقد قتل الحاج عماد مغنية في سياق حرب مفتوحة وشاملة وفي سياق عملية استباقية تحضر من خلالها إسرائيل لحرب جديدة . أنا لا أريد أن أخيف أحداً ، ولكنني أريد أن أنبه أن أحذر  أن أوقظ ، في النهاية قبلنا هذا الواقع أو وضعنا رأسنا في التراب، قرار الحرب والسلم عندهم هم يأخذونه.

 

يؤسفني أن أقول لكم أيضاً أنه في بعض الأحزاب في فريق السلطة عادت نغمة تطمين الكوادر والقيادات على أن هناك حرباً قريبة سوف تقضي على حزب الله وعلى المعارضة، وتحدثون عن نيسان أيار حزيران، وأنا ذكرت هذا الأمر سابقاً، ولذلك نرى أنهم غير مستعجلين وغير مستعدين لأي تسوية سياسية مهما تنازلت المعارضة وسيدهم الأميركي يعلن رفضه للمبادرة العربية وهم لا يعلقون ! لو أن الذي قالوه ساترفيلد قاله الوزير وليد المعلم لقامت الدنيا في لبنان ولم تقعد، أو لقاله  الوزير متكي! لا بأس ساترفيلد عزيزنا حبيبنا سيدنا لا يصح ( أن نرد عليه) . الأميركيون واضحون وليسوا خجلين ، هم يرفضون المبادرة العربية، هم يرفضون أي تسوية.

 

بعد احتفال 14 شباط في ساحة الشهداء ، خرج فريق السلطة ليقول : ما بعد 14 شباط غير ما قبل 14 شباط، للتنصل من كل شيء حصل في المفاوضات والاجتماعات الرباعية. لماذا ما بعد 14 شباط غير ما قبل 14 شباط ؟ لأنه يوجد مليون ونصف مليون نزلوا تحت الشتي على ساحة الشهداء، واعتبروا أن هذا استفتاء شعبي ، وهذا دليل أنهم هم الأكثرية. إذا كان هذا هو المقياس، عندي اقتراحين ، إذا تقبلون بهذا المعيار الذي تتحدثون به طيلة أسبوع، طيلة أسبوع وهم يقولون نحن الأكثرية اللبنانية " وحاطين حطاط العماد عون أنو هلق صاروا هني الأكثرية المسيحية وهني الأكثرية الشعبية الحقيقية وهن الشعب اللبناني ونحن هلق بدنا نروح نقدم طلبات تجنيس جديدة" لدي اقتراحين : الاقتراح الأول، أن نأخذ مهلة نحن وأنتم لمدة أسبوع أو عشرة أيام، وأنتم تدعون لمظاهرة ليس فيها الشهيد رفيق الحريري ونحن ندعو إلى مظاهرة ليس فيها شهيد من عندنا، نتحدث في السياسة ونطرح شعار سياسي وقضية سياسية، موالاة  ومعارضة ، ونقوم بالتعداد ونرى من أكثر مظاهرة الموالاة أم مظاهرة المعارضة، إذا كنتم تقبلون بهذا المقياس للأكثرية نحن موافقون.

 

وإذا كنتم تخافون، فأنا شخصياً أقبل، ولا أعرف إذا كانت بقية المعارضة  تقبل هذا التحدي أم لا. أنتم بقيتم شهراً إعلام ودعوات وندوات وملايين الدولارات حتى أتيتم بالجمهور الذي استقدمتموه إلى ساحة الشهداء والذين نحن نحترمهم ونجلهم هؤلاء لبنانيين ونحن نحترم خيارهم السياسي، لكن طبعاً لا نحترم الشتامين الذين وقفوا على المنابر يشتمون . نقبل ، هؤلاء أتيت بهم من كل لبنان، وقبل ذلك اليوم كان يوم عاشوراء، كان لدينا نحن وحركة أمل مظاهرات في مختلف المناطق اللبنانية ، مظاهرة الضاحية فقط الضاحية ، أنا أقبل أن تأتوا بجهة مستقلة ونجلب الأفلام ونعد واحد واحد ونقيس المسافات في شوارع الضاحية وفي ساحة الشهداء ، إذا أنتم كنتم في ساحة الشهداء كلكم سوا في لبنان أكثر من الذين كانوا في الضاحية في مسيرة يوم العاشر أنا أعترف لكم أنكم الأكثرية.

 

هذا الكلام على سبيل المحاججة، ولكن لا آذان تصغي ولا من يسمع، أقول هذا على سبيل المحاججة وإنما لأقول لكم أنهم اتخذوا الاحتفال في 14 شباط حجة ليعطلوا كل المفاوضات وليعطلوا كل أشكال الحوار وليقولوا نحن الأكثرية نحن الشعب اللبناني ونحن نريد أن نمشي في خياراتنا، بالنصف  + واحد أو بإعادة استكمال الحكومة ، وما الزيارات واللقاءات التي تحصل في عواصم العالم إلا على هذه القاعدة وانطلاقاً من هذه الرؤية . لو كانوا يريدون تسوية هم ليسوا بحاجة إلى كل هذه الزيارات المكوكية في العالم، التسوية تحصل في مجلس النواب بين ممثلي الموالاة والمعارضة وبحضور الأمين العام السيد عمر موسى، لكنهم لا يريدون ذلك، إذا ماذا يريدون؟ هم يحدثون كوادرهم وعناصرهم ويقولون لهم كما قال لهم الأميركي علينا أن نصمد أشهر قليلة فسيتغير الحال. لماذا؟ لأن هناك حرباً ستقوم في المنطقة أو حرباً على حزب الله في لبنان، سيدمر حزب الله وينتهي حزب الله وتنتهي معه المعارضة ويكون لبنان لهم. هذا الآن يقال، والإسرائيليون يتحدثون عن هذا وعن سيناريوهات إقليمية وداخلية! أقول هذا أولاً للتحذير الانتباه، وأقول ذلك أيضاً لتحديد الموقف، اسمعوني جيداً أيها الأخوة والأخوات ، يا شعب لبنان العظيم والوفي والأبي ويا كل المحبين في العالمين العربي والإسلامي ، يا من تنظرون إلينا وإلى ساحتنا على أنها مهددة بحرب من هذا النوع، أقول لكم ، وهل كانت حرب تموز إلا حرباً لإزالتنا وإبادتنا والقضاء علينا وإحداث تغيير ديموغرافي كبير في لبنان؟ وفشلت، وأخذوا العبرة. هناك إجماع إسرائيلي أن الخلل الرئيسي في حرب تموز هي عدم مبادرة الجيش الإسرائيلي إلى اجتياح بري سريع وواسع لجنوب لبنان إلى الأولي وليس فقط إلى الليطاني. وإذا كان من حرب جديدة، هم يعلمون أن سلاح الجو لا يستطيع أن يحسم معركة ، فقد استخدم أقصى طاقته وجهده وفشل، إذاً رهانهم المتبقي على اجتياح بري سريع وواسع لجنوب لبنان إذا فكروا بالحرب على جنوب لبنان. لكن في المقابل، هنا سأعود إلى الذي قلته في التشييع، في المقابل، بالنسبة لنا، نحن بكل فخر واعتزاز وثقة وإيمان بتضحيات إخواننا وفي مقدمهم الحاج عماد مغنية، نعم ، نحن مستعدون للمواجهة ومستعدون للدفاع ومستعدون لصنع نصر جديد إنشاء الله. لن يستطيع احد لا الصهاينة ولا عملاءهم ان يحمي الجبهة الداخلية، كل الجبهة الداخلية من صواريخنا.

 

 واما في الاجتياح البري فانا اقول لكم ايضا ومن موقع المعرفة والخبرة والمسؤولية ايضا واخوانكم ورفاق عماد مغنية الذين اصبحت عزيمتهم امضى واراداتهم  اقوى ودمهم اصفى بشهادته ودمه، هؤلاء المجاهدين الابطال سيقاتلون جيش الصهاينة ان فكر ان يدخل الى جنوب لبنان عند كل واد وطريق وتل.

 واقسم لهم، ستحملون دباباتكم وضباطكم وجنودكم وسينهار جيشكم عند اقدام عماد مغنية. ايها الصهاينة ايها القتلة ايها المغتصبون اقسم لكم اننا في اية حرب جديدة سنقاتلكم في الميدان وفي البر قتالا لم تشهدوه طوال تاريخكم وسيدمر (وهنا اقصد دم عماد مغنية سيزيل اسرائيل من الوجود) سيدمر جيشكم في الجنوب ودباباتكم ايضا، بقية هيبتكم وبقية ردعكم ستدمر هناك وتبقى اسرائيل بلا جيش وعندما تصبح اسرائيل بلا جيش فلا تبقى..

 

-"سادسا" عندما اتحدث ان استراتيجية المقاومة هي الدفاع عن لبنان هذا شيء، ولكن هناك شيء آخر، حقنا المشروع في الدفاع عن النفس. عندما نُقتل وخصوصا خارج حدود الوطن لا يمكننا ان نسكت على قتل احبائنا واعزتنا، ولا يمكننا ان نسمح للعدو ان يتمادى بقتل قادتنا واحبائنا  صناع النصر وصناع التحرير وحماة الوطن، هؤلا المجهولون في الارض هؤلاء الذين لا تعرفون صورهم ولا اسماءهم الا بعد استشهادهم نحن لن نسمح بذلك.

 

قيل لنا في الايام الماضية لماذا لا تلجأون الى مجلس الامن والمؤسسات الدولية, ماذا نقول هل نلجا الى مجلس الامن الذي يرفض ان يصدر بيان ادانة لقتل اطفال قانا الذين قتلوا في وضح النهار ولا يحتاجون إلى تحقيق ولا شيء, ومجلس الامن لم يصدر قرار ادانة للمجزرة، وايضا يقتل عماد مغنية ولا يصدر قرار ادانة.  ولكن أي حادثة اغتيال كانت تحصل في لبنان مباشرة يجتمع مجلس الامن ويصدر قرار ادانة لماذا؟ ألأن دمنا غير؟ وأطفالنا غير؟ وقادتنا غير؟ وشعبنا غير؟

يقولون لنا ارفعوا امركم الى المحكمة الدولية. أية محكمة دولية التي يوما يهدد فيها بوش ويوما ساركوزي؟

 

اسمحوا لي ان انزل قليلا بمستوى الخطاب المحكمة الدولية التي المدعي العام تبعها في معراب الذي يتحدث عن حزيران في بكاء واستقاط الاسنان لانه هو المدعي العام ويعرف من هم المتهمين، والاحسن من ذلك القاضي تبعها في كليمنصو الذي علق المشانق واصدر الاحكام وشمت بالامهات والزوجات والبنات. هذه المحكمة ستجلب العدل؟!

أم إلى من نلجا الى السلطة السياسية اللبنانية؟ التي تجاهلت صانع وقائد التحرير في العام 2000 وهم يعيشون على فتات موائد عماد مغنية, السلطة التي تخجل بانتصارنا، السلطة التي تتواطأ علينا؟! لا يجوز.

 

ام الى المجتمع الدولي وبمجمله الذي يعطي الحق لاسرائيل في تموز ان تهاجم لبنان وتدمر لبنان،  لماذا؟ لان المقاومة اسرت جنديين عن الحدود لتبادل فيهم اسرى، بينما بالنسبة لنا ممنوع ان  ندافع عن انفسنا ولو قتلنا غيلة,  وعندما ندافع عن انفسنا سنتهم بالارهاب.

 

 هل ترضون انتم في مجمع سيد الشهداء في كل الشوارع المحيطة انتم ايها الاحبة الكرام هل تقبلون بان  نرجع الى هؤلاء لنحتكم اليهم ليضيع دم قادتنا ودم اطفالنا ويضيع وطننا ومستقبلنا ومصيرنا.

 

 ايها الاخوة والاخوات نحن منذ البداية كنا هكذا وسنبقى هكذا. ليس لنا أي اهتمام في مجلس الامن ولا في مجتمع الدولي ولا بكل من يزهد فينا ومن لا يعنينا امره فضلا عن من يتآمر علينا. ومنذ البدايات حتى النهايات لنا الله وكفى بالله ناصرا ومعينا ومعزا. امنا به وجربناه ايضا طوال سنين المقاومة وفي حرب تموز وجدناه هاديا ومرشدا ومثبتا وناصرا ومعزا ومقويا ولنا بعد الله سواعد مجاهدينا وابطالنا  الشجعان  ليوث النهار ورهبان الليل انتم وامثالكم على امتداد الساحة اللبنانية, ولنا محبة اهلنا الصابرين الصادقين الثابتين المخلصين الاعزاء الذين تثبت الاحداث والمخاطر والتحديات يوما بعد يوم انكم بالفعل اشرف الناس واطهر الناس واكرم الناس. لان الله معنا ونؤمن به ونثق به  ولان عشرات الالاف من المجاهدين امثال عماد مغنية موجودون في الساحة ولان اهلنا على اعلى مستوى بهذا الشرف والكرم والثبات والصدق، لن نقبل الهوان ولا الذل ولن نستسلم ونحن من مدرسة هيهات منا الذلة.

 

لذلك سندافع عن أنفسنا، في الطريقة التي نختارها،وفي الزمان الذي نختاره وفي المكان الذي نختاره، نختاره معاً بقرارنا  "ولما يتحدثون عن القرار الوطني المستقل"... نحن بقرارنا الوطني المستقل، بإرادتنا وعزيمتنا وشجاعتنا سندافع عن أنفسنا ودمائنا.

 

في أسبوعك يا عماد المقاومة، وأنت جدير بهذه الصفة، لانك كنت عمادها في الحياة وستبقى عمادها في الشهادة، وبين يدي سيد الشهداء الامين العام عباس الموسوي وشيخ الشهداء راغب حرب، اقول كلمة واحدة واختصر الموقف كما قلتها في يوم التشييع ولكن في تعبير اخر ...

 

"يا حاج عماد، أقسم بالله أن دمك لن يذهب هدرا ".... سيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.

 

لشهداؤنا القادة علو الدرجات ولعائلاتهم الشريفة المواساة والدعاء بالقبول والصبر والسلوان، ثبتنا الله واياكم على نهج هؤلا الشهداء القادة، ووفقنا لمواصلة طريقهم وتحقيق انتصاراتهم وانجاز اهدافهم التي كانت حياتهم، كل حياتهم من اجلها والتي كانت دماؤهم، كل دمائهم من اجلها والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.