هل تجاوز الرئيس السوري نقطة اللارجوع واقترب من حافة الهاوية؟

بقلم/يوسف أمين

 

الرئيس السوري الذي أعتقد البعض بأنه فطن ويتحلى ببعض من الحنكة والدراية الموروثة يبدو بأنه لم يتعلم من تجارب الآخرين ولم يقتنع بعد بضرورة التغيير الجذري والسريع الذي يتطلبه الوضع الراهن في سوريا وهو يحاول وقف عقارب الساعة ولكنه وإذ يراها تتقدم يتأخر باللحاق بها.

 

لو أن الرئيس بشار اقتنع منذ اللحظة الأولى لبدء التحرك في درعا وسارع إلى الهجوم بالاتجاه الغير منتظر من التنازلات لكان كسب الرهان وأطال عمر النظام بعض الشيء لتنتقل السلطة في سوريا معه بشكل أقل دموية وعنف إلى حيث يريدها الشعب. ولكنه أصر على المضي بوسائل النظام الذي يرأسه وهي وسائل القمع والتهديد وكثرة الكذب والادعاء بالمؤامرة التي لم تعد تمر على هذا الشعب في خضم التحركات في المنطقة العربية حيث يزحزح الديكتاتوريون الواحد بعد الآخر.

 

ولكن الرئيس الأسد الذي اعتمد على نظرية حليفه نجاد بضرب الثورة في شوارع طهران اعتقد بأن خطط الوالد في التخلص من تحرك الاخوان في الثمانينات ستنجح ولم يأخذ بعين الاعتبار تطور الزمن وضيق صدر المواطنين في سوريا والتجارب في المحيط. هو ظن أن ضبط الثورة في طهران بواسطة القمع من قبل عناصر حزب الله والحرس الثوري ستصح في سوريا، فخزان حزب الله المعبأ والجاهز لمثل هذه المهمات أقرب إلى دمشق ويمكن استعماله بسرعة أكثر، وبما أن إسرائيل على حدوده فهو قادر في أي وقت على اختراع سيناريو يدّعي فيه أنه يحاربها، بينما يمكنه استعمال لبنان، الغاضب على تدخلاته بشؤونه وتصديره السلاح والمخربين عبر الحدود معه، في تسويق نظرية المؤامرة، فهو لا يزال يسيطر على بعض النفوس الوضيعة هناك بالاضافة إلى حليفه حزب الله الإيراني ومعسكرات التخريب التي أقامها بالقرب من الحدود التي منع إشراف الأمم المتحدة عليها بعد حرب 2006 لوقف تهريب الأسلحة والصواريخ تنفيذا للقرار 1701.

 

الرئيس السوري وأعوانه لا يزالون يعتقدون بأن خططهم الجاهزة تصلح لكل طاريء ولكنهم لم يعلموا بأن التضييق على السوريين وعدم اعتبار حقوقهم الأساسية في العيش الكريم والحرية سيجعل تحركهم ينتقل كالعدوى من مدينة إلى مدينة ومن قرية إلى قرية ومن حي إلى حي. لقد ظنوا بأن القمع واستعمال الترهيب هما الوسيلة الوحيدة الناجعة واعتقدوا بأن لهم حقوق على المواطنين ولكن ليس عليهم أي واجب تجاههم من هنا كان كل تحرك للمطالبة بأي اصلاح هو مؤامرة على النظام يجب أن يقمع بالقوة وهذه القوة هي الوسيلة الوحيدة للرد على المطالب.

 

لقد مارس النظام السوري سياسة الارهاب كوسيلة وحيدة للتعامل مع الجميع وفي كافة المجالات. فهو مارسها في الداخل، ومارسها مع الجيران ومع بقية الدول العربية، ومارسها مع المجتمع الدولي. ففي الداخل كانت السجون تحت غطاء قانون الطواريء هي الحل، ومع الجيران كانت التنظيمات الارهابية هي الحل، وقد مورست في لبنان بشكل علني وواضح باستعمال مختلف فصائل الثورة الفلسطينية ومن ثم بعض أشكال الحركة الوطنية وبعد هؤلاء حزب الله، ولكنها مورست أيضا مع تركيا والكل يذكر منظمة اوجالان الكردية، ومع العراق زمن صدام وبعده ومع الأردن أيضا، ومورست مع دول الخليج ومن لا يذكر تفجيرات الكويت، كما مورست مع الدول الغربية في عدد من المرات ومن لا يذكر كارلوس وعمليات خطف الرهائن الغربيين التي كلف بها حزب الله، كما مورست بالتهديد المباشر للأشخاص ومن ثم الاغتيال كما حصل مع الرئيس الحريري والكثير من الزعماء اللبنانيين قبله وبعده. هذه الأشكال من العنف والارهاب أصبحت مع الزمن ثقافة النظام السوري وكأنه لا يعرف غيرها، من هنا فمصير هذا النظام سيأتي من لعنة المقهورين وشماتة المظلومين وعدم اكتراث العالم المتفرج على هذا السقوط الذي سيكون دويه عظيما.

 

لقد سئم العالم أمثال هذا النظام وسئمت الشعوب أيضا هؤلاء المتربعين على الكراسي والذين يتعاملون مع الآخرين كل الآخرين بمبدأ القوة والعنف والقهر والاذلال. ولكن الشعوب المقهورة لا بد لها من أن تستفيق وكل يوم يمر ونرى فيه المزيد من الدماء يبشر هذه الشعوب بنهاية الظلم ومصير هذه الطغمة من الحكام الفاسدين الذين لم يروا في شعوبهم إلا اجراء خاضعين ووسائل للسيطرة على الآخرين بالبطش والعنف وسجلات التاريخ تعج بالأمثلة.

 

لن يفلح النظام السوري ولا الرئيس الأسد باستعمال ورقة إسرائيل هذه المرة لأن هذه الأخيرة قد هددت منذ زمن بالرد بعنف على أي تحرّش وهي في بعض ما سرّب من سيناريوهات قد تفتحها حربا شاملة لتضرب حتى إيران ومفاعلاتها النووية وهذا ما سوف يشعل حربا ليس بمقدور الأسد وحلفائه تحمّلها الآن وهي لن تجمّل صورته بين مواطنيه لا بل قد تكون "القشة التي ستقصم ظهر البعير".

 

الرئيس الأسد لن يفلح بعد اليوم وحتى بالتنازلات التي يمكنه أن يقوم بها لأنها قد تأتي متأخرة وتحت الضغط ما لن يساعده لأن فاتورة الدم قد كبرت وهي على ما يبدو تكبر كل يوم وكلما زادت كلما صعب تجاهلها أو تناسيها.

 

لقد تأخر الرئيس الأسد بالاصلاح الداخلي، وتأخر يفتح السجون، وتأخر باطلاق الحريات، وتأخر بلملمة عصابات المخابرات التي تعيث بسوريا وغيرها فسادا، وتأخر خاصة بوقف عملية النزف المستمرة منذ اندلاع الأحداث في درعا، ولم يقم بأي عمل من شأنه أن يحسب له بادرة عن حسن نوايا بل استمرارا في الكذب والتحايل وكسب الوقت على حساب دماء المواطنين وكرامتهم.

 

والرئيس الأسد تأخر بافهام المجتمع الدولي بأنه أهل للتعاون في الملفات الأساسية وهو قادر على تقديم التضحيات حتى من أهل البيت في سبيل بقاء النظام ولو مع بعض التغييرات التي قد ترضي الشارع قبل أن ينفجر بشكل منظم مرة واحدة ليقلب الموازين ويطيح بكل رموز المرحلة السابقة، وعندها فأقل ما سينتج عن هذه العملية سوف يكون تسليمه هو إلى المحكمة الدولية ليس كشاهد أو كرئيس لنظام بل ربما كمتهم بالقتل مع من حاول التستر عليهم من المتهمين وتهييج حزب الله لتغيير المعادلة في لبنان لرفع كأس العقاب عن جماعته هؤلاء.

 

الرئيس السوري لا يعرف إلى أين يسير وقد تكون هذه من الرسائل الأخيرة إليه قبل أن تأكل الثورة الشعبية التي تتأجج نارها الكرسي الذي يجلس عليه. لقد ظهر بما لا يدع مجالا للشك بأن الشعب السوري مصمم على التغيير وهو لم يعد يخاف الرصاص والعنف ولا السجن والملاحقة ووسائل التعذيب وكل من سيستمر بهذه الوسائل إنما سوف يحاسب عليها قريبا جدا. إذا يجب أن يفهم الرئيس السوري الذي يعتبر واجهة النظام بأن كل قطرة دم تراق هي ثقل جديد سيوضع حول عنقه هو وبطانيته وسيزيد من حقد المواطنين عليه وقد يدفع إلى أجواء الانتقام بعد سقوط النظام وهو ما لا يريده أحد.

 

الرئيس السوري في موقف حرج ليته يعلم إلى أين يسير وإلى أين يقود البلاد وقد تكون لعنة اللبنانيين والسوريين وغيرهم من الأبرياء هي ما قد يلاحقه فهو ورث الرئاسة نعم ولكنه ورث أيضا الحقد الذي عبيء على النظام وهذه اللعنة قدر كل ظالم وهي استجابة دعوة كل أم بكت على ابنها وتألمت لغيابه إن في أقبية سجون هذا النظام أو ربما في مقابر جماعية دفن فيها كل معارض له.

 

يبقى كلمة صغيرة نحب أن نوجهها إلى بعض اللبنانيين ممن يظنون بأن هذا الحكم لا يسقط وأن عليهم حمايته ولو كلف ذلك غضب الشعب السوري الجار ونخص المؤسسات الأمنية وبعض رجالات الدولة اللبنانية بأن يخففوا من هذا التكاذب ومن التعلق بسراب إلى زوال وليتعلموا من البوق المعروف الوزير السابق وئام وهّاب الذي بلع لسانه مؤخرا لأنه قد يكون أدرك بأن الحكم في سوريا أصبح بالفعل على حافة الهاوية وكل من سيتعلق به سوف يسقط معه.

 

تورونتو/كندا

19 نيسان/2011