مقاطع من خطاب السيد نصرالله الموجه إلى... أبطال سوريا؟

بقلم/يوسف أمين*

 

في كلامه الأخير عن الثورات في العالم العربي الذي ورد بخطابه الأسبوع الماضي يقول السيد حسن التالي: "من يقول إن أمريكا هي التي تصنع هذه الثورات، هي التي تديرها وهي التي حركتها وأطلقتها... هذا اتهام ظالم لهذه الشعوب". ويكمل السيد فيقول: "أن وعي هذه الشعوب وبصيرة هذه الشعوب باتت على درجة عالية من الوضوح"... اذا فهي وحدها تقرر كيف ومتى تعلن الثورة.

 

ولكن السيد يستدرك عندما يحس بأن نظام أسياده في طهران يقمع أيضا المتظاهرين ونظام حلفائه في سوريا يقمع أيضا المطالبين بالحقوق فيصحح: "لو كنا نتحدث عن نظام ممانع؟" لاختلف الأمر فللنظام "الممانع" الحق بقتل الأبرياء ومنع التظاهر وسجن الناس...

 

ويردف السيد في خطابه توضيحا عن "سخافة اتهام إيران بقيام الشغب في البحرين" ويقول بأن: "هذه ثورات شعبية حقيقية منطلقة من الناس، من الشباب" ولكن ماذا عن نفس هذه الثورات التي تنشب يوميا في سوريا وقبلها في شوارع طهران حيث قادها مرشحون لمنصب الرئاسة وليس "أجهزة المخابرات"؟ فمن يقف وراءها بحسب مقولة أسياد السيد في إيران وحلفائه زعماء دمشق؟

 

يلحظ السيد "استعداد عالٍ للتضحية والفداء وهذا ما لا يجوز أن تغفل عنه هذه الأنظمة التي تواجه هذه الشعوب". فهل كل هذا لا يصح في ثورة شباب سوريا ولماذا يغفل هو عنها وهل أنه لم يكن يصح أيضا في ثورة شباب إيران التي استدعي عناصره لضربها بحسب ما ورد على لسان المعارضة الإيرانية؟

 

ويضيف السيد بأن "القتل والترهيب والمجازر عجزت عن إخراج الناس من الساحات ومن ميادين المواجهة وهناك سنّة إلهية، سنّة تاريخية، سنة طبيعية حاكمة". بالطبع إن هناك سنة طبيعية حاكمة تدفع بالشباب في سوريا وأيضا في إيران على الثورة ضد الظلم وضد حكم الطغاة وهذا بالذات ما يردده السيد: "هذا شعب لا يمكن أن تلحق به الهزيمة ولا يمكن أن يهزمه أحد ولا أنظمة الطغاة في أي مكان من العالم" ودعوته لهم: "هو أن تثبتوا وأن تصمدوا وأن تصبروا".

 

ثم يضيف السيد وكأني به يخاطب زعماء طهران ودمشق فيقول: "بدل أن تبادر هذه الأنظمة إلى حوار صادق، إلى إجراء إصلاحات حقيقية جدية بدون مناورات ونفاق وبدل أن تبادر إلى الدخول في حوار صادق مع ممثلين عن هذه الثورات والانتفاضات، بادرت إلى القمع، إلى القتل، إلى الاضطهاد، إلى الاتهام، إلى الإهانة والإذلال". إن السيد يقرأ في كتاب مفتوح وهو يقول الحق إذا كان يعني بالفعل ما يجري في سوريا حاليا وما جرى ويجري في إيران منذ أكثر من سنة.

 وحكمة السيد ظاهرة بالتأكيد ونصحه لمن يريد أن يسمع النصح وخاصة الرئيس الأسد باد في قوله: "عندما تعظم التضحيات، يكثر عدد الشهداء والجرحى، تصبح الأمور أصعب ويصبح القبول بأسقف معينة صعباً ومتعذراً." فمن هنا على زعماء دمشق الاتعاظ.

 

ولم نعد نفهم ماذا يريد بقوله: "هو الأداء الأميركي والغربي المكشوف والمنافق" إذ من الذي يعمل على "دفع الأمور في أكثر من بلد إلى تقسيم هنا ـ وهذه مخاطر جدية ـ إلى تقسيم بعض البلدان العربية هنا، وحرب أهلية مفتوحة" هل أن أمريكا والغرب من يصر على التشبث بالرأي وعدم التنازل؟ أم الجالسين على الكراسي منذ عقود ولا يسمحون لأحد بمناقشتهم أو بأن يأخذ مكانهم؟

 

 ويكمل السيد عظته ويقول : "أن نظام زين العابدين بن علي ونظام حسني مبارك لم يجد شعباً ليدافع عنه، لم يجد تظاهرة شعبية حقيقية لتدافع عنه" فهل وجد نظام الأسد هذه التظاهرات الشعبية بالرغم من المحاولة الفاشلة؟

فبحسب قول السيد: "هذه الشعوب لم تذهب إلى بيوتها وإنما ما زالت تطالب بإسقاط الحكومات المسماة انتقالية وأسقطتها، تطالب بحل البرلمانات المزيفة وتم حلها، تطالب بإلغاء أجهزة الأمن القمعية والبوليسية وتم إلغاؤها، تطالب وتطالب" صحيح فهل من لا يزال يطالب في درعا وبانياس واللاذقية وحلب غيرها من المدن السورية لا يحق له أن يسمع صوته أو أن يراه السيد فيسمح بأن يشار لنضاله في خطبته الكريمة؟ أم أن شعب سوريا لم يقف مع ما يسميه السيد "مقاومة" ولم يعترف "ببطولاتها"؟ ولذا فهو لا يسمع صوته مهما تحرك أو صرخ أو هدر إن من الوجع أو من الغضب أو حتى من القتل؟ وهل إصرار هذا الشعب على التغيير سوف يؤدي بحسب منطق السيد إلى تنفيذ مطالبه كما حصل في غير مكان؟ أم أن سوريا وضع آخر وخط أحمر وهي لا تزال تتلطي خلف مبدأ "الممانعة" ولذا فيحق لها ما لا يحق لغيرها تماما كحق السيد بفرض الرأي تشبها بحق خامنئي في التمييز بين مظاهرة محقة وأخرى "امبريالية"؟

 

ويكمل السيد ويقول بأن: "مجموعة شباب انطلقوا في بنغازي، تمت مواجهتهم بالرصاص وبالقتل واندفع الناس ليحتضنوهم وانتقلت الثورة من مدينة إلى مدينة، مظاهرات وعصيان مدني، وتم الرد على المظاهرات والعصيان المدني بالرصاص" وكأني به يتكلم عن سوريا بالضبط لأن ما يحصل هو نفسه وما مساندة الأسد للقذافي بالطائرات والطيارين إلا من قبيل المشابهة والتي لم يرها السيد بالطبع ولم يتكلم أبدا عنها. ويزيد السيد بالكلام عن ليبيا ليقول: "ما يجري في ليبيا هو حرب فرضها النظام على شعب كان يطالب بالتغيير دون استخدام السلاح" ويكمل بأن: "ليس أمام هؤلاء الثائرين سوى أن يصمدوا وأن يقاتلوا"... وأن "ما يجري هذه الأيام من قتل للمتظاهرين بالعشرات وإلحاق الجراح بالمئات ومن اضطهاد لهذا الشعب الذي يُطالب أيضاً بحقوقه المشروعة، لا يمكن السكوت عنه على الإطلاق"... طبعا لا يمكن السكوت على الاطلاق عن الظلم وعن القتل ولذا فعلى السيد أن يوضح كلامه ويخصص حلفاءه في دمشق بنصيحة واضحة لكي يرتدعوا ويعودوا عن غييهم.

 

ولكن السيد يصحح مقولته ليناقض ما أدعاه في المقطع الأول ويقول: "لكن أنتم تعرفون أن مظاهرات مسالمة في ظل أنظمة عربية من هذا النوع لا يمكن أن تُسقط نظاماً." فكيف أسقطت هذه المظاهرات نظام بن على أو مبارك أو لعلهما لم يكونا من الظلم والتشدد بالقدر الكافي؟ إسألوا السيد.

 

وفي كلامه عن البحرين يشدد السيد على "الظلم اللاحق بإخواننا وأهلنا وشعبنا في البحرين... لماذا السكوت عن حقهم في المطالبة السلمية بالحقوق". وهنا يشيد بموقف خامنئي وينتقد القرضاوي: "وقفت إيران في أعلى موقع لها، سماحة الإمام الخامنئي دام ظله الشريف، في موقف عالٍ جداً وكبير جداً.. إلى جانب شعب تونس.. إلى جانب شعب مصر أنا أستغرب كيف يدعو البعض ويقف ويقول يجب على أهل مصر أن ينزلوا إلى الشارع، ثم في ليبيا يقف ويقول لهم اقتلوا القذافي، ولكن عندما تصل المسألة إلى البحرين حيث لا يريد أحد في المعارضة أن يقتل أحداً، ينكسر القلم ويجف الحبر وتخرس الألسنة ويصبح الكيل بمكيالين"...

 

ويعود السيد ليبرر عدم جواز مساءلة نظامي إيران وسوريا من قبل الشعب فيقول: "أنا أفهم عندما يكون هناك نظام ممانع ومقاوم وتحصل بعض المشكلات في ذاك البلد أن نقف ونقول لأهل ذلك البلد "طوّلوا بالكم"...

 

ويصر على مطالبة الدول بأن ترسل الجيوش لحماية الشعوب: "هنا توجد مسؤولية، نعم، من واجبهم أن يتدخلوا، لا أن يتدخلوا بأن يرسلوا جيوشهم لتقمع شعوب وإنما لتدافع عن الشعوب" فهل هذه دعوة صريحة للمجتمع الدولي للتدخل في الأحداث الجارية في سوريا والتي قد تجري في إيران وعندها هل إن السيد مستعد لدعم المجتمع الدولي في قراره الدفاع عن هذه الشعوب؟ أم أنه سيستمر بارسال جماعته لدعم الأنظمة الغاشمة؟

 

لعبة السيد خطرة عليه وعلى حلفائه فعندما يتكلم عن الكيل بمكيالين يضع نفسه في مواجهة كلامه. نقول للسيد بأن النصيحة في الماضي كانت بجمل أما اليوم فالنصيحة له بدون مقابل ولذا فنحن على ثقة بأنه لن يقبلها. ولكن للتاريخ نقول بأن على السيد إذا كان عنده بعد مقدار من المسؤولية تجاه جماعته الضيقة ولا نقول للطائفة أو اللبنانيين لأنه أظهر في أكثر من مرة عدم اكتراسه لهم أو احترامه لفهمهم وادراكه لمصالحهم، نقول له أن أفضل قرار له في ظل ما يجري في المنطقة هو التوجه سريعا إلى الرئيس سليمان والرئيس الحريري والطلب منهما بأن يتسلم الجيش اللبناني كل أسلحة حزب الله الخفيفة والثقيلة ويريحه من هذا العبئ ويتعهد أمامهما بتسليم كل من يطلبه التحقيق الدولي للعدالة وذلك قبل فواة الأوان لأن الآتي قد يكون أعظم، من يدري؟

 

12 نيسان/2011

 

المركز الماروني للدراسات الستراتيجية

تورونتو – كندا