هل يكون نصر الله صلاح الدين الجديد في الحرب ضد مملكة القدس؟

بقلم/يوسف أمين*

 

تتشابه الأحداث اليوم مع تلك التي مرت منذ حوالي العشرة قرون، فبعد أن نجح عماد الدين زنكي أمير حلب بالسيطرة على دمشق موحدا سوريا، خلفه أبنه نور الدين الذي أرسل حملة إلى مصر تحت شعار محاربة الصليبيين. ثم قام صلاح الدين بالسيطرة على السلطة فيها بعد موت عمه أسد الدين شيركوه الذي قاد الحملة منهيا حكم الفاطميين فيها ومعها الخلافة الشيعية هناك. ومن ثم وبعد موت نور الدين في دمشق نصّب نفسه حاكما لسوريا ومصر أي جانبي حدود مملكة القدس وبذلك أصبح على الصليبيين أن يأخذوه بالحسبان.

 

وضع إسرائيل اليوم يشابه بعض الشيء وضع الصليبيين في القرن الثاني عشر، فهؤلاء يعتمدون على الحمية الدينية والتكنولوجيا المتطورة ودعم الغرب لهم. وأولئك اعتمدوا أيضا على الحمية الدينية والتكنولوجيا المتطورة يومها ودعم الممالك الأوروبية لهم. ووضع سوريا مشابه أيضا وهي  التي سيطر فيها الأسد الأب القادم من الشمال على الحكم، ثم غذّى التطرف الرافض لأي تفاوض مع إسرائيل، وقلب معادلة التكنولوجيا بسلاح "الحشاشين" الانتحاري لكسب الوقت، ومن ثم سيطر خليفته المستمر في التحالف مع العجم، على غزة، يوم لم يقدر أن يسيطر على مصر كلها، لتكون بالتأكيد رأس الحربة كما كانت "بلبيس" مع أسد الدين. وإيران اليوم التي حلت محل بغداد في دور مركز الخلافة الإسلامية (الشيعية) تستعد للحصول على أكبر سلاح للدمار الشامل يوازي، ليس سلاح عدوهم المباشر فقط، بل أسلحة الدول الكبرى في عالم اليوم، وهي تساند وتغذي المحور الشيعي المتمثل بسوريا العلوية ولبنان الراضخ لحزب الله مع كل الطاقات المحتملة لشيعة الخليج من جنوب العراق إلى اليمن. فهل ستقدر إسرائيل على حسم المعركة وتجنب كارثة السقوط كما المملكة الصليبية أمام جحافل صلاح الدين الجديد؟ أم أنها مستعدة أكثر من سابقتها وسوف تستطيع الاستمرار، مع تشابه الحالتين (بالرغم من أن المتطرفين اليهود لا يحبون أبدا التشبه بالصليبيين)؟

 

داخل المملكة الصليبية يومها كان هناك تياران واحد واقعي يطالب بالانفتاح والتعاون مع صلاح الدين وبالتالي الاتفاق على صلح ما، وآخر متصلب ينادي بالحرب معتقدا بقدرة الماكينة العسكرية الصليبية على حسم المعركة وتشتيت قوى العدو. فوقعت المعركة بدون التحضير الكافي وانتهت المملكة.

 

في المقارنة بين الماضي والحاضر هل يمكن أن نرى أوجه تشابه مع أجواء "حطين"؟ أم أن عبر التاريخ تأخذ بالحسبان ولم تنغر إسرائيل بعد بقدراتها الذاتية وهي لا تزال تحسب حسابا لأي من مقدرات العدو وتتابع تطور قوته؟

 

نصر الله الذي يتمتع بدعم إيران، وبهالة رجل الدين، وبسلاح "الانتصارات الإلهية"، والذي يتحضر من لبنان لمعركة "حطين" جديدة، هل سيصمد أمام الماكينة الإسرائيلية؟ وإذا فعل، فهل يقدر أحد أن يرد جحافل الغزاة من إعادة فلسطين إلى ما قبل القرن العشرين؟ ومن ثم القضاء على فلول الإسرائيليين، كما يتحفنا به كل يوم السيد بخطاباته الرنانة؟ وهل أن دخول القدس سوف يكون بهذه البساطة المعتمدة على ضربة صاروخية لمراكز العدو العسكرية ونقاط قوته الاستراتيجية؟

 

خطاب نصر الله الأخير يحمل في طياته الكثير من التحدي والكثير من الغطرسة أحيانا، ومن يسمعه يعتقد بأن صاحبه يتمتع بالفعل بقدرات هائلة، أو أنه يمسك مفتاح العنبر 13 الذي طالما هدد هتلر بفتحه، ولكن من جهة أخرى يرى البعض بأن كل هذه التهديدات إنما تصدر عن موقف ضعف من جانبه، فهو رأى بأم العين تأثير التهديدات الإسرائيلية على أبناء الجنوب والضاحية، وسمع من مخابراته بأن اللبنانيين ينتظرون بفارغ الصبر أن تقضي ضربة إسرائيلية على عنجهيته التي لم تنبت سوى الدمار والخراب وعدم الاستقرار، ولذا فهو يريد بهجومه الإعلامي أن يعيد ثقة جماعته بقدراته ويفهم خصومه بأنه لا يزال يملك القدرة على فتح المعركة مع كل تكاليفها مهما علت، لأن الشعب اللبناني بالنتيجة هو الخاسر من مغامراته والعرب هم من سيدفع فاتورة التصليح بينما لو بقي هو أو أي من جماعته حيا بعد وقف إطلاق النار فسوف يعلن فورا وبدون أدنى شك نصرا ألهيا جديدا. 

 

صحيح أن الإسرائيليين أخطأوا يوم تركوا المجال للسيد وحزبه بالظهور بمظهر المنتصر المرة تلو الأخرى إن في انسحابهم من طرف واحد وبدون إي شروط سنة 2000 أو بإعطاء نصر الله الهدية تلو الأخرى من السجناء والأسرى، أو بالقبول بوقف إطلاق النار في 2006 بدون حل حزب الله وتفتيته وطرد مقاتليه إلى إيران كما حصل مع عرفات سنة 1982، ولكن هل إن حزب الله الذي يدعي القوة هو هدف إسرائيل أم أنها لا تزال تفتش عن طريقة لجر رأس الحية، التي تفقس الإرهابيين وتعارض بإحلال السلام،  إلى ساحة القتال لينتهي بسقوطها مسلسل الدمار والخراب الذي تنتجه وتصدره منذ حوالي النصف قرن إلى العالم أجمع؟

 

الحرب القادمة كما صرح أحد القادة الإسرائيليين ستكون آخر الحروب. بالطبع إذا انتصر نصر الله وجماعته ومعهم سوريا وإيران فإن الشرق الأوسط برمته سيدين بالخضوع إلى هؤلاء وسوف تعود الخلافة الشيعية من إيران إلى مصر في المرحلة الأولى، ومن ثم يلتحق فيها بقية مجموعات أسيا وشمال أفريقيا وتنتهي بذلك الحروب في الشرق الأوسط لتنتقل ربما إلى مستوى جديد مع جهات أخرى في العالم. ولكن إذا كانت إسرائيل ترسم للنصر فلا بد لها من أن تواجه بشكل مباشر وأساسي سوريا وربما إيران وإذا ما حصلت المعركة الشاملة كما دعا إليها السيد نجادي عندما اتصل بالسيد حسن نصر الله بعد خطابه مهنئا ومطلقا يده في تدمير إسرائيل واضعا إيران بجانبه في هذه المعركة، وإذا التزم النظام السوري بالاتفاقية الموقعة بين الثلاثة (إيران سوريا وحزب الله) ودخل المعركة، وإذا ما حسمت هذه المعركة لصالح إسرائيل، فإن هذه الحرب بالتأكيد سوف تكون آخر الحروب في الشرق الأوسط لأن التطرف والممانعة ورفض السلم قامت وتقوم كلها بدفع من السوريين ، منذ زيارة السادات إلى إسرائيل ومحاولته التوصل إلى تفاهم لحل مشاكل الشرق الأوسط بدون اللجوء مجددا إلى الحرب. وهي تلعب لعبة السلام يوم تنحشر أمام خطر الحرب وتلعب لعبة المواجهة والرفض يوم تجري الأمور نحو الهدوء والتعاون. من هنا فإن أي حرب جديدة لا تدخلها سوريا مباشرة هي مناوشة ومشروع تحضير لحرب أخرى.

 

فهل إن نصر الله سيكون صلاح الدين الجديد وسيد الموقف في حسم الحرب مع إسرائيل ورمي اليهود في البحر كما قال معلمه نجادي سابقا أم أن هذه المرة ستدور الدائرة على "الشاطر" وينتهي مسلسل العنف في الشرق الأوسط؟

 

 

المركز الماروني للدراسات الاستراتيجية

تورونتو- كندا  

 

الإثنين 22 - شباط - 2010