النظام الإيراني ومشاريعه في المنطقة؟

بقلم/يوسف أمين

 

يقدّر الباحثون في الستراتيجية الإيرانية في المنطقة العربية بأنها ترتكز على ثلاثة دعائم خارجية اساسية وهي:

المناطق الشيعية في جنوب العراق بقيادة جماعة الصدر

وحزب الله في لبنان

والنظام العلوي في سوريا

 

هذه الدعائم الثلاثة كفيلة بنظر هؤلاء بأن تعطي الماكينة العسكرية الإيرانية قدرا كبيرا من حرية التصرف في حال القرار بالسيطرة على الخليج، فجماعة الصدر ستتكفل بضبط العراق لتحرم دول الخليج من خزان دعم رئيسي كان أوقف التمدد الإيراني في بداية الثمانينات، بينما ينتشر حزب الله المدجج بالسلاح داخل لبنان ليمنع اي مساندة ولو إعلامية لهذه الدول ويساعد في نفس الوقت النظام العلوي الذي يضبط التيارات العروبية في بلاد الشام للاستمرار في مهمته.

 

أما من الجنوب فقد كان تحرك جهاز المخابرات الإيراني في مناطق الحوثيين في اليمن وعلى الحدود السعودية بشكل مسبق كفيلا باشغال السعوديين وعليه فهم مضطرون لتوزيع القوى فيما لو نشبت الحرب وعدم التركيز على جبهة واحدة سيما وأن الوضع في اليمن اليوم لم يعد مستقرا ما يدفع بهم إلى العمل على تهدئة الأمور في هذا البلد الجار وفي هذا الظرف بالذات. وفي الغرب لن تتمكن مصر المنشغلة في مشاكلها الداخلية والتي تتطور كل يوم بشكل مختلف من مد يد العون لا من الناحية العسكرية ولا حتى المخابراتية فهي تكفيها مشاكلها وما يجري على حدودها في ليبيا والسودان عدا عن غزة.

 

لذا وانطلاقا من هذا الوضع الحرج بالنسبة للسعودية ودول الخليج كان التحرك السريع والطبيعي لقوات درع الجزيرة في البحرين كما يعتقد الإيرانيون، فهم كادوا أن يسيطروا بدون الحاجة إلى الضغط العسكري على ساحة الخليج لولا هذه العملية، ومن ثم يرون في التحركات داخل سوريا ردا عربيا من شأنه التقليل من الانتصارات الإيرانية المتتالية، فإذا ما سقط النظام الأساسي الداعم لإيران في المنطقة سيتحرر الحكم اللبناني من عقدة سلاح حزب الله الذي يقبض على أنفاس اللبنانيين ويتم بذلك القضاء على العنصر الثاني من الحبكة الإيرانية، وقد يغير العراقيون حساباتهم وسيلي ذلك تحرك الآمال في الشارع الإيراني المعارض بالتغيير.

 

يعرف الحكم السوري بأن تحرك الشارع المطالب بالتغيير في سوريا عملية طبيعية وهم يفهمون بأن الضغط الذي حكمت به البلاد لا بد أن يؤدي إلى الانفجار خاصة في هذه الأجواء من التحرر والثورات التي تسيطر على المنطقة، ولكنهم وقد باتوا يشكلون جزءً من المنظومة الدفاعية الإيرانية ويحلمون بالامتيازات التي سينالونها في حال سيطرة إيران على الخليج لا يهمهم رأي الشعب ولا تحركه لأنهم يعتقدون بقدرتهم على ضبط الأمور بالطرق التي يعرفونها جيدا والتي تعتمد بشكل أساسي على القوة، ولن تجرؤ جماعات المعارضة، كما يعتقدون، على تنسيق أي تحرك كبير يؤدي إلى تفسخ في المؤسسة العسكرية، وهم بدأوا فعلا بتصفية لبعض الضباط الكبار كرسالة لمن تسّوله نفسه التفكير بالتحرك أو الاعتراض وعدم تنفيذ الأوامر وذلك بواسطة من أسموهم "العناصر التخريبية التي تطلق النار على الجهتين". 

 

ولكن الشارع السوري يزيد كل يوم من تحركه ويزيد مع هذا التحرك عدد القتلى والمصابين وبالتالي النقمة على النظام فهل سيقدر هذا النظام على البقاء والسيطرة؟ أم أنه سيصبح عالة على الإيرانيين كما حصل مع موسوليني في الحرب العالمية الثانية حيث اضطر هتلر إلى ارسال الجيش الألماني لحماية أيطاليا بدل الاتكال على الإيطاليين في دعمهم على جبهات أخرى؟

 

من هنا أهمية حزب الله وسيطرته على الساحة اللبنانية ودعمه الغير محدود للنظام السوري ليشكل عنصر مساندة للخطة الإيرانية. ولذا فقد اعتمد الحرس الثوري كثيرا ومنذ البداية على تعويم حزب الله هذا بالأسلحة والعتاد من جهة وبالأموال التي تغدق عليه والموازنة المضخمة التي تغطي كافة مصارفاته؛ من رواتب للعناصر وما يوزع على المتعاونين، إلى الدعم اللوجستي مع كافة الوسائل الاعلامية التي يسخّرها  له، إلى عمليات شراء الأراضي والبناء لتوسيع انتشاره وقبضته على مفاتيح أساسية في البلاد. ولذا وبسبب هذه الأهمية التي يعطيها هذا النظام في خططه التوسعية لحزب الله والأموال التي ترصد له من دولة تعاني من الحصار المفروض عليها من المجتمع الدولي، فقد نشر الإيرانيون ضباطا من قيادة الحرس الثوري للاشراف المباشر على كافة القوى والوحدات لتصبح قيادة حزب الله الفعلية بيد الإيرانيين، فهم لا يريدون التلهي بالقشور المحلية ولا يريدون التفريط بهذه القوة التي تدخل في مخططاتهم الأساسية.

 

عندما يقوم السيد حسن نصرالله بالتهجم على دول مجلس التعاون الخليجي وسياستهم في البحرين لا يحسب حسابا للأضرار التي قد تقع على اللبنانيين لأنه يقرأ خطابا أعدته الماكينة الاعلامية الإيرانية وهي لا تحيد عن الهدف الأساسي الذي هو التحضير للسيطرة على ثروة الخليج بنفس الطريقة التي اعتمدها سابقا زعيم الرايخ لاحتلال النمسا ومن ثم تشيكوسلوفاكيا وبولندا. وعندما يدعم النظام السوري بالرجال والعتاد فهذا دوره الطبيعي ولا يهمه ما يفكر به السوريون العاديون الذين يقتلون كل يوم في الساحات على يد هذا النظام وحلفائه. ولكن ماذا يمكن أن يفعل حزب الله أكثر من ذلك وماذا يتوقع منه الإيرانيون؟

 

الإيرانيون أعدوا حزب الله وعناصره ودربوهم للسيطرة على لبنان في أي وقت طلب منهم ذلك وكل هذا تحت شعار مقاومة إسرائيل، وهم عرفوا جيدا كيف يستعملون موضوع إسرائيل الذي لا يزال يدغدغ بعض المشاعر لهذه الغاية، فخطب السيد حسن تعتمد بالاجمال على ما تقوله إسرائيل أو الصحافة الإسرائيلية. وهم سيطروا بنفس الطريقة على بعض مؤسسات الدولة اللبنانية وخاصة ما يخدم السياسة الإيرانية؛ فقد تمسكوا بوزارة الخارجية والأمن العام والمطار لتسهيل تغطية العمليات الخارجية الإيرانية، وسيطروا على مخابرات الجيش اللبناني ليمنعوا الحكومة من معرفة ما يدور ومدى التغلغل الإيراني في المؤسسات. وهم جعلوا من الطائفة الشيعية خزانا معبأ وجاهزا للاستعمال من قبل المخابرات الإيرانية في أي مكان وزمان وبدون سؤال، والكل يعلم كيف كان يتم الاعلان عن دفن أشخاص يقال أنهم قضوا في مهمة جهادية بدون أن يسأل أحد عن السبب أو المكان، وقد يشكل هؤلاء جزءً ممن تدفع الدولة اللبنانية معاشات لذويهم على أنهم قضوا في عمليات ما يسمى بالمقاومة.

 

اليوم وإذ يتزايد الضغط على الرئيس السوري لا بد للقيادة الإيرانية من تحريك كل الوسائل لمنع سقوطه فماذا سيقدر أن يفعل الإيرانيون لنظام أخذ يتداعى؟ وماذا يتوقعون من حزب الله؟

 

الخطة الأولة كانت دوما التحرش بإسرائيل تحت شعار المقاومة ولكن التهديد الإسرائيلي بضرب إيران وسوريا قد يكون فعل فعله ولن يتجرأ الإيرانيون ولا حزب الله على مثل هذا السيناريو إلا بالاتفاق مع الإسرائيليين ما لا يزال مستبعدا حتى الآن لأنه ليس من مصلحة حكومة إسرائيل الحالية وقبل تغيير موازين القوى أن تتفاهم مع الإيرانيين أو تتنازل عن مواقفها في شأن البرنامج النووي الإيراني وموضوع الصواريخ التي يمتلكها حزب الله والقادرة على تهديد أمن المواطنين الإسرائيليين. أما أن يعمد حزب الله مثلا إلى إطلاق بعض الصواريخ باتجاه العمق الإسرائيلي بدون أن تصيب أهدافا أساسية لكي تقوم إسرائيل بالرد المحدود حتى داخل سوريا ما يدفع بالحكم السوري على الطلب من الشعب التوقف عن التظاهر لكي يتفرغ هذا الحكم لموضوع الدفاع عن البلاد، فهذا وارد ولكن من يضمن أن إسرائيل سوف تكتفي بالرد المحدود؟

 

الخطة الثانية قد تكون بأن يقوم حزب الله بالسيطرة على الحكم في لبنان بتشكيل حكومة من حلفائه أو بمحاولة الانتشار العسكري تحت عنوان مساعدة سوريا على ضبط التدخلات اللبنانية في شؤونها وذلك كعملية إلهاء يسلط عليها الضوء من قبل وسائل الاعلام ويتخللها أعمال عنف وانتقام أكبر مما جرى في أيار 2008 لتحويل أنظار الرأي العام المحلي والدولي عما يدور في المدن السورية وبنفس الوقت دفع المزيد من جماعته ومن الإيرانيين إلى داخل سوريا لإعطاء الحكم هناك مهلة جديدة ومساعدته على اكمال قمعه وفرض قبضته على الساحة لأن تأثر قوى الأمن السورية بأعمال العنف ضد أهلهم وأبناء بلدهم لن يسمح لهم بممارسة هذا العنف بشكل كافي لوقف التحركات الشعبية بعد كل الدماء التي أريقت حتى الآن. ولكن هذه الخطة أيضا ليست مضمونة النتائج وقد تدفع إلى مزيد من حقد اللبنانيين على حزب الله ما يؤدي إلى فقدان تأثير هذا العنصر لاحقا.

 

قد يكون لدى الإيرانيين خططا أخرى جاهزة لمساعدة حليف يتداعى والمضي بمشروع السيطرة التي طالما حلم بها كل من جلس على عرش بلاد فارس، ولكن يبدو بأن الأمور لا تسير دوما كما يشتهي هؤلاء ومن هنا قد تكون مشاريع نظام أحمدي نجاد كلها مهددة وبالتالي قد تدفع به إلى خطوات لن تكون في صالحه ولا في صالح نظامه فهل أن زمن الديكتاتوريات قد ولى أم أنه سيحاول المواجهة ولو كلف ذلك الشعب الإيراني مزيدا من الشقاء؟ 

 

تورونتو/كندا

25 نيسان/2011