الأسد الجريح ومجالات التحرك

بقلم/يوسف أمين

المركز الماروني للدراسات الستراتيجية - تورونتو

 

أحداث درعا المستمرة هي بالتأكيد جرح عميق في جسد الأسد السوري الذي طالما ادعى أنه قادر على التحكم بأرادة الشعب ومنع أي تحرك معارض لسياسته معتمدا على شبكة من المخابرات يسندها حالة الطوارئ المفروضة منذ نصف قرن على البلد وسجون متعددة المهام يقبع فيها كل من سوّلت له نفسه أن يفكر بالاعتراض.

 

الأسد الصغير الذي ورث اللقب والمنصب والمهمة عن والده ذاك الذي اعتبر داهية لا بل فنان في سياسة القبض على السلطة ووئد أي انتفاضة ضد حكمه باستغلال شعارات ومشاريع طالما دغدغت مشاعر السوريين ففضلوها على حريتهم وخبزهم اليومي من أجل "القضية القومية" و"محاربة الاستعمار" ومن ثم "الصمود والتصدي" وأخيرا "المماتعة" وغيرها تلك الأسطورة التي ما فتئت عقولهم تغسل بها منذ أن يبدأ أطفالهم بالدب على الأرض، يجد نفسه اليوم أمام حائط مسدود فدواء الوالد المعتاد من الدجل والقهر لم يفعل فعله مع هذا الجرح العميق فهل إن "أولاد مدلج" أصبحوا بالفعل وراء كل صخرة وفي كل الساحات؟ ولماذا تكون درعا مهد الانتفاضة وهو لم يحسب لها حساب؟

 

سوريا التي كانت فيما مضى أهراء روما وثروة بني أمية وبلاد الرفاه والبحبوحة تحولت بسبب تبنّي سياسات الهيمنة خاصة منذ منتصف القرن الماضي إلى بلاد فقيرة نوعا وشعب يعاني من عدم اللحاق بالعصر والمحيط. ولكن الأسد الأب الذي شغل السوريين بالتحضير للحروب وبتبني معارضة "مشاريع الهيمنة" والذي تحايل مرات كثيرة على شعبه والعالم عندما كانت الظروف تفرض التغيير ليبقي على سلطته تحت شعارات واهية يجترها معاونوه ولا تمر على الشعب كما يعتقدون ولكنها تفرض عليهم بالارهاب والتنكيل وكثرة الكذب والبروبغندا، سوريا هذه لا بد أن تنتفض في ظل الحراك السائد في المنطقة حيث تسقط الأنظمة تحت مطالب الشعوب.

 

يوم شارك الأسد ومعاونوه في قتل اللبنانيين لوئد تحركهم من أجل الحرية ثم حولوا انتصار ثورة الأرز إلى خسارة بسبب قصر نظر من تولى الحكم في لبنان ربما وبالضغط الذي مارسوه بواسطة الجيش الإيراني الرديف الذي تركوه يبنى يوم حكموا البلد ومؤسساته، أعتقدوا بأن لا قدرة لأحد على تحريك المطالب الشعبية فهم من يدير دفة السفينة وهم من يقبض على مفاتيح الصراع مع "العدو الصهيوني" وتحت هذا الشعار هم قادرون على التنكيل بأي فكر أو تحرك لزحزحة سلطتهم فقد خرجوا من الباب اللبناني صحيح ولكنهم يعودون إليه من الشباك كما يقول المثل العامي.

 

حكام سوريا اليوم وبعد أكثر من أسبوع على التحرك في درعا فقدوا سيطرتهم على الأرض ولو أنهم لا يزالون يناورون ببث الأفكار هنا وهناك لإيهام شعبهم بأنهم قادرون على السيطرة على مجرى الأمور مرة أخرى بطرح خارجي كأن يؤيدوا تحرك درع الجزيرة في أحداث البحرين مثلا فيكسبوا ود السعوديين ويستمطروا بعض المال الخليجي عليهم رحمة من جهة وتخفيفا من حدة النقمة على تحالفاتهم الغريبة من جهة أخرى. ولكن هل أصبح الجرح أعمق من أن يلتئم بمسرحية كهذه؟ الجواب هو في الشارع وفي عدد المصابين وردة الفعل على ما يدور.

 

ماذا يستطيع الأسد الصغير أن يقدم لشعبه الثائر اليوم وبعد أن سال الدم السوري في طرقات درعا وسمع به كل السوريون في الداخل والخارج وفي زمن سقطت فيه أنظمة في دول مجاورة أقل بطشا وظلما لشعبها من ما يقوم به هؤلاء منذ أكثر من نصف قرن؟ وهل أن ما جرى في حماة في بداية الثمانينات هو المثال عن خطة الحكم بالتصرف مع شعبه اليوم؟ أم أن الزمن والأحداث قد تغيرت؟

 

على الرئيس السوري أن يتحرك بسرعة ولكن بدقة لأن كل حركة في ظل هذا الوضع ستحسب عليه شخصيا ويمكن أن يؤدي عليها حسابا أمام المحاكم، من يدري؟ يجب أن يدرك الرئيس الشاب بأن الشعب قد سئم الكذب والادعاء بأن الأوضاع لا تسمح بالتغيير. عليه أن يعتمد على الشفافية والصراحة ويحاسب نفسه ومن حوله قبل أن يقرر بدفع المزيد من الشهداء في عملية قمعية قد لا تجلب إلا نقمة أكبر وردة فعل أقوى.

 

الرئيس السوري قادر مثلا أن يقوم بخطوة دراماتيكية كبيرة كأن يفتح السجون ويطلق كل المساجين السياسيين والذين لم يحاكموا دفعة واحدة وينفذ ما طرحه من رفع حالة الطوارئ واعلان عفو عام عن كل المبعدين لا بل الطلب إلى المعارضة السورية في الداخل والخارج البدء الجدي بالحوار وقد يكون عليه أيضا أن يقدم ضحية للشعب قد تساعده بها المحكمة الدولية مثل اللواء رستم غزالة المطلوب بقضية الحريري من جهة والذي يمكن أن يكون مسؤولا عن القمع الذي جرى في درعا. من جهة ثانية عليه أن يعلن بأنه يفك كل ارتباط بالموضوع اللبناني وحتى التحالف مع الإيرانيين وما يتعلق بمشاريع النضال في المنطقة من حوله لكي يتفرغ لبناء علاقة جيدة داخل المجتمع السوري وتنظيم البلاد على أسس سليمة. هذه التصرفات السريعة مرة واحدة هي التي قد تفعل فعل الصدمة وربما تعطي مصداقية للرئيس الأسد بأنه جاد في اصلاح البيت الداخلي وقد تطفيء وهج الثورة القادمة لا بد والتي ستجري فيها دماء كثيرة كالتي سالت في درعا وحقد كبير ربما يطال البنية الاجتماعية في سوريا إذ أن الجيش السوري لن يقدر أن يقف على الحياد ليضمن انتقالا للسلطة بأقل الخسائر الممكنة كما حصل في مصر وتونس ما قد يسهم في المزيد من الفوضى على غرار ما يجري في ليبيا. فهل هذا ما يريده الرئيس الأسد؟ وهل هذا ما سيكتبه التاريخ عنه؟

 

يوسف أمين

المركز الماروني للدراسات الستراتيجية - تورونتو

26 – آذار - 2011