تصغير الأحجام

بقلم/الياس الزغبي

 

من استمع أمس الى السيّد حسن نصرالله، سواء كان مؤيّدا أو منتقدا، خرج بانطباع أكيد أنّ الرجل خرج نهائيّا من الصورة التي رسمها ورسموها له منذ بضع سنوات.

 

لا شكّ في أنّ هذه الصورة ارتجّت كثيرا في السنوات الثلاث الأخيرة، خصوصا بعد تهافت اطلالاته حول المحكمة والحكومة و"شهود الزور" وضرب الأكثريّة بقوّة السلاح وتنصيب نفسه مرشدا لرئاسة الحكومة والتدخّل في شؤون البحرين والخليج وأفريقيا تحت الغطاء الايراني والمذهبي، الاّ أنّ الارتجاج تحوّل، في ظهوره الأخير، الى صدع خطير على فالق سياسي ووطني عميق، يُمهّد ليقظة ما.

 

من مستوى "المجابهة العالميّة" في الوثيقة السياسيّة الجديدة لـ"حزب الله"، الى مستوى جريدة فرعيّة في الضاحية.

 

من محرّر الشعوب في وجه الاستكبار والمشروع العالمي الخطير، الى ديوانيّات "ويكيليكس" ونوادر الصالونات.

 

من همّ تغيير وجه المنطقة والعالم، الى همّ العائلات الشيعيّة في شاطئ العاج والبحرين.

 

من استراتيجيّة الردع وتوازن الرعب مع اسرائيل، الى نزلاء سجن روميه.

 

من زعامة المقاومة الالهيّة الى حقائب وحصص حكومة السراب.

 

من نموذج المدافع عن قضايا الأمّة وتصدير الثورة والممانعة، الى "لبنان قدرنا وليس لدينا خيار آخر"!     

 

من موقع الهجوم الدائم الى موقع الدفاع اللازم.

 

انطباعات أوّليّة عن خطاب نصرالله أمس. لكنّها مؤشّرات واضحة عن تراجع هموم قيادة "حزب الله" ووظائفها وأدوارها.

 

سبقه بساعات كلام وزير خارجيّة ايران الصالحي في السياق ذاته: محاولة الحدّ من الخسائر، وتنظيم الانكفاءات، وتقديم الكفّ الناعمة، بعد الصدمات في الخليج وتركيّا وسوريّا ولبنان وغزّة. 

 

ولم يكن دفاع نصرالله عن نبيه برّي وحركة "أمل" وعن عون وجنبلاط، في وثائق "ويكيليكس" سوى مظهر ثابت من مظاهر الضعف والارتباك. وكأنّه يسعى الى لملمة الخزف المحطّم في العلاقات الداخليّة مع أقرب الحلفاء، بعدما خذلته الحجّة في التمييز بين وثيقة صادقة وأخرى كاذبة. 

 

وكذلك محاولة تبرئة القيادة السياسيّة للشيعة من مآسي الجالية في شاطئ العاج والخليج، عبر رمي المسؤوليّة على حكومة تصريف الأعمال، لعلّ نقمة الناس تتحوّل عن هذه القيادة بما اقترفته من توريط للجالية في الصراعات الداخليّة، وما بدأت تعانيه من مآخذ ولوم.

 

وليس تحميله "14 آذار" مسؤوليّة ما حصل في سجن روميه سوى محاولة مكشوفة لتغطية الحروب الصغيرة البديلة التي يشنّها تمويها للعجز في حروبه الكبيرة، المستحيلة.

 

ولم يكن دفاعه عن الشكل في استدعاء الرئيسين كرامي وميقاتي اليه الاّ اثباتا للوصاية على الرئاسة الثالثة، فلم يبرّر لماذا جاءا اليه وليس الى سواه، بعد اعترافه بأنّه الأقلّ عددا بين كتل "8 آذار". أليس ذلك دليلا على وصايته بفعل القوّة والسلاح؟ ولماذا يُصرّ على توزير "المعارضة" السنّيّة اذا لم يكن وصيّا؟ 

 

أمّا دفاعه عن ايران التي "يفتخر ويعتزّ" بها، فلم يكن مقنعا تحت حجّة مساعداتها، وهي الوحيدة التي قدّمت المساعدة مباشرة لـ"حزب الله" ومن خارج الدولة، على عادتها منذ 1982. فهل هذا هو نموذج العلاقات الذي يروّج له نصرالله؟

 

والأسوأ في دفاعه عن ايران هو التسليم بالمحور الايراني طالما أنّ الرئيس الحريري و"14 آذار" يلتزمون المحور العربي. وهنا الخطأ الجسيم الذي يقع فيه "حزب الله" وربّما سواه في مواقع رئاسيّة مسؤولة. هناك محور ايراني، نعم. ولكن ليس هناك محور عربي. فلبنان جزء وعضو في العالم العربي وملتزم مواثيقه، ولا مواثيق اقليميّة تربطه بايران، فالأولويّة في سياسته الخارجيّة هي للعرب قبل سواهم، ولا يمكن تصنيف التزامه هذا انجرارا الى محور. والالتزام بايران محورا في مواجهة العرب يشكّل انحرافا خطيرا عن ميثاق جامعة الدول العربيّة وخرقا لالتزامات لبنان وجوهر انتمائه وفقا للدستور. واذا كان لأيّ رئيس مكلّف أو سواه كلام آخر يكون مناقضا للدستور اللبناني والتزامات لبنان.

 

ويبقى أنّ ارتداد نصرالله الى الهموم الفرعيّة واللبنانيّة، ولو كان نتيجة انتكاسة وتراجع، هو عودة الى الحجم الصحيح، وبداية تخلّ عن وظائف اقليميّة ودوليّة.

 

لعلّ هذا الضمور في الحجم والطموح يتحوّل الى سياسة ثابتة، فيعود "حزب الله" الى مداره اللبناني، ويخلع السترة الايرانيّة السوداء، ويبدأ اذذاك الأمل بالحلّ.

 

الاحد 10 نيسان 2011