أبَوان لانتصارٍ هجين.

بقلم/عبدالله قيصر الخوري*

 

أتحَفنا بعض الذين تصدّروا شاشات التلفزة من منتجي الإحصائيات ومروّجيها، بأرقامٍ مذهلة، ومشاريع انتصارات لم تبلغ بأهدافها أية مرتبة من تلك التي جرى التسويق لها، ما ينزع الصفة العلمية عن الاستشعار النموذجي، ويضع كل ذلك الضجيج والصخب في خانة الكسب المادي على قاعدة "زِدْ علينا بسخائك، نستزيدك بمخيّلتنا".

 

أما وقد انقشع غبار المعركة عن انتصارٍ يعتقده العماد ميشال عون وحالته العونية كاسحاً، ويفتقر الى الأبوّة الشرعية، مستعيضاً بحضانة التبنّي لأبَوين عُرفا بحزب الطاشناق وحزب الله، دفعت بهما جهاتٌ إقليمية شغوفةٌ بمصالحها، لإغراق صناديق اقتراع المسيحيين بآلافٍ جرّارة من المقترعين، هُرِعَ بالكثير منهم عبر المحيطات البعيدة، واستُنفِرَ جمهور الداخل اللبناني بالخُطب الجهادية والتكاليف الشرعية.

 

إستفاض حزب الله في 7 حزيران من العام 2009 بغزارةٍ إقتراعية ناءت تحت أوزارها صناديق الاقتراع، باكورتها قضاء بعبدا، ومسك ختامها قضاء جبيل، حتى بدا الحزب في ذروة طاقاته وتجلياته البشرية، ليس بالضرورة تأميناً لنجدة ظهيره في المناطق المسيحية "تجمّع إصلاح المآرب والأهداف الشخصية، وتغيير الوجه الحضاري للمسيحيين فحسب"، بل تجاوز أشواطاً بعيدةً وكأنه يخوض معركةً مجيدة تأميناً للخلافة.

 

يُسجَّل للحزب في هذا السياق أداؤه الحضاري والمسالم في صناديق المسيحيين، بواسطة سلطان العدد الذي كرّس وثيقة التفاهم، وأمدّ طرفها الماروني النشأة بعزم وارادة المثابرة والتبشير، هذا الأداء الذي يختلف عن الذي اعتمده الحزب في تجربة 7 ايار من العام 2008 لإخضاع بيروت والجبل، فلِرَبّ العالمين الحمد لتعدد الوسائل وتنوّع كيفيّات التطبيق، وإن كان الهدف واحداً ومعلوماً.

 

أما لهُواة تلقف انتصارات الغير كما شُبّه لقائد الحالة العونية في السابع من ايار من العام 2008 ، وقد سارع آنذاك الى قرصنة انتصارٍ لم يُبصر النور، وحتى في حال حدوثه لكان سُجّل صافياً في خانة حزب الله، ومُضيّه قُدُماً لتحقيق أهدافه الواضحة والواعدة بلوغاً لإرساء قواعد الدولة الإسلامية، التي هي ترجمةٌ حتمية لمبادئه الدينية ونضاله الإلهي والعقائدي، الذي يشكل الإمتداد التنظيمي والفقهي للثورة الايرانية، يطرح على ذمته الأمان والاستقرار للعماد عون وسواه في حال الطاعة والإنصياع، وإلا تُطبَّق عليهم مفاعيل دار الحرب.

 

أما لجهة صوابية التحالف السياسي الذي يُخضِع العماد عون لمفاعيل "ولاية الفقيه" دونما اعتراض، والثوابت دامغة من التفرّد في اعلان حرب تموز من العام 2006، مروراً بتعطيل عمل المؤسسات الدستورية، وصولاً الى محاولات تعكير علاقة لبنان بمحيطه العربي، وما يرتّبه ذلك من جسامة الخسارة وسواد المصير، إضافةً الى الاجتهاد لمنع التواصل مع الحضارة الغربية والعودة بلبنان الى مجاهل التعصّب والعدوانية، والانغلاق الفكري والتقوقع الشمولي.

 

إنعاشاً للذاكرة التاريخية واستعادةً لأخذ العِبَر، نستحضر كيفية تعامل الثورة الايرانية عقب انتصارها في العام 1979 مع من آزرها داعماً وحليفاً، فرئيس الجمهورية الايرانية الأسبق ابو الحسن بني صدر فرّ من البلاد بلباس النوم، وقد حالفه الحظ بالنفاذ برأسه على منكبيه، أما مصير مجاهدي خلق ومعظم المنظمات اليسارية، وبعض رجال الدين والسياسة الذين ابدوا آنذاك بعض الملاحظات على بطش "الخلخالي" فكان مصيراً سيفُه أكثر إنباءاً من الكتب.

 

فهل يعتقد العماد عون وحاشيته من الموارنة الألمعيين، بأن حزب الله يحتفظ لهم بأدوار الريادة، كقيمة مضافة على شبه نجاحهم بقصم ظهر المسيحيين، والإبحار بسفينتهم بعكس فكرهم الكياني وأدائهم الحضاري والثقافي والوطني؟

 

يسترعي انتباهنا الاندفاع الأسطوري لحزب الطاشناق، إقتصاصاً من التوجّه المسيحي العام وتحدياً لنداء البطريرك مار نصرالله بطرس صفير قبَيل الانتخابات النيابية، محذراً من أخطارٍ كبيرةٍ محدقةٍ بالكيان والمصير، حتى غدا الموارنة بمنظار الطاشناق وكأنهم الحلفاء التاريخيين "لطلعت باشا"، وَجُبَ الإنتقام منهم وتأديبهم على صنيعٍ خاطئ لم يقترفوه.

 

في السياق عينه نطرح على الطائفة الأرمنية اللبنانية العريقة بعضاً من التساؤلات والتراكمات المزمنة، خدمةً لسواسية المصير، وحتمية البقاء الكريم والحضور الفاعل.

 

أولاً: هل لمواقف الآمرين والناهين في حزب الطاشناق طيلة ثلاثة عقودٍ ونيّف، محفزات ومبررات غلّبت المصالح المفتَرضة على حتمية تدعيم المصير المشترك مع سائر اللبنانيين عموماً ومع المسيحيين على وجه الخصوص؟ فيُعلَن باستمرار عن قرارات مستوردة من خارج الحدود، تارةً من حلب والشام، وطوراً من لوس أنجلس، وأخيراً لا آخراً على ما يبدو من ايران.

 

ثانياً : هل يقيّم حزب الطاشناق الوجود والحضور الفاعل للأرمن اللبنانيين بمنزلة الجالية المتحركة، ام بثبات تاريخي متجذّرٍ بأرومة التركيبة اللبنانية؟ ألاقيه بذلك على منتصف الطريق لأوفّر عليه الجواب اليقين، بأنه للطائفة الأرمنية اللبنانية الكريمة الأكفّ البيضاء على صفحات مجيدة تشكل بمجموعها كتاب الوطن.

 

ثالثاً : هل الأسباب القاهرة والضاغطة التي افضَت الى هجرة الأرمن اللبنانيين الى اصقاع الدنيا هي مغايِرة لتلك التي أوجبت هجرة اخوانهم اللبنانيين الآخرين وخاصة المسيحيين منهم، ألم يكن قاسمها المشترك ضراوة الحرب والتهجير، والقمع لأجل المعتقد والفكر، والبؤس الاجتماعي وانسداد سبل العيش؟

 

رابعاً : بناءاً لما تقدّم، لماذا استبسل حزب الطاشناق باستقدام الآلاف من الأرمن اللبنانيين، أقل ما يُقال بذلك إستغفالٌ لانقطاعهم الطويل عن مأساة وطنهم، ونُدرة معرفتهم بشؤونه وشجونه، حصل ذلك لمُدَدٍ تراوحت بين الثماني والاربعين ساعة والاسبوع، اقترعوا خلالها تجاوباً مع رغبة الطاشناق الجامحة وهم يجهلون تماماً ما قاموا به من اغتيال للحضور المسيحي الحر، وبالتالي تدعيماً للمفاعيل التاريخية السلبية التي أدّت الى هجرتهم سابقاً من لبنان.

 

خامساً: هل تتطابق إدارة حزب الطاشناق لكافة الانتخابات النيابية مع شرعة حقوق الانسان باحترام القرار والمصير، عندما يزج هذا الحزب بالطائفة الارمنية الكريمة بعملية اقتراعٍ تكتنفها الغيبوبة، ويسودها الفرض الشمولي، لدرجةٍ أن المقترع يتحوّل الى آلة مطواعة تجهل لمن تمنح ثقتها فاقدةً حرية المبادرة او عدمها؟

 

لأجل ما حدث من تطاولٍ في البعض من دوائر جبل لبنان، ولسبب ما أُحبِط من عزائم وتضحيات على يد المجموعات الشمولية المقفلة، نُعلن كُفرنا وزهدنا بالانتخابات النيابية على شاكلة القوانين الانتخابية المتعاقبة، ونتطلع مع الاصرار والتأكيد على قانون انتخاب يلحظ الدوائر الفردية المصغّرة، التي تضمن التمثيل النيابي الصحيح، بعيداً عن المحادل وحالات الارتهان القسري، وفرض تلاوين المجموعات العددية الوافرة على سواها من ضئيلة العدد.

 

عبدالله قيصر الخوري*

من مؤسسي التيار الوطني الحر الأوائل/انفصل عن هذا التجمع بعد انحراف العماد عون عن كل ما هو سيادة وحرية واستقلال وانتقاله إلى المحور السوري الإيراني

 

21 حزيران/09