إنقاذ 8 آذار

بقلم/الياس الزغبي

غريب حقا أن يخرج صوت من "14 آذار" ينادي بانقاذ "8 آذار".

ففي السياسة، اللبنانيّة تحديدا، لا مكان للرحمة والنيّات الطيّبة. خصوصا اذا كان الخصم لا يتورّع عن أشنع الأساليب وأقذعها وأفظعها.

لكنّ المأزق الذي ورّط أهل "8 آذار" أنفسهم فيه، حين أقدموا على ارتكاب انقلابهم الميمون، عمّق أزمة لبنان.

 

وهم اليوم أمام هول ما ارتكبوا، يرون أنفسهم بين مطرقة هوسهم بالسلطة ونهمهم المتلاطم حول الحقائب والمغانم، وبين سندان الأزمة العاصفة في مرجعيّتيهم: سوريّا المضطربة وايران المنسحبة. الأولى منشغلة بداخلها، والثانية منعزلة عن محيطها من الخليج الى العراق وتركيّا مرورا بسوريّا ولبنان وغزّة، في قوس من التراجعات لم يبدّل في موازينه الجديدة تهديدها للسعوديّة، وتخبّطها في مواجهة اليقظة الخليجيّة وبدء انهيار منظومة الممانعة ونظريّتها، في وجهها السوري على الأقلّ.

وهناك نوعان من الانقاذ المطلوب: عام وشخصي.

 

العام هو لفريق "8 آذار" مجتمعا، والخاص هو للرئيس المكلّف نجيب ميقاتي.

واذا قلنا انقاذ "8 آذار" فالمعني طبعا هو "حزب الله" قائد "دولتهم ومجتمعهم" كما يقود حزب البعث الدولة والمجتمع في سوريّا منذ نصف قرن، وكما يقود الوليّ الفقيه ايران منذ 32 عاما.

وليس مستحيلا انقاذ "حزب الله" من نفسه ووطأة سلاحه ومشروعه أو مشروع سواه، فليكن مصيره كمصير الحزب الحاكم في دمشق، وطهران، فمن ساواك بنفسه ما ظلمك. هو ليس أقوى وأمنع، ولا مناص من التغيير مع العصف الضارب في جناحيه، ويصحّ فيه ما يصحّ فيهما. فهل هناك بعد أدنى شكّ في انفكاك القبضة البعثيّة (والمذهبيّة) الأحاديّة عن صدر سوريّا، عاجلا أم في المدى القريب؟ وكذلك القبضة العليا الثقيلة للفقيه الايراني؟

 

وفي استطاعة "حزب الله" البدء باستدارة مدروسة في حركته الانقاذيّة الذاتيّة: يعترف أوّلا بلا جدوى انقلابه، ويعود ثانيا الى مربّع البحث في مصير سلاحه، ويسلّم ثالثا بأولويّة المحكمة الدوليّة وعدالتها. شروط ثلاثة صعبة بالتأكيد، لكنّ ثمنها يبقى أقلّ من مصير الأنظمة والحالات "الثوريّة" المتهاوية (البحرين كنموذج شيعيّ حيّ يتنصّل من ايران).

انّه تراجع غير قاتل، يُبقي له حالة سياسيّة ما، مع تذويب الحالة العسكريّة والأمنيّة وتفكيك حلقات الربط الاقليميّة، المتفكّكة أصلا وتباعا، الاّ اذا كان كلّ وجوده معقودا على سلاحه ووليّه. أمّا القوى السياسيّة الملتحقة به فلن يستطيع تعويمها، وهو المضطر الى التخفّف من أثقال سفينته الجانحة. هذه الأثقال هي المعرّضة ، أكثر من سواها، لدفع أثمان انقاذ الربّان.

ويبقى الانقاذ الشخصي للرئيس المكلّف "الظالم والمظلوم".

 

بين المغامرة بكلّ شيء والارتطام بكلّ الناس ولو خرج بتشكيلة ما، وبين الخروج بحدّ أدنى من السلامة يقيه الاختبار القاسي بعد سنتين في طرابلس، ويحفظ له بقيّة باقية من الأمل في المستقبل السياسي، الخيار ليس صعبا.

 

والمخرج بسيط اذا عقل وتوكّل: يعود الى اجماعات لقاء دار الفتوى، فهي ليست فقط طائفيّة مذهبيّة، بل، في عمقها، وطنيّة تصلح لكلّ مكوّنات لبنان وتتقاطع بامتياز مع ثوابت بكركي، وهذا ما تُثبته لقاءات البطريرك الراعي والمفتي قبّاني. من هناك ينفتح أمامه باب الخروج بأقلّ خسائر ممكنة. وعليه التنبّه للنصائح "الحامية" من بعض دائرته. فبعضهم ينهشه جوع مزمن وثأر قديم.

 

وبانقاذ "حزب الله" من مشروع سواه، وميقاتي من شهيّات مكلّفيه وصداعهم السياسي، يستعيد لبنان مساره الصحيح، على توازناته السليمة وأكثريّاته القويمة، ويُعيد نسج موقعه ودوره في الآلة السياسيّة العربيّة الجديدة.

لقد بلغ مدّ "الممانعين" حدّه، وبدأ الجزْر.

فليُنقذوا ما سلُم من سفنهم الغرقى، قبل أن تصل حطاما الى اليابسة.

 

الاحد 3 نيسان 2011