سلّة الصدمات 
بقلم/الياس الزغبي

لم يعد سرّا أنّ "حزب الله" دخل مرحلة الخسائر بالجملة، وليس "خسارة صافية" واحدة، وفق ما رأى أمينه العام السيّد حسن نصرالله في "حرب" برج أبي حيدر .

إنّها سلّة خسائر "صافية" لم يتخلّلها أيّ ربح أو انجاز .

من الجنوب، حيث لم تُنتج حركة "الأهالي" قبل بضعة أسابيع في وجه "اليونيفل"، أيّ ثمرة ميدانية أو سياسية، لحسابه مع المحكمة الدولية، أو لحساب ايران مع فرنسا والمجتمع الدولي .

الى بيروت، حيث انهارت نظريّتا شهود الزور وأسرلة القرار الظنّي والمحكمة، ما جعل نصرالله في اطلالته الأخيرة يتجاهل ما وعد به من معلومات وأدلّة وقرائن جديدة (اتّضح أنّه لا يملكها)، ويسكت عن تأكيد بلمار أنّه لم يكتب بعد القرار، ويكتفي برفض المدّعي العام والمحكمة، على طريقة من تعوزه الحجّة ويُعييه الردّ، فيكتفي بالقرار السهل: هذا هو موقفي، وافعلوا ما تشاؤون !

الى بيروت أيضا، في "ميني أيّار" جديد، حيث خرج يجرّ أذيال "الخسارة الصافية"، الوحيدة التي لم يكابر في الاعتراف بها، لكنّه حاول أن يستخرج منها صورة الضحيّة المطعونة في القلب بسكّين "مالحة"، وغاب عن ذاكرته أنّ فريق السكاكين والبلطات والصواريخ هو فريقه بالذات .

إلى خط دمشق – طهران الخائف عليه من الانسداد، بعد ظهور تشقّقات فيه أثارت قلقه، فسعى الى اقناع نفسه بمتانة الحلف الثنائي، وحاول أن يُبدّد هاجس حصول الاختبار الناري الأوّل للأثمان المدفوعة لسوريّا، في "تمايزها" عن ايران.

ومحصّلة الخسائر التي جناها "حزب الله"، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، جعلته مكشوفا في الداخل والخارج، وأشدّ هذه الخسائر ايلاما كانت تهافت حلفائه وأنصاره في الطوائف الأخرى :

- لدى المسيحيّين خبا وهجه حتّى كاد ينطفىء. ومن بقي منهم في ركابه يلتزم ارتباطا غير سياسي، قبض ثمنه مرّة، ودفع أثمانه مرّات، كان أحدثها الانتخابات البلديّة وقبلها النيابيّة والنقابيّة. ومن يعاين هذا الفريق المسيحي يلمس بقوّة مدى ارتباكه وضيقه، وهلعه على تقلّص مؤيّديه، وقد كانت له صدمات وخيبات في جولاته المناطقيّة الأخيرة، وأعاد النظر في جولات أخرى مقرّرة، فعدّل بعضها وألغى بعضا آخر .

- لدى الدروز ، كسب "حزب الله" تحوّلا سياسيا (نظريا) من فوق، وفشل في اختراق التحفّظ والتوجّس من تحت. قد يكون وليد جنبلاط نجح في أخذ بعض حزبه وطائفته نحو سوريا، ويجهد في استمالة البعض الآخر. لكنّه لم ينجح في أخذهما نحو "حزب الله"، فأيّار 2008 حفر عميقا في الوجدان .

 - أمّا لدى السنّة، فلم تكد جروح أيّار تبرد قليلا حتّى عاودها الالتهاب بفعل عاملين: خطاب الاستكبار على المحكمة، والاستقواء على أحياء بيروت بالسلاح. وقد أعاد "حزب الله" من حيث لا يدري خلط أوراق السياسيين السنّة، ووحّد قلقهم، وكرّس زعامتهم، وخسر بعض من قرّبهم .

وأشدّ ما يثير مخاوف الطوائف الثلاث من "حزب الله" ما سمعوه على لسان نصرالله أخيرا، حين رفض حلّ مسألة السلاح غير الشرعي ونزعه من العاصمة أوّلا، بحجّة أنّها مسألة مزمنة ومعقّدة ولا يمكن حلّها بسهولة. فهو قد ألغى بموقفه كل مرحلة ما بعد الحرب، وقفز فوق التحوّل التاريخي سنة 2005، وضرب اتفاقين أساسيّين: الطائف والدوحة، وهما يتقاطعان عند قضيّة جوهرية هي نزع سلاح المليشيات ومنع اللجوء الى العنف في الخلاف السياسي .

الطوائف الثلاث، مع شرائح متنامية من الطائفة الشيعيّة، تريد الدولة وتسعى الى بنائها منذ سنوات خمس، و"حزب الله" يريد دولته فقط. وهذا هو محور الأزمة. 

لقد أعاد نصرالله الأزمة اللبنانيّة الى بدايتها: فوضى السلاح. وفي اعتقاده أنّ وجود قوى مسلّحة سواه يبرّر بقاء سلاحه، بعد سقوط حجّة المقاومة في أزقّة المدن. ولا يستغربنّ أحد أن يكون مستعدّا، مثلا، لحماية سلاح "الأحباش" برموش العيون .

هي "خسائر صافية" يراكمها، وسلّة صدمات .

ومن تكون حاله كذلك يجد نفسه بين خيارين صعبين :

امّا تدوير الخسائر والصدمات نحو توتّر أكبر يوصل الى الغرق في فتنة غير محسوبة، على قاعدة تحويل الهزائم انتصارات شمشونيّة.

أو مراجعة عاجلة للحسابات، والتراجع عن خطوط النار، والقبول بترتيبات أمنيّة وسياسيّة تحت عنوان ضبط السلاح وانعاش العمل السياسي  .

والخيار الثاني أقرب الى التطبيق. ففي شؤون الدنيا وشجونها، لم يندم عاقل.  

الاحد 5 أيلول 2010