الدور العاطل

بقلم/الياس الزغبي

 

لا يفاجئ "حزب الله" أحدا بإنزاله كلّ أسلحته، باستثناء أشدّها ايذاء، حتّى الآن، الى ميدان المعركة الأخيرة ضدّ المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان، بعدما يئس، أو كاد، من تحقيق هدفه "الأسمى": السطو على النظام وتغيير الوجه الأوّل من وجوه المنطقة.

 

وقد تبيّن بالبرهان والاثبات، وبما لا يقبل الشكّ والردّ، أنّ من أبرز أسلحته المستخدمة تكليف العماد ميشال عون وفريقه، أكثر الأدوار والمهمّات سوءا ورداءة. وهي مهمّات تمسّ الأساس الأخلاقي للعمل السياسي والاعلامي، عبر تحريك الحساسيّات المذهبيّة وافتعال المشكلات والملفّات الشخصيّة، وشنّ غارات وحرائق الهاء خلفيّة لحماية طلائع "حزب الله" المقاتلة، والتفنّن في برمجة الفتن وبخّ السموم على موجات الأثير. 

 

طلبوا منه أن يُضرم النار في كواليس المسرح: مرّة في الفساد، وثانية في الموازنة، وثالثة في طاولة الحوار، ورابعة في الرئاسة الأولى، وخامسة في القوى الأمنيّة وفرع المعلومات، وسادسة في تصنيف العملاء حتّى خمسة نجوم، وسابعة في هزّ عظام الأموات اذا لم ينجح نبش القبور، وثامنة باستهداف الآباء بالأبناء، وغيرها وغيرها من استنباطات تحت الطلب، وعناوين مثيرة ومغرية، من الأصوليّات الى التوطين، ومن الطعن في الكنيسة الى التهشيم في القوى المسيحيّة المنافسة، ومن حزازات القرى والبلديّات وكيديّات الزواريب الى زعامة الشرق!

 

ومن يتابع ظهوره الاستعراضي الأسبوعي، وما قبله وبعده على مدار الليل والنهار، ويعاين هذا الخليط الهزلي بين الغثّ والسمين، وهذه البهلوانيّة لابهار المساكين، يدرك كم أنّ المهمّة مكشوفة، وكم أنّها بدأت تُنتج آثارا عكسيّة على الموكل والوكيل معا.

 

الأكيد أنّ "حزب الله" غير مرتاح الى أداء الوكيل، ولكنّه مكره لا بطل، وهو أيضا ليس موفّقا في حركتيه الدفاعيّة والهجوميّة، وقد خسر الكثير من وزنه وعافيته، وبالتحديد من صدقيّته، في نظرة الأغيار اليه، كما في نظره الى نفسه. ولكنّها حال كلّ جسم حيّ حين يبلغ حجمه الأكبر وقوّته القصوى، فيبدأ بالضمور.

 

واذا كانت هذه هي حال المرجع والأصل، فكيف ستكون حال الملحق والفرع؟

 

لم يذكر التاريخ السياسي اللبناني الحديث والمعاصر، خصوصا تاريخ السياسيّين المسيحيّين، وبينهم كبار وعمالقة، أنّ واحدا منهم تولّى مثل هذه المهمّات اللصيقة بمصلحة سواه، أو ارتضى هذا الدور العاق لاسمه وسمعته ولكرامة من يمثّل، ولقاء أثمان خاصّة وآنيّة لا تمتّ بصلة الى مصير المسيحيّين ومصلحتهم، لا في الحضور ولا في الدور والرسالة، لا في لبنان، ولا في الشرق، ولا في ديار العالم.

 

نعم، في تاريخ معظم الزعامات المسيحيّة سعي الى المصالح الشخصيّة وتهافت على اغراءي السلطة والمال. لكنّهما سعي وتهافت لم يمسّا بالركائز الوجوديّة للمسيحيّين، ولم يجعلا القائمين بهما مجرّد منفّذي توجيهات وملتزمي مقاولات ومشاريع خطيرة، وعلى الأقلّ لم يسفحوا الأساس الأخلاقي على أعتاب مشغّليهم.

 

واذا كانت لعنة التاريخ قد أصابت قيادات لبنانيّة، منذ ملوك فينيقيا الى اليوم، بوصمة الشكوى للخارج، والتكسّب منه، والتودّد اليه، فانّها كانت دائما لعنة مقرونة بنعمة التستّر والخجل.

 

أمّا أن تُصبح اليوم لعنة مزدوجة نحو الداخل والخارج معا، وتحت شعار الفضيلة والعفّة والتقوى والاصلاح، فهي من غرائب الدنيا وصرعات آخر زمان.

 

وماذا تُراها ستقول الأجيال الآتية عن هذا "النموذج" المسيحي المبتكر؟

 

بل، ماذا سيكتب مدوّنو التاريخ؟

 

ألف تحيّة وسلام... للّعنة الفينيقيّة

 

الاحد 5 كانون الأول 2010