حبيس الأزمتين

بقلم/الياس الزغبي

     

لا أحد، في لبنان، يحسد قيادة "حزب الله"، على حالة الضيق بين حدّين أو مسألتين أو أزمتين: العدالة والعمالة. فوقه سيف المحكمة الدولية، وتحته أو قربه أو بين ظهرانيه، طيف المضبطة مع اسرائيل!

 

هو بين موقع صعب وموقف دقيق. أمام اختبار لماضيه وحاضره ومستقبله، وفي غمرة التحدّي الكيانيّ ومعادلة البقاء والفناء وثنائيّة الحياة والموت. ومن تكون هذه حاله، لا يجوز أن يُزاد طينه بلّة، ولا أن تُغمد سكين في جرحه، بل الانكباب على مساعدته، وابتداع الحلول والمنافذ. وهذا ما يسعى المعنيّون بالمحكمة اليه، بدون أن تسقط معادلة الحقيقة والعدالة كي تحلّ محلّها معادلة العدالة والفتنة.

 

المنطق السليم يقضي بأنّ العدالة تمنع الفتنة وليس العكس، والحقيقة تفتح باب الصفح والغفران وليس العكس. وهذا هو المنطق الذي يجب أن يحتكم اليه "حزب الله"، بدل التهديد باحراق البيت الحاضن وتدمير السقف الجامع.

 

ومهما كانت المعطيات و"الوثائق" التي سيقدّمها نصرالله، تحت السؤال الكبير عن جدّية طبيعتها والتأخّر المريب في كشفها، فليس من شأنها تغيير مجرى الوقائع والدلائل والمعلومات التي جمعها التحقيق الدولي على مدى 5 سنوات. والاّ، لما كان حصل هذا الاستنكاف والتباطؤ في اعلانها، وهي، بالتأكيد، ليست بنت ساعتها، ولم تهبط بوحي الهي في اللحظة الأخيرة. وأفظع، بل أشنع ما في ترويج الشيخ نعيم قاسم لها، أنّ "14 آذار" تخاف على اسرائيل منها. وكاد يقول انّها ستزلزل العالم!

 

وهذا التراشق الثنائي بين اسرائيل و"حزب الله" بالتهم ليس أقلّ اثارة، وكذلك الاسناد بالحجّة وتقاطع المعلومات. ففي صراع الجبابرة يدفع المساكين الثمن، مع الأمل في ألاّ يدفعوه مرّتين، فتتناثر دماء شهدائهم هباء، وتذهب الحقيقة والعدالة أدراج الرياح.

 

أمّا الأزمة الثانية (وغير الطارئة) التي تعانيها قيادة "حزب الله" فهي ظاهرة العملاء، وقد امتدّت نارها الى أطرافه، وربّما الى جسمه. وليته يدرك أنّ تفشّيها لم يكن ليحصل لو سمح بقيام دولة سويّة، لا مفتوحة ولا مكشوفة، ذات قرار واحد، وسلاح واحد، وأجهزة مخابرات موحّدة. فهو مسؤول، في شكل أو آخر، عن هذا التفشّي.

 

واذا مرّ خبر المعلومة الرسميّة التي تلقّاها عن ضلوع ثلاثة من قيادييه مرورا عابرا، بـ"فضل" التحقيق الداخلي المقفل والممنوع على الدولة، فانّ تورّط أقرب حلفائه وأحبّهم اليه و"أنزههم" في اعتقاده، اضافة الى موظّفين وأصحاب رتب قريبين من بيئة "8 آذار الحاضنة"، ضاعف ارتباكه، وحرّك شكّه وتوجّسه، وخربط حساباته. وكلّ التطمينات والتبريرات لا ترمّم الثقة المهتزّة بعمق، ولا تضبط "ورقة التفاهم" الراجفة في عين العاصفة.

 

وليس من شأن المقارنة بالانبياء والعظماء والرسل أن تقدّم حجّة مقنعة، وتغسل اليدين من دم المتورّطين،  طالما أنّهم كانوا اليد اليمنى، في الحلّ والترحال، للمولع بالتشبّه، مرّة بديغول، وثانية بالبطريرك والبابا، وثالثة بمار مارون، ورابعة بالمسيح!

 

نعم، لا أحد يغبط "حزب الله" على ما هو فيه. حالة مضغوطة بين جدارين، وتحت سقف منخفض. ثمّ جاءته ثالثة الأثافي: أمينه العام السابق، الشيخ صبحي الطفيلي، يطلب منه تغيير قيادته، ويطلب له المغفرة من ذوي الشهداء. وهل هناك ما هو أبلغ وأوضح؟

 

من حق كلّ مأزوم التفريج عن أزمته، ومن حقّ كلّ مكلوم التخفيف من جروحه. لكنّهما مسؤولان معا عن المعالجة. ولا يمكن أن يكون العلاج بالسكوت عن الحق والتخلّي عن العدل، كما أنّه لا يكون بالانتقام عند المقدرة، بل بالعفو.

 

وتبقى العدالة حصنا للمجتمع والسلم الأهلي، بينما العمالة دمار لهما.

 

وعلى "حزب الله"، الساعي الى الربط بينهما لتدمير المحكمة، أن يوقف هذا الربط، اذا أراد النجاة بنفسه وبلبنان. وقد ينصحه ناصح بالمعادلة الآتية:

 

التعفّف مع العدالة، والتخفّف من العمالة.

 

فيتحرّر حبيس الأزمتين.

 

الاحد 8 آب 2010