مبدئيًّا" رئيس حكومة

الياس الزغبي

 

 

وقع الرئيس نجيب ميقاتي في شرك تبريره عبارة "مبدئيًّا " الواردة في فقرة المحكمة الدوليّة من البيان الوزاري، كما في وضعه "الاحترام" فوق "الالتزام"، و"المتابعة" في غير سياقها.

 

سقطات ثلاث في دفاعه الأخير عن نصّ كتبه سواه، وحمّله وزر البحث عن تفسيره وتسويقه، كانت كافية لجعل ميقاتي نفسه "مبدئيّا" رئيسا لحكومة ليس له فيها سوى وظيفة متواضعة هي تجميل قباحاتها بمساحيق الألفاظ الغامضة والغائمة.

 

فتّش له أولياء تكليفه عن سابقة لكلمة "مبدئيّا" فعثروا عليها في نصّ سبق لهم أن دسّوه، بواسطة وزير خارجيّتهم علي الشامي، في بيان وزراء الخارجيّة العرب قبل 4 أشهر، بدون علم الرئيس السابق للحكومة وموافقته، وباستغياب أكيد لرئيس الجمهوريّة. وفي هذا الدسّ سقط ميقاتي ضحيّة نزوتين: تربّص حاضنيه، وضعفه أمام المخارج اللفظيّة.

 

وظنّ أنّ اللعب على الكلمات يُسعفه في دفاعه اليائس، فبحثوا له على الانترنت عن كلمة "احترام" وأين وردت في الدستور وسواه، وتوهّم أنّه حصل على صيد ثمين  حين رأى أنّ رئيس الجمهوريّة "يسهر على احترام الدستور". وفاته مع جهابذته أنّ الاحترام هنا يعني المراقبة، فالرئيس "يسهر" والمؤسّسات تلتزم وتنفّذ. هو يراقب ويتابع، أمّا الالتزام فمسؤوليّة السلطات الثلاث تحت عينين ساهرتين هما للرئيس والمجلس الدستوري.

 

وفاتهم كذلك أنّ القانون الدولي لا يتحدّث عن احترام قرارته بل عن التزامها، والدليل القاطع جاء في الدستور اللبناني نفسه، وفي أهمّ نصوصه وأرقاها، أي مقدّمته: فحين يتعلّق الأمر بعلاقة لبنان بالأسرة الدوليّة، تتحدّث المقدّمة عن "الالتزام" وليس عن "الاحترام". وقد جاء في الفقرة "ب" من المقدّمة "لبنان عضو مؤسّس وعامل في جامعة الدول العربيّة وملتزم مواثيقها، كما هو عضو مؤسّس وعامل في منظّمة الأمم المتّحدة وملتزم مواثيقها والاعلان العالمي لحقوق الانسان، وتجسّد الدولة (بمعنى تلتزم) هذه المبادئ في جميع الحقول والمجالات دون استثناء".

 

اذا، "يلتزم" لبنان القرارات الدوليّة ولا "يحترمها" فقط. ولو كان الاحترام فوق الالتزام وأهمّ منه قانونا، كما ذهب ميقاتي في تعليله الواهي، لكانت مقدّمة الدستور اعتمدته، ولكان المشترع وفّر على اللاهثين وراء التفسير والتبرير كلّ هذا العناء، ولكانت الأمم المتّحدة والمعاهدات الدوليّة والاتفاقات الاقليميّة والثنائيّة غيّبت تعبير "الالتزام" من نصوصها واستبدلته بـ"الاحترام".

 

أمّا في "متابعة سير المحكمة"، فلم يكن ميقاتي أكثر اقناعا في قوله انّ الحكم استمراريّة وهو "سيتابع" عمل الحكومات السابقة! ليس هذا هو المعنى الذي قصده واضعو النصّ من كلمة "متابعة". هم أرادوا من الحكومة أن تكون مجرّد شاهد يتابع من بعيد أو قريب "المباراة"، ولكنّه جاهز للتدخّل في الملعب للمشاغبة أو التعطيل، حين تدعو الحاجة، فمتابعتهم للمحكمة سلبيّة وليست للتسهيل والالتزام والتنفيذ.

 

والمفارقة المثيرة تكمن في وجود بيانين وزاريّين: واحد مكتوب بحبر "حزب الله"، والثاني شفوي بلسان رئيس الحكومة. والأشدّ اثارة أنّ صاحب البيان اللفظي يدافع عن المكتوب برغم تناقضهما، ولا يجرؤ على رشق من سبقه بدقائق على المنبر (النائب محمّد رعد) رافضا المحكمة بشكل جذري، ولو بكلمة واحدة. ولا يخفى على اللبنانيّين أيّهما الأقوى، ومن هو صاحب الكلمة العليا، ولمن ستكون الغلبة.

 

صحيح أنّ الرئيس ميقاتي شهر قلمه الحبر في وجه الرئيس السنيورة، ولكنّه ليس القلم الذي كتب البيان وخصوصا فقرة المحكمة، بل لعلّه للزينة فقط، أو للعرض الفاخر الذي يليق .. والاّ لكان عليه أن يوضح سبب التناقض بين القلم والجيب، بين الحاضن والمحضون، بين ما قاله وكتبه، لو كان هو الكاتب.

 

هو الآن تحت المراقبة اللصيقة: أيّ موقف "مبدئي" يتّخذ، أيّ نصّ "يحترم"، أيّ سير "يتابع". أو... فليسمح للبنانيّين أن يقولوا له:

 

انّه، "مبدئيًّا"، رئيس الحكومة.

 

الاحد 10 تموز 2011