قواعد الموت

بقلم/الياس الزغبي

الاحد 18 تموز 2010

 

هكذا، اذا، وببساطة، المحكمة الدولية الخاصّة بلبنان هي نتاج اسرائيلي. هذا ما توصّل اليه، في آخر ظهوراته، الأمين العام لـ"حزب الله" السيّد حسن نصرالله. هي قائمة، في نظره، على أساسين فاسدين: شهود زور، و"داتا" اتصالات مصنّعة في اسرائيل. ولا شيء آخر.  وكل من يؤيّد المحكمة ويدعمها وينتظر منها الحقيقة والعدالة، هو مشبوه وعميل ومتآمر.     

 

أصدر نصرالله حكمه المبرم، ولم يترك أيّ طريق من طرق المراجعة. ولا لزوم لظهور لاحق وعد به، يخصّصه للمحكمة، فماذا سيزيد على ما تفضّل به، وأيّ حكم أقسى وأقصى ممّا نطق به باسم الشعب، أو "الأهالي"؟!.

 

لقد استدعى الدولة الى قوسه، الى جلسة استجواب عمّا تملك من معلومات عن العملاء "تكتمها". شكّك في رموزها، وضعهم أمام معاييره، فلا معيار بعد اليوم الاّ معيار المحكمة "المزوّرة"، وويل لمن لا يدينها ويتنصّل منها. أمّا "الجبهة العالمية" لمواجهة اسرائيل وأميركا وفرنسا فيمكنها الانتظار لما بعد القضاء على "الشهود" و"الداتا" والمحكمة. 

 

واستثنى مخابرات الجيش، فله فيها، وفق حساباته، من لا يريد المحكمة، ولا القوّات الدولية، ولا الدولة، ويسلّم بمسلّمات "المقاومة" المستقلّة عن المؤسسات الرسمية، ولا يزعجه "أمن" الليطاني، بجنوبه وشماله، ولا "أمن" المطار، بحرمه وضاحيته، ولا "أمن" أو حياة ضبّاطه وجنوده. 

 

واستثنى أيضا حلفاءه، القدامى والمحدثين، فهم يرون رأيه ويلتزمون قراره، ويحرصون عليه أكثر من حرصه على نفسه، ويتبرّعون له بالخطط والسيناريوات والوظائف المبتكرة لسلاحه (نفط وتوطين).

 

وذهب أحدهم اليه تحت جنح الظلام و"نصحه"، بعدما "نصح" مرجعا رئاسيا غير لبناني، بتغيير قواعد اللعبة، بدءا باسقاط الحكومة، وصولا الى الانقلاب الكامل، لأنّ الفصل الأوّل من الانقلاب في 23 كانون الثاني 2007 لم ينجح بسبب فشل الناصح، والفصل الثاني في 7 أيّار 2008 لم يكتمل ولم "يضع الأمور في نصابها" بسبب تعثّر الفاعل. فلا بدّ من الفصل الثالث... الثابت، وفيه أولوية "الغرام والانتقام" للمناطق المسيحيّة التي خذلت الانقلاب في فصله الأوّل.

 

الخطّة هي نفسها والمشروع نفسه: قبل 3 سنوات، محاولة افشال انشاء المحكمة، واليوم اسقاط قرارها الظنّي، ووراء الهدفين هدف مركزي استراتيجي هو الانقضاض على النظام والدولة، وتحويل لبنان من نموذج حضاري الى جرم صغير في الفلك الايراني.

 

والمثير في تبرير الخطّة – المشروع هو السيناريو الافتراضي، الهزيل والمضحك، الذي حمله الزائر الليلي الى مرجعيّته في الضاحية، فلا هو خلاصة معلومات دبلوماسية كما ادّعى، ولا يحتوي على عناصر متماسكة ومقنعة، ولا المضيف قصير اليد والمعلومات كي يصدّق الرواية المركّبة باخراج متخلّف وبدائي، (والتوضيح اللاحق لصاحبه أكّد الأساس ولو شاء وصفه بالقراءة). لكنّ الاثنين يبحثان عن واجهة وعنوان وحجّة، عن سيناريو خادع، لاكمال المشروع الدائر على نفسه منذ سنوات، وايجاد ظروف ملائمة لتجريبه مرّة جديدة... وأخيرة. 

 

وليس هناك ما هو أفضل من أبلسة المحكمة الدولية، وحقنها بسمّ العمالة لاسرائيل، وجعل "داتا" الاتصالات بؤرة صناعة اسرائيلية، وتوزيع "العملاء" على رتب وطبقات، وتخوين المسؤولين السياسيين السابقين والقائمين، واتّهامهم بالتورّط والتغطية والتكتّم، فيجب ألاّ يبقى أحد واقفا في وجه الانقلاب، امّا بالترهيب أو بالترغيب أو بالاستتباع.

 

نعم، "حزب الله" يلعب ورقته الأخيرة. والمستجيرون بسلاحه يقامرون في رهانهم الأخير، لعلّهم يقفزون الى منصب هارب، أو يقبضون على حلم ضائع.

 

أليس هذا ما يعنيه تهديد أحد مسؤوليه بسبعين 7 أيّار؟ أو 7 أيّار "نهائي وحاسم".

 

أليس هذا ما يثيره منذ أسابيع وزراء ونوّاب ومسؤولو الحزب، داخل الحكومة والمجلس، وعلى المنابر؟

 

أليس هذا ما كلّله كلام نصرالله عن المحكمة كـ"مشروع اسرائيلي"، وعن اخضاع المسؤولين اللبنانيين للاستجواب... والادانة؟

 

لعبة أخيرة، ولكن خطيرة.

 

يبدو "حزب الله" كأنّه بلغ الحالة الشمشونية. "ماسّادا" عاشورائية.

 

لم ينصحوه بتغيير قواعد اللعبة فقط، بل قواعد الموت وأصول الفتنة.   

 

فمن ينقذه وينقذهم من أنفسهم  وأوهامهم، كي ينجو لبنان من القطوع القاتل!