مسيحيّو "حزب الله"

الياس الزغبي

 

في خطابه العاشورائي، لم تكن المرّة الأُولى التي يتوجّه فيها السيّد حسن نصرالله الى المسيحيّين، بنبرة التحذير والاستكبار، منذ أن أقلقه تصاغر حجم "شريكه" في "تفاهم" 6 شباط 2006، وبعدما ثبت له بالوجه الشرعي أنّ المسيحيّين أُمناء على تاريخهم وخياراتهم، ولا تخدعهم طفرة سياسيّة عابرة.

 

مع "التفاهم"، نام نصرالله على حرير الزعامة المسيحيّة المطلقة، وتمثّل له الصيد المسيحي الثمين نصرا "الهيا" سويا، واطمأنّ الى حالة الالتحاق والاستتباع، فغاب عن خطابه طابع الاستعلاء والتهديد، طالما أنّ الثلثين في بيت الطاعة، والجزية السياسيّة مدفوعة، والكلفة مرفوعة، والرزقة على "حزب الله".

 

وذهب آنذاك شركاؤه المسيحيّون الى حدّ القول انّهم ينامون وأبوابهم مفتوحة، وبعضهم على أطراف الضاحية هلّل لـ"الأمان" والحماية، بعدما سمعوا زعيمهم في أحد "تجلّياته التاريخيّة" يقول لهم: "ماذا نريد أفضل، ننام ملء عيوننا، وهم يسهرون بالسلاح على سلامتنا وراحتنا!". ولم يدرك هؤلاء مدى انسحاقيّة هذا الكلام وتبعيّته الاّ متأخّرين، حين تبيّن لهم أنّ "الحماة" أنفسهم لم يتورّعوا عن التنكيل بمن في ذمّتهم، من عين الرمّانه والشيّاح والحدث، الى سجد وأعالي بلاد جبيل، الى البيع والشراء في صناديق الانتخابات، والتمسّك بشيعيّة المواقع الاداريّة السليب. وتبيّن للحامي والمحمي أنّ كسب القلوب ليس بملء الجيوب.

 

وجاء من قال في حينه لقيادات "حزب الله": لا تراهنوا كثيرا على هذه الأكثريّة المسيحيّة الطارئة والعابرة، لأنّها، في العمق، لا تملك عصب المسيحيّين ووجدانهم، انّهما في مكان آخر، في بكركي ودوائرها والحالات السياسيّة الدائرة حولها. ولا تخدعنّكم حالة مستجمَعة من هنا وهناك، عاجزة عن اخراج مسيحيّي لبنان (والمشرق) عن سياقهم التاريخي وحقائق وجودهم ورسالتهم، وثوابت انتمائهم. الوضع الذي حالفتموه متحرّك، أمّا الثابت ففي موقع آخر.

 

لم تأبه تلك القيادات للنصيحة في حينها، فاشتبهت بها، ولم تكن أمامها فرصة أسهل، فمضت في الرهان الخاسر.

 

واليوم، تمضي قيادة "حزب الله" في المكابرة على الوقائع السياسيّة والشعبيّة، لكنّها حوّلت صدمتها من ضمور حليفها الى نقمة على المسيحيّين، وكان الخطاب الأخير لنصرالله قاسيا وفجّا باستحضار ما حلّ بهم في العراق، والتلميح الى ما سيحلّ بهم في لبنان "اذا هم راهنوا على الفتنة السنيّة الشيعيّة!".

 

غريب أن ينقل زعيم "حزب الله" التهمة من موقعها الفعلي الى كاهل المسيحيّين الذين لا يلتحقون بمشروعه. فالساعي الى الفتنة هو من يريد طمس الحقيقة وقمع العدالة، ومن أوكل اليه  نكء تراب الشهداء ومحاكمة دمائهم والولوغ في حساسيّات الطوائف والمذاهب. الفتنة صناعة من يوقد نارها ويهدّد بها اللبنانيّين والعالم  وكلّ من يؤيّد المحكمة وينتظر العدالة، وصناعة من يقرّع مذهبا لارضاء مذهب آخر، وصناعة من يقول: اتبعوني أو أقتلكم.

 

مصدوم "حزب الله" لأنّ "النموذج" المسيحي الذي رعاه وحماه لم يؤمّن له الغطاء أكثر من سنتين، ولأنّ السلعة التي تاجر بها لم تردّ ثمن كلفتها، فكان لا بدّ من الارتداد ضدّ المسيحيّين الملتزمين خياراتهم الأصيلة والذين خيّبوا حساباته، بدلا من محاسبة الوكيل الذي فشل في وكالته.

 

ولا بدّ للقيادة المأزومة من اعادة حساب العلاقات مع الطوائف، فلا تأتيها الاّ من أبوابها وركائزها الثابتة، والقوى الحيّة التي تمثّلها.

 

كان نجاحها جزئيّا في خرق الطوائف وأحزابها بالمال والسلاح، وكلّ نجاح جزئي يتحوّل الى فشل في زمن الفرز والاصطفاف، وهو الزمن الذي دشّنه وفرضه "حزب الله" نفسه منذ سنوات، ويدفع الآن ثمنه. 

 

والخطأ الجسيم الذي ارتكبه "حزب الله"، ولا يزال، هو أن يكون له مسيحيّوه وسنّيّوه ودرزيّوه، بعدما جعل الشيعة "شيعته". ويضعهم جميعا في مواجهة بيئتهم واجماعاتها.

... ويتناسى دائما، أنّ الأثواب المستعارة لا تُدفئ، ولا تقي من برد أو صقيع. 

 

السبت 18 كانون الأول 2010