بدائل الفتنة

بقلم/الياس الزغبي

 

من يرصد غموض ما يدور في حسابات "حزب الله" وبين المثلّث السوري – السعودي – الايراني، واليقظة الدوليّة الحاصلة بين واشنطن وموسكو وباريس ولاهاي، يتكوّن لديه تقدير، أو بدء اقتناع، أنّ الانقلاب المضمَر – المعلَن تحت مسمّى الفتنة، تتراجع حظوظه كثيرا، بل تكاد تنعدم.

 

لا يدور البحث الآن عن مرحلة ما قبل القرار الاتّهامي المتسارع، بل عمّا بعده، على أثر تهاوي محاولات نسف القرار والمحكمة والعدالة الدوليّة، وبعد تذويب الملفّ المصنّع لـ"شهود الزور" في مصهر القانون والمؤسّسات، وأمام وهج الموقف الصارم لأولياء القضيّة وأهل الدولة والشرعيّة.

 

وتكمن الصعوبة الآن في ايجاد بدائل للانقلاب – الفتنة، بحيث لا يخرج "حزب الله"،  بمن وراءه وأمامه، مُثقلا بخيبة كبرى تحوّله من كتلة حديد ونار الى نمر من ورق، ومن موعود وواعد بالاستيلاء على الدولة، الى باحث عن ضمانات لانقاذ المكتسبات التي حقّقها بسلاحه، في أكثر من 7 أيّار. 

 

شجّعوه على رفع سقفه فوق العادة، فأوكل الى قياداته النطق بكلام تهديدي ووعيدي عال، والى وكلائه تهشيم الطوائف والمذاهب والأشخاص، الموتى منهم والأحياء، وجعل من هؤلاء الوكلاء حفّاري قبور ودعاة انتقام وفتنة عارية. وبعدما ثبت لديه بالوجه الشرعي أنّ "جهوده" تناثرت وخطواته تعثّرت، عاد الى تلمّس المخارج من خطّ دمشق – الرياض، ومن انعطافة ايرانيّة "سلميّة" وحواريّة  نحو القيادات، مُكيلا المدائح  للقيادة السعوديّة، تاركا فقط بعض الصدى الأجوف يتردّد على بعض منابر بيروت وباريس.

 

اذا، نحن اليوم في مرحلة البحث عن بدائل الفتنة والحرب الداخليّة، وليس في الأفق ما يشير الى مكتسبات سياسيّة أو أمنيّة سيُضيفها "حزب الله" الى سجلّه الشخصي، فكيف بسجلاّت الملحقين به، وهي تمتلئ يوما بعد يوم بفضائح ماليّة ذات نكهة فساد عصري متطوّر، من تلزيمات للأقارب الى تحويلات للأصحاب والمستشارين، الى صفقات وسمسرات باسم الاصلاح. 

سجلاّت تنوء بالسوء، فمن أين يأتيها الخير والمزيد من الرصيد السياسي؟

 

في تاريخ الانقلابات نماذج ثلاثة: واحد يحصل ويفشل، ثان ينجح ثمّ يُطيحه آخر، ثالث ينكشف ويُجهَض قبل أن يبدأ.

انقلاب "حزب الله" جديد من نوعه، نموذج رابع لم يختبره العالم بعد، طالما أنّ في الأمر تدبيرا "الهيّا" يصنع الفرادات، ويؤسّس للمقاومات، ويُدرَّس في المعاهد والكلّيّات. 

انقلابه قائم، مستمرّ، متدحرج، منذ سنوات. اعتمد القضم قبل الانقضاض، وقد تسبّب القضم بسوء الهضم، فتثاقلت حركته، وثقلت همّته، ولم يعد قادرا على الانقضاض.

 

أصبح "حزب الله" الآن في حاجة الى من يُنقذه من بدانته: آلة ثقيلة أضخم بكثير من الجسم اللبناني الناحل. فكيف يحصل التلاقي والتكامل؟ وهنا جوهر المشكلة الآن.

لا يتصوّر عاقل أن يتحوّل لبنان الى عملاق مدجّج يهدّد الدول القريبة والبعيدة، وكأنّه وحده مسؤول عن تحقيق التوازن الاستراتيجي مع اسرائيل، والمنطق يفرض أن يتخفّف "حزب الله" من أوزانه الثقيلة، بما يحرّره ويحرّر لبنان معا، لانّ من الثقل ما قتل.

 

هنا يكمن الحلّ الذي يسعى العقلاء اليه. فلا السير بالانقلاب ممكن، ولا الفتنة متاحة، ولا اقتناص المكاسب في النظام والسلطة مفتوح. ولا يبقى الاّ برمجة الأدوار، وعقلنة الأحجام، وتقبّل احتمالات الاتّهام، فيعود لبنان الى توازناته العاقلة في الداخل، ودوره المتوازن في الخارج، ويتواضع أهل الأحلام الكونيّة وجبهات "المقاومة العالميّة"، قليلا.

 

أمّا صيغة الحلّ فموجودة وسهلة: هي تلك التي أكلها الغبار على طاولة الحوار، هي الاستراتيجيّة الدفاعية التي تصف العلاج لبدانة "حزب الله" وتُنقذ ماء وجه الانقلاب المقطوع. فهل أرادوا دفنها تحت ركام ملف "شهود الزور" والفتنة الممنوعة، وتوهّموا أنّهم ربحوا حين أداروا لها ظهورهم؟ هي طريق خلاصهم قبل الآخرين، وقبل أن تلتهم ألسنة التّهمة ما تبقّى من رصيد لا يزال يصلح للاستراتيجيّة اللبنانيّة، وليس للاسراتيجيّات الاقليميّة. وليتوقّفوا عن النفخ في أوهام أتباعهم، لئلاّ يسقط هؤلاء ضحايا، كالضفادع النافخة في أجسامها كي تُصبح ثيرانا!

 

السبت 20 تشرين الثاني 2010