حكومة انجازات!
بقلم/الياس الزغبي


الأكثر غرابة من مأزق الحكومة التي برئاسة نجيب ميقاتي "مبدئيّا"، هو تلهّف بعض وزرائها وأوساط رئيسها الى الحديث عن "انجازاتها". نعم، وبكلّ ثقة بالنفس، تحدّثوا عن انجازات في مهلة قياسيّة: أقلّ من شهر! وتعالوا نعدّ معهم هذه الانجازات: 3 جلسات منذ تشكيلها أرهقتها، فاستحقّت فترة راحة واستجمام. تعيين 5 في الادارة من أصل 100، فقط لتغطية الاستيلاء على الأمن العام. التمويل بسلفات خزينة كانوا يُعيبونه على الحكومات السابقة مع استمرار احتجاز أموال الاتصالات. الأخذ بما قرّرته حكومة الحريري لمعايير التعيينات، مع التحفّز لتقاسم المواقع وتناتش المغانم وتوزيع الكيديّات. توزيع الأدوار للتحايل على المحكمة والمجتمع الدولي، مع تلويح بالسلاح الصدىء "شهود الزور". كلام للميقاتي من فوق يقابله فعل لـ"حزب الله" من تحت، وجماعة "التحت" هم طبعا "الغالبون".

لكنّ الحكومة غابت فعلا عن الانجاز حيث يجب: وقفت شاهدة زور في الافراج عن الاستونيّين وبلعت لسانها عن الخاطفين وصفقة الحلّ. وقفت مراقبا هزيلا لأزمة الأرض في جرود جبيل والتصريحات الطائفيّة المثيرة، بدلا من الحسم بالقانون. وقفت عاجزة عن حماية الحقّ العام في الاعتداء على الأملاك من الضاحية وطريق المطار الى الجنوب، بل لم تحم القوّة التي انتدبتها لوقف المخالفات. تعاملت باستخفاف مع التعرّض الفجّ لمندوبيّ الاعلام والصحافيّين. تكتّمت على هويّة خارقي الأمن من ضاحية عمشيت الى الصفرا الى جواسيس الأمكنة العامّة وزوّار الفجر. لجمت فجورها الأسبوعي، بل اليومي، حول المحروقات والكهرباء والمال والفساد.. كأنّما الدنيا باتت في ألف خير، تحت العناية "الطاهرة".

سبحان الله كيف تَحلّ فضيلة الصمت على هذه الحكومة، كلّما تعلّق الأمر، أمنا أو سياسة أو قضاء أو مالا أو ادارة، بمرجعيّتها ووليّ نعمتها والوصيّ عليها! ويسألون عن المعارضة: أين هي اليوم، ماذا تفعل، ما هو برنامجها، وكيف ستواجه الحكومة بعجزها و"انجازاتها". صحيح أنّ السؤال محقّ وشرعي، ويطرحه أهل المعارضة قبل سواهم. والصحيح كذلك أنّ المعارضة لا تواجه اليوم "انجازات" خصومها، طالما أنّهم لم يُنجزوا شيئا يُذكر.

بل هي في مواجهة مشروع يبحث عن وسائل تنفيذه وقد بدأت طلائعها، وليست أمام محاكمة نيّات. والمواجهة في بدايتها أيضا: التصدّي لأصل المشروع، أي السلاح، وطرحه كأولويّة في أيّ حوار أو حلّ. ثمّ التصدّي لوسائل التنفيذ، بحركة نيابيّة واستجوابات، وبتحرّك حقوقي لتحصين المحكمة والعدالة الدوليّة. ولكلّ موسم لبوسه، والمواجهة مفتوحة، ولا خوف على حيويّة "ثورة الأرز"، ولو بدت أحيانا في حالة استرخاء أو خمول.

ولكنّ الذين يُعيّرون المعارضة بفقدان العصب والخطّة، ويُروّجون لضعفها، بل هزيمتها، فانّهم ينطلقون من أساس خاطئ: لقد تشوّهت فكرة المعارضة، في أذهانهم، وأصبحت مرادفة للعنف وقوّة السلاح. أصبحوا أسرى صورة قبيحة رسّختها "معارضة" 8 آذار في عقولهم، من قطع الطرق الى احتلال العاصمة الى القمصان السود المسلّحة، الى قلب المعادلات بالترهيب.

وحين يأخذون على 14 آذار ضعف معارضتها، فانّما يَقيسونها على قوّة سلاح "حزب الله". وهذا قياس خاطئ وظالم. اذ، لا يُغريها التشبّه، لا بحرائق 23 كانون الثاني 2007، ولا باجتياح 7 أيّار 2008، ولا بقمصان الشوارع في كانون الثاني 2011، ولا بفرض الصمت الثقيل على الحلفاء أو باغرائهم بفتات التعيينات. تستطيع قوى 14 آذار الاكتفاء بالمراقبة، عملا بالقول الصيني المأثور: اجلس أمام دارك وتأمّل عبور جنازة عدوّك. لأنّ أهل الحكومة يحملون أسباب سقوطهم في ذواتهم، وليسوا فرقة ناجية في غمرة الطوفان الاقليمي.

واذا كانوا يغالبون الوقت ويعاندون حركة التحرّر علّهم يستمرّون في السلطة بـ"انجازات" وهميّة، فانّ المعارضة مؤتمنة على انجازاتها الحقيقيّة، ولن تسمح بالتهامها. وفي أعماقها ثقة راسخة بأنّ ما بنته قادر على حماية نفسه بفعل انتسابه الى الحقّ والحياة. لكنّها ترعاه وتحضنه وتحميه وتنمّيه، بحراك لا يهدأ.  وتقطع له عهدا قريبا مع لبنان.

 الاحد 24 تموز 2011