خوفه الوحيد

بقلم/الياس الزغبي

يؤكّد السيّد حسن نصرالله، مرّة بعد مرّة، أنّ حزبه لا يخاف شيئا، لا المحكمة الدولية، ولا سواها. ولكنّ ظهوراته المتتالية تشي بالعكس، ولم يستطع، في ظهوره الأخير، مغالبة توتّره الواضح تحت هدوئه الموجّه والمدروس.  

ماذا يُقلق قيادة "حزب الله" الى هذا الحدّ، وهي التي لم تُقم وزنا أو حسابا لكل نتاجات السياسة الدولية، وطالما هزئت من كيان الأمم المتحدة، ومن مفهوم "المجتمع الدولي" و"الشرعية الدولية"؟

كلّ التعليقات والقراءات التي أعقبت كلام نصرالله أجمعت على أنّه وجّه رسائل ثلاثا، على الأقلّ، الى كلّ من "14 آذار" قيادة وشعبا، والى الرئيس سعد الحريري بصفتيه الرسمية والعائلية، والى المحقّق الدولي والمحكمة الدولية لكونهما المؤتمنين على الحقيقة والعدالة.

في الواقع، لم تكن تلك رسائل الى الجهات الثلاث، بل تحذيرات وانذارات مباشرة وحادّة، تحت ستار الطلبات والتمنّيات والنصائح، وليس هذا هو أسلوب الرسائل، ولا لغة التعامل السياسي مع شركاء في الوطن، أو وكلاء في القضايا الدولية.

الرسالة الوحيدة التي تضمّنها مؤتمره الصحافي كانت موجّهة بوضوح الى سوريا، على أساس أنّ الرسالة البليغة تكون مرمّزة، وتتمّ قراءتها بين السطور.

نعم، كان هناك مرسل اليه واحد، تحت كل هذا الصخب في وجه نصف الشعب اللبناني على الأقلّ، برموزه وقياداته وأهدافه وقناعاته، وفي وجه الأمم المتحدة بمؤسساتها ونظمها وقوانينها، هو الرئيس السوري بشّار الأسد.

ورسالة نصرالله الى الأسد واضحة: لقد ساندناك حين كنت تحت الاتّهام، وأقمنا لك مهرجان "شكرا سوريا"، وعقدنا على اسمك تجمّع "8 آذار"، وحافظنا على نفوذك في غمرة الحصار العربي والدولي عليك، ونفّذنا كل ما طلبت وتمنّيت، حتّى أنّنا التزمنا وصفك غداة حرب تمّوز بـ "المنتج الاسرائيلي" من تفتح لهم أبوابك اليوم، فما بالك الآن تتركنا في محنة المحكمة وذروة الاستهداف؟

خصّص نصرالله نصف وقته للحفر في ما تعرّضت له سوريا في لبنان بعد سنة 2005، ولم ينسَ الكبائر ولا الصغائر، فقدّم جردة كاملة لم يُهمل فيها أيّ تفصيل، بما في ذلك الاعتداء على عمّال سوريين. وبإشارته الى ارتياحه لتحييد التّهمة عن سوريا وحلفائها (وقد استثنى نفسه من بينهم)، لم يُخفِ مرارة مكتومة وصدمة خرساء، من برودة سوريّة في مسألة المحكمة، بدت جليّة في تعليق وزير الخارجية السوري وليد المعلّم على هامش الزيارة الأخيرة للرئيس الحريري الى دمشق، ولم تخفّف منها لاحقا تصريحات مصدر سوري رفيع.

بالتأكيد لا يرتاح "حزب الله" الى مسار العلاقات بين لبنان وسوريا على أساس المؤسسات والصفة الرسمية، ولا يرتاح الى نمو العلاقة الشخصية بين الأسد والحريري، ولا يرتاح الى صورة وزيرين من "القوّات اللبنانية" في قصر الرئاسة السورية، ولن يرتاح لمشهد المصافحات المحتملة في قصر بعبدا بين الأسد وسمير جعجع وأمين الجميّل وقيادات مسيحيّة وسنّية في "14 آذار".

معه حقّ السيّد نصرالله في تأكيده أنّه لا يخاف شيئا.

هو لا يخاف من "14 آذار" والحريري والسنّة... والأصوليات. لقد جرّبها وتفوّق عليها بمقاتليه وترساناته وسرعة حركته في الأزقّة والأحياء، واختباره الفتن الأهليّة.  

هو لا يخاف من المحكمة الدولية. عنده ما يكفي من العتاد، والاعتداد، كي يحمي عناصره، ويحصّنهم ضدّ أيّ محاولة لاعتقالهم.

هو لا يخاف من اسرائيل. يؤمن بأنّه حقّق توازن الرعب والردع معها، وبينه وبينها حسابات وسندات، أو اسنادات. 

هو لا يخاف من العالم العربي. يرى أنّه عالم خانع وهزيل، ومبادرته للسلام ورقة في الريح.

هو لا يخاف من أوروبا. وصَمَها بالضعف والعجز في عقيدته - وثيقته الجديدة.

هو لا يخاف الشيطان الأكبر، أميركا. يعتقد أنّه هزم مشروعها، من لبنان وغزّة والعراق وأفغانستان، الى فنزويللا وكوبا وكوريا...

ممّ يخاف "حزب الله"، اذا؟ ولماذا هذا التهافت على الكلام وتكثيف الحملات الاعلامية، اطلالة بعد اطلالة، وتصعيدا اثر تصعيد، وتهديدا على وعيد؟

ببساطة، ابحثوا عن سر هذا الخوف في دمشق، بوّابة التوجّس أو الاطمئنان، مالكة الطلاسم ومفاتيح السمسم. كلّ دفاتر "حزب الله" مودعة في خزائن النظام السوري، والعكس ليس صحيحا.  

شيء واحد يُربك "حزب الله" ويُقلقه: أن يُفتح بعض دفاتره، وينزاح الغطاء السوري.

الى هذا الغطاء، يوجّه رسالته، خوفا من برد الانكشاف. والحضن الايراني الدافىء... بعيد.

 

الاحد 25 تموز 2010