التغيير الحقيقي

بقلم/الياس الزغبي

 

"كلّ شيء يتغيّر، لأنّ لا شيء تغيّر".

 

منذ أن أطلق المفكّر الفرنسي "جان – فرانسوا كان" مقولته هذه قبل 15 سنة، هزّت العالم تغييرات وتطوّرات عميقة وخطيرة تحت ستار الاستقرار الدولي وانتهاء الحروب الكبرى.

 

تحت "الستاتيكو" دارت وتدور ديناميّات سياسيّة واجتماعيّة واقتصاديّة حاسمة، لم تسلم منها دولة، على رغم استنقاع أنظمة بعضها، وتكلّس اداراتها وحكّامها.

 

ولم يسلم لبنان، بدوره، من هذه الظاهرة، بل لعلّه الأشدّ تأثّرا بالتغيير، على رغم كلّ المظاهر المعاكسة، وحالة الجمود والمراوحة في المشهد الأمامي.

 

ثلاثون سنة من الأزمات والحروب لم تستطع تغيير جوهر لبنان ونظامه وهوّيته، ولم يكن اتفاق الطائف الاّ تكريسا للأصل والمبدأ، على أهمّيّة التعديل الجزئي الذي أدخله في التوازنات والصلاحيّات وصيغة الحكم.

 

ولكنّ السنوات الخمس الأخيرة حملت معها، على كفّ "حزب الله"، نذائر تغيير جذري ينسف النظام والتوازنات والهوّية، ويقطع مع التاريخ والمعنى والرسالة، ويضع لبنان في مدار جديد غير مداره المعهود. 

 

ونحن اليوم في مرحلة تراجع هذه النذائر، وتهافت الانقلاب قبل تنفيذه، بعدما كان قد قضم شيئا من التوازن، وشيئا من الاستقرار، وشيئا من العيش المشترك، في 7 أيّار ووليده صكّ الدوحة.

 

وليس أدلّ على انكفاء الخطر من لجوء "حزب الله"، ولو متأخّرا، الى نفي رغبته في الانقلاب، وتلميحه الى "تنازلات" لم تكن ترد على لسانه وفي أدبيّاته، مرّة واحدة، عبر صلفه السياسي واستكباره العسكري، في المراحل الأخيرة.

 

واذا كانت هذه هي الحال، مع سقوط الانقلاب، فأين هو التغيير اذا؟

 

وكيف يكون لبنان يتغيّر، طالما أنّ لا شيء تغيّر، وطالما أنّ مشروع "حزب الله" لم ينجح؟

 

في الواقع، انّ أهمّ تغيير في لبنان هو اللاتغيير.

 

فكي يستمر لبنان حاملا معناه ورسالته، وكي يبقى وفيّا لذاته وتاريخه وتوازناته، ويظلّ نموذجا للتنوّع السلمي الخلاّق في عالم مأزوم ثقافيا واجتماعيّا، كان لا بدّ من سقوط مشروع "حزب الله".

 

والمهمّ أن يسقط المشروع بدون سقوط ضحايا، وهو ما يحصل حتّى الآن، فتحول الحسابات العاقلة دون الانزلاق الى الساحة القاتلة، لأنّ لبنان عصيّ على التغيير بالقوّة، وقدره ألاّ يتغيّر الاّ ضمن ثيابه، وفي جلده، وعلى ثوابته وركائزه.

 

ما يُفرح اللبنانيّين على عتبة سنتهم الجديدة، أنّهم يتلمّسون بشائر التغيير الحقيقي، بابتعاد شبح "التغيير" المزيّف.

 

نعم، تغيير حقيقي ألّا يحصل التغيير الخطير الذي كان على الأعتاب، ويدقّ الابواب.

 

فحين يكون التغيير نحو الأسوأ، تُصبح المحافظة على الواقع انجازا وانتصارا. وحين يكون الابن رديئا، يجب الترحّم على الأب. وحين يبتعد المرض القاتل يبقى الجسم سليما، أو قابلا للعلاج الهادئ، على الأقلّ.

 

قد يكون التفاؤل في تلاشي الخطر محفوفا بمحاذير الشرّ الكامن، والحنق المقموع لدى النافخين في أبواق الانتقام، وبينهم رسل لشيطان الفتنة تغصّ بهم الشاشات والصفحات.

 

لكنّ اللحظة الفضلى للقوّة الدافعة للانقلاب، أو ما يُعرف بالـmomentum ، انقضت، وهناك شبه استحالة أن تعود.

 

ولعلّ الطموح الأقصى لدى أهل الهوس الانقلابي هو الآن حماية ما حقّقوه بفعل السلاح، من التآكل والذوبان، مقابل وقف استخدامهم مصالح الناس وهمومهم متراسا للتعطيل، من باب الكيد والغضب، ليس الّا. وهذا ليس قليلا، ويتطلّب وقتا وصبرا للمعالجة. وهنا يكمن جوهر التغيير السليم. والكلمة الأصحّ هي التطوير.

 

صحيح أنّ ما بعد العاصفة ليس كما قبلها، والسنة الطالعة ستكون من قماشة أخرى، ولكنّها، بالتأكيد، ليست من النسيج الغريب العجيب الذي كان يُعدّ للبنان.

 

مدهش هذا اللبنان، كيف يحتوي الصدمات، ويستوعب الأزمات، ويروّض المغامرين.

 

ولو بكثير من العذاب والدموع والدماء.

 

الاحد 26 كانون الأول 2010