وأين سوريّا؟

بقلم/الياس الزغبي

 

كلّ الدول والقوى، العربيّة والاقليميّة والدوليّة، بما فيها ايران، تنخرط في السباق اللبناني الصعب بين العدالة والاستقرار، وتحدّد مواقفها وتكشف اتجاهاتها، الاّ سوريّا التي تلعب لعبة البدائل، وكأنّ ارتباكها بلغ درجة التحفّظ الكبير، بما يفرض عليها سياسة اللطو وراء حركة الدول الأخرى، وتحديدا حركة تركيّا وقطر وايران وفرنسا.

 

وتبدو دمشق مستفيدة من تباطؤ السعي السعودي بفعل الوضع الصحّي للملك عبدالله بن عبد العزيز، كي تتّضح لها نتائج ما يدور بين الرياض وباريس والدوحة وطهران وأنقرة، وواشنطن في العمق، فلا تقع في حرج الموقف المتسرّع، ولا يبقى أمامها سوى الانسجام السهل مع ما تكون قد رست عليه مساعي هذه الدول.

 

الواضح أنّ سوريّا ترصد بدقّة التحوّل الهادئ لحليفتها الأصيلة ايران، وحليفتها البديلة تركيّا، وحليفتها الوكيلة قطر، وتعاين باهتمام تراجع "جبهة المقاومة والممانعة"، والحالة المقلقة لحلفائها، وعلى رأسهم "حزب الله"، وتهافت وسائلهم لضرب المحكمة، الواحدة تلو الأُخرى، بما فيها "سلعة" شهود الزور، والتسريب الأخير من بلاد المحقّق الدولي دانيال بلمار، والتهديد بسيف الفتنة والانقلاب.

 

قد تكون هذه السياسة السوريّة جديدة من نوعها في تاريخ العلاقات بين بيروت ودمشق، في مراحل صعودها وهبوطها، وفي التباساتها ومآزقها.

 

ولعلّها المرّة الأُولى يعتمد النظام السوري أسلوب الوسائط الاقليميّة والدوليّة مع لبنان، حتّى أنّ العاصمة السوريّة أوقفت منذ مدّة تدفّق الزوّار اللبنانيّين، وحجبت عن الاعلام الزيارة الأخيرة للرئيس سليمان ووضعتها في اطار "خاص"، ولجمت، أو على الأقلّ، فرملت ألسنتها المباشرة وغير المباشرة في لبنان، فكادت تغيب الغزوات والغارات التلفزيونيّة المشحونة، وأوعزت الى أصفيائها بالتحرّك نحو العواصم الرديفة، لاسيّما قطر، والتخفيف من قدّ المراجل.

 

هذا السلوك السوري حتّمته وقايتان:

 

-  وقاية من الحرج تجاه ورطة "حزب الله" شريك سوريّا في كلّ اجراءات المرحلة السابقة و"قراراتها"، قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري ومعه وبعده، فكان لا بدّ من اللطو وراء دور ايران وترقّب مآله، ووراء حراك أنقرة والدوحة، مع المحافظة على ما تمّ بناؤه مع السعوديّة، وما وعدت به ادارة ساركوزي. 

 

- والوقاية الثانية هي التحصّن وراء الربط من جديد مع فرنسا، بوّابة الأمل مع أميركا وجسر العبور اليها!  والزيارة القريبة للرئيس السوري الى باريس تصبّ حكما في هذا الاتجاه.

 

في الحسابات السوريّة طلب الدفء من وهج المحكمة الدوليّة، بدلا من الاحتراق بنارها. ولتكن كلّ التبعات على عاتق الحلفاء داخل لبنان وخارجه، فلا بدّ من فكّ الارتباط بمصير "حزب الله"، والشاطر من يُنقذ رأسه عند عصف الرياح، ومن يتملّص من دفع الفواتير المتراكمة، أو على الأقلّ تخفيض أرقامها.

 

ولم يعد من الصعب توقّع عمليّة خلط أوراق كثيرة.

 

اذا كانت ايران، صاحبة المشروع السياسي الامبراطوري الاقليمي، تُعيد حساباتها وتؤسّس لعلاقات جديدة، فكيف يبقى وكلاء المشروع خارج الصفقة الكبرى؟

 

وهل من يؤكّد أنّ "المبدئيّة" الايرانيّة ستصمد طويلا أمام "البراغماتيّة" التاريخيّة الموصوفة؟ فكلّ المؤشّرات تومئ الى غلبة الثانية، بعدما لمست طهران بالدليل القاطع انفراط عقد "جبهتها" العالميّة من تركيّا الى فنزويلا والبرازيل، وتبدّد هلاميّة "جبهة مقاومة الشعوب" التي حلم بها أحمدي نجاد ذات خريف لبناني جنوبي عابر.

 

دمشق وطهران تنسجان مصالحهما، من لبنان الى العراق... ولاهاي.

 

والسؤال سيبقى معلّقا فوق الرؤوس الحامية لأتباعهما، خصوصا أولئك الراكضين بأسرع ممّا تقوى عليه أرجلهم، والنافخين بأبواق خرج منها الصوت، وبقي الصدى.

 

السبت 27 تشرين الثاني 2010